جاءتك خاضعة أعناقها الأمم

جاءتك خاضعة أعناقها الأمم

​جاءتك خاضعة أعناقها الأمم​ المؤلف ابن دارج القسطلي


جاءتك خاضعة أعناقها الأمم
مستسلمين لما تمضي وتحتكم
واسترهنتك ملوك الأرض أنفسها
ما استنفد البأس أو ما استدرك الكرم
فليهن سيفك أن الكفر منقصم
بهبتيه وأن الدين منتظم
فهل ترى للعدى في الأرض باقية
إلا حشاشة من يبكي ويلتدم
هذي قواصي ملوك الشرك مذعنة
تنبا وتعلم أن الشرك يصطلم
وراسيات جبال الكفر يخبرنا
هويها أن ذاك الطود منهدم
فل لسيفك في أقصى بلادهم
بك استعاذوا ومن كراتك انهزموا
فشلهم طارد الذعر المطيف بهم
حتى أجارهم في ظلك الحرم
معتسفين سهوب الأرض قد جهلوا
من كل آنسة الأقطار ما علموا
معاهد قدت فيها الخيل فانقلبت
مثل الربوع محا آثارها القدم
عفت معالمها من بعدهم سحب
صوب الصوارم منها والقنا ديم
لا يسألون لها رسما بقاطنه
إلا أجابتهم الأشلاء والرمم
ولا تخب مطاياهم على بلد
إلا استثيرت بأدنى وخدها اللمم
غادرتها موحشات بعد آنسها
والأرض خاوية منهم بما ظلموا
لئن تناهى بهم أفق فشط بهم
لشد ما حملتهم نحوك الهمم
حتى رموا بعصا التسيار فامتسكوا
حبلا من الملك المنصور واعتصموا
ألقوا إليك بأيدي الذل فاعتقدوا
عهدا من الأمن محفوظا له الذمم
وجاهدوا عفوه عن أنفس علمت
أن الحياة لها من بعض ما غنموا
يمشون في ظلل الرايات تذكرهم
أيام تغشاهم العقبان والرخم
من كل أغلب محذور بوادره
يساور الريح أحيانا ويلتهم
وكل فتخاء ماض حد منسرها
كأنه نحو أكباد العدى قرم
وأرقم يتلوى نحو أرؤسهم
حتى يكاد لها في الجو يلتقم
والأسد تزأر والرايات خافقة
كأنها مثبتات في قلوبهم
والخيل منظومة بالخيل لا كتب
منها لغاية ذي سعي ولا أمم
والأرض من رهبة الأبطال مائدة
والجو من رهج الفرسان مزدحم
والسمر في هبوات النقع ثاقبة
والبيض في قرب الأغماد تضطرم
كأنما ملأت رحب الفضاء لهم
غلب الضراغم والغابات والأجم
وأولياء الهدى والدين قد ستروا
من أوجه بسناها الخطب يبتسم
تعمموا بإياة الشمس واشتملوا
رقراق نهي سراب البيد والتثموا
كأنما تتلالا في رؤوسهم
وقد توافوا أياد منك أو شيم
وشيعة الكفر في مثنى حبائلهم
تصدق العيش أحيانا وتتهم
حتى تراءاك من أقصى السماط وقد
شيم الحمام وسيف العفو محتكم
ممثل في هواديهم وأرؤسهم
ما عودت منهم المصقولة الخذم
لما انتضيت سناها في مفارقهم
خرت سجودا لك الأعناق والقمم
وأوجه عفروها الترب خاضعة
كأن كل جبين منهم قدم
فإن يفض بحرك المحيي لهم فلقد
جازوا الصفوف وموج الذعر يلتطم
أو عاينوا البدر في أعلى منازله
فقد أحاطت بهم من دونه ظلم
فإن عفوت ففي الرحمن مؤتلف
وإن سطوت ففي الرحمن منتقم
واسلم ولا برحت فيهم لنا نقم
تترى بهم ولك الآلاء والنعم