حاضر المصريين أو سر تأخرهم/مقدمة

​حاضر المصريين، او سر تأخرهم​ المؤلف محمد عمر


اهداء الكتاب

اتشرف بأهداء كتابي هذا لرب المآثؤ الجميلة وعنوان الشرف والكمال والفضيلة الوزير الأعظم عطوفتلو أفندم

مصطفي فهمي باشا الأعظم

رئيس الوزارة المصرية الجليلة الساهر لايقاظ ما ندرس من شريف عاداتنا المجدد لما خلق من ثياب آدابنا ومعارفنا فلا زال للوطن نصيرا ولرفعه شأنه ظهيرا وللأمة بأسرها كعبة آمالها ونقطة امتداد حياتها المادية والأدبية، آمين

المحسوب
محمد عمر
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاه على رسوله
وبعد فان أنفع العلوم علم يهدي الباحث فيه الى حال امته الذي هو فرد منها من صعود وانحطاط ورشد وغواية وتفرق وائتلاف وخلل ونظام فاذا رآها في مصاف ذوي الصفات الصالحات جد معها في شوطها وافتخر بانه كان واحدا من تلك الأمة الراقية والقوم الصالحين واذا رآها في الدرك الأسفل من سوء الأعمال وقلة المال وتخاذل الرجال هرع إلى الإصلاح يلتمسه لها من بابه واجتهد في تبيين النافع من الضار ضاربا الأمثال بأحوال مجاوريها من الأمم وما كانوا فيه وأسبابه وما صاروا إليه وابوابه، مفصلا علل التأخر موضحا وسائل التقدم مشجعا على الانتقال من حال إلى حال معيرا بالبقاء على ما ظهر ضرره مشخصا للداء معينا للدواء مذكرا بالآباء الأولين والأجداد السالفين فما هو الا ان يجتمع اليه كثير يعملون بفكرته ويقومون بنصرته فلا يلبثون حتى يعم هذا الفكر الصالح وينتشر النور وهذا هو الاجتماع والعمران
ولقد مضت السنون الطوال وتتابعت القرون والاجيال والناس عندنا لاهون بالخيال مجدون في الخبال عن هذا العلم النافع غافلون وبغيره مما لا يفيد فائدة مشتغلون وبقى ذلك كذلك إلى ان ظهر تحت سماء مصر كتاب الأستاذ الكبير العالم الاجتماعي الشهير ديمولان الذي أبان فيه كل أحوال الفرنسيس في هيئاتهم الاجتماعية كلها وبين ما في كل واحده منها من النقص وقابل ما عندهم بما عند جارتهم الأمة الإنكليزية من كمال في تلك الهيئات ومتانه أصولها مبينا أسباب ما لديهم من ذلك الكمال ولذلك وسمه بأسم (سر تقدم الإنكليز السكسونيين)
ولما اعثرتني الصدفة بهذا الكتاب ترجمته إلى اللغة العربية ليعم النفع به فانه ان بقي على أعجميته كان بالنسبة إلى بلادنا كأنه لم يكن
وما وجد هذا الكتاب مترجما في أيدي الناس وقرأه العامة والخاصة منهم حتى ترتبت عليه الفائدة التي قصدتها والتفت حضرة الفاضل محمد أفندي عمر إلى ما عليه أمتنا المصرية من تأخر وأنحطاط فقام ينظر في الأسباب وطرق لذلك جميع الأبواب حتى استجمع كثيرا من أحوال الأغنياء والمتوسطين والفقراء وجمع الجميع في كتاب سماه (حاضر المصريين أو سر تأخرهم)
تصفحت هذا المؤلف الجديد فاذا هو قد ألم بالمطلوب ووفي البحث حقه فتكلم عن أخلاق الطبقات الثلاث التي تتألف منها أمتنا المصرية وعن عاداتها وحالها في كل مجتمعاتها بما ابان العلة وشخص الداء وأرجع جميع الأدواء إلى أصول الأخلاق وبرهن على ان العمل انما هو الموصل إلى السعادة
الحق أحق بالاتباع والضرر انما هو في تمويه الحقيقة بما يسمونه تسترا والنصح ان كان مرا ربما حلت عاقبته وحمدت غايته على انه ان كانت النصيحة باللتي هي أحسن فلا يضيع فيها الصدق بالأخبار عن الواقعيات وقد يكون الواقع أشد ما يكون سماعه على النفوس فلابد اذن من أن يتحرى الناصح الحق ويبين العيب ويدعو إلى التنصل منه والتنحي عنه ولابد من أن البذرة تنبت متى وضعت في أرض صالحة واستكملت الشروط وكل النفوس صالحة لتلقي النصيحة ولا ينقصها الا ان يكون زارعها مستجمعا لشروط ومتي صلحت النية فكل عمل صدر عن صاحبها فهو وان كان صعبا يكون مقبولا

كان يسرني كثيرا ان انتقد على هذا الكتاب في موضوعه فاقول ان هذا العيب الذي ذكره مؤلفه في الصنف الفلاني غير موجود ونسبته إليه غير صحيحة غير اني آسف آسفا شديدا لما رأيته من ان صاحب الكتاب لم يذكر عيبا في طبقة ولم يندد بعادة ولم يغير بخصلة ولم يتعرض إلى خلة الا وجدته بعد التدقيق مصيبا فيما قال صادقا فيما نسب بل رأيته مستعملا الرقة في البيان والتلطف في المقال
الحقيقة التي لا ريبة فيها ان مجموع الأغنياء منا منصرفون عن هذا العالم بأسره غير عالمين بأنهم في هذه الدنيا فما عليهم منها اذا عمرت او عمها الخراب ولذلك نرى كل واحد منهم وحده يهيم في لذاته غير مبال بضياع المال الذي جاءه عفوا بطريق الصدفة لانه ابن فلان وارتفعت فيما بينهم صفات التعارف وضاعت من ايديهم ثقة كل واحد باخيه فكانوا بذلك هملا تضيع ثرواتهم ولا يعملون ويؤخذون على غرة وهم غافلون وهم أولى بان لا يعدون من الأمة فصلا عن انهم هم العالون

سرت هذه الحال من الأغنياء إلى المتوسطين لانهم أقرب إليهم وربما خالطوهم أو سمعوا من أخبارهم والوهم قتال فتشبهوا بهم على غير رؤية وقلدوهم بحكم تسلط طبع القوي على الضعيف فمالوا ميلهم وطبعت نفوسهم على محلة الظهور الباطل وتنافسوا في الشهوات وتفانوا في اللذائذ وقالوا انا أطعنا سادتنا وكبراءنا ولم يقولوا فأضلونا السبيل فكانوا بذلك خاسرين ضائعين

الفقراء وهم السواد الأعظم مسيرون لا مخيرون وليس في ايديهم ما يصرفونه هباء في لذة ورأس مالهم الذي هو قوتهم وعافيتهم وصبرهم على تحمل المشاق مدخر عندهم في خزانة الكسل وليس لهذا مفتاح الا نصح الناصح مسموع الكلمة وهو لا يكون الا من طبقة اعلى بحكم العادة القديمة وهذا كما تقدم لا يهمه صلاح ولا يعينه فلاح في نفسه فما الظن به في غيره ان نام الفقراء وضاعت رؤوس أموالهم التي اكتسبوها بالطبيعة وكانت تنفعهم كثيرا لو صرفوها في تحصيل الرزق الواسع وما هم بفاعلين

لو التفت الأغنياء والمتوسطون الي ان ذنب أولئك الضعفاء الفقراء في رقابهم واقبلوا على العمل النافع لانتقل أولئك المستضعفون من حالهم إلى ما هي خير منها ولعاشوا في نوع من السعة والنعيم . اذكر ان بعض الأغنياء وغيرهم من كبار المتوسطين اقلعوا من زمان غير بعيد عن استمرار ليالي المآتم إلى الأربعين كما كان الحال من قبل فلم يعمل بالأمر الجديد سوى اثنين أو ثلاثة حتى علق به اصاغر المتوسطين واخذه قاعدة جديدة عميقة وسمعنا في كثير من الأندية والمحافل شديد التنديد بالعادة القديمة والتنويه بالجديدة وانتقل الناس بعد ذلك من تقصير ليالي المآتم إلى سير سرير الجنازة وأخذت العادة الشنعاء تتلطف ولا شط انه اذا بقى الكبراء على ذلك تبعهم الفقراء وحل الجديد النافع محل القديم المضر في هذا الأمر وان كان ليس بالعظيم

واذكر كذلك ان بعض الأمراء أقبل اليوم على تحسين حالة الزراعة فالتفت الاصاغر من مجاوريه إلى مذهبه ولا ارتاب في ان الحالة المعاشية يمكن ان تصير الى حسن قم إلى أحسن ان لم يصرف أولئك الاصاغر ما يحصلونه فيما لا قبل لهم به تقليدا للأمراء وكذلك لا ارتاب في انه لو كثر أمثال أولئك الأمراء لانتشر عملهم الصالح بين تلك الطبقات فانني لا ارى هذا الاقبال من الضعفاء الا في المجاورين لقرى أولئك الأمراء ولا اشك في انهم لو صلح حال جميعهم في صرف ما يشتغلونه لصلح حال مجاوريهم كذلك في هذا الباب وبذلك يتبين صدق ما قلناه من ان علة خسارة الضعفاء هم أكابر الأغنياء والمتوسطين وكذلك هم سبب التقدم والنجاح

أحمد فتحي زغلول
غرض المؤلف

وضعت كتابي هذا على مثال كتاب (سر تقدم الإنكليز السكسونيين)المعرب بقلم سعادة العالم القانوني الفاضل أحمد فتحي زغلول بك رئيس محكمة مصر الابتدائية الأهلية، ولكنه مع الأسف يشرح سر تأخر المصريين لا تقدمهم. وغاية ما أود ممن يطالع هذا الكتاب أن لا ينظر إليه بعين الاستغراب لما حواه من كشف المخبأت ورفع الستار عن المعايب التي في جسم الأمة وتؤدي بها إلى الهلك بل أرجوه أن يكون على ثقة بأني ما كشفت ذاك الستار إلا حبا بأمتي وشفقة عليها لا شماتة. علنا إذا عرف الداء سارعنا إلى أخذ الدواء قبل استفحال الخطب فنندم حين لا ينفع الندم

إذا أنت لم تخبر طبيبك بالذي
يسؤئك أبعدت الدواء عن السقم

اردت بجمع هذه الأدواء التي تضر بصحة امتي ان أحث البقية الصالحة من الأمة فتهب من غفلتها وتلم شعثها وترأب صدعها وتسد خللها وتبحث عن دواء نافع وبلسم شاف تداوي تلك الأدواء التي اثقلتنا ونحن عنه غافلون، هذا ما قصد، وانما الأعمال بالنيات، ولكل امرء ما نوى

محمد عمر