حوشيت من زفرات قلبي الواله

حوشيتَ من زفراتِ قلبي الوالهِ

​حوشيتَ من زفراتِ قلبي الوالهِ​ المؤلف صفي الدين الحلي


حوشيتَ من زفراتِ قلبي الوالهِ،
وكُفيتَ ما يَلقاهُ مِن بَلبالِهِ
وأُعيذُ سِرَّكَ أن يكابِدَ بعضَ ما
لاقَيتُ من قِيلِ العَذولِ وقالِهِ
يا مَن يُعيرُ الغُصنَ لِينَ قَوامِهِ،
ويغيرُ بدرَ التّمّ عندَ كمالهِ
ما حلتِ الواشونَ ما عقدَ الهوَى،
تفنى الليالي والغرامُ بحالهِ
صلْ عاشقاً لولاكَ ما ذكرَ الحمى،
ولمَا غدا متغزلاً بغزالِهِ
واجعَلْ كِناسَكَ في القلوبِ، فإنّها
تُغنيكَ عن شِيحِ العذيبِ وضالِهِ
للهِ بالزوراءِ ليلتنا، وقدْ
جردتُ غصنَ البانِ من سربالهِ
ورَشَفتُ بَردَ الرّاحِ مِن مَعسولِهِ،
وضَمَمتُ قَدّ اللّدنِ مِن عَسّالِهِ
رشأٌ كبدرِ التمّ في إشراقِهِ،
وكَمالِ طَلعتِهِ وبُعدِ مَنالِهِ
ما اهتَزْ وافرُ رِدفِهِ في خَطوِهِ،
إلاّ تَشَكّى الخصرُ من أثقالِهِ
ما بالهُ أضحَى يشينُ وعيدهُ
بنَجازِهِ ووُعودَهُ بمِطالِهِ
ويذيقني طعمَ الملالِ تدللاً،
فأذوبُ بينَ دلالهِ وملالهِ
ما ضرّ طيفَ خيالهِ لو أنهُ
يَسخُو عليّ، ولو بطَيفِ خَيالِهِ
ما كانَ من فِعلِ الجَميلِ يَضُرُّهُ،
لو كانَ يَجعَلُهُ زَكاةَ جَمالِهِ
قسماً بضادِ ضياءِ صبحِ جبينهِ،
وَوَحَقَّ سِينِ سَوادِ عَنبرِ خالِهِ
لأُكابدَنّ لهيبَ نارِ صُدودِهِ،
ولأركبَنّ عُبابَ بَحرِ مَلالِهِ
ولأُحمِلَنّ اليَمَّ فَرطَ عَذابِهِ،
وأدومُ مصطبراً على أهوالِهِ
حتى تَقولَ جَميعُ أربابِ الهَوَى:
هذا الذي لا ينتهي عن حالهِ
في ظِلّ مَلْكٍ، مُذ حَللتُ برَبعِه،
قتلَ الأسودِ، وما دنتْ لقتالهِ
رشأٌ تفردَ في المحاسنِ فاغتدى
تفصيلُ رسمِ الحسنِ في إجمالِهِ
ما حركتْ سكناتُ فاترِ طرفهِ،
إلاّ وأصمَى القَلبَ وقعُ نِبالِهِ
حكمتْ فجارتْ في القلوبِ لحاظهُ
كأكُفّ نجمِ الدّينِ في أموالِهِ
المالكُ المنصورُ، والملكُ الذي
تَخشَى النّجومُ الشُّهبُ شُهبَ نِصالِهِ
ملكٌ يسيرُ النصرُ عن تلقائِهِ،
وورائِهِ، ويَمينِهِ، وشِمالِهِ
مَلِكٌ تَتونُ الأرضُ إذْ يَمشي بها:
حسبي من التشريفِ مسُّ نعالِهِ
فإذا دعا الدهرَ العبوسَ أجابهُ
متعثراً بالرعبِ في أذيالهِ
سلطانُ عصرٍ عزمه راضَ الورى،
فكفاهُ ماضيهِ عنِ استقبالهِ
أضحَى حِمَى الحَدباءِ عندَ إيابِهِ،
يستنجدُ الإقبالَ منْ إقبالِهِ
ضرَبَ الخِيامَ على الحِمى، فأكفُّهُ
كَمِياهِهِ، وحُلومُهُ كَجِبالِهِ
أعطَى وأجزَلَ في العَطاءِ تَبرّعاً،
حتى سَئِمتُ نِزالَهُ بنَوالِهِ
ذَلّتْ صُروفُ الدّهرِ لمّا عايَنَتْ،
دونَ الأنامِ، تعلقي بحبالهِ
وافَيتُهُ، وكأنّني من رقّهِ،
فأعَزّني، فكأنّني مِن آلِهِ
يا ليتَ قومي يعلمونَ بأنني
أدرَكتُ طِيبَ العيشِ بَعدَ زَوالِهِ
ما ضلّ فكري في جميلِ صفاتِهِ،
إلاّ اهتَدى شِعري بحُسنِ خِلالِهِ
أو أصدأ الأيامُ سيفَ قريحتي،
إلاّ جعلتُ مديحهُ كصقالِهِ
يا أيّها الملكُ الذي غدتِ العُلى
مقرونةً بجلادِهِ وجدالِهِ
أغرَقتَ بالإنعامِ عبدَكَ، فاغتَدى،
مِن بَحرِكَ التيّارِ، دُرُّ مَقالِهِ
طوقتهُ بنداكَ طوقَ كرامةٍ،
وجعلتَ فيضَ الجودِ من أغلالِهِ
أصفَى لمحضِ ولاكَ عقدَ ضميرهِ،
فسِوى مَديحِكَ لا يَمُرُّ ببالِهِ