الفرق بين المراجعتين لصفحة: «العقد الفريد/الجزء الثاني/3»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
ط تصنيف وقالب
 
سطر 1:
===باب الأدب في العيادة مَرِض===
أبو عمرو بن العَلاء فدَخَل عليه رجلٌ من أصحابه فقال له‏له: أَريد أن أُساهرَك الليلةَ قال له‏له: أنت مُعافي وأنا مًبْتَلي فالعافية لا تَدَعك أن تَسهر والبلاءُ لا يَدَعني أن أنامِ وأسأل الله أن يَهب لأهل العافية الشُّكر ولأهل البلاء الصَّبر‏الصَّبر.
ودَخل كُثير عَزَّة على عبد العزيز بن مَرْوان وهو مريض فقال‏فقال: لو أنّ سُرورك لا يتمّ إلا بأن تَسْلم وأَسْقَم لدعوتُ ربَي أن يَصرف ما بك إليّ ولكن أسأل الله لك أيها الأمير العافية ولي في كَنفك النِّعمة‏النِّعمة.
فضحِك وأَمر له بجائزة فخرج وهو يقول‏يقول: ونعودُ سيِّدَنا وسيِّد َغَيْرنا ليتَ التشكِّي كان بالعوادِ لو كان يُقْبَل فِدْيةٌ لفَدَيْتُه بالمُصْطفي مِن طارِفي وتلاَدِي وكتب رجلٌ من أهل الأدب إلى عَليل‏عَليل: نُبِّئت أنّكَ مُعْتَلّ فقلتُ لهم نَفسي الفِداء لهُ من كلّ مَحْذورِ يا ليتَ عِلّته بي ثَمَّ كان له أجرُ العَليل وأنِّي غيرُ مأجورِ وكتب آخر إلى عليل‏عليل: وَقَيْنَاك لو نُعْطَى الهوى فيك والمُنَى لكان بنا الشَّكْوى وكان لك الأجْرُ وكان شاعرٌ يختلف إلى يَحيى بن خالد بن بَرمك ويمتدحه فغاب عنه أيّاماً لعلّة عرضت له أيهذا الأمير أكرمك الل ه وأبقاك لي بَقاءً طَوِيلاَ أَجَميلاً تراه أصلحك الله لكَيما أراه أيضاً جَميلاً أنَّنَي قد أقمتُ عَنْك قَلِيلاً لا تُرَى مُنْفذاً إليَّ رَسُولا ألذنب فما عَلِمْتُ سوى الشّك ر لما قد أَوْليتنيه جَزِيلا أم مَلالاً فما عَلِمْتًك للحا فظ مِثْلي على الزَمان مَلولا قد أَتى الله بالصَّلاح فما أَن كرت مما عَهِدْتُ إلاّ قَليلا وأَكلتُ الدًّرَّاج وهو غِذاء أفَلت عِلّتي عليه أُفولا وكَأَنِّي قَدِمْتُ قُبْلك آتي ك غداً إن أَجِدْ إليك سَبيلا فكتب إليه الوزير يعتذر‏يعتذر: دَفَعَ الله عنكَ نائبةَ الده رِ وحاشاك أن تكون عَلِيلاَ أُشْهِدُ الله ما علمتُ وما ذَا كَ من العذر جائزاً مَقْبولا ولَعَلِّي لو قد عَلِمْتُ لعاوَدْ تُكَ شَهراً وكان ذاك قَلِيلا أَعْزِرْ على بأن أراك عَليلا أو أن يكون بك السَّقامُ نزيلاَ فَوَددْتُ أنَي مالكٌ لسَلامَتِي فأُعيرَها لك بُكرةً وأَصيلا فتكونَ تَبقى سالماً بسلامتي وأكونَ مما قد عَرَاكَ بَدِيلا هذا أخٌ لك يَشْتكي ما تشتكي وكذا الخليل إذا أَحَبَّ خَليلا ومَرِض يحيى بن خالد فكان إسماعيل بن صُبيح الكاتب إذا دَخَل عليه يَعوده وقف عند رأسه ودَعا له ثم يَخْرُج فيسأل الحاجبَ عن مَنامه وشرابه وطعامه فلمّا أفاق قال يحيى بنُ خالد‏خالد: ما عادني في مرضي هذا إلا إسماعيلُ ابن صُبيح‏صُبيح.
وقال الشاعر‏الشاعر: عِيادة المَرْء يومٌ بين يَوْمين وجَلسةٌ لك مِثْل اللَّحظ بالعين لا تُبْرِمَنَّ مَريضاً في مُساءلة يكفيك من ذاكَ تَسْآل بحرفين وقال بكر بنُ عبد الله لقوم عادوه في مرضه فأطالوا الجلوسَ عنده‏عنده: المريض يُعاد والصحيح يُزار‏يُزار.
وقال سفُيان الثّوْريّ‏الثّوْريّ: حُمْق العُوّاد أشدُّ على المَرضى من أمراضهم يجيئون في غير وقت ويطيلون الجلوس‏الجلوس.
ودخل رجلٌ على عمر بن عبد العزيز يَعوده في مرضه فسأله عن علّته فلمّا أخبره قال‏قال: من هذه العلة مات فلان ومات فلان‏فلان.
فقال له عمر‏عمر: إذا عُدت المَرْضى فلا تَنْعَ إليهم الموْتى وإذا خرجتَ عَنَّا فلا تَعُد إلينا‏إلينا.
وقال ابن عبّاس‏عبّاس: إذا دخلتم على الرَّجل وهو في الموت فبشرُوه ليلقى ربَّه وهو حَسن الظن ولقّنُوه الشهادة ولا تُضْجروه‏تُضْجروه.
ومَرِض الأعمش فأبرمه الناس بالسُّؤال عن حاله فكَتب قصَّته في كِتاب وجعله عند رأسه فإذا سأله أحدٌ قال‏قال: عندك القِصَّة في الكتاب فاقرأها‏فاقرأها.
ولبعضهم‏ولبعضهم: مَرِض الحبيبُ فعُدْتُه فمَرِضتُ من حَذَري عليه وأَتىَ إليَّ يَعُودني فبرِئْتُ من نظري إليه ومَرِض محمدُ بن عبد الله بن طاهر فكتبَ إلى أخيه عبيد اللهّ بن عبد الله‏الله: إنِّي وجدتُ عَلَى جَفَا ئك من فِعالكَ شاهِدَا إني اعتللت في فَقَدْ تُ سِوى رَسولك عائدا ولو اعتللتَ فلم أَجِدْ سبباً إليك مُساعداً فأجابه‏فأجابه: كُحِلت مُقْلتي بشَوك القَتاد لم أذق مُذْ حُمِمْتَ طَعْم الرُّقادِ يا أخي الباذل المودّة والنا زلَ من مقلتي مكانَ السواد منَعَتْني عليك رِقَّةُ قلبي من دُخولي إليك في العُوّاد لوْ بِأُذْني سمعتُ منك أنيناً لتَفَرَّى مع الأنين فؤادي ولمحمد بن يزيد‏يزيد: يا عَلِيلاً أفْدِيك من ألم العِل ة هل لي إلى اللقاء سبيلُ إن يَحُل‏يَحُل! دونك الحجابُ فما يح جَب عني بك الضَّنَى والعَويل وأنشد محمدُ بنُ يزيد قال أنشدني أبو دُهْمان لنفسه وقد دَخل على بعض الأمراء يعوده‏يعوده: بأَنْفُسنا لا بالطَوارِف والتُلْدِ نَقِيك الذي تُخْفِي من السُّقم أو تُبدِي بنا مَعْشرَ العُوّاد ما بك من أذى فإن أَشفقوا مما أقول فَبِي وَحْدِي وكتب أبو تمام الطائي إلى مالك بن طَوْق في شَكاة له‏له: كم لَوْعةٍ للنِّدَى وكم قَلق للمجد والمَكْرمات في قَلَقِكْ ودخل محمد بن عبد الله على المتوكل في شَكاة له يعوده فقال‏فقال: اللهّ يَدفعْ عن نَفْس الإمام لنا وكلّنا للمنايا دُونه غَرَض فليتَ أَنّ الذي يَعروه من مرض العائدين جميعاً لا به المَرَض فبالإمام لنا من غيرنا عِوَض وليس في غيره منه لنا عِوَض فما أُبالي إذا ما نَفْسه سَلِمَتْ لو باد كلُّ عباد الله وانقرضوا وقال آخر في بعض الأمراء‏الأمراء: واعتلّ فاعتلت الدنيا لعِلّته واعتلّ فاعتلَّ فيه البأسُ والكرمُ لما استقَلَّ أنار المَجد وانقشعت عنه الضَّبابة والأحْزان والسَّقم وبلغ قيساً مجنونَ بني عامر أن ليلى بالعراق مريضة فقال‏فقال: يقولون ليلى بالعِراق مريضةٌ فما لك تَجْفوها وأنت صديقُ شَفي الله مرْضى بالعِراق فإنني على كلِّ شاكٍ بالعِراق شفِيق ولمحمد بن عبد الله بن طاهر‏طاهر: أَلْبسك اللَهُ منه عافيةً تُغْنيك عن دَعْوتي وعن جَلَدكْ وقال غيره‏غيره: يا أملي كيف أنتَ من ألمِكْ وكيف ما تَشْتكيه من سَقَمكْ هذان يومان لي أعدُّهما مُذ لم تَلًح لي بُرُوق مُبْتسمك حسدتُ حُمّاك حين قِيل لنا بأنها قَبَّلَتك فوق فَمك ولسُحَيم عَبد بني الحَسحاس‏الحَسحاس: تَجَمّعن شتى من ثلاث وأرْبع ووَاحدةٍ حتى كَمُلنَ ثمانيَا وأقْبلن من أقصى الْخِيام يَعُدْنني ألا إِنما بعضُ العوائد دَائيا وللعباس بن الأحف‏الأحف: قالت مَرِضْت فعُدْتها فتبرَّمت وهي الصحيحة والمريضُ العائدُ والله لو قَسَت القلوبُ كقَلبها ما رَقّ للوَلد الضعيف الوَالدُ وقال الواثق‏الواثق: لا بك السُقْم ولكنْ كان بي وبنَفْسي وبأُمِّي وأبيِ قيل لي إنك صُدِّعتَ فما خالطت سمعيَ حتى دير بي وقَوْلُكِ للعُوّاد كيف تَرَوْنه فقالوا قَتيلاً قلتِ أهونُ هالكِ لئن سَاءَني أن نِلتِني بمَساءَةٍ لقد سَرَني أني خَطرت ببالكِ ومن قولنا في هذا المعنى‏المعنى: رُوح النَّدى بين أثواب العُلا وَصب يَعْتنُّ في جَسد للمجْد مَوْصوب ما أنتَ وحدَك مكْسُوًّا شُحوبَ ضَنى بل كلنا بك من مُضنى ومشحوب يا مَن عليه حِجَابٌ من جَلالته وإِن بدا لك يوماً غير محجوب أَلْقَى عليك يداً للضرُّ كاشفةً كَشَّافُ ضرُّ نبيّ الله أيُوبِ ومثله من قولنا‏قولنا: لا غَرْو إن نال منك السُّقْمُ والضررُ قد تُكْسف الشمسُ لا بل يُخْسَف القمرُ يا غُرّة القمر الذّاوي غَضارتُها فِداً لنُورك منِّي السمعُ والبَصر إن يُمس جسمك موعوكا بصاليةٍ فهكذا يُوعَكُ الضًرغامة الهَصر أنتَ الحُسام فإِن تُقْلَل مضاربُه فقبلَه ما يُفَلّ الصّارِم الذّكَر رُوح من المَجْد في جُثمان مَكْرُمة كأنما الصُّبح من خَدَّيه يَنْفجر لا غرو إن نال منك السقْمُ ما سأَلاَ قد يُكْسَفُ البدر أحياناً إذا كَمُلا ما تَشْتَكي عِلّةً في الدهر واحدةً إلا اشتكي الجُود من وَجْدٍ بها عِلَلا الأدب في الاعتناق أبو بكر بن محمد قال‏قال: حدّثنا سعيد بن " إسحاق عن عليّ بن يونس المَدينيّ " قال‏قال: كنتُ جالساً عند مالك " بن أَنس " فإذا سُفيان بن عُيينة يَستأذن بالباب فقال مالك‏مالك: رجلٌ صالح صاحب سُنَة أدخِلوه فدخل فقال‏فقال: السلامُ عليكم ورحمةُ اللهّ وبركاته فردَ السلام فقال‏فقال: سلامٌ خاصّ وعامّ عليك يا أبا عبد الله ورحمةُ الله فقال مالك‏مالك: وعليك السلامُ يا أبا محمد ورحمةُ اللهّ فصافَحه مالك وقال‏وقال: يا أبا محمد لولا أنها بِدْعة لعانَقْناك فقال سُفيان‏سُفيان: قد عانق مَن هو خيرٌ منَّا رسول الله {{صل}} فقال مالك‏مالك: جعفراً قال‏قال: نعم فقال مالك‏مالك: ذاك حديثٌ خاصّ يا أبا محمد ليس بعامّ فقال سفيان‏سفيان: ما عمَّ جعفراً يَعُمّنا وما خصَّه يخُصّنا إذا كنَّا صالحين أفتأْذن لي أن أُحدَّث في مجلسك قال‏قال: نعم يا أبا محمد فقال‏فقال: حدّثني عبد الله بن طاوس عن أبيه عن عبد الله بن عباس أنه لما قَدِم جعفرٌ من أرض الحبشة اعتنقه النبي {{صل}} وقبل بين عينيه وقال‏وقال: جعفر أشبه الناس بي خَلْقَاَ
===باب الأدب في إصلاح المعيشة===
قالوا‏قالوا: مَن أشبع أرضَه عملاً أشبعت " بيته " خُبزاً‏خُبزاً.
وقالوا‏وقالوا: يقول الثّوب لصاحبه‏لصاحبه: أكرمني داخَلاَ أُكْرِمْك خارجاً‏خارجاً.
وقالت عائشة‏عائشة: المَغزَل بيد المرأة أحسنُ من الرُّمح بيد المُجَاهد في سبيل الله‏الله.
وقال عمرُ بن الخطاب‏الخطاب: لا تَنْهَكوا وجهَ الأرض فإِن شَحمها في وَجْهها‏وَجْهها.
وقال‏وقال: فَرِّقوا بين المَنايا واجعلوا من الرأْس رَأْسين‏رَأْسين.
وقال‏وقال: أملكوا العَجِين فإِنه أحد الرَّيعين‏الرَّيعين.
وقال أبو بكر لغُلام له كان يتَّجر بالثياب‏بالثياب: إذا كان الثوبُ سابغاً فانشرهُ وأنت قائم وإذا كان قَصيراً فانشُره وأنت جالس وإنما البيْع مِكَاس‏مِكَاس.
وقال عبد الملك بن مَرْوَان‏مَرْوَان: مَن كان في يده شيءٌ فلْيُصْلحه فإنه في زمان إن احتاج فيه فأوّل ما يَبْذُل دينهُ‏دينهُ.
===باب الأدب في المؤاكلة===
قال النبي {{صل}}: إذا أَكل أحدُكم فليأكل بيمينه ولْيَشْرَب بيمينه فإنّ الشيطان محمد بن سلاّم الجُمحي قال‏قال: قال بلال بن أبي بُردة وهو أمير على البَصرة للجارود بن أبي سَترْة الهُذليّ‏الهُذليّ: أتحضُر طعامَ هذا الشيخ - يعني عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر - قال‏قال: نعم قال‏قال: فصِفه لي قال‏قال: نأتيه فنجده مُنْبطحاً - يعني نائماً - فنجلس حتى يستيقظ فيأْذن فنُساقطه الحديث فإن حدَّثناه أحسنَ الاستماع وإن حدَّثَنا أحسنَ الحديث ثم يدعو بمائدته وقد تقدّم إلى جواريه وأُمهات أولاده أن لا تُلطفه واحدةٌ منهن " إلا " إذا وُضعت مائدته ثم يُقبل خَبْازه فيمْثُل بين يديه قائماً فيقول له‏له: ما عِنْدك فيقول‏فيقول: عِندي كذا وكذا فيعدِّد ما عنده - يريد بذلك أن يَحْبس كلُّ رجل نفسَه وشهوتَه على ما يًريد من الطعام وتُقْبِل الألوان من هاهنا ومن هاهنا فتوضع على المائدة ثم يُؤتى بثريدة شَهباءَ من الفُلفل رَقْطَاء من الْحِمَّص ذاتِ حِفافينْ من العُرَاق فيأكل مُعذِراً حتى إذا ظنّ أن القوم قد كادوا يمتلئون جثَا على رُكْبتيه ثم استأنف الأكل معهم‏معهم.
قال ابن أبي بُردة‏بُردة: لله ذرُّ عبد الأعلى ما أربطَ جأشَه على وقع الأضراس‏الأضراس.
حضر أعرابيُّ سُفرةَ هشام بن عبد الملك فبَينا هو يأكل معه إذ تعلّقتَ شَعرةٌ في لُقمة الأعرابيّ‏الأعرابيّ.
فقال له هشام‏هشام: عندك شعرة في لُقمتك يا أعرابيّ فقال‏فقال: وإنك لتُلاحظني مُلاحظة من يَرى الشَّعرة في لُقمتي والله لا أكلت عندك أبداً‏أبداً.
ثم خرج وهو يقول‏يقول: وللَموتُ خيرٌ من زيارة باخل يُلاحظ أطرافَ الأكِيل على عَمْدِ محمد بن يزيد قال‏قال: أكل قائدٌ لأبي جعفر المنصور معه يوماً وكان على المائدة محمدٌ المهديّ وصالحٌ ابناه فبينا الرجلُ يأكل من ثَريدة بين أيديهم إذ سَقط بعضُ الطعام من فيه في الغَضَّارة وكأن المهديّ وأخاه عافَا الأكل معه فأخذ أبو جعفر الطّعام الذي سَقط من فم الرجل فأكله‏فأكله.
فالتفتَ إليه الرجلُ فقال‏فقال: يا أميرَ المؤمنين أمّا الدُّنيا فهي أقلُّ وأيسر من أن أتركها لك لكن والله لأتركن في مرضاتك الدُّنيا والآخرة‏والآخرة.
وحدّث إبراهيمُ بن السِّنديّ قال‏قال: كان فتىً من بني هاشم يَدْخل على المنصور كثيراً " يُسلم من بعيد ويَنْصرف "‏‏.
فأتاه يوماً فأدناه ثم دعاه إلى الغَداء فقال‏فقال: قد تغذيتُ‏تغذيتُ.
فأمهله الربيعُ حاجبُ المنصور حتى ظَنّ أنه لم يفهم الخطيئة فلما انصرف وصار وراء السِّتر دَفع في قَفاه‏قَفاه.
فلما رأى من الحاجب دَفعه في قَفاه شَكا الفتى حالتَه وما ناله إلى عُمومته فأقبلوا من غد إلى أبي جعفر وقالوا‏وقالوا: إنَ الربيع نال من هذا الفتى كذا وكذا فقال لهم أبو جعفر‏جعفر: إنَ الرّبيع لا يقدم على مثل هذا إلا وفي يده حُجَّة فإن شئتم أمْسكنا عن ذلك وأغضينا وإن شِئتم سألتُه وأسمعتكم قالوا‏قالوا: بل يسأله أميرُ المؤمنين ونسمع‏ونسمع.
فدعاه فسأله فقال‏فقال: إنّ هذا الفتى كان يأتي فيُسلِّم ويَنصرف من بعيد فلما كان أمس أَدناه أميرُ المؤمنين حتى سلَم من قُرْب وتبذل بين يديه ودعاه إلى غدائه فبلغ من جهله بحق المَرْتبة التي أحلّه فيها أن قال‏قال: قد تغدّيتُ وإذا هو ليس عنده لمن أكل مع أمير المؤمنين وشاركه في يده إلا سدًّ خَلّة الجوع ومثل هذا لا يُقوِّمه القولُ دون الفعل‏الفعل.
فسكت القومُ وانصرفوا‏وانصرفوا.
وقال بكرُ بن عبيد الله‏الله: أحق الناس بلَطْمة مَن أني طعاماً لم يُدْعَ إليه وأحقُّ الناس بلَطْمتين من يقول له صاحب البيت اجلس ها هنا فيقول‏فيقول: لا ها هنا وأحقًّ الناس بثلاث لطمات من دُعي إلى طعام فقال لصاحب المنزل‏المنزل: ادعُ رَبّةَ البيت تأكل معنا‏معنا.
وقال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ‏الجاحظ: لا ينبغي للفتى أن يكون مُكْحلاً ولا مُقبِّباً ولا مُكوكباً ولا شُكامداً ولا حرامداً ولا نُقامداً ثم فسّره فقال‏فقال: أما اُلمكحل فالذي يتعرّق العظم حتى يَدَعه كأنه مُكْحُلة عاج والمًقَبِّب فالذيِ يُركِّب اللحم بين يديه حتى يجعله كأنه قُبّة‏قُبّة.
والمُكَوكب‏والمُكَوكب: الذي يَبْصق في الطِّست ويتَنخّم فيها حتى يصير بُصَاقه كأنه الكواكب في الطَّست‏الطَّست.
والحرَامد‏والحرَامد: الذي يأتي في وقت الغَداء والعَشاء فيقول‏فيقول: ما تأكلون فيقولون من بُغْضه‏بُغْضه: سُمًّا فيُدخل يده ويقول في حِرامّ العيش بعدكم‏بعدكم.
والشُّكامد‏والشُّكامد: الذي يُتْبع اللقمة بأُخرى قبل أن يُسيغها فيَخْتنق كأنه ديك قد ابتلع فأرة‏فأرة.
والنُّقامد‏والنُّقامد: الذي يضع الطعامَ بين يديه ويأكل من بين يدي غيره‏غيره.
ومن الأدب‏الأدب: أن يبدأ صاحبُ الطعام بغَسْل يده قبل الطعامِ ثم يقول لجلسائه‏لجلسائه: من شاء منكم فليغسل فإذا غُسلَ بعد الطعام فَلْيُقَدَمْهم ويتأخر‏ويتأخر.
وقال العلماء‏العلماء: لا يُؤم ذو سُلطان في لسُطانه ولا يُجلس على تَكْرِمته إلا بإذنه‏بإذنه.
وقال زِياد‏زِياد: لا يُسَلَّمُ على قادمٍ بين يَدي أمير المؤمنين‏المؤمنين: ودخل عبد الله بن عبّاس على مُعاوية وعنده زَياد فرحَّب به مُعاوية ووسَّع له إلى جَنْبه وأقبل عليه يُسائله ويُحادثه وزِياد ساكِت فقال له ابن عبّاس‏عبّاس: كيف حالُك أبا المُغيرة كأنك أردت أن تُحْدث بيننا وبينك هِجْرة فقال‏فقال: لا ولكنه لا يُسلَّم على قادم بين يدي أمير المؤمنين‏المؤمنين.
قال ابن عبّاس‏عبّاس: ما أَْدركْت الناس إِلا وهم يُسلمون على إخوانهم بين يدي أمرائهم‏أمرائهم.
فقال له مُعاوية‏مُعاوية: كُفَّ عنه يابن عبّاس فإنك لا تَشاء أن تَغْلِبَ إلا غُلبت‏غُلبت.
الشّيبانيّ قال‏قال: بَصق ابن مَرْوان فقَصر في بَصْقته فوقعت في طَرف البِساط فقام رجلٌ من المجلس فمسَحه بكُمّه‏بكُمّه.
فقال عبدُ الملك بن مَرْوان‏مَرْوان: أَرْبعة لا يُسْتحي من خِدْمتهم‏خِدْمتهم: الإمام والعاِلم والوالد والضيف‏والضيف.
وقال يحيى بن خالد‏خالد: مُساءَلة المُلوكِ عن حالها من تَحيَّة النَّوْكَى فإذا أردتَ أن تقول‏تقول: كيف أصبح الأمير فقُل‏فقُل: صَبَّح الله الأميرَ بالنِّعمة والكرامة وإن كان عليلاً فأردتَ أن تَسأله عن حاله فقُل‏فقُل: أنزل الله علِى الأمير الشِّفاء والرِّحمة‏والرِّحمة.
وقالوا‏وقالوا: إذا زادك المَلِك إكراماً فزِدْه إعظاماَ ماذا جَعلك عَبْداَ فاجعله ربًّا ولا تُدِيمن النظر إليه ولا تُكثر من الدُّعاء له في كلِّ كلمةٍ‏كلمةٍ.
ولا تتغير له إذا سَخِط ولا تَغتر به إذا رَضيَ ولا تُلْحِف في مسألته‏مسألته.
وقالوا‏وقالوا: الملوك لا تُسْال ولا تُشمَّت ولا تُكَيف‏تُكَيف.
وقال الشاعر‏الشاعر: إِنَّ المُلوكَ لا يُخَاطَبُونَا ولا إذَا مَلُوا يُعَاتَبُونَا وفي المَقَال لا يُنَازَعُونَا وفي العطاس لا يُشَمًتونَا وفي الخطاب لا يُكَيَّفُونَا يُثنى عليهم ويُبَجًلونَا فافْهَم وَصاتي لا تكُن مَجْنُونا وقالوا‏وقالوا: من تمام خِدْمة الملوك أن يُقَرِّب الخادمَ إليه نَعْلَيْه ولا يَدَعه يَمشي إليهما ويَجعل النعلَ اليُمنى قُبالة الرِّجل اليمنى واليُسرى قُبالة الرجل اليُسرى وإذا رأى مُتَّكأ يَحتاج إلى إصلاح أصْلَحَه ولا يَنْتظر فيه أمرَه ويَتفقد الدَواة قبلَ أن يَأمره ويَنْفُضِ عنها الغبار إِذا قَربها إليه وإن رأى بين يديه قِرْطاساً قد تباعد عنه قَرّبه إليه وَوَضعه بي يديه على كِسْره‏كِسْره.
وقال أصحابُ معاوية لمُعاوية‏لمُعاوية: إنّا ربما جَلَسنا عندك فوقَ مِقْدار شَهْوتك فأنتْ تَكْره أن تَسْتَخِفَّنا فتأمر بالقيام ونحن نكرْه أن نُثْقِل عليك في الجُلوس فلو جعلتَ لنا علامةً نَعْرِف بها ذلك فقال‏فقال: علامةُ ذلك أن أقولَ‏أقولَ: إذا شِئتم‏شِئتم.
وقيل مثلُ ذلك لعبد الملك بن مروان فقال‏فقال.
إذا وضعتُ الخَيْزُرانة‏الخَيْزُرانة.
وما سمعتُ بألطف مَعنى ولا أكملَ أَدَباً ولا أحسنَ مَذْهباً في مُساءلة الملوك من شَبِيب بن شَيْبة وقوله لأبي جَعْفَر‏جَعْفَر: أَصْلَحَكَ الله إني أُحِبُ المعرفة وأُجِلّك عن السُّؤال‏السُّؤال.
فقال له‏له: فلان بن فُلان‏فُلان.
===باب الكناية والتعريض===
ومن أَحْسن الكِناية اللَطيفة عن المعنى الذي يَقْبحُ ظاهرهُ‏ظاهرهُ: قيل لعُمَر بن عبد العزيز وقد نَبتَ له حبنٌ تحت أُنْثَيَيْه‏أُنْثَيَيْه: أين نبَتَ بك هذا الحِبْن قال بين الرانفة والصَّفْن‏والصَّفْن.
وقال آخر ونَبتَ به حِبْن في إبطه‏إبطه: أين نبت بك هذا الحِبْن قال‏قال: تحت مَنْكِبيّ‏مَنْكِبيّ.
وقد كَنَى اللهّ تعالى في كِتابة عن الجماع بالمُلامَسة وعن الحَدَث بالغائط فقال‏فقال: " أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمِ مِن الغَائِطِ " والغائطَ‏والغائطَ: الفَحْص " وهو المُطْمئن من الأرض " وجَمْعه‏وجَمْعه: غِيطان‏غِيطان.
" وقالُوا مَا لِهَذا الرّسُول يأكًلُ الطَّعامَ "‏‏.
وإنما كنّى " به " عن الحَدث‏الحَدث.
وقال تعالى‏تعالى: " واضْمُمْ يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْر سًوءٍ "‏‏.
فكنّى " بالسوء " عن البرص‏البرص.
ودخل الرّبيع بن زياد على النُّعمان بن المُنذر وبه وَضح فقال‏فقال: ما هذا البَياض بك فقال‏فقال: سيف اللهّ جلاه‏جلاه.
ودخل حارثةُ بن بدر على زياد وفي وَجهه أثر فقال له زياد‏زياد: ما هذا الأثر الذي في وَجْهِك قال‏قال: رَكِبت فَرَسي الأشقر فجمح بي فقال‏فقال: أما إنك لو رَكِبْت الأشهب لما فعل ذلك‏ذلك.
فكنّى حارثة بالأشقر عن النبيذ وكنّى زياد بالأشهب عن اللبن‏اللبن.
إذَا ما مات مَيْتٌ من تميم وسرك أن يَعيش فجِيءْ بزادِ بخُبز أو بتَمْرِ أو بِسَمْنِ أو الشيءِ المُلَفَفِ في البِجَاد تراه يَطُوف في الافاقْ حِرْصاَ ليأكل رأس لُقمان بن عاد ما هذا الشيء الملفّف في البِجاد قال الأحنف‏الأحنف: السّخينة يا أميرَ المؤمنين‏المؤمنين.
قال معاوية‏معاوية: واحدةٌ بأخرى والبادي أظلم - والسّخينة طعام كانت تعمله قريش من دقيق وهو الخَريزة فكانت تُسَب به وفيه يقول حسَّان بن ثابت‏ثابت: زَعمْت سَخينة أن ستَغْلِب رَبّها وليُغْلِبنّ مُغالِب الغلابِ وقال آخر‏آخر: تَعشوا من خَزيرتهم فناموا ولمّا عَزل عثمانُ بن عفان عمرو بن العاص عن مِصر وولاها ابن أَبي سَرْح دخل عمرو على عُثمان وعليه جُبّة محشوّة فقال له عُثمان‏عُثمان: ما حَشْو جُبّتك يا عمرو قال‏قال: أنا قال‏قال: قد علمتُ أنك فيها‏فيها.
ثم قال له يا عمرو‏عمرو: أشعرتَ أن اللِّقاح درّت بعدك ألبانُها فقال‏فقال: لأنكم أعجفتم أولادَها‏أولادَها.
فكنّى عثمان عن خَراج مصر باللّقاح وكنّى عمرو عن جَوْر الوالي بعده وأنه حَرم الرزق أهلَ العطاء ووفَّره على السلطان‏السلطان.
وكان في المَدِينة رجلٌ يُسَّمى جَعْدة يُرجِّل شعره ويتعرَّض للنساء المِعْزَبات فكتب رجلٌ من أَلاَ أَبلغ أبا حَفْص رسولاً فدًى لك من أَخي ثِقَةٍ إزَارِي قَلائِصُنا هدَاكَ اللهّ إنّا شُغِلنا عنكُم زمنَ الحصارِ يُعَقِّلُهن جَعْد شيظمي وبِئْسَ مُعَقّلُ الذًوْد الظُّؤار فكنَى بالقلائص عن النّساء‏النّساء.
وعَرض برجل يقال له جَعْدَة‏جَعْدَة.
فسأل عنه عمرُ فَدُل عليه فجزّ شَعره ونَفَاه عن المدينة‏المدينة.
وسمعِ عمرُ بن الخطاب امرأة في الطّواف تقول‏تقول: فَمِنْهُنَّ من تُسْقَى بعَذْب مُبرد نًقاخ فتِلْكم عند ذلك قرَتِ ومنهنّ مَن تُسْقَى بأخضرَآجن أُجاجٌ ولولا خشيةُ الله فَرَّت ففهم شكواها فبَعث إلى زَوْجها فوجده متغيِّر الفم‏الفم.
فخيَّره بين خمسمائة من الدراهم وطلاقِها‏وطلاقِها.
فاختار الدَّراهم فأعطاه وطَلّقها‏وطَلّقها.
ودخل على زياد رجلٌ من أشراف البصرة فقال له زياد‏زياد: أين مَسكنك من البَصرة قال‏قال: في وَسطها قال له‏له: كم لك من الولد قال‏قال: تِسْعة فلما خرج من عنده قيل له‏له: إنه ليس كذلك في كل ما سألته وليس له من الوَلد إلاّ واحدٌ وهو ساكن في طَرف البَصرْة‏البَصرْة.
فلمّا عاد إليه سأله زياد عن ذلك فقال له‏له: ما كذبتُك لي تسعة من الولد قَدَمْت منهم ثمانية فهم لي وبقي معي واحد فلا أدري إليَ يكون أم عليَّ ومنزلي بين المدينة والجَبانة فأنا بين الأحياء والأموات فمنزِلَي في وَسط البَصرة قال‏قال: صدقت‏صدقت.
الكناية يورى بها عن الكذب والكفر لما هَزم الحجاجُ عبدَ الرحمن بن الأشعث وقتَل أصحابَه وأسرَ بعضهم كتب إليه عبدُ الملك بن مَرْوان أن يَعْرِض الأسرى على السيف فمَن أقرَّ منهم بالكفر خلِّى سبيلَه ومَن أبَى يَقْتله فأُتي منهم بعامر الشًعبي ومطرِّف ابن عبد الله بن الشّخّير وسعيد بن جُبَير فأمّا الشعبي ومطرِّف فذَهبا إلى التعريض والكناية ولم يُصرِّحا بالكفر فَقبِل كلامهما وعفا عنهما وأمّا سعيد ابن جُبير فأبى ذلك فقتل‏فقتل.
وكان مما عرَّض به الشعبي فقال أَصلح الله الأمير نَبا المنزل وأَحْزَن بنا الجَناب واستَحلَسْنا الخوفَ واكتَحلنا السهرَ وخَبطتنا فتنةٌ لم نكن فيها برَرَة أتقياء ولا فَجَرة أقوياء‏أقوياء.
قال صدقَ والله ما بَرُّوا بخروجهم علينا ولا قَوُوا خَلّيا عنه ثم قُدِّم " إليه " مُطرِّف بن عبد الله فقال له الحجّاج‏الحجّاج: أَتُقِرّ على نفسِك بالكفر قال‏قال: إنّ مَن شق العصا وسَفَك الدماء ونكث البَيْعة وأخاف المسلمين لجديرٌ بالكفر قال‏قال: خليا عنه‏عنه.
ثمّ قُدّم إليه سعيد بن جُبير فقال له‏له: أتقِر على ولما وَلي الواثقُ وأَقعد للناس أحمدَ بن أبي دُوَاد للمحنة في القُرآن ودعا إليه الفُقهاء أُتي فيهم بالحارث بن مِسْكين فقيل له‏له: أتَشهد أنّ القرآن مخلوق قال‏قال: أشهدُ أنّ التوراة والإنجيل والزَّبور والقرآن هذه الأربعة مخلوقة ومَدّ أصابعه الأربع فعرض بها وكنَى عن خلق القرآن وخلِّص مُهْجَته من القَتل‏القَتل: وعَجز أحمدُ بن نَصر فقيهُ بغداد عن الكِناية فأباها فقُتِل وَصلِب‏وَصلِب.
ودَخل بعضُ النسّاك على بعض الخُلفاء فدعاه إلى طَعامه فقال له‏له: الصائم لا يأكل يا أميرَ المؤمنين وما أذكِّي نفسي بل الله يُزَكِّي مَن يشاء وإنما كره طعامه‏طعامه.
الأصمعيُّ عن عيسى بن عمر قال بينما ابن عِرْباض يَمشي مُقْدِماً لِطيَّتِه إذ استقبلته الخوارج يَجزُّون الناسَ بسيوفهم فقال لهم‏لهم: هل خَرج إليكم في اليهود شيء قالوا‏قالوا: لا قال‏قال: فامضُوا راشِدين فمضَوْا وتركوه‏وتركوه.
ولقي شيطانُ الطاق رجلاً من الخوارج وبيده سيفٌ فقال له الخارجي‏الخارجي: واللهّ لأقتلنَّك أو تبرأَ من عليّ فقال له‏له: أنا من عليّ ومن عثمان بريء " يريد أنه من عليّ وبريء من عثمان " 0 أبو بكر بن أبي شَيْبة قال‏قال: قال الوليد " بن عُقْبة " على المِنْبر بالكوفة‏بالكوفة: أًقسمُ على مَن سمّاني أَشعرَ بَرْكاً إلا قام " فخرج عنّي " فقام إليه رجل من أهل الكوفة فقال له‏له: ومَن هذا الذي يقوم " وقال معاويةُ لصعْصعة بن صوحان‏صوحان: اصْعَد المنبر فالْعَن عليَّا " فامتنع من ذلك وقال‏وقال: أو تُعْفيني قال‏قال: لا‏لا.
فَصَعد المنبر فَحَمِد اللهّ وأثنى عليه ثم قال‏قال: معاشر الناس إنّ معاوية أمرني أن ألعن عليَّاً فالعَنُوه لعنه الله "‏‏.
===الكناية عن الكذب في طريق المدح===
المدائنيّ قال‏قال: أتي العُرْيان بن الهَيْثم بغلام سكران فقال له‏له: مَن أنت فقال‏فقال: أنا ابن الذي لا يَنْزلُ الدَّهرِ قدرُه وإن نزلت يوماً فسوف تَعودُ ترى الناسَ أفواجاَ إلى ضوْء ناره فمنهم قِيامٌ حولها وقُعود فظنّه ولداً لبعض الأشراف فأمر بتخليته‏بتخليته.
فلمّا كُشف عنه قيل له‏له: إنّه ابن باقلاني‏باقلاني.
ودخل رجل على عيسى بن موسى وعنده ابن شُبْرمة " القاضي " فقال له‏له: أتعرف هذا الرجل - وكان رُمي عنده بريبة - فقال " نعم " إن له بيتاَ وقَدماً وشرَفاً فخلّى سبيلَه‏سبيلَه.
فلمّا انصرف ابن شبرمة قال له " أصحابُه "‏‏: أكنت تعرف هذا الرجل قال‏قال: لا ولكني عرفُ أنّ له بيتاً يأوي إليه وقدماَ يمشي عليها وشرفُه أُذناه ومَنْكباه‏ومَنْكباه.
وخطب رجل لرجل إلى قوم فسألوه‏فسألوه: ما حِرْفته فقال‏فقال: هو نخَّاس الدوَاب فزوّجوه فلمّا كُشف عنه وجدوه يبيع السَّنانير فلمّا عنِّفوه في ذلك قال‏قال: أوَ ما السنانير دواب ما كذبتكم في شيء‏شيء.
ودخل مُعلَى الطائي على ابن السَّرِيّ يعوده في مرضه فأنشده شعراً يقول فيه‏فيه: فأُقسم إن منَّ الإله بصحَة ونَال السَّرِيُ بنُ السرِيِّ شفَاءَ لأرتَحِلِّن العِيسَ شهراً بحِجة وأُعتق شُكرإً سالماً وصَفَاء فلمّا خرج من عنده قال له أصحابُه‏أصحابُه: والله ما نعلم عبدَك سالماً ولا عبدك صَفاء فمَن أردت أن تُعتق قال هما هرّتان عندي والحجّ فريضة واجبة فما عَلَيِّ في قولي شيءإن شاء الله تعالى‏تعالى.
===باب في الكناية والتعريض في طريق الدعابة===
سُئل ابن سيرين عن رجل فقال‏فقال: تُوفّي البارحة‏البارحة.
فلما رأى جَزَع السائل قال‏قال: " الله يَتوفَى الأنفسَ حين مَوْتها والتي لم تمُتْ في مَنامها " وإنما أردتُ بالوَفاة النوم‏النوم.
ومَرِض زيادٌ فدخَل عليه شُريح القاضي يَعوده‏يَعوده.
فلمِّا خَرج بعث إليه مَسْرُوقُ بنِ الأجْدَع يسأله‏يسأله: كيف تركتَ الأمير قال‏قال: تركتُه يأمر وينهى فقال مَسروق‏مَسروق: إن شُرَيحاَ صاحبُ تَعرِيض " عَوِيص " وكان سِنان بن مُكمِّل النُميريّ يُساير عُمر بن هبيرة الفَزاريّ يوماً على بَغلة فقال له ابن هُبيرة‏هُبيرة: غُضَّ من عِنان بَغلتك فقال‏فقال: إنها مكتوبة أصلح الله الأمير‏الأمير.
أراد ابن هُبيرة قول جرير‏جرير: فغُضَّ الطَّرْفَ إنك من نُمير فلا كَعْباً بلغتَ ولا كلابَا وأراد سِنَان قولَ الشاعر‏الشاعر: لا تَأمننَ فَزاريَّاً خَلوتَ به على قَلُوصك واكتُبْها بأسْيارِ ومرّ رجلٌ من بني تَميم برجل من بني نُمير على يده بازي فقال التَّميميُ للنّميريّ‏للنّميريّ: هذا البازي لك فقال له النُّميري‏النُّميري: نعم وهو أهدَى من القَطا‏القَطا.
أراد التميميُّ قولَ جرير‏جرير: أنا البازي المُطِلّ على نُمَيْر أُتِحْتُ لها من الجوِّ انصبابَا وأراد النميري قول الطِّرِمْاح‏الطِّرِمْاح: تَميم بطُرْق اللُّؤم أهدَى من القَطَا ولو سَلكت سُبْل المكارم ضَلَّتِ ودخل رجلٌ من مُحارب على عبد الله بن يَزيد الهلاليّ وهو والي أَرْمِينية وقَريبٌ منه غَدير فيه ضفادع فقال عبد الله بن يزيد‏يزيد: ما تركتنا شيوخ مُحارب نَنام الليلة فقال له المُحاربيّ‏المُحاربيّ: أصلح الله الأمير أَو تدْري لمَ ذلك قال‏قال: ولم قال‏قال: لأنها أضفَت بُرْقُعاً لها قال‏قال: قَبّحك اللهّ تَنِقّ بلا شيء شُيوخُ مُحَاربِ وما خِلتُها كانت تَريش ولا تَبْرى ضَفادع في ظَلماءِ ليلٍ تَجاوبتْ فدلَّ عليها صوتُها حَيَّةَ البَحَر وأراد المُحاربيُّ قولَ الشاعر‏الشاعر: لكلّ هِلاليّ من الًّلؤم بُرْقُع ولابن يزيد بُرقعٌ وقميص ُ وقال مُعاوية لعبد الرحمن بن الحَكم‏الحَكم: استعْرِض لي هذين الفَرسين فقال‏فقال: أحدُهما أجَشُّ والآخر هَزِيم يعني قولَ النَّجاشيّ‏النَّجاشيّ: ونَجَّى ابن هِنْد سابحٌ ذو عُلالةِ أجشُّ هَزيم والرِّماح دواني فقال مُعاوية‏مُعاوية: أما إنَ صاحبَهما على ما فيه " لا " يُشئب بكَنائنه‏بكَنائنه.
وكان عبدُ الرحمن يُرْمى بكنَّتِه‏بكنَّتِه.
وشاور زيادٌ رجلا من ثِقاته في آمرأة يتزوَّجها فقال‏فقال: لا خير لك فيها إني رأيتُ رجلاً يُقبِّلها فتركها وخالَفه الرجل إليها وتزوَّجها‏وتزوَّجها.
فلما بلغ زياداً خبرهُ أرسل إليه وقال له‏له: أما قلتَ لي إنك رأيتَ رجلاً يُقبِّلها قال‏قال: نعم رأيتُ أباها يُقبِّلها‏يُقبِّلها.
وقال أعرابيُ لعمرَ بن الخطّاب رضي الله عنه‏عنه: يا أميرَ المؤمنين احمِلْني وسُحَيما على جمل فقال‏فقال: نَشدتك الله يا أعرابيّ أسُحيم هذازِق قال‏قال: نعم ثم قال‏قال: مَن لم يَنْفعه ظنه لم يَنْفعه وودَّع رجلٌ رجلاً كان يُبْغِضُه فقال‏فقال: امض في سّرٍ مِن حِفْظ الله وحِجاب من كلاءته‏كلاءته.
فَفطِن له الرجل فقال‏فقال: رَفع الله مكانك وشَدِّ ظهرك وجَعلك مَنظوراً إليك‏إليك.
والشَّيباني قال‏قال: كان ابن أبي عَتيق صاحبَ هَزْل ولهو واسمُه عبد الله بن محمد بن أبي بَكر " الصدِّيق رضي الله عنهم " وكانت له آمرأة من أشراف قَريش وكان لها فتياتٌ يُغنين في الأعراس والمآتم فأمرت جاريةً منهن أن تغنِّي بشعر لها قالتْه في زَوْجها فتغنّت الجاريةُ وهو يسمع‏يسمع: ذَهب الإله بما تَعيش به وقمرتَ لُبك أيما قَمْرِ أنفقت مالك غير مُحْتشم في كلِّ زانية وفي الخمر فقال للجارية‏للجارية: لمن هذا الشًعر قالت‏قالت: لموْلاتي‏لموْلاتي.
فأخذ قرْطاساً فكتبه وخرج به فإذا هو بعبد الله بن عُمر بن الخطاب فقال‏فقال: يا أبا عبد الرحمن قف قليلا أُكلمك فوقف عبد الله بن عمر فقال‏فقال: ما تَرى فيمن هجاني بهذا الشعر وأنشد البيتن قال‏قال: أرى أن تَعفو وتَصفح قال‏قال: أما وإللهّ لئن لقيتُه لأنيكنَه فأخذ ابن عُمر ينَكُله ويَزْجره وقال‏وقال: قبّحك اللهّ‏اللهّ.
ثم لَقيه بعد ذلك بأيام فلما أبصره ابن عُمر أعرض عنه بوَجْهه فاستقبله ابن أبي عَتيق فقال له‏له: سألتُك بالقبر ومَن فيه إلا سمعتَ مني حرفين فولاه قفاه وأنصت له قال‏قال: علمتَ أبا عبد الرحمن أني لقيتُ قائل ذلك الشعر ونِكْته فصعِق عبد الله ولُبِط به فلما رأى ما نَزَل به دنا من أُذنه وقال‏وقال: أصلحك الله إنها امرأتي " فلانة "‏‏.
فقام ابن عمر وقَبل ما بي عَيْنيه " وتبسَّم ضاحكاً "‏‏.
===باب في الصمت===
كان لُقمان الحكيم يجلس إلى داود صلى اله عليه وسلم " مُقْتَبسا " وكان عبداً أسود فوجده وهو يَعمل دِرْعاً من حديد فعجب منه ولم يَرَ درْعاً قبل ذلك فلم يسأله لُقمان عما يَعمل ولم يُخبره داود حتى تمَّت الدِّرع بعد سنة فقاسها داودُ على نفسه وقال‏وقال: زِرْد طافا ليوم قِرَافا‏قِرَافا.
تفسيره‏تفسيره: درع حَصينة ليوم قِتال‏قِتال.
فقال لُقمان‏لُقمان: الصمت حُكم وقَليل فاعله‏فاعله.
وقال أبو عبيد الله كاتبُ المهدىِّ‏المهدىِّ: كُن على التماس الحظ بالسكوتِ أحرصَ منك على التماسه بالكلام إِنّ البلاء موَكَلٌ بالمنطق‏بالمنطق.
وقال أبو الدَّرداء‏الدَّرداء: أنْصف أُذنيك مِن فيك فإنما جُعل لك أُذنان اثنان وفَم واحد لِتسمع أكثر مما تقوله ابن عَوْف عن الحسن قال‏قال: جلسوا عند مُعاوية فتكلّموا وسكت الأحنف فقال مُعاوية‏مُعاوية: مالك لا تتكلّم أبا بَحْر قال‏قال: أخافُك إن صدقتُ وأخاف الله إن كذبت‏كذبت.
وقال المُهلَّب بن أًبي صُفْرة‏صُفْرة: لأن أرى لعقل الرجل فضلاً على لسانه أحبُّ إليَّ من أن أرى للسانه فضلا على عقله‏عقله.
وقالوا‏وقالوا: مَن ضاق صدرُه اتسع لسانُه ومَن كثُر كلامُه كثُر سَقَطه ومَن ساء خُلقه قلَّ صديقُه‏صديقُه.
وقال هَرم ابن حيّان‏حيّان: صاحبُ الكلام بين إحدى مَنْزلتين إن قصَّرَ فيه خصم وإن أَغْرق فيه أَثِم‏أَثِم.
وقال شَبيب بن شَيبة‏شَيبة: مَن سمع الكلمة يَكرهها فسكتَ عنها انقطع ضرُّها عنه‏عنه.
وقال أكثمُ بن صَيْفيّ‏صَيْفيّ: مَقْتل الرجل بين فَكًيه‏فَكًيه.
وقال جعفر بن محمد بن عليِّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب رضي اللهّ عنهم‏عنهم: يَموت الفتَى من عَثْرة بلِسانِه وليس يموتُ المرءُ من عَثْرة الرِّجْل فعثرته مِن فِيه تَرْمِي برأْسه وعثرتُه بالرِّجْل تَبرا على مَهْل وقال الشاعر‏الشاعر: الْحِلم زَيْنٌ والسكُوتُ سلامةٌ فإذا نَطقتَ فلا تَكُنْ مكثَارَا ما إن نَدِمْتُ على سُكُوتي مَرّةً لكن نَدِمْتُ على الكلام مِرَارا وقال لحسن بن هانيء‏هانيء: خَلّ ِجنبيك لِرَامِي واْمض عنه بسَلاَم ربَّ لفظ ساق آجا ل فِئَام وفئام إنما الساِلمُ من أَلْ جَم فاهُ بِلِجَام وقال بعض الحكماء‏الحكماء: حَظّي من الصّمت لي ونَفْعُه مَقْصور عَلَيَّ وحظّي من الكلام لغيري وَوَباله راجع عَليَّ‏عَليَّ.
وقالوا‏وقالوا: إذا أعجبك الكلامُ فاصمُت‏فاصمُت.
وقال رجلٌ لعمر بن عبد العزيز‏العزيز: متى أتكلم قال‏قال: إذا اشتهيتَ أن تَصْمُت قال‏قال: فمتى أصمُتَ قال‏قال: إذا اشتهيتَ أن تتكلّم‏تتكلّم.
وقال النبي {{صل}}: ما أعْطيَ العبدُ شرّا مِن طَلاقة اللّسان‏اللّسان.
وسَمِع عبد الله بن الأهتم رجلا يتكلم فيُخْطىء فقال‏فقال: بكلامك رُزِق الصمتُ المحبة‏المحبة.
 
{{العقد الفريد/الجزء الثاني}}