حنة مشتاق
حنة مشتاق
ألا أيّها الباكي فديتك باكيا
علام و فيما تستحثّ المآقيا؟
رويدك ما أرضى لك الحزن خلّة
و هيهات أن أرضاك بالحزن راضيا
يعنّفني من كنت أدعوه صاحبا
فما انفكّ حتّى يتّ أدعوه لاحيا
دعوت لربّي أن دعاني لائم
و لم أعصه أن لا يجيب دعائيا
لقد أرخص العذّال عندي قولهم
إذا همّت العيان أرخصت غاليا
أأمنع ماء ما يروي أخا صدى
و قد كنت لا أحمي المناهل صاديا
عليّ و البكا و النوح ضربه لازب
و إنذي لأبكي أنّني لست باكيا
و كيف ارتياحي بعد هند و بيننا
مهامه لا تلقى بها الريح هاديا؟
يظلّ بها السرحان يعوي من الطوى
نهارا، و يطوي ليلة الخوف طاويا
لقد كنت أخشى أن يفرّق بيننا
فأصبحت أخشى اليوم أن لا تلاقيا
فيا من لقلب لا تنام همومه
و يا من لعين لا تنام اللّياليا
رأيت اللّيالي ما تزال تروعني
بأحداثها، ما للّيالي و ما ليا
و ام يبق عند الدهر خطب أخافه
فكيف اعتذار الدّهر إن رحت شاكيا
إذا لم تكن لي آسيا أو مؤاسيا
فلا تك لوّاما وذرني و ما بيا
فإنّي رأيت اللّوم يذكي صبابتي
كذاك عهدت الزّند بالقدح واريا
ألا حبّذا من سالف العيش ما مضى
و يا حبّذا لو كان يرجع ثانيا
زمان كقلب الطّفل صاف و كالمنى
لذيذ، و لكن كان كالحلم فانيا
أحنّ إليه في العشيّ و في الضحى
حنين جاءه الشّوق داعيا
و أذكره ذكرى العجوز شبابها
و أبكي لدى ذكراه أحمر قانيا
و لولا أمور في الفؤاد أسرّها
جعلت عليه الدهر وقفا لسانيا
خليليّ أعوام السرور دقائق
و أيّامه كادت تكون ثوانيا
و أجمل أيّام الفتى زمن الصبى
و خير الصّبا ما كان في الحبّ ناميا
رعى الله أيّامي التي قد أضعتها
فكنت كأنّي قد أضعت فؤاديا
ليالي لا هند تصدّق واشيا
و لا هي تخشى أن أصدّق واشيا
و يا طالما بتنا و لا ثالث لنا
سوى الرّاح ندنيها فتدني الأمانيا
و دار حديث الحبّ بيني و بينها
فطورا مناجاة و طورا تشاكيا
ألم تر أنّني قد نظمت حديثها
لآليء غنّاها الرواة قوافيا؟
تولّى زمان اللّهو كالطيف في الكرى
فلست تراني بعده الدهر لاهيا
شئمت لذاذات الحياة جميعها
و لو رضيت هند سئمت شبابيا
سلام على هند و إن فات مسمعي
سلام التي أهدي إليها سلاميا
ترى عندها أنّي على العهد ثابت
و إن يك هذا البين أوهى عظاميا
فوالله ما أخشى الحمام على النّوى
و لكنّني خلودي نائيا