الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مقدمة ابن خلدون - الجزء الرابع»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
الرجوع عن التعديل 13178 بواسطة 41.221.17.149 (نقاش)
OKBOT (نقاش | مساهمات)
ط تدقيق إملائي. 88 كلمة مستهدفة حاليًا.
سطر 259:
إعلم أن الله سبحانه و تعالى فضل من الأرض بقاعاً اختصها بتشريفه و جعلها مواطن لعبادته يضاعف فيها الثواب و ينمو بها الأجور و أخبرنا بذلك على ألسن رسله و أنبيائه لطفاً بعباده و تسهيلاً لطرق السعادة لهم. و كانت المساجد الثلاثة هي أفضل بقاع الأرض حسبما ثبت في الصحيحين و هي مكة و المدينة و بيت المقدس. أما البيت الحرام الذي بمكة فهو بيت إبراهيم صلوات الله و سلامه عليه. أمره الله ببنائه و أن يؤذن في الناس بالحج إليه فبناه هو و ابنه إسماعيل كما نصه القرآن و قام بما أمره الله فيه و سكن إسماعيل به مع هاجر و من نزل معهم من جرهم إلى أن قبضهما الله و دفنا بالحجر منه.
 
و بيت المقدس بناه داوود و سليمان عليهما السلام. أمرهما الله ببناء مسجده و نصب هياكله و دفن كثير من الانبياء من ولد إسحاق عليه السلام حواليه. و المدينة فهاجر نبينا محمد صلوات الله و سلامة عليه أمره الله تعالى بالهجرة إليها و إقامة دين الإسلام بها فبنى مسجده الحرام بها و كان ملحده الشريف في تربتها فبهذه المساجد الثلاثة قرة عين المسلمين و مهوى أفئدتهم و عظمة دينهم و في الآثار من فضلها و مضاعفة الثواب في مجاورتها و الصلاة فيها كثير معروف فلنشر إلى شيء من الخبر عن أولية هذه المساجد الثلاثة و كيف تدرجت أحوالها إلى أن كمل ظهورها في العالم. فأما مكة فأوليتها فيما يقال أن آدم صلوات الله عليه بناها قبالة البيت المعمور ثم هدمها الطوفان بعد ذلك و ليس فيه خبر صحيح يعول عليه. و إنما اقتبسوه من محمل الآية في قوله و إذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت و إسماعيل ثم بعث الله إبراهيم و كان من شأنه و شأن زوجته سارة و غيرتها من هاجر ما هو معروف و أوحى الله إليه أن يترك ابنه اسماعيلإسماعيل و أمه هاجر بالفلاة فوضعهما في مكان البيت و سار عنهما و كيف جعل الله لهما من اللطف في نبع ماء زمزم و مرور الرفقة من جرهم بها حتى احتملوهما و سكنوا إليهم كما و نزلوا معهما حوالي زمزم كما عرف في موضعه فاتخذ إسماعيل بموضع الكعبة بيتاً يأوي إليه و أدار عليه سياجاً من الردم و جعله زرباً لغنمه و جاء إبراهيم صلوات الله عليه مراراً لزيارته من الشام أمر في آخرها ببناء الكعبة مكان ذلك الزرب فبناه و استعان فيه بابنه إسماعيل و دعا الناس إلى حجه و بقي إسماعيل ساكناً به و لما قبضت أمه هاجر و قام بنوه من بعده بأمر البيت مع أخوالهم من جرهم ثم العماليق من بعدهم و استمر الحال على ذلك و الناس يهرعون إليها من كل أفق من جميع أهل الخليقة لا من بني إسماعيل و لا من غيرهم ممن دنا أو نأى فقد نقل أن التبابعة كانت تحج البيت وتعظمه و أن تبعاً كساها الملاء و الوصائل و أمر بتطهيرها و جعل لها مفتاحاً.
 
 
سطر 269:
 
و ترك سائرها لم يغير منه شيئاً فكل البناء الذي فيه اليوم بناء ابن الزبير و بناء الحجاج في الحائط صلة ظاهرة للعيان لحمة ظاهرة بين البناءين. و البناء متميز عن البناء بمقدار إصبع شبه الصدع و قد لحم.
و يعرض ههنا إشكال قوي لمنافاته لما يقوله الفقهاء في أمر الطواف و يحذر الطائف أن يميل على الشاذروان الدائر على أساس الجدر من أسفلها فيقع طوافه داخل البيت بناء على أن الجدر إنما قامت على بعض الأساس و ترك بعضه و هو مكان الشاذروان و كذا قالوا في تقبيل الحجر السود لا بد من رجوع الطائف من التقبيل حتى يستوي قائماً لئلا يقع بعض طوافه داخل البيت و إذا كانت الجدران كلها من بناء ابن الزبير و هو إنما بني على أساس ابراهيمإبراهيم فكيف يقع هذا الذي قالوه و لا مخلص من هذا إلا بأحد أمرين أحدهما أن يكون الحجاج هدم جميعه و أعاده و قد نقل ذلك جماعة إلا أن العيان في شواهد البناء بالتحام ما بين البناءين و تمييز أحد الشقين من أعلاه على الآخر في الصناعة يرد ذلك و أما أن يكون ابن الزبير لم يرد البيت على أساس إبراهيم مع جميع جهاته و إنما فعل ذلك في الحجر فقط ليدخله فهي الآن مع كونها من بناء ابن الزنير ليست على قواعد إبراهيم و هذا بعيد و لا محيص من هذين و الله تعالى اعلم. ثم أن مساحة البيت و هو المسجد كان فضاء للطائفين و لم يكن عليه جدر أيام النبي صلى الله عليه و سلم و أبي بكر من بعده. ثم كثر الناس فاشترى عمر رضي الله عنه دوراً هدمها و زادها في المسجد و أدار عليها جداراً دون القامة و فعل مثل ذلك عثمان ثم ابن الزبير ثم الوليد بن عبد الملك و بناه بعمد الرخام ثم زاد فيه المنصور و ابنه المهدي من بعده و وقفت الزيادة و استقرت على ذلك لعهدنا.
 
و تشريف الله لهذا البيت و عنايته به أكثر من أن يحاط به و كفى بذلك أن جعله مهبطاً للوحي و الملائكة و مكاناً للعبادة و فرض شرائع الحج و مناسكه و أوجب لحرمه من سائر نواحيه من حقوق التعظيم و الحق ما لم يوجبه لغير فمنع كل من خالف دين الإسلام من دخول ذلك الحرم و أوجب على دخله أن يتجرد من المحيط إلا أزاراً يستره و حمى العائذ به و الراتع في مسارحه من مواقع الآفات فلا يرام فيه خائف و لا يصاد له وحش و لا يحتطب له شجر. و حد الحرم الذي يختص بهذه الحرمة من طريق المدينة ثلاثة أميال إلى التنعيم و من طريق العراق سبعة أميال إلى الثنية من جبل المنقطع و من طريق الطائف سبعة أميال إلى بطن نمرة و من طريق جدة سبعه أميال إلى منقطع العشائر. هذا شأن مكة و خبرها و تسمى أم القرى و تسمى الكعبة لعلوها من اسم الكعب. و يقال لها أيضاً بكة قال الأصمعي، لأن الناس يبك بعضهم بعضاً إليها أي يدفع و قال مجاهد باء بكة أبدلوها ميماً كما قالوا لازب و لازم لقرب المخرجين. و قال النخعي بالباء و بالميم البلد و قال الزهري بالباء للمسجد كله و بالميم للحرم و قد كانت الأمم منذ عهد الجاهلية تعظمه و الملوك تبعث إليه بالأموال و الذخائر مثل كسرى و غيره و قصة الأسياف و غزالي الذهب اللذين وجدهما عبد المطلب حين احتفر زمزم معروفة و قد وجد رسول الله صلى الله عليه و سلم حين افتتح مكة في الجب الذي كان فيها سبعين ألف أوقية من الذهب مما كان الملوك يهدون للبيت فيها ألف ألف دينار مكررة مرتين بمائتي قنطار، وزناً و قال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: