===باب جامع الآداب===
===أدب الله لنبيه صلى الله عليه وسلم===
قال أبو عُمر أحمد ببن محمدمحمد: أوّل ما نَبدأ أدبُ النبي {{صل}} ثم أَدبه {{صل}} لأمّته ثم الحكماء والعُلماء وقد أدّبَ الله نَبِيّه بأحسن الآداب كًلها فقال لهله: " وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا ".
فنهاه عن التَقتِير كما نهاه عن التَّبذير وأمره بتوسّط الحاليْن كما قال عزّ وجلّوجلّ: " وَالَّذِينَ إذَا أنْفَقُوا لم يسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وكانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاما " وقد جَمع الله " تبارك و " تعالى لنبيِّه {{صل}} جوامعَ الكَلِم في كتابه المُحْكَكم ونَظِم له مَكارم الأخلاق كلّها في ثلاث كلمات منه فقالفقال: " خُذِ العفو وَأَمًرْ بالعرفِ وأعْرِضْ عَنِ الجاهِلِينَ ".
ففي أَخذِه اللعفو صِلة مَن قَطَعه والصَّفحُ عمَّن ظَلَمه وفي الأمر بالمعروف تَقْوَى الله وغَض الطِّرفِ عن المحارم وصَوْن اللسان عن الكَذِب وفي الإعراض عن الجاهِلين تنزيه النَّفْس عن مماراة السَّفيه ومنازعة اللَجُوجِاللَجُوجِ.
ثم أمره تبارك وتعالى فيماِ أدَّبه باللِّين في عَريكته والرِّفق بأًمّته فقالفقال: " واخفضْ جَناحَك لمن اتَّبَعَكَ مِنَ المؤْمِنِين ".
وقالوقال: " ولَوْ كُنْتَ فَظّا غليظَ الْقَلْب لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ".
وقال تبارك وتعالىوتعالى: " لا تَسْتَوي الحَسَنَةُ وَلا السِّيِّئَةُ اْدْفَعْ بالَّتي هِيَ أحْسَنُ فَإِذَا الَذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كأنَّهُ وَليٌّ حَمِيمحَمِيم.
وَمَا يُلَقَاهَا إلا الذِينَ صَبروا وَمَا يُلَقَاهَا إلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيم ".
فلما وَعى عن الله عزَّ وجلَّ وكَمُلت فيه هذه الآداب قال اللهّ تبارك وِتعالىوِتعالى: " لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ الله لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ".
===باب أدب النبي لأمته صلى الله عليه وسلم===
لأمته قال النبي {{صل}} فيما أدّب به أمته وحَضها عليه من مَكارم الأخْلاق وجَمِيل المعاشرة وإصلاح ذاتِ البَينْ وصِلَة الأرحامالأرحام: أوْصاني ربيِّ بتِسْع " وأنا " أوصيكم بهابها: أوصاني بالإخلاص في السر والعَلانية والعَدْل في الرِّضا والغَضب والقَصْد في الغِنَى والفَقْر وأن أعْفُو عمن ظَلَمني وأعْطي مَن حَرَمني وأصِل مَن قَطعني وأن يكون صَمتي فِكْراً ونُطْقي ذِكْراً ونَظَري عبَراعبَرا.
وقد قال {{صل}}: لا تقْعدوا على ظُهور الطُّرق فإن أَبَيْتم فغُضُوا الأبصار وأفشُوا السلام واهدوا الضالَّ وأعينوا الضعِيفالضعِيف.
وقال {{صل}}: أَوْكُوا السِّقاء واكْفَئُوإ الإناء وأَغْلِقوا الأبواب وأطفِئوا المِصْباح فإن الشيطان لا يَفْتح غَلَقا ولا يحل وِكاءً ولا يَكْشف الإناءالإناء.
وقال {{صل}}: ألا أنَبئكم بشرّ الناس قالواقالوا: بلى يا رسولَ اللهّ قالقال: من أكل وَحْدَه ومَنَع رِفْده وجَلَد عبدَهعبدَه.
ثم قالقال: ألا أُنبئكم بشِرّ من ذلك قالواقالوا.
بلى يا رسول الله قالقال: " من لا يُقيل عزة ولا يقبل مَعْذرة ثم قال أَلاَ أنبئكم بشرّ من ذلك قالوا بلى يا رسول الله {{صل}} " قالقال: مَن يُبغض الناسَ ويُبْغِضونهويُبْغِضونه.
وقالوقال: حَصِّنوا أموالَكم بالزّكاة وداوُوا مَرْضاكم بالصدَقة واستَقْبِلوا البَلاء بالدُّعاء وقالوقال: ما قَلّ وكَفي خير مما كثر وألْهىوألْهى.
وقال المسْلِمون تَتكافأ دِماؤُهم ويَسْعَى بذمَّتهم أدْناهم وهُمْ يَدٌ على مَن سواهمسواهم.
وقالوقال: اليَدُ العُلْيا خيرٌ من اليد السُّفْليالسُّفْلي.
" وقال ": وابْدَأ بمن تَعولتَعول.
وقالوقال: لا تَجْن يَمينُك على شِمالك ولا يًلدغ المُؤمن من جحر مرتينمرتين.
وقالوقال: اْفصِلُوا بين حَدِيثكم بالاستغفار واسْتَعينوا على قضاء حَوائجكم بالكِتمانبالكِتمان.
وقالوقال: أَفضل الأصحاب من إذا ذَكَرْت أعانك وإذا نَسيت ذَكرَّكذَكرَّك.
وقالوقال: لا يُؤَم ذو سُلْطان في سُلْطانه ولا يُجْلس على تَكْرِمته إلا بإِذنهبإِذنه.
وقال {{صل}}: يقول ابن آدم مالي مالي وإنما له من ماله ما أَكل فأفْنى أو لَبِسَ فأبلَى أو وهب فأمْضىفأمْضى.
وقالوقال: سَتَحْرصون على الإمارة فنِعمت المُرْضعة وبئست الفاطمةالفاطمة.
وقالوقال: لا يَحْكمِ الحاكم بين اثنين وهو غَضْبانغَضْبان.
وقالوقال: لو تَكاشفتم ما تَدافَنْتم وما هَلَك امرؤ عَرف قَدْرهقَدْره.
وقالوقال: الناس كإبل مائةٍ لا تَكاد تَجد فيها راحلةً واحدة والناس كلّهم سواء كأسنان المُشْطالمُشْط.
وقالوقال: رَحِم الله عبداً قال خيراً فَغَنِم أو سَكَت فَسَلِمفَسَلِم.
وقالوقال: خَيْر المال سِكَة مَأْبورة ومُهْرة مَأْمورة وخير المال عَينٌ ساهرة لِعَين نائمةنائمة.
وقال في إناث الخيلالخيل: بُطونها كَنْز وظُهورها حِرْزحِرْز.
وقالوقال: ما أملق تاجرٌ صدُوق وما أقفر بيتٌ فيه خَلّخَلّ.
وقالوقال: قَيّدوا العِلم بالكتابةبالكتابة.
وقالوقال: عَلق سَوْطك حيثُ يراه أهلُكأهلُك.
===باب في آداب الحكماء والعلماء===
فضيلة الأدب أوصى بعضُ الحكماء بنيه فقالفقال: الأدب أكرم الجواهر طبيعةً وأنْفسها قيمةً يَرْفع الأحساب الوَضيعة ويُفيد الرَّغائب الجليله ويُعِز بلا عشيرة ويُكثر الأنصار بغَيْر رزيَّة فالبسوه حُلّة وتَزَينُوه حِلْية يُؤْنسكم في الوَحشة ويجمع لكم القُلوب المختلفةالمختلفة.
ومن كلام علّي عليه السلامالسلام: فيما يُروى عنه أنه قالقال: مَن حَلم ساد ومن ساد استفاد ومن استَحيا حُرم ومن هاب خاب ومَن طلب الرّآسة صَبر على السياسة ومَن أبصر عَيْب نفسه عَمِيَ عن عَيب غيره ومَن سلَّ سيف البَغْي قُتل به ومن احتقر لأخيه بئراً وقَع فيها ومَن نَسى زَلَّته استعظم زلّة غيره ومن هَتَك حِجاب غيره اْنهتكت عورات بَيته ومن كابر في الأمور عَطِب ومن اقتحم اللُّجج غَرِق ومن أعجب برأْيه ضَلَّ ومن استغنى بعَقله زلَ ومن تَجَبَّر على الناس ذَلَّ ومن تَعمَّق في العَمَل مَلَّ ومَن صاحَب الأنذال حُقِّر ومن جالس العلماء وُقَر ومن دَخل مَداخل السًوء اتُّهم ومَن حَسَنُ خُلقه سَهُلَت له طُرُقه ومن حَسَّنَ كلامَه كانت الْهَيْبة أمامَه ومَن خَشي الله فاز ومَن استقاد الجَهْل تَرك طَرِيق العَدْل ومَن عرف أجَله قَصًر أمله ثم أنشأ يقوليقول: البَسْ أخاك على عُيوبه واسْتُر وغَطِّ على ذُنوبه واصبر على بَهْتِ السَّفِيهِ وللزَّمان على خُطوبه ودَع الجوابَ تفضلاً وكِل الظلومَ إلى حَسِيبه وقال شَبِيب بن شَيبةشَيبة: اطلُبوا الأدب فإنّه مادًة للعَقْل ودليل على المُروءة وصاحب في الغُربة ومُؤنس في الوَحشة وحِلْية في المَجْلِس " ويجمع لكم القلوب المختلفة ".
وقال عبدُ الملك بن مَروان لبَنِيهلبَنِيه: عليكم بطلب الأدب فإنكم إن احتجتم إليه كان لكم مالاً وإن اسْتَغنيتم عنه كان لكمٍ جمالاًجمالاً.
وقال بعضُ الحكماءالحكماء: اعلم أن جاهاً بالمال إنما يَصْحبك ما صَحِبَكَ المال وجاهاً بالأدب غيرُ زائل عنكعنك.
وقال ابن المقفَّعالمقفَّع: إذا أكرمك الناسُ لمالٍ أو لسُلطانٍ فلا يُعْجِبك ذلك فإنّ الكرامة تزُول بزوالهما ولكن ليُعْجبك إذا أكرموك لدِين أو أدبأدب.
وقال الأحْنَف بن قَيسقَيس: رأسُ الأدب المَنْطِق ولا خَيْر في قوْل إلاِّ بِفِعْل ولا في مال إلا بجُود ولا وقال مَصقلة الزُّبيريّالزُّبيريّ: لا يَستغني الأديب عن ثلاثة واثنن فأما الثلاثةالثلاثة: فالبلاغة والفصاحة وحُسن العِبارة وأما الاثنان فالعِلْم بالأثر والحِفْظ للخَبرللخَبر.
وقالواوقالوا: الحَسَب مُحتاجِ إلى الأدب والمعرفة محتاجة إلى التَّجربةالتَّجربة.
وقال بُزُرْجَمْهِربُزُرْجَمْهِر: ما ورَّث الآباءُ الابناءُ شيئاً خيراً من الأدب لأنّ بالأدب يَكْسِبون المال وبالجهل يُتْلفونه وقال الفُضَيل بن عِياضِعِياضِ: رأسُ الأدب مَعْرِفة الرجل قَدْرهقَدْره.
وقالواوقالوا: حُسْن الخُلق خيْر قَرِين والأدب خير ميراث والتَوفيق خير قَائدقَائد.
وقال سُفيان الثَّوريّالثَّوريّ: مَن عَرَف نفسَه لم يَضِرْه ما قال الناس فيهفيه.
وقال أنو شِرْوان للموبذ وهو العالم " بالفارسيّة ": ما كان أفضلُ الأشياء قالقال: الطبيعة النقيّة تَكْتفي من الأدب بالرائحة ومن العِلْم بالإشارة وكلما يَموت البَذْر في السِّباخ كذلك تموت الحِكْمة بمَوْت الطبيعة قال لهله: صدقت ونحن لهذا قَلّدناك ما قلّدناكقلّدناك.
وقيل لارْدَشِيرلارْدَشِير: الأدبُ أغلبُ أم الطَّبيعة فقالفقال: الأدب زِيادة في العَقل ومَنْبهة للرأيٍ ومِكْسبة للصواب والطَّبيعة أملك لأن بها الاعتقاد ونَماء الغِراسة وتَمام الغِذاءالغِذاء.
وقيل لبعض الحُكماءالحُكماء: أي أعون للعقل بعد الطٌبيعة المَولودة قالقال: أدب مُكْتسبمُكْتسب.
وقالواوقالوا: الأدب أدَبانأدَبان: أدبُ الغَريزة وهو الأصل وأدب الرِّواية وهو الفرع ولا يتفرَّع شيء إلا عن أصله ولا يَنْمى الأصل إلا باتصال المادةالمادة.
وقال الشاعرالشاعر: " ولم أرَ فَرْعًا طال إلا بأصْله ولم أرَ بَدْء العِلْم إلا تعلُّما وقال حَبيب ": وما السيفُ إلا زُبْرَةٌ لو تركتَه على الحالة الأولى لما كان يَقْطعُ وقال آخرآخر: ما وَهب اللهّ لامرىء هِبةً أفضلَ من عَقْله ومن أَدبهْ هُما حياةُ الفَتى فإن فًقِدَا فإنّ فَقْد الحَياة أحسنُ به وقال ابن عبّاسعبّاس: كَفَاك من عِلْم الدِّين أن تَعْرف مالا يَسعك جهلُه وكفاكَ من عِلْم الأدب أن تَرْوي الشاهد والمثاللَوالمثاللَ.
قال ابن قُتيبةقُتيبة: إِذا أردتَ أن تكون " عالماً فاطلب فَنّا واحداً وإذ أردتَ أن " تكون أديباً فتفنَّن في العلومالعلوم.
وقالت الحُكماءالحُكماء: إذا كان الرجل طاهرَ الأثواب كثيرَ الآداب حسنَ المذْهب تأدَّب بأدبه رأيتُ صلاحَ الَمرْء يِصلح أهلَه ويُفسدهم ربُّ الفَساد إذا فَسَدْ يُعظَّم في الدنيا لِفَضل صَلاحه وحْفَظ بعد الموت في الأهْل والوَلد وسُئل ديُوجانِسديُوجانِس: أي الخِصال أحمدُ عاقبة قالقال: الإيمانُ بالله عزّ وجلّ وبرّ الوالدين ومحبّة العُلماء وقبولُ الأدبالأدب.
رُوي عن رسول الله {{صل}} أنه قالقال: مَن لا أدب له لا عقل لهله.
وقالواوقالوا: الأدب يَزيدُ العاقلَ فضلاً ونَباهة ويُفيده رقّة وظَرفاًوظَرفاً.
في رقة الأدب قال أبو بكر بن أبي شَيْبةشَيْبة: قيل للعبّاس بن عبد المطّلبالمطّلب: أنت أكبرُ أم رسول الله {{صل}} قالقال: هو أكبر منّي وأنا أسنّ منهمنه.
وقيل لأبي وائلوائل: أيكما أكبر أنتَ أم الرَّبيع بن خُثَيم قالقال: أنا أكبر منه سنًا وهو أكبر منّي عقلاًعقلاً.
وقال أبان بنُ عثمان لطُويس المغنّىالمغنّى: أنا أكبر أم أنت قالقال: جُعلتُ فداك لقد شَهِدْتُ زفاف أمك المُباركة " على أبيك الطيّبالطيّب.
انظر إلى حِذْقه ورقّة أدبه كيف لم يَقُل أمك الطيبة إلى أبيك المبارك ".
وقيل لعُمر بن ذَرّذَرّ: كيف برّ ابنك بك قالقال: ما مَشَيت نهاراً قطُّ إلا مشى خَلْفي ولا ليلاً إلا مَشى أمامي ولا رَقى عِلّية وأنا تحتهتحته.
ومن حديث عائشة قالتقالت: ما رأيت رسول الله {{صل}} يُبجل أحداً تبجيلَه لعمّه العباسالعباس.
وكان عمر وعثمان إذا لَقِيا العباس نَزلا إعظاماً له إذا كانا راكبَينراكبَين.
الرياشيّ عن الأصمعيّ قالقال: قال هارون الرشيد لعبد الملك بن صالحصالح: هذا منزلُك وقد تقدم هذا الخبر في الخبر الذي فيه مخاطبة الملوك وكذلك قول الحجَّاج للشعبيّللشعبيّ: كم عَطاؤك ومن قولنا في رقة الأدبالأدب: أَدبٌ كمثْل الماء لو أفرغتَه يوما لسال كما يَسيلُ الماءُ أحمد بن بّي طاهر قالقال: قلتُ لعليّ بن يحيى ما رأيتُ أكملَ أدبا منك قالقال: كيف لو رأيتَ إسحاق بن إبراهيم فقلتُ ذلك لإسحاق بن إبراهيم قالقال: كيف لو رأيتَ إبراهيم بن المهديّ فقلتُ ذلك لإبراهيم فقالفقال: كيف لو رأيت جعفر بن يحيى وقال عبدُ العزيز بِن عُمر بن عبد العزيزالعزيز: قال لي رَجاءُ بن حَيْوةحَيْوة: ما رأيتُ أكرمَ أدباً ولا أكرم عِشْرَةً من أبيك سَمَرتُ عنده ليلة فبينا نحن كذلك إذ عَشى المصباحُ ونام الغلام فقلتُفقلتُ: يا أمير المؤمنين قد عَشى المصباح ونام الغلام فلو أذنتَ لي أصلحتُه فقالفقال: إنه ليس من مروءة الرجل أن يَسْتخدم ضيفَه ثم حطّ رداءه عن مَنْكِبيه وقام إلى الدَبَّة فصبَّ من الزيت في المصباح وأشْخص الفَتيلة ثم رَجع " وأخذ رداءه وقالوقال: قمت وأنا عمر ورجعت وأنا عمرعمر.
العتبي عن أبيه قالقال: صوَت رجل عند عمر بن الخطاب في المسجد فلما كانت الصلاة قال عمرعمر: عَزَمتُ على صاحب الصوت إلا قم فتوضّأ " فلم يَقُم أحدٌأحدٌ.
فقال جريرُ بن عبد اللهّاللهّ: يا أميرَ المؤمنين اعزم علينا كلِّنا أن نَقوم فنتوضأ قالقال: صدقتَ ولا عَلِمتُك إلا سيّدا في الجاهليّة فقيها في الإسلام قُوموا فتوضئوافتوضئوا.
الرياشي عن الأصمعي قالقال: حدَّثني عُثمان الشحَّام قالقال: قلتُ للحسنللحسن: يا أبا سعيد قالقال: لَبَّيك قلتقلت: أتقول لي لَبّيك قالقال: إني أقولها لخادميلخادمي.
وقال الشاعرالشاعر: يا حبذا حين تُمسى الريحُ باردةً وادي أًشيٍَ وفِتْيانٌ به هُضمُ مُخدَمون كِرامٌ في مجالسهم وفي الرّحال إذا جَربتَهم خَدم وما أصاحب من قوم فأذْكُرهم إلا يَزيدُهم حُبّا إليَ هُم وقالت الحُكماءالحُكماء: رأسُ الأدب كلِّه حُسنُ الفَهم والتفهّم والإِصغاء للمتكلّمللمتكلّم.
وذكر الشّعبي قوماً فقالفقال: ما رأيتُ مثلَهم أسدَّ تَنَاوباَ في مَجلس ولا أحسن فهما من مُحدِّثمُحدِّث.
وقال الشعبي فيما يَصِف به عبدَ الملك بن مروانمروان: والله ما علمتُه إلا آخذاً بثلاث تاركاً لثلاث آخذاً بحُسن الحدِيث إذا حدث وبُحسن الاستماع إذا حُدِّث وبأيسر المؤونة إذا خُولف تاركاً لمجاوبة اللئيم ومماراة السَّفيه ومُنازعة اللجُوجاللجُوج.
وقال بعض الحُكماء لابنهلابنه: يا بُني تعلِّم حُسن الاستماع كما تتعلّم حُسن الحديث وليعلم الناسُ أنك أحرصُ على أن تَسمع منك على أن تقول فاحذرْ أن تُسرع في القَوْل فيما تُحِبّ عنه الرجوع بالفِعْل حتى يعلم الناسُ أنك على فِعْل ما لم تَقُل منك إلى قَوْل ما لم تَفْعلتَفْعل.
وقالواوقالوا: من حُسن الأدب أن لا تُغالب أحداً على كلامه وإذا سُئِل غيرُك فلا تُجب عنه وإذا حَدًث بحديث فلا تُنازعه إياه ولا تَقْتحم عليه فيه ولا تُره أنك تعَلمه وإذا كلّمت صاحبك فأخذتْه حُجّتك فحسِّن مخرج ذلك عليه ولا تُظهر الظَّفر به وتَعلَم حُسنَ الاستماع كما تعلم حُسنَ الكلامالكلام.
وقال الحسنُ البَصريّالبَصريّ: حَدِّثوا الناسَ ما أقبلوا عليكم بوجُوههمبوجُوههم.
وقال أبو عبًاد " الكاتب ": إذا أنكر المُتكلِّم عين السامع فَلْيسأله عن مَقاطع حديثه والسبَب الذي أُجري ذلك له فإن وَجده يقف على الحقّ أتم له الحديث وإلاّ قطعه عنه وحَرمه مُؤانسته وعَرّفه ما في سُوء الاستماع من الفُسُولة والحِرْمان للفائدةللفائدة.
الأدب في المجالسة ومن حديث أبي بكر بن أبي شَيبةشَيبة: أن النبي {{صل}} قالقال: لا يَقم الرجلُ " للرجل " عن مجلسه ولكن ليُوسع لهله.
وكان عبد الله بن عمر إِذا قام له الرجلُ عن مجلسه لم يجلس فيه وقالوقال: لا يقم أحد لأحد عن مجلسه ولكن افْسَحوا يَفسح الله لكملكم.
أبو أمامة قالقال: خرج إلينا النبي {{صل}} فقمنا إليه فقالفقال: لا تقوموا كما يقوم العجم لعُظمائهالعُظمائها.
فما قام إليه أحد منّا بعد ذلكذلك.
ومن حديث ابن عمرعمر: أن النبي {{صل}} قالقال: إن خرجتُ عليكم وأنتم جُلوس فلا يقومنَّ أحدٌ منكم في وجهي وإن قمت فكما أنتم وإن جلست فكما أنتم فإنّ ذلك خلق من أخلاق المشركينالمشركين.
وقال {{صل}}: الرّجل أحقُّ بصَدْر دابتَّه وصدْر مجلسه وصَدْر فراشه ومن قام من مجلسه وَرَجع إليه فهو أحقّ بهبه.
وقال {{صل}}: إذا جلس إليك أحدٌ فلا تَقم حتى تستأذنه وجَلس رجلٌ إلى الحسن بن عليّ عليهما الرِّضوانُ فقال لهله: إنك جلستَ إلينا ونحن نريد القيام أفتأذَنُ وقال سعيدُ بنُ العاصالعاص: ما مددتُ رجْلي قَطًّ بين يَدي جليسي ولا قمتُ " عن مجلسي " حتى يقوميقوم.
وقال إبراهيمُ النِّخَعيّالنِّخَعيّ: إذا دخل أحدُكمِ بيتاً فَلْيَجْلس حيثُ أجلسه أهلُهأهلُه.
وطَرح أبو قِلابة لِرَجُل جَلَس إليه وسادةً فرَدَّها فقالفقال: أَمَا سَمِعْتَ الحديثَ لا تَردَّ على أخيك كرامَته وقال عليّ بن أبي طالب رضوانُ الله عليهعليه: لا يأبى الكرامةَ إلا حِمارحِمار.
وقال سَعِيد بن العاصالعاص: لجليسي عَلَيَّ ثلاثٌثلاثٌ: إذا دنَا رَحَّبْتُ به وإذا جَلَس وَسَّعتُ له وإذا حَدًث أقبلْت عليهعليه.
وقالوقال: إني لأكره أن يمرّ الذُّباب بجليسي مخافةَ أن يُؤذِيهيُؤذِيه.
الهيثم بن عديّ " عن عامر الشَّعبي " قالقال: دَخل الأحنفُ بنُ قيس على مُعاوية فأشار إليه إلى وِسادةِ فلم يَجلس عليها فقال لهله: ما مَنعك يا أَحْنف أن تَجلِس على الوسادة فقالفقال: يا أمير المُؤمنين إنَّ فيما أَوصى به قَيسُ بن عاصم ولدَه أن قالقال: لا تَسْع للسُّلطان حتى يَمَلَّك ولا تَقْطعه حتى يَنْساك ولا تَجْلِس له على فراش ولا وِسادة واجعلواجعل! بَينك وبينه مَجْلسَ رجل أو وقال الحسنالحسن: " مُجالسةُ الرجل من غير أن يُسأل عن اسمه واسم أبيه مُجالسة النوكىالنوكى.
ولذلك قال شَبيب بن شَيْبة لأبي جعفر ولَقِيه في الطّواف وهو لا يَعرفه فأَعجبه حسن هَيْئته وسَمتهوسَمته: أصلحك الله إنِّي أحب المعرفةَ وأجلَّك عن المسألة فقالفقال: أنا فُلان بنُ فلانفلان.
قال زيادزياد: ما أتيت مجلساً قطّ إلا تركتُ منه ما لو جلستُ فيه لكان لي وتَرْك ما لي أحبُ من أخذ ما ليس ليلي.
وقالوقال: إيّاكَ وصدور المجالس وإن صَدَّرك صاحبُها فإنها مجالس قُلَعةقُلَعة.
وقال " الشعبي ": لأن أدعي مِن بُعْد إلى قُرْب أحبُّ إليَّ من أقصى من قُرْب إلى بعدبعد.
وذكروا أنه كان يوماً أبو السَّمراء عند عبد الله بن طاهر وعنده إسحاقُ ابن إبراهيم فاستدعى عبد الله إِسحاقَ فَناجاه بشيء وطالت النَجوى بينهمابينهما.
قالقال: فاعترَتْني حَيْرَةٌ فيما بين القُعود على ما هما عليه والقيام حتى انقطع ما بينهما وتنَحّى إسحاق إلى مَوْقفه ونظر عبد الله إلي " يا أبا السمراء " إذا النَجيان سرًا عنك أمرهَما فانزحْ بِسَمْعك تَجْهلْ ما يَقُولانِ ولا تُحَملهما ثِقْلاً لخوفهما على تَناجِيهما بالمجلس الدَّاني فما رأيتُ أكرَم منه ولا أرفق أدباً ترك مُطالبتي في هَفْوتي بحق الأمراء وأدَبني أدبَ النُظراءالنُظراء.
وقال النبي {{صل}}: إنما أحدُكم مرآة أخيه فإذا رأى عليه أَذىَ فليمطه عنه وإذا أخذ أحدُكم على أخيه شيئاً فليقلفليقل: لا بك السُّوء وصَرَف اللهّ عنك السُّوءالسُّوء.
وقالواوقالوا: إذا اجتمعت حُرْمتان أسقطت الكبرى الصُّغرىالصُّغرى: وقال المُهلَب بن أبي صفرةصفرة: العيْش كلّه في الجَليس المُمْتعالمُمْتع.
{{العقد الفريد/الجزء الثاني}}
|