حانة الشعراء
حانة الشعراء
هي حانة شتّى عجائبها
معروشة الزّهر و القصب
في ظلّة باتت تداعبها
أنفاس ليل مقمر السّحب
و زهت بمصباح جوانبها
صافي الزّجاجة راقص اللّهب
باخوس فيها و هو صاحبها
لم يخل حين افاق من عجب
قد ظنّها، و السّحر قالبها،
شيدت من الياقوت و الذّهب
إبريقه حلي من الدّرر
يزهى به قدح من الماس
و كأن ما حوليه من صور
متحركات ذات أنفاس
تركت مواضعها من الأطر
و مشت له في شبه أعراس
منهنّ عازفة على وتر
متفجّر بأرقّ إحساس
و غريرة حوراء كالقمر
تحنو على شفتيه بالكاس
أو تلك حانته؟ فوا عجبا!
أم صنع أحلام و أهواء؟
و من الخيال أهلّ و اقتربا
فينوس خارجة من الماء!
في موكب يتمثّل الطّربا
و يميل من سحر و إغراء
و بكلّ ناحية فتى وثبا
متعلقا بذراع حسناء
يتوهّجون صبابة و صبا
يتمثلون غريب أزياء
حمر الثّياب تخال أنّهمو
يفدون من حانوت قصّاب!
جلسوا نشاوى مثلما قدموا
يترقبون منافذ الباب
يتهامسون و همسهم نغم
يسري على رنّات أكواب
إن تسأل الخّمار قال همو
عشّاق فنّ أهل آداب
لولا دخان التّبغ خلتهمو
أنصاف آلهة و أرباب
من كلّ مرسل شعره حلقا
و كأنّها قطع من الحلك
غليونه يستشرف الأفقا
و يكاد يحرق قبّة الفلك
أمسى يبعثر حوله ورقا
فكأنه في وسط معترك
فإذا أتاه وحيه انطلقا
يجري اليراع بكفّ مرتبك
و يقول شعرا كيفما اتفقا
يغري ذوات الثّكل بالضحك
باخوس يروي عن غرائبهم
شتّى أحاديث و أنباء
قصص تداول عن صاحبهم
و عن الصّبايا فتنة الرآئي
و عن الخطيئة في مذاهبهم
بدأت بآدم أم بحوّاء
و الملهمات إلى جوانبهم
يكثرن من غمو و إيماء
يعجبن من فعل الشّراب بهم
و يلذن من سأم بإغفاء
و تلفتّوا لما بدا شبح!
فنانة دلفت من الباب
سمراء بالأزهار تتّشح
ألقت غلالتها بإعجاب
ومشت تراقصهم فما لمحوا
إلاّ خطى روح و أعصاب
و سرى بسرّ رحيقه القدح
في صوت شاجيّ اللّحن مطراب
و شدا بجوّ الحانة الفرح
لإلهة فرّت من الغاب
هي رقصة و كأنّها حلم
و إذا بفينوس تمدّ يدا
الكأس فيها و هي تضطرم
قلب يهزّ نداؤه الأبدا:
زنجيّة في الفنّ تحتكم؟
قد ضاع فنّ الخالدين سدى!
فأجابت السّمراء تبتسم:
ألفنّ روحا كان؟ أم جسدا؟
يا أيّها الشعراء و يحكم
اللّيل و لّى و النّهار بدا!