حثثت على عنيف السير نوقي

حَثْثتُ على عنيف السَّير نُوقي

​حَثْثتُ على عنيف السَّير نُوقي​ المؤلف عبد الغفار الأخرس


حَثْثتُ على عنيف السَّير نُوقي
وقدَّمت الطَّريق على الرفيق
وقد فتق الزمان على فؤادي
هموماً فهي بارزة الفتوق
خرجت إلى جميل أبي جميل
إلى الرحب الفضاء من المضيق
ولولا تمره والبرّ منه
بقينا صابرين على السويق
فلو جاد النقيب لنا بسمنٍ
حَمِدْنا التمر يعجن بالدقيق
رأت عيناي في سفر عجيب
أعزّ لديّ من بيض الأنوق
أخا رشد يغض من المعاصي
وزنديق يتوب من الفسوق
وقالوا إنّ قدّوري تردّى
رواء الناس كالبر الصدق
فآونة يصلّي في فريقٍ
وآونة يسبّح في فريق
وأخبرني ثقاتُ الناس عنه
بأن لا زال في كرب وضيق
فكاد الشوق يحملني إليه
فيستشفي مشوقٌ من مشوق
ولكنّي كتبت له كتاباً
كما كتب الشفيق إلى الشفيق
أعزِّره على ترك الحميّا
وأهديه إلى بئس الطرق
أقول له وبعض النصح غشٌّ
بما بيني وبينك من حقوق
وثوقك بالعذاب عنها
وعفو الله أولى بالوثوق
وكم لله من فرجٍ قريب
وكم للعبد من سعة وضيق
أتنسى لا اقترفت الإثم إلاَّ
كبيراً بين مزمار وبوق
ليالينا الّتي انصرمت وولت
حَلَتْ إلاّ بكأس من رحيق
وكان مكاننا أنّى سكرنا
مكان الكلب قارعة الطريق
يمرّ بنا الشقيّ فنبتليه
ونزهد بالتقيّ المستفيق
وقولك للتي سكرت ونامت
فعلت بك المقابح أو تفيقي
سددت مسامع الحسناء قهرأ
بمثل الجذع من نخل سحوق
تخبّرني ضيوفك أين جاءت
بأنك قد بعدت عن اللحوق
تنادي بالطعام بلا شراب
كما نهق الحمار على العليق
وما هذا الذي عوّضت عنها
وهل يُغني الحديث عن العتيق
ألم تك بالفساد كما تراني
يشقّ عليّ أن أعصي شقيقي
فلا طابت أُوَيقات لصاحٍ
رمى أمَّ الخبائث بالعقوق
لقد كدَّرت يومئذ صفائي
وقد أيبست بالتأنيب ريقي
وأصبح عنك راضي غير راضٍ
فلا تركْن إلى سخط الصديق
وقد رزق لسعادة بالمعاصي
بسلطنة ابن سلطان رزوقي
وكم خمرٍ معتقةٍ رأها
ففضلها على الخلّ العتيق
وكان الدنّ لا يروي مناها
فأصبح يشمئز من النشوق
وكم من تائب من قبل هذا
مروع من كبائره فروق
وحدّ التائبين اليوم عندي
اختياراً رميهم بالمنجنيق
فيا لك توبة عادت عليه
بأن يهوي سحيقاً من سحيق
رأيناهُ يصلّي الخَمْسَ باقٍ
بمحراب الصلاة على الشهيق
فسلّطنا شياطين القوافي
عليه بالصَّبوح وبالغبوق
وأغوينا في سحرٍ مبينٍ
من التبيان بالشعر الرقيق
إلى أن عاد أفسق من عليها
وأسرع بالإجابة من سلوقي
فما يدنو من الشيطان إلاّ
تمسَّكَ منه بالحبل الوثيق
وكان بنعمة لو كان يرعى
لها حقاً ويوفي بالحقوق
وها هو بعدما في كلّ حال
تغيّر بالمجاز عن الحقيقي
قضى في خدمة النقباء عمراً
وتلك نضارة العيش الأنيق
غريقك يا أبا سلمان فيها
وكم في بحر جودك من غريق
يقول رجاء من آوي إليه
لقد حنَّتْ ألى الخيرات نوقي
يؤمّل من مكارمك الأماني
ويرقب منك صادقة البروق
فلا غابت شموس بني عليّ
وقد أذِنَتْ علينا بالشروق
تلوح لنا بهم صور المعالي
فتهدينا إلى المعنى الدقيق
لبابك سيّد النقباء وافت
منبئةً علاك عن العلوق
وتكشف عندك الأستار كشفاً
بحرّ القول عن حال الرقيق
تحثّ السير مسرعة تهادى
إلى علياك من فجٍّ عميق
تقوم على الرؤوس لهم أناس
تساويهم على قدمٍ وسوق