جم لها الوادي وعز الذائد
جمَّ لها الوادي وعزَّ الذائدُ
جمَّ لها الوادي وعزَّ الذائدُ
و طاب ما حدثَ عنها الرائدُ
فخلها راتعةً مجرورةً
وراءها الأرسانُ والمقاودُ
يخلفُ ما استسلفَ من جراتها
كهلٌ أثيثٌ ومعينٌ باردُ
حيثُ المغيرُ لا ينالُ فرصةً
منها ولا يطمعُ فيها الطاردُ
تذبُّ عنها من سماتِ ربها
صوارمٌ ليس لها مغامدُ
إذا بدت في عنقٍ أو حاركٍ
فهي عليها أعينٌ رواصدُ
و نمْ فقد حرمها هذا الحمى
و ضمها وهي دخان شاردُ
و أعجزَ الناسَ جميعا رعيها
فاليومَ يرعاها جميعا واحدُ
أروعُ لا يغلبه المكرُ ولا
تدبُّ في حريمه المكايدُ
أعارها عينا فكانت عوذةً
لها وشيطانُ الزمان ماردُ
أفرشها كافي الكفاةِ أمنهُ
فالظلُّ سكبٌ والنسيمُ باردُ
دانَ بتاجِ الحضرةِ الدهرُ لها
و حلَّ حبلَ الذلَّ عنها العاقدُ
و صدقتْ أن الربيعَ بعدها
بوارقٌ من يده رواعدُ
غاصتْ غصونُ المجد تحتَ مائها
فأورقَ الذاوي وقام المائدُ
و ضحكَ القاطبُ من وجه الثرى
و سالَ وادي المكرماتِ الجامدُ
و بشرَّ الفضلُ بقايا أهلهِ
لا تقنطوا في الناسِ بعدُ ماجدُ
نقل لأبناء الطلاب والمنى
و الحاجِ ضاقتْ بهم المقاصدُ
يتاجرون المجدَ فتخيسُ في
أيديهم البضائعُ الكواسدُ
تضمكم حنوتهُ وأنتمُ
عزونَ في الآفاق أو بدائدُ
زمَّ الأمور فلوى أعناقها
ساعٍ إلى الغايات وهو قاعدُ
و دبرّ الدنيا على علاتها
فصلحتْ والدهرُ دهرٌ فاسدُ
ماضٍ له من عزمه مجردٌ
يذبُّ من جهلِ الزمانِ غامدُ
يرى بوجهِ اليوم صدرَ غدهِ
تعطيه ما في المصدرِ المواردُ
لا يأخذ التدبيرَ إلا من علٍ
فالناسُ ينحطونَ وهو صاعدُ
رأى انتهاءَ مجدهِ مبتدأً
لما أعانَ الكفَّ منه الساعدُ
أسهرهُ حبُّ العلا منفردا
و هو على ظنَّ العيون راقدُ
جدَّ وقارا والزمانُ هازلٌ
و جادَ عفوا والسحابُ جامدُ
و لاحَ في الملك شهابا فوري
زنادهُ والملكُ نجمٌ خامدُ
منتصرا بنفسه لنفسه
كاليث يشري مالهُ مساعدُ
لا يملكُ الحفظُ عليه أمرهُ
و لا تفري حلمه الشدائدُ
ينهضه الكمالُ من اثقالهِ
بأوسقٍ تلفظها الجلامدُ
مدَّ على الدولةِ من جناحه
ما مدَّ عطفا لبنيه الوالدُ
حتى استقامتْ وهي بلهاءُ الخطا
عمياءُ ما بين يديها قائدُ
كم قدمٍ قبلكَ قد زلتْ بها
ضعفا وكفًّ لم يعطها الساعدُ
و ضابطٍ لم يغنهِ لما طغتْ
أدواؤها التجريبُ والعوائدُ
يحرسها وليس من حماتها
مثلُ الشغا ينقصُ وهو زائدُ
جاءت على الفترةِ منه آيةٌ
معجزةٌ قامت بها الشواهدُ
موهبةٌ فاجئةٌ لم تحتسبْ
و لم توفهْ بها المواعدُ
كنتَ خبيئا ترقبُ الأيامُ في
إظهارهِ الميقاتَ أو تراصدُ
كالنارِ في الوند تكون شررا
بالأمس وهو اليومَ جمرٌ واقدُ
فأبرزتك للعيونِ كوكبا
يزهرُ لم تجرِ به العوائدُ
يفديك محظوظون وجهُ عجزهم
بغلطِ النعمة فيهم شاهدُ
قد سرق الدهرُ لهم سيادةً
ليس لها من المساعي عاضدُ
تنافرُ الأقلامُ عن أيمانهم
و تقشعرُّ منهم الوائدُ
لم ينظموت المجدَ كما نظمتهُ
و لا حلتْ عندهم المحامدُ
و لا أعان طارفا من حظهم
مجدُ أبٍ مثلِ أبيك تالدُ
و خيرُ من شاد الفخارَ رافعٌ
أسرتهُ لما بنى قواعدُ
و بعضُ علياءِ الفتى مكاسبٌ
بنفسه وبعضها موالدُ
و ليهنكَ الأمرُ الذي ذلَّ به
لك العزيزُ وأقرّ الجاحدُ
ولانَ في يديك منهُ مرسٌ
ملاوذٌ من رامهُ محايدُ
ينقصُ من قدرك وهو فاضلٌ
على وسيعات الأماني زائدُ
و مشرفاتٌ فضلٌ لبستها
تزلقُ عنها المقلُ الحدائدُ
كلبدةِ الليثِ سطا وحسنها
كالوشي تكساهُ الدمى الخرائدُ
لو كانت الأفلاكُ أجسادا لما
كان لها من مثلها مجاسدُ
باطنة وظاهر جمالها
فالحسنُ منها غائبٌ وشاهدُ
تسحبها في الأرضِ ولفخرها
معالقٌ في الجوّ أو معاقدُ
و كالسماء عمةٌ صبغتها
قد جاءها من الزمان وافدُ
مقدودةٌ منها ومن نجومها
في طرفيها سائرٌ وراكدُ
إن لم تكن تاجاً فقد أكسبها
نورك ما لم يكسَ تاجاً عاقدُ
و ضاربٌ إلى الوجيهِ عرقهُ
بأربع تشقى بها الأوابدُ
من اللواتي نصرتْ آباءها
في السبق أمهاتها الردائدُ
و صبحتها بالصريفِ علباً
قبلَ عيالِ ربها الولائدُ
خاضَ الظلامَ فاهتدى بغرةٍ
كوكبها لمقلتيه قائدُ
يجاذبُ الريحَ على الأرض ومن
قلائدِ الأفقِ له قلائدُ
حليٌ من التبرِ إذا خفَّ بها
أثقلَ فهو تحتها مجاهدُ
ينصاعُ كالمريخ في التهابهِ
و أنت فوق ظهره عطاردُ
غرائبٌ من الحباءِ جمعتْ
بها لك الفواركُ الشواردُ
تبرعَ الملكُ بها مبتدئا
و كلُّ بادٍ بالجميل عائدُ
قد كنتُ عيفتُ لك الطيرَ بها
مستيقظا والحظ بعدُ هاجدُ
و برقتْ لي في المنى سيوفها
من قبلِ أن تبرزها المغامدُ
علما بما عندك من أداتها
و أنها سيفٌ وأنت ساعدُ
فلم يخنيَّ فارسُ الظنَّ ولا
غرتني المخايلُ الشواهدُ
و بعدُ لي فيك رجاءٌ ناظرٌ
إلى السماء وحسابٌ زائدُ
حتى يشقَّ للزمان رمسهُ
و أنت باقٍ والعلاءُ خالدُ
بك استقاد الفضلُ ودماؤه
مطلولةٌ وعزَّ وهو كاسدُ
نصرتهُ والناسُ إما جاهلٌ
بحقه أو عارفٌ معاندُ
و رشتَ من أبنائه أجنحةً
طار حصيصا ريشهُ البدائدُ
تعطي وأنت معدمٌ وإنما
يعطي أخوك البحرُ وهو واجدُ
زرعتَ عندي نعمةً سالفةً
أنت لهذا الشكر منها حاصدُ
عطفا على ذكرى ووصفا فخرهُ
باقٍ عليَّ والزمانُ بائدُ
و نظرا بدأتني برأيه
لو أن باديه إليّ عائدُ
لكن أردتَ الخيرَ لي ودونه
حوائلٌ من زمني حوائدُ
فهل لأرضى لك أن تبلها
على الجدوب سحبك الجوائدُ
غرستُ منك بالولاء والهوى
غرسا فماذا أنا منه حاصدُ
أنظر فقد قدرتَ في مظلمةٍ
كنتَ على إنصافها تعاهدُ
و اقض ديونَ المجد فيها وارعَ لي
ما تقتضي الأواصرُ التوالدُ
و لا تكن حاشاك من معاشرٍ
تخذلُ أقوالهم العقائدُ
كانوا يدي وريحهم راكدةٌ
و أسرتي والحظُّ عنهم عاصد
فحين هيت عاصفا رياحهم
قلَّ الوفيُّ ونأى المساعدُ
غنيتُ أنْ أسكرني جفاؤهم
و في غنائي لهمُ عرابدُ
و بخلاء لا تهنا نعمةٌ
همُ اليها السبلُ والمقاصدُ
إذا كرمتَ لؤموا سفارةً
و إن قربتَ فهمُ أباعدُ
تغالقُ الأرزاقُ أيمانهمُ
تضجُّ من مطلهم المواعدُ
لا يرتجى حكمُ القريض بينهم
و لا يخاف اللغوُ والعرابدُ
و كيف أبغى في النبيط منهمُ
و العجمِ أن تنفعني القصائدُ
تلافَ بالفضل الوسيعِ ما جنى
مسلمهم عليّ والمعاهدُ
حاشاك يشقى واحدٌ بفضلهِ
على زمانٍ أنتَ فيهِ واحدُ
قد طال صوني سمعك المشغولَ عن
بثك ما ألقى وما أكابدُ
و نقبتْ جسمي وقلبي صابرٌ
من زمني نيوبهُ الحدائدُ
و لم يدعْ تحت الخطوب فضلةً
فيّ تدبُّ نحوها الأوابدُ
و أعوزَ المقامُ أن أسطيعهُ
و سددتْ عن سيريَ المقاصدُ
أيقتلُ الزمانُ مثلي هدرا
و أنت ثأري والزمانُ عامدُ
أنت بفضلي شاهدٌ فلا أمتْ
هزلاً وتضييعا وأنت شاهدُ
أكدْ مع الإثقالِ نحوي نظرةً
تنعشني لحاظها الردائدُ
لعلها يا خيرَ من يدعى لها
تصلحُ شيئا هذه المفاسدُ
و ابتعْ بها الشكرَ فعندي عوضٌ
تضمنهُ القواطنُ الشواردُ
كلّ مطاعٍ أمرها مسلطٌ
في الشعر ملقاة لها المقالدُ
سائرة تنشرها الركبانُ أو
عامرة بذكرها المشاهدُ
ترى الكلامَ عجزاً وطرفاً
و كلها وسائطٌ فرائدُ
إذا رأتْ عرض كريمٍ عاطلا
فهي له العقودُ والقلائدُ
تحملُ من وصفك ما يحملهُ
عن روضة الحزنِ النسيمُ الباردُ
طالعة بها التهاني أنجما
ما كرّ نوروزٌ وعيدٌ عائدُ
يفنى بنو الدنيا وأنت معها
باقٍ على مرّ الزمان خالدُ
تبقى عليك والذي نأخذهُ
من الجزاءِ مضمحلٌ بائدُ
محامدٌ يحسدك الناسُ لها
و الناسُ إما حامدٌ أو حاسدُ.