الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مبسوط السرخسي - الجزء العاشر2»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
OKBOT (نقاش | مساهمات)
ط تدقيق إملائي. 37 كلمة مستهدفة حالياً.
OKBOT (نقاش | مساهمات)
ط تدقيق إملائي. 64 كلمة مستهدفة حالياً.
سطر 136:
[ 146 ]
هو الزهد والورع ثم بدأ الكتاب بمسائل النظر وهو ينقسم أربعة أقسام نظر الرجل إلى الرجل ونظر المرأة إلى المرأة والمرأة إلى الرجل والرجل إلى المرأة اما بيان القسم الاول فانه يجوز للرجل أن ينظر إلى الرجل الا إلى عورته وعورته مابين سرته حتى يجاوز ركبتيه لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن وجده رضى الله عنهم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال عورة الرجل ما بين سرته إلى ركبته وفي رواية ما دون سرته حتى يجاوز ركبته وبهذا تبين ان السرة ليست من العورة بخلاف ما يقوله أبو عصمة سعد بن معاذ أنه احد حدى العورة فيكون من العورة كالركبة بل هو أولى لانه في معنى الاشتهاء فوق الركبة (وحجتنا) في ذلك ماروى عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه كان إذا تزر أبدى عن سرته وقال أبو هريرة للحسن رضى الله عنهما أرنى الموضع الذى كان يقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منك فابدي عن سرته فقبلها أبو هريرة رضى الله عنه والتعامل الظاهر فيما بين الناس انهم إذا اتزروا في الحمامات أبدوا عن السرة من غير نكير منكر دليل على انه ليس بعورة فأما ما دون السرة عورة في الرواية للحديث الذى روينا وكان أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى يقول إلى موضع نبات الشعر ليس من العورة أيضا لتعامل العمال في الابداء عن ذلك الموضع عند الاتزار وفي النزع عن العادة الظاهرة نوع حرج وهذا بعيد لان التعامل بخلاف النص لا يعتبر وانما يعتبر فيما لانص فيه فأما الفخذ عورة عندنا وأصحاب الظواهر يقولون العورة من الرجل موضع السرة وأما الفخذ ليس بعورة لقوله تعالى بدت لهما سوآتهما والمراد منه العورة وفى الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم كان في حائط رجل من الانصار الأنصار وقد دلى ركبته في ركية وهو مكشوف الفخذ إذ دخل أبو بكر رضى الله عنه فلم يتزحزح ثم دخل عمر رضى الله عنه فلم يتزحزح ثم دخل عثمان رضى الله عنه فتزحزح وغطى فخذه فقيل له في ذلك فقال الا أستحيى ممن تستحيى منه الملائكة فلو كان الفخذ من العورة لما كشفه بين يدى أبى بكر وعمر رضى الله عنهما (وحجتنا) في ذلك ما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم مر برجل يقال له جرهد وهو يصلى مكشوف الفخذ فقال له عليه الصلاة والسلام وار فخذك اما علمت أن الفخذ عورة وحديث عمرو بن شعيب رضى الله عنه نص فيه فأما الحديث الذى رواه فقد ذكر في بعض الروايات أنه كان مكشوف الركبة ثم تأويله أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما حين دخلا جلسا في موضع لم يقع بصرهما
[ 147 ]
سطر 202:
[ 168 ]
الهلال أليس أنهم يفطرون وهذا فطر بشهادة الواحد فقال لاأتهم المسلم بتبديل يوم مكان يوم ويمكن أن يجاب عن هذا فيقال الفطر غير ثابت بشهادته وان كانت تفضى إليه شهادته كما لو شهدت القابلة بالنسب يثبت استحاق الميراث ولا يستحق المال بشهادة القابلة وهذا على قول محمد فأما على رواية الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى لا يفطرون وان صاموا ثلاثين يوما إذا لم يروا الهلال قال الحاكم وهلال الاضحى كهلال الفطر ذكره في كتاب الشهادات وفى النوادر عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى ان الشهادة على هلال الاضحى كالشهادة على هلال رمضان لما يتعلق به من امر ديني وهو ظهور وقت الحاج وذلك حق الله تعالى فأما في ظاهر الرواية قال هذا في معنى هلال الفطر لان فيه منفعة للناس هنا من حيث التوسع بلحوم الاضاحي في اليوم العاشر كما في هلال الفطر ولا يقبل في هلال رمضان قول مسلم ولا مسلمين ممن لا تجوز شهادتهم للتهمة لما بينا أن خبر الفاسق في أمر الدين غير ملزم وذكر الطحاوي أن شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان مقبول عدلا كان أو غير عدل قيل المراد بقوله غير عدل ان يكون مستورا فيكون موافقا لرواية الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالي في المستور وقيل بل مراداه الفاسق وجه هذه الرواية ان التهمة متنفية عن خبره هذا لانه يلزمه من الصوم ما يلزم فأما عبد مسلم ثقة أو أمة مسلمة أو امرأة مسلمة حرة فشهادتهم في ذلك جائزة لان في الخبر الديني الذكور والاناث والاحرار والمماليك سواء وكذلك ان شهد واحد على شهادة واحد وبهذا تبين أنه خبر لا شهادة حتى لا يشترط فيه لفظ الشهادة وذكر أنه إذا كان محدودا في قذف قد حسنت توبته فشهادته جائزة أيضا وروي الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أن شهادته لاتقبل لانه محكوم بكذبه وإذا كانت شهادة المتهم بالكذب لاتقبل هنا فالمحكوم بالكذب أولى ووجه هذه الرواية ان خبر المحدود في أمر الدين مقبول الا ترى ان أبا بكرة بعدما أقيم عليه حد القذف كانت تعتمد روايته وهذا لان رد شهادته لحق المقذوف وهو دفع العار عنه باهدار قوله وذلك في الاحكام التي يتعلق بها حقوق العباد وينعدم هذا المعنى في أمور الدين فكان المحدود فيه كغيره يقول فإذا كان الذى شهد بذلك في المصر ولا علة في السماء من ذلك لاتقبل شهادته لان الذى يقع في القلب من ذلك انه باطل وقد بينا في كتاب الصوم أقاويل العلماء رحمهم الله تعالى في هذا الفصل وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه اعتبر فيه عدد الخمسين على قياس الايمان في القسامة وفيما ذكر هناك اشارةإشارة إلى أنه إذا جاء
[ 169 ]
من خارج المصر فانه تقبل شهادته فقد ذكر بعد هذا أيضا أو جاء من مكان آخر وأخبر بذلك وهكذا ذكره الطحاوي رحمه الله تعالى في كتابه لان يتفق من الرؤية في الصحارى مالا يتفق في الامصار لما فيها من كثرة الغبار وكذلك ان كان في المصر على موضع مرتفع فقد يتفق له من الرؤية مالا يتفق لمن هو دونه في الموقف رجل تزوج امرأة فجاء رجل مسلم ثقة أو امرأة فأخبر انهما ارتضعا من امرأة واحدة فأحب إلى التنزه عنها فيطلقها ويعطيها نصف الصداق ان لم يكن دخل بها والكلام في هذه المسألة في فصلين أحدهما في الحكم والآخر في التنزه اما في الحكم فالحرمة لا تثبت بشهادة امرأة واحدة على الرضاع عندنا ما لم يشهد به رجلان أو رجل وامرأتان وعند الشافعي يثبت بشهادة أربع نسوة كما هو مذهبه فيما لا يطلع عليه الرجال وزعم ان الرضاع لا يحل مطالعته للاجانب من الرجال ولكن نقول الارضاع يكون بالثدي وذلك مما يحل مطالعته لذى الرحم المحرم ثم قد يكون بالايجار وذلك مما يطلع عليه الاجانب ومالك كان يقول يكتفى بشهادة الواحد لاثبات الحرمة بالرضاع وذلك مروي عن عثمان رضى الله عنه واستدل فيه بحديث ابن أبى مليكة بن عقبة أن عقبة بن الحارث رضي الله تعالى عنهما تزوج بنت اهاب فجاءت امرأة سوداء فأخبرت أنها أرضعتهما جميعا فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال له صلى الله عليه وسلم كيف وقد قيل هذا القدر ذكره محمد رحمه الله تعالى وأهل الحديث يروون ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما فهو حجة مالك رحمه الله تعالى (وحجتنا) في ذلك حديث عكرمة بن خالد قال عمر رضى الله عنه لا يقبل على الرضاع أقل من شاهدين ولان هذه شهادة تقوم لابطال الملك ولا تتم الحجة فيه الا بشاهدين كالعتق والطلاق فأما الحديث ففيه اشارةإشارة إلى التنزه بقوله كيف وقد قيل ولو ثبتت الحرمة بخبرها لما أشار إلى التنزه بهذا اللفظ والزيادة التى يرويها أهل الحديث لم تثبت عندنا والدليل على ضعفه ماروى عن عقبة بن الحارث رحمه الله تعالى أنه قال تزوجت بنت أبى اهاب فجاءت امرأة سوداء تستطعمنا فأبينا أن نطعمها فجاءت من الغد تشهد على الرضاع ومثل هذه الشهادة تكون عن ضغن فلا تتم الحجة بها فأما بيان وجه التنزه أن المخبر إذا كان ثقة فالذي يقع في قلوب السامعين أنه صادق فيه فصحبتها تريبه ومفارقتها لاتريبه ولو أمسكها ربما يطعن فيه أحد ويتهمه وقال صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف
[ 170 ]
التهم وقال صلى الله عليه وسلم اياك وما يسبق إلى القلوب انكاره وان كان عندك اعتذاره فليس كل سامع نكرا تطيق أن توسعه عذرا ولان يدع وطءا حلالا خير له من أن يقدم على وطئ حرام ولكن ينبغى له أن يطلقها لانها منكوحته في الحكم فإذا لم يطلقها لا تقدر على التزوج ؟ بغيره فتبقى معلقة ثم يعطيها نصف الصداق بعد الطلاق وان لم يكن دخل بها لانها استوجبت في الحكم ذلك عليه فلا ينبغي له أن يمنعها بنظره لنفسه والمستحب لها أن لا تأخذ شيئا ان كان لم يدخل بها لجواز أن يكون المخبر صادقا والنكاح لم يكن منعقدا بينهما وان كان دخل بها فلا بأس بأن تأخذ مقدار مهر مثلها بما استحل من فرجها وينبغى أن لا تأخذ الزيادة على ذلك الي تمام المسمى ولكن تبريه عن ذلك لانه حق مستحق لها في الحكم فلا يسقط الا باسقاطها ولا يبعد أن يندب كل واحد منهما إلى ما قلنا كما ان الله تعالى أثبت نصف الصداق بالطلاق قبل الدخول ثم ندب كل واحد من الزوجين إلى العفو وكذلك الرجل يشترى الجارية فيخبره عدل انها حرة الابوين أو أنها أخته من الرضاع فان تنزه عن وطئها فهو افضلأفضل وان لم يفعل وسعه ذلك وفرق بين هذين الفصلين وبين ما تقدم من الطعام والشراب فاثبت الحرمة هناك بخبر الواحد العدل ولم يثبت هنا لان حل الطعام و الشراب يثبت بالاذن بدون الملك حتى لو قال لغيره كل طعامي هذا أو توضأ بمائي هذا أو اشربه وسعه أن يفعل ذلك فكذلك الحرمة تثبت بما لا يبطل به الملك وحل الوطئ لا يثبت بدون الملك حتى لو قال طأ جاريتي هذه فقد أذنت لك فيه أو قالت له ذلك حرة في نفسها لم يحل له الوطئ فكذلك الحرمة تثبت بما لا يبطل به الملك وهو خبر الواحد وتقرير هذا الفرق من وجهين احدهما ان الحل والحرمة فيما سوى البضع مقصود بنفسه لما كان يثبت بدون ملك الحل وتثبت الحرمة مع قيام الملك فكان هذا خبرا بامر دينى وقول الواحد فيه ملزم فاما في الوطئ الحل والحرمة يثبت حكما للملك وزواله لا يثبت مقصودا بنفسه وقول الواحد في ابطال الملك ليس بحجة فكذلك في الحل الذي ينبنى عليه والثانى ان في الوطئ معنى الالزام على الغير لان المنكوحة يلزمها الانقياد للزوج في الاستفراش والمملوكة يلزمها الاتقياد ؟ لمولاها وخبر الواحد لا يكون حجة في ابطال الاستحقاق الثابت لشخص على شخص فأما حق الطعام والشراب فليس فيه استحقاق حق على أحد يبطل ذلك بثبوت الحرمة وانما ذلك أمر ديني وخبر الواحد في مثله حجة مسلم اشتري لحما فلما قبضه أخبره مسلم ثقة أنه ذبيحة مجوسي لم ينبغ له أن
[ 171 ]
سطر 217:
[ 173 ]
في يده فاعتقها وهو مسلم ثقة فهذا والاول سواء لما بينا ان المخبر مكذب شرعا وان تصادقهما على أنها مملوكة لذى اليد حجة شرعا في اثبات الملك له فللمشترى ان يعتمد الحجة الشرعية والتنزه أفضل له (فان قيل) في هذا الموضع أخبر بحرمة المحل حين زعم انها معتقة أو حرة فلو جعلت هذا نظير ما سبق (قلنا) لاكذلك فحرمة المحل هنا لعدم الملك والملك ثابت بدليل شرعى ومع ثبوت الملك لاحرمة في المحل وفي الكتاب قال هذا بمنزلة النكاح الذى يشهد فيه بالرضاع وهو اشارةإشارة إلى ما قلنا أن حل الوطئ لا يكون الا بملك والملك المحكوم به شرعا لا يبطل بخبر الواحد فكذلك ما ينبنى عليه من الحل وإذا كانت الجارية لرجل فأخذها رجل آخر وأراد بيعها لم ينبغ لمن عرفها للاول ان يشتريها من هذا حتى يعلم أنها قد خرجت من ملكه وانتقلت إلى ملك ذى اليد بسبب صحيح أو يعلم انه وكله ببيعها لان دليل الملك الاول ظهر عنده فلا يثبت الملك للثاني في حقه الا بدليل يوجب النقل إليه والشراء من غير المالك لا يحل الا باذن المالك ولو علم القاضى ما علمه هو كان يحق عليه تقريره على ملك الاول حتي يثبت الثاني سبب الملك لنفسه فكذلك إذا علمه هذا الذى يريد شراءه فان سأل ذا اليد فقال انى قد اشتريتها منه أو وهبها لى أو تصديق بها على أو وكلني ببيعها فان كان ثقة فلا بأس بان يصدفه على ذلك ويشتريها منه ويطأها لانه أخبر بخبر مستقيم صالح فيكون خبره محمولا على الصدق ما لم يعارضه مانع يمنع من ذلك والمعارض انكار الاول ولم يوجد ولو كلفناه الرجوع إلى الاول ليسأله كان في ذلك نوع حرج لجواز ان يكون غائبا أو مختفيا وان كان غير ثقة الا ان أكبر رأية فيه أنه صادق فكذلك أيضا لما بينا ان في المعاملات لا يمكن اعتبار العدالة في كل خبر لمعنى الحرج والضرورة لان الخبر غير ملزم إياه شرعا مع أن أكبر الرأى إذا انضم إلى خبر الفاسق تأيد به وقد بينا نظيره في الاخبار الدينية فههنا أولى وان كان أكبر رأية أنه كاذب لم ينبغ له أن يتعرض لشئ من ذلك لان أكبر الرأى فيما لا يوقف على حقيقته كاليقين ولو تيقن بكذبه لم يحل له أن يعتمد خبره فكذلك إذا كان أكبر رأيه في ذلك والاصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم لو ابصة بن معبد رضى الله تعالى عنه ضع يدك على صدرك واستفت قلبك فيما حاك في صدرك فهو السالم وان أفتاك الناس به وقال صلى الله عليه وسلم الاثم حراز القلوب أي على المرء ان يترك ما حرز في قلبه تحرزا عن الاثم وكذلك لو لم يعلم ان ذلك الشئ لغير الذى هو في يديه حتي أخبره الذى في يديه أنه لغيره وانه وكله
[ 174 ]
ببيعه أو وهبه له أو اشتراه منه لان اقراره بالملك للغير حجة في حق المقر شرعا فهذا في حق السامع بمنزلة ما لو علم ملك الغير بأن عاينه في يده فان كان المخبر ثقة صدقه فيما أخبر به من سبب الولاية له في بيعه وكذلك ان كان غير ثقة وأكبر رأية انه صادق فيه صدقه أيضا وان كان أكبر رأيه أنه كاذب لم يقبل ذلك منه ولم يشتره وان كان لم يخبره ان ذلك الشئ لغيره فلا بأس بشرائه منه وقبوله هبته وان كان غير ثقة لان دليل الملك شرعا ثابت له وهو اليد والفاسق والعدل في هذا الدليل سواء حتي إذا نازعه غيره فالقول قوله ويحل لمن رآه في يده ان يشهد له بالملك والمصير إلى أكبر الرأي عند انعدام دليل ظاهر كما لا يصار إلى القياس عند وجود النص (قال) الا ان يكون مثله لا يتملك مثل ذلك العين فأحب ان يتنزه عنه ولا يتعرض له بالشراء أو غيره وذلك كدرة يراها في يد فقير لا يملك شيئا أو رأى كتابا في يد جاهل ولم يكن في آبائه من هو أهل لذلك فالذي سبق إلى قلب كل أحد أنه سارق لذلك العين فكان التنزه عن شرائه منه أفضل وان اشترى أو قبل وهو لا يعلم أنه لغيره رجوت أن يكون في سعة من ذلك لانه يزعم أنه مالك والقول قوله شرعا فالمشتري منه يعتمد دليلا شرعيا وذلك واسع له الا أنه مع هذا لم يبت الجواب وعلقه بالرجاء لما ظهر من عمل الناس ولما سبق إلى وهم كل أحد أن مثله لا يكون مالكا لهذه العين فان كان الذى أتاه به عبد أو أمة لم ينبغ له أن يشترى ولا يقبله حتى يسأله عن ذلك لان المنافى للملك وهو الرق معلوم فيه فما لم يعلم دليلا مطلقا للتصرف في حق من رآه في يده لا يحل له الشراء منه لانه عالم أنه لغيره واليد في حق المملوك ليس بمطلق للتصرف وان الرق مانع له من التصرف ما لم يوجد الاذن فان سأله فأخبره أن مولاه قد أذن له فيه وهو ثقة مأمون فلا بأس بشرائه منه وقبوله لانه أخبر بخبر مستقيم صالح وهو محتمل في نفسه فيعتمد خبره إذا كان ثقة وان كان غيره ثقة فهو على ما يقع في قلبه فان كان أكبر رأيه أنه صادق فيما قال صدقه بقوله وان كان أكبر رأيه أنه كاذب لم يعرض لشئ من ذلك وكذلك ان كان لا رأي له فيما قال لان الحاجز له عن التصرف ظاهر فلا يكون له أن يتصرف معه بمجرد خبره ما لم يترجح جانب الصدق فيه بنوع دليل ولم يوجد ذلك وكذلك الغلام الذى لم يبلغ حرا كان أو عبدا فيما يخبر أنه أذن له في بيعه أو ان فلانا بعث معه إليه هدية أو صدقة فان كان اكبرأكبر رأيه أنه صادق وسعه ان يصدقه وهذا للعادة الظاهرة في بعث الهدايا على أيدى المماليك والصبيان وفى
[ 175 ]
سطر 229:
[ 177 ]
أنه كاذب وهو غير ثقة فلا بأس بشرائها منه لان خبره غير معتبر إذا كان أكبر رأى السامع بخلافه فكان المعني فيه أن خبر العدل كان مقبولا لترجح جانب الصدق فيه بأكبر الرأى لا بطريق اليقين فان العدل غير معصوم من الكذب فإذا وجد مثله في خبر الفاسق كان خبره كخبر العدل وان كانا جميعا غير ثقة وأكبر رأيه أن الثاني صادق لم يتعرض لشئ من ذلك بمنزلة مالو كان الثاني ثقة وفي الكتاب قال لان هذا من أمر الدين وعليه أمور الناس وهو اشارةإشارة الي أن كل ذى دين معتقد لما هو من أمور الدين فتتم الحجة بخبر الثقة لوجود الالتزام من السامع اعتقادا أو التعامل الظاهر بين الناس اعتماد هذه الاخبار ولو لم يعمل في مثل هذه الا بشاهدين لضاق الامر على الناس فلدفع الحرج يعتمد فيه خبر الواحد كما جعل الشرع شهادة المرأة الواحدة فيما لا يطلع عليه الرجال حجة تامة لدفع الضيق والحرج (قال) ألاتري لو أن تاجرا قدم بلدا بجواري وطعام وثياب فقال أنا مضارب فلان أو أنا مفاوضه وسع الناس أن يشتروا منه ذلك وكذلك العبد يقدم بلدا بتجارة ويدعى أن مولاه قد أذن له في التجارة فان الناس يعتمدون خبره ويعاملونه ولو لم يطلق لهم ذلك كان فيه من الحرج ما لا يخفي واستدل عليه بحديث رواه عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى عن ابي الهيثم أن عاملا لعلى رضى الله عنه أهدى إليه جارية فسألها أفارغة أنت فأخبرته أن لها زوجا فكتب إلى عامله انك بعثت بها إلى مشغولة قال أفترى أنه كان مع الرسول شاهدان أن عاملك أهدى هذه اليك وقد سألها علي رضى الله عنه أيضا فلما أخبرته أن لها زوجا صدقها وكف عنها ولم يسألها عن ذلك الا أنها لو أخبرته أنها فارغة لم ير بأسا بوطئها (قال) وأكبر الرأى والظن مجوز للعمل فيما هو أكبر من هذا كالفروج وسفك الدماء فان من تزوج امرأة ولم يرها فأدخلها عليه انسان وأخبره أنها امرأته وسعه أن يعتمد خبره إذا كان ثقة أو كان في أكبر رأيه انه صادق فيغشاها وكذلك لو دخل على غيره ليلا وهو شاهر سيفه أو ماد رمحه يشتد نحوه ولا يدرى صاحب المنزل انه لص أو هارب من اللصوص فانه يحكم رأيه فان كان في أكبر رأيه انه لص قصده ليأخذ ماله ويقتله ان منعه وخافه ان ان زجره أو صاح به أن يبادره بالضرب فلا بأس بأن يشد عليه صاحب البيت باليسف فيقتله وان كان في أكبر رأيه أنه هارب من اللصوص لم ينبغ له أن يعجل عليه ولا يقتله وانما أورد هذا لايضاح ما تقدم أن أهم الامور الدماء والفرج فان الغلط إذا وقع فيهما
[ 178 ]
سطر 274:
[ 192 ]
في الجهة فاسدة ولو انتصب ما ظن الامام إليه قبلة حقيقة يصح اقتداء هذا الرجل به وان خالفه في الجهة كما إذا صلوا في جوف الكعبة إذا عرفنا هذا نقول من اشتبه عليه القبلة في السفر في ليلة مظلمة واحتاج إلى أداء الصلاة فعليه التحري ثم المسألة على أربع أوجه فاما أن يصلى إلى جهة من غير شك ولا تحر أو يشك ثم يصلى إلى جهة من غير تحر أو يتحرى فيصلى إلى جهة التحرى أو يعرض عن الجهة التى أدى إليها اجتهاده فيصلى إلى جهة أخرى فأما بيان الفصل الاول أنه إذا صلى من غير شك ولا تحر فان تبين أنه أصاب أو أكبر رأيه أنه أصاب أو لم يتبين من حاله شئ بأن ذهب من ذلك الموضع فصلاته جائزة لان فعل المسلم محمول على الصحة ما أمكن فكل من قام لاداء الصلاة يجعل مستقبلا للقبلة في أدائها باعتبار الظاهر وحمل أمره على الصحة حتى يتبين خلافه وان تبين أنه أخطأ القبلة فعليه اعادة الصلاة لان الظاهر يسقط اعتباره إذا تبين الحال بخلافه لان الحكم بجواز الصلاة هنا لانعدام الدليل المفسد لا للعلم بالدليل المجوز فإذا ظهر الدليل المفسد وجب الاعادة وكذلك ان كان أكبر رأيه أنه أخطأ فعليه الاعادة لان اكبرأكبر الرأى كاليقين خصوصا فيما يبني على الاحتياط وأما إذا شك ولم يتحر ولكن صلى إلى جهة فان تبين أنه أخطأ القبلة أو اكبرأكبر رأيه أنه أخطأ أو لم يتبين من حاله شئ فعليه الاعادة لانه لما شك فقد لزمه التحرى لاجل هذه الصلاة وصار التحرى فرضا من فرائض صلاته فإذا ترك هذا الفرض لا تجزيه صلاته بخلاف الاول لان التحرى انما يفترض عليه إذا شك ولم يشك في الفصل الاول فأما إذا تبين أنه أصاب القبلة جازت صلاته لان فريضة التحرى لمقصود وقد توصل إلى ذلك المقصود بدونه فسقط فريضة التحرى عنه وان كان أكبر رأيه انه أصاب فكان الشيخ الامام الزاهد أبو بكر محمد بن حامد رحمهم الله تعالى يفتى بالجواز هنا أيضا لان اكبرأكبر الرأى بمنزلة اليقين فيما لا يتوصل إلى معرفته حقيقة والاصح أنه لا يجزيه لان فرض التحرى لزمه بيقين فلا يسقط اعتباره الا بمثله ولان غالب الرأي يجعل كاليقين احتياطا والاحتياط هنا في الاعادة فأما إذا شك وتحرى وصلى إلى الجهة التي أدى إليها اجتهاده فان تبين انه أصاب أو أكبر رأيه أنه أصاب أو لم يتبين من حاله شئ فصلاته جائزة بالاتفاق وكذلك ان تبين انه أخطأ فصلاته جائزة عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى ان تبين أنه تيامن أو تياسر فكذلك الجواب وان تبين انه استدبر الكعبة فصلاته فاسدة وعليه الاعادة في أحد القولين لانه تبين الخطأ
[ 193 ]