​ثم ماذا​ المؤلف خالد الفرج


قُمْ فَقَدْ لاحتْ تباشيرُ الصباحْ
كبياضِ العينِ في كحلِ الجفونْ
واعتلى الديكُ جداراً ثم صاحْ
قائلاً هل يستفيقُ النائمونْ
وترى الطلَّ على ثغْرِ الأقاحْ
دمعةَ الأفراحِ في سِحْرِ العيونْ
هل رأيتَ السِّرَّ إذْ أخفى الملاحْ
هي شمسُ اليومِ في الغيمِ الهتونْ
هي هذي طَلَعتْ فوق الغيومْ – تتهادى
والعصافيرُ على الروضِ تحومْ – تتنادى
قُم فإنَّ الناسَ قاموا للمعاشْ
فاسمعِ الضوضاءَ في جوِّ البلادْ
يطلبونَ المالَ كالهَيْمِ العِطاشْ
في نعيمِ الوَرْدِ في شَوكِ القتادْ
باحتيالٍ ونشاطٍ وانتعاشْ
للعُلا للمجدِ أو جمعِ التلادْ
فعلى ما أنت في ذا الانكماش
كَسَلٌ ما أنت فيه أمْ رقادْ؟
أنظرِ الكلَّ وَسِيما الاهتمامْ – في المحيّا
لاقتحامٍ، لاصطدامٍ، لازدحامْ – قد تَهَيّا
قُم فقد حانتْ سويعاتُ الأصيلْ
باصفرار الشمس إبّان الغروبْ
بنسيمٍ ساعةَ العصرِ عليلْ
يُذهِب الهمَّ ويُنسيك الكُروبْ
وترى القومَ زرافاتٍ تجولْ
في رياضٍ عنهم تنفي اللُّغوبْ
وخيالُ الليلِ في ظلِّ النخيل
يُحدِث الرَّهْبةَ في قلبِ الغريبْ
وعلى الساحلِ أسرابُ الظبا – تتبارى
وشعاعُ الشمسِ في خلفِ الرُّبى – يتوارى
قُمْ فقد أطبقَ جفنيهِ النهارْ
وأتى الليلُ بأستارِ الظلامْ
والدَّرَارِي كابتساماتِ الصِّغارْ
نثْرُها أجملُ من كلِّ نظامْ
كم تُباريها عيونُ الاعتبارْ
ويُنَاجيها المحبُّ المستهامْ
نامت الأطفالُ إذ قام الكبارْ
بعضُهمْ مِن أجلِ بعضٍ لا ينامْ
فنرى اللصَّ كَسِنَّورِ الظلامْ – يَترقَّبْ
وترى البائسَ من ظلمِ الأنامْ – يتقلّبْ
ثُمَّ ماذا؟ أَلِهذا لا تزالْ
تُقلِقُ السابحَ في أحلامِهْ
هي أحلى لي وإن كانتْ خيالْ
من عناءِ الدَّهرِ أو آلامِهْ
إن دنياكَ وأحلامي كآل
كلُّنا يسبحُ في أوهامهْ
ما الذي قد قلت؟ ما هذا الخيال؟
ما لنا والدهر في أيامهْ
لِمَ هذا الكدُّ والموتُ قريبْ – لِمَ هذا؟
ونجومُ الليلِ والشمسُ تغيبْ – ثمَّ ماذا؟
كُلَّما قُلتَ جُنونٌ في جُنونْ
أَجَمالٌ بَعْدَه يأتي ذبولْ؟ْ
أو غِنى يُذهِبُه دَهْرٌ خَؤونْ
أو دَراري سوفَ يُخفِيها أُفولْ
أو حياةٌ سوفَ تُمنَى بالمنونْ
أَلَكُمْ – يا مَعْشَرَ النّاسِ – عقولْ؟
أنا لو خُيّرتُ فيها أن أكونْ
قطُّ ما أختارُ ألعاباً تزولْ
لي أحلامي، وأحلامُكَ سودْ – في الشقاءْ
إنني أنشدُ ما فيه الخلودْ – والبقاءْ.