الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مبسوط السرخسي - الجزء الثاني عشر»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
OKBOT (نقاش | مساهمات)
ط تدقيق إملائي. 88 كلمة مستهدفة حاليًا.
 
سطر 6:
[ 2 ]
بسم الله الرحمن الرحيم (كتاب الذبائح) قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة وفخر الاسلام السرخسى رحمه الله تعالى (لا يحل ما ذبح بسن أو ظفر غير منزوع لانه قتل وتخنيق وليس بذبح) ففى الذبح الانقطاع بحدة الآلة وفي هذا الموضع الانقطاع بقوته لا بحدة الآلة ولان آلة الذبح غير الذابح وسنه وظفره منه ولا بأس باكله إذا كان منزوعا عندنا ولا يحل عند الشافعي رحمه الله لظاهر قوله عليه الصلاة والسلام ما أنهر الدم وأفرى الاوداج فكل ما خلا السن والظفر فانها مدى الحبشة ولكنا نقول المراد غير المنزوع فان الحبشة يستعملون في ذلك سنهم وظفرهم قبل النزع وذكر في بعض الروايات ماخلا العض بالسن والقرض بالظفر والعض والقرض انما يتحقق في غير المنزوع عادة ثم المنزوع آلة محددة يحصل بها تسييل الدم النجس فكانت كلسكين الا أنه يكره الذبح بها لزيادة ايلام ومشقة على الحيوان ولا يعد هذا الفصل من الاحسان في الذبح قال عليه الصلاة والسلام إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح الحديث. قال (وما أنهر الدم وأفرى الاوداج فلا بأس بأن يذبح به حديدا كان أو قصبا أو حجرا محددا أو غير ذلك) لما روى أن عدى بن حاتم رضى الله عنه قال أرأيت يارسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ان صاد أحدنا صيدا وليس معه سكين فذبحه بشق العصا أو بالمروة أيحل ذلك فقال عليه الصلاة والسلام أنهر الدم بما شئت وكل. ولان المقصود تمييز الطاهر من النجس وذلك حاصل بكل آلة محددة ثم تمام الذكاة بقطع الحلقوم والمرئ والودجين فان قطع الاكثر من ذلك فذلك كقطع الجيمع في الجل لحصول المقصود في الاكثر من ذلك * واختلف الروايات في تفسير ذلك فروى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله أنه إذا قطع ثلاثا منها أي ثلاث كان فقد قطع الاكثر. وعن محمد رحمه الله قال ان قطع الاكثر من كل
[ 3 ]
واحدة منها فذلك يقوم مقام قطع الجميع فأما بدون ذلك بتوهم البقاء فلا تتم الذكاة وعن أبى يوسف رحمه الله قال وان قطع الحلقوم والمرئ وأحد الودجين حل وشرط ثلاثه فيها الحلقوم والمرئ وأحد الودجين لان الحلقوم مجرى العلف والمرئ مجرى النفس والودجان مجرى الدم فبقطعع أحد الودجين يحصل ما هو المقصود من تسييل الدم فأما قطع مجرى النفس لابد منه ولا يقوم غيره مقامه في ذلك والشافعي رحمه الله يقول وإذا قطعع الحلقوم والمرئ حل وان لم يقطع الودجين لانه لا بقاء بعد قطع الحلقوم والمرئ ولكن هذا فاسد لان المقصود تسييل الدم النجس وبدون حصول المقصود لا يثبت الحل. قال (وإذا ذبحت شاة من قبل القفا فقطع الاكثر من هذه الاشياء قبل ان تموت حلت) لتمام فعل الذكاة وان ماتت قبل قطع الاكثر لم تحل لانها ماتت بالجرح لا بالذبح في المذبح ولانه لا يثبت الحل عند القدرة على الذبح في المذبح ويكره هذا الفعل لما فيه من زيادة ايلام غير محتاج إليه قال (وكذلك ان ضربها بسيف فأبان رأسها حلت ويكره وكذلك ان ذبحها متوجهة لغير القبلة حلت ولكن يكره ذلك) لان السنة في الذبح استقبال القبلة هكذا روى ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} استقبل بأضحيته القبلة لما أراد ذبحها وهكذا نقل عن علي رضى الله تعالى عنه وهذا لان أهل الجاهلية ربما كانوا يستقبلون بذبائحهم الاصنام فأمرنا باستقبال القبلة لتعظيم جهة القبلة ولكن تركه لا يفسد الذبيحة بخلاف ترك التسمية لان في التسمية تعظيم الله تعالى وذلك فرض فأما استقبال القبلة لتعظيم الجهة وذلك مندوب إليه في غير الصلاة فلهذا كان تركه موجبا للكراهة غير مفسد للذبيحة. قال (وان نحر البقرة حلت ويكره ذلك) لما بينا أن السنة في البقرة الذبح قال الله تعالى ان يأمركم أن تذبحوا بقرة (بخلاف الابل فالسنة فيها النحر) وهذا لان موضع النحر من البعير لا لحم عليه وما سوى ذلك من حلقه عليه لحم غليظ فكان النحر في الابل أسهل فأما في البقر أسفل الحلق واعلاه فاللحم عليه سواء كما في الغنم فالذبح فيه أيسر والمقصود تسييل الدم والعروق من أسفل الحلق إلى أعلاه فالمقصود يحل بالقطع في أي موضع كان منه فلهذا حل وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام الذكاة ما بين اللبة واللحيين ولكن ترك الاسهل مكروه في كل جنس لما فيه من زيادة ايلام غير محتاج إليه. قال (وان ذبح الشاة فاضطربت فوقعت في ماء أو تردت في موضع لم يضرها شئ) لان فعل الذكاة قد استقر فيها فانما انزهق حياتها به ولا معتبر
[ 4 ]
سطر 15:
[ 5 ]
بينا النهى عن ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وعن عمر رضى الله تعالى عنه وكذلك يكره أن يحد الشفرة بعد ما أضجعها وقد روينا النهى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وعن عمر رضى الله تعالى عنه الا أن النهى ليس لنقصان فيما هو المطلوب للذبح فلا يوجب الحرمة. قال (ويكره أن يسمى مع اسم الله تعالى شيئا فيقول اللهم تقبل من فلان) لقول ابن مسعود رضى الله عنه جردوا التسمية ولان الشرط بتسمية الله تعالى على الخلوص عند الذبح قبل فما يكون منه من الدعاء فينبغي أن يكون قبل الذبح أو بعده كما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} كان إذا أراد أن يذبح أضحيته قال اللهم هذا منك واليك صلاتي ونسكى ومحياى ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلين باسم الله والله أكبر ثم يذبح وهكذا روي عن علي رضي الله عنه. قال (ولا بأس بذبيحة المسلمة والكتابية) لان تسمية الله تعالى علي الخلوص يتحقق من النساء كما يتحقق من الرجال وكذلك الصبي الذى يعقل ويضبط فهو من أهل تسمية الله تعالى على الخلوص ولهذا صح اسلامه وان كان لا يعقل فلا يتحقق منه تسمية الله تعالى على الخلوص وهو شرط الحل فهذا لاخير في ذبيحته. قال (ولا بأس بذبيحة أهل الكتاب من أهل الحرب) هكذا روى عن علي رضى الله تعالي عنه وهذا لانهم يدعون التوحيد سواء كانوا أهل الذمة أو أهل الحرب وانما أباح الشارع ذبائحهم لانهم أهل الكتاب قال الله تعالى وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم والحربي والذمى في ذلك سواء. قال (وذبيحة الاخرس حلال مسلما كان أو كتابيا) لان عذره أبين من عذر الناس فإذا كان في حق الناس تقام ملته مقام تسميه ففى حق الاخرس أولى. قال (وما أدركت من المتردية والنطيحة وما أكل السبع ونظائر هذا فذكيته حل لقوله تعالى الا ما ذكيتم) ثم عند أبى حنيفة رحمه الله إذا علم انها كانت حية حين ذبحت حلت سواء كانت الحياة فيها متوهمة البقاء أو غير متوهمة البقاء لان المقصود تسييل الدم النجس بفعل ذكاة وقد حصل وقال أبو يوسف رحمه الله ان كان يتوهم ان يعيش يوما أو أكثر تحل بالذكاة وفى رواية اعتبر توهم البقاء أكثر من نصف يوم لان ما دون ذلك اضطراب المذبوح فلا معتبر به وعن محمد رحمه الله تعالى قال إذا نقر الذئب بطن شاة وأخرج ما فيها ثم ذبحت لم تحل لانه ليس فيها حياة مستقرة فانه لا يتوهم ان تعيش بعدها فما بقى فيها الا اضطراب مذبوح وذلك غير معتبر. قال (ومن ذبح شاة أو غيرها فخرج من
[ 6 ]
بطنها جنين ميت لم يؤكل الجنين) في قول أبى حنيفة وزفر وهو قول إبراهيم وحكم ابن عبينة رحمهم الله وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله يؤكل الا أنه روى عن محمد رحمه الله انه قال انما يؤكل الجنين إذا أشعر وتمت خلقته فأما قبل ذلك فهو بمنزلة المضغة فلا يؤكل واحتجوا بقول الله تعالي ومن الانعام حمولة وفرشا قيل الفرش الصغار من الاجنة والحمولة الكبار فقد من الله تعالى على عباده بأكل ذلك لهم وفى المشهور أن النبي عليه الصلاة والسلام قال ذكاة الجنين ذكاة أمه معناه ذكاة الام نائبة عن ذكاة الجنين كما يقال لسان الوزير لسان الامير وبيع الوصي بيع اليتيم * وروى ذكاة أمه بالنصب ومعناه بذكاة أمه الا أنه صار منصوبا بنزع حرف الخفض عنه كقوله تعالى ما هذا بشرا أي ببشر وعن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه أن قوما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وقالوا انا لننحر الجزور فيخرج من بطنها جنين ميت أفنلقية أم نأكله فقال صلوات الله وسلامه عليه كلوه فان ذكاة الجنين ذكاة أمه والمعنى فيه ان الذكاة تنبنى على التوسع حتى يكون في الاهل بالذبح في المذبح فإذا ند فبالجرح في أي موضع أصابه لان ذلك وسع مثله والذى في وسعه في الجنين ذبح الام لانه مادام مخبيا في البطن لا يتأتى فيه فعل الذبح مقصودا وبعد الاخراج لا يبقى حيا فتجعل ذكاة الام ذكاة له لان تأثير الذبح في الام في زهوق الحياة عن الجنين فوق تأثير الجرح بحل رجل الصيد فالغالب هناك السلامة وهنا الهلاك ثم اكتفى بذلك الفعل لانه وسع مثله فهنا أولي ولان الجنين في حكم جزء من اجزاء الام حتى يتغذى بغذائها وينمو بنمائها ويقطع عنها بالمقراض كما في بيان الجزء من الجملة ويتبعها في الاحكام تبعية الاجزاء حتى لا يجوز استثناء في عنقها وبيعها كاستثناء يدها ورجلها ثبوت الحل في البيع لوجود فعل الذكاة في الاصل والدليل عليه انه يحل ذبح الشاة الحامل ولو لم يحل الجنين بذبح الام لما حل ذبحها حاملا لما فيه من اتلاف للحيوان لا للمأكلة ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} عن ذلك. وأبو حنيفة رحمه الله استدل بقوله تعالي والمنخنقة فان أحسن أحواله أن يكون حيا عند ذبح الام فيموت باحتباس نفسه وهذا هو المنخنقة وقال عليه الصلاة والسلام لعدى بن حاتم رضى الله عنه إذا وقعت رميتك في الماء فلا تأكل فانك لا تدرى أن الماء قتله أم سهمك. فقد حرم الاكل عند وقوع الشك في سبب زهوق الحياة وذلك موجود في الجنين فانه لا يدرى أنه مات بذبح الام أو باحتباس نفسه وقد
[ 7 ]
سطر 24:
[ 8 ]
ميتون ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} كلوه أي اذبحوه وكلوه والمراد بالفرش الصغار فلا يتناول الجنين ولئن كان المراد به الجنس ففيه بيان أن الجنين مأكول وبه نقول ولكن عند وجود الشرط فيه وهو ان ينفصل حيا فيذبح فيحل به والله سبحانه وتعالى أعلم (باب الاضيحة) قال رحمه الله تعالى اعلم بأن القرب المالية نوعان نوع بطريق التمليك كالصدقات ونوع بطريق الاتلاف كالعتق ويجتمع في الاضحية معنيان فانه تقرب باراقه الدم وهو اتلاف ثم بالتصدق باللحم وهو تمليك. قال (وهى واجبة على المياسير والمقيمين عندنا) وذكر في الجامع عن أبى يوسف أنها سنة وهو قول الشافعي لقوله عليه الصلاة والسلام كتبت علي الاضحية ولم تكتب عليكم وقال عليه الصلاة والسلام خصصت بثلاث وهى لكم سنة الاضحية وصلاة الضحى والوتر. وقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} ضحوا فانها سنة أبيكم إبراهيم عليه السلام وعن أبى بكر وعمر رضي الله عنهما انهما كانا لا يضحيان السنة والسنتين مخافة أن يراها الناس واجبة وقال أبو مسعود الانصاري رضى الله عنه انه ليغدو على الف شاة ويراح فلا أضحي مخافة أن يراها الناس واجبة ولانها لا تجب على المسافر وكل دم لا يجب على المسافر لا يجب على المقيم كالعنبرة وهذا لانه لا يفرق بين المسافر والمقيم في العبادات المالية كالزكاة وصدقة الفطر لانهما لا يستويان في ملك المال وانما الفرق بينهما في البدن لان المسافر يلحقه المشقة بالاداء بالبدن والدليل عليه ان يحل له التناول منه واطعام الغنى ولو كان واجبا لم يحل له التناول كما في جزاء الصيد ونحوه ولان التقرب بالاتلاف لا يجب ابتداء بل بسبب من العبد كالعتق في الكفارات ولهذا أوجبنا الاضحية بالنذر. وحجتنا في ذلك قوله تعالى فصل لربك وانحر أي وانحر الاضحية والامر يقتضي الوجوب وقال عليه الصلاة والسلام من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا والحاق الوعيد لا يكون الا بترك الواجب وقال عليه الصلاة والسلام من ضحى قبل الصلاة فليعد ومن لم يضح فليذبح على اسم الله تعالى والامر يفيد الوجوب وفى قوله عليه الصلاة والسلام ضحوا أمر وقوله فانها سنة أبيكم إبراهيم أي طريقته فالسنة الطريقة في الدين وذلك لا ينفى الوجوب ولا حجة في قوله عليه الصلاة والسلام ولم تكتب عليكم فانا نقول بأنها غير مكتوبة بل هي واجبة فالمكتوب ما يكون فرضا يكفر جاحده فقد كان رسول الله
[ 9 ]
صلى الله عليه وسلم{{ص}} مخصوصا بكون الاضيحة مكتوبة عليه كما قال وتأويل حديث أبى بكر وعمر رضى الله عنهما انهما لا يضحيان في حال الاعسار مخافة أن يراها الناس واجبة على المعسرين أو في حال السفر وهو تأويل حديث أبى مسعود رضى الله عنه ولا كلام في المسألة على سبيل المقايسة والعبادات لا تثبت قياسا ولكن على سبيل الاستدلال نقول هذه قربة يضاف إليها وفيها فتكون واجبة كالجمعة وبيان الوصف انه يقال يوم الاضحى وتأثيره أن اضافة الوقت إليه لا تتحقق الاوان يكون موجودا فيه ولا يكون موجودا فيه لا محالة الاوان تكون واجبة لجواز ان يجتمع الناس على ترك ما ليس بواجب ولا يجتمعون علي ترك الواجب وان اجتمعوا على ذلك لم يخرج من أن يكون موجودا فيه استحقاقا ولجواز الاداء فيه لا يصير الوقت مضافا إليه كسائر الايام يجوز فيها الصوم ثم لا يسمى شهر الصوم الا رمضان فعرفنا ان اضافة الوقت الي القربة تدل على وجوبها فيه وانما لا تجب على المسافر لمعنى المشقة فان الاداء يختص بأسباب يشق على المسافر استصحاب ذلك في السفر ويفوت بمضي الوقت فلدفع المشقة لا تلزمه كالجمعة بخلاف سائر العبادات المالية وإباحة التناول باذن من له الحق فانه بالتضحية يجعلها الله تعالى وقد قال الله تعالي فكلوا منها ولما كان من جنس التقرب بالتمليك ما هو واجب ابتداء فكذلك من جنس التقرب بالاتلاف ما هو واجب ابتداء وليس ذلك الا في الاضحية وفى الوجوب بالنذر دليل على ان من جنسه واجبا شرعا فان ما ليس من جنسه واجبا شرعا لا يصح التزامه بالنذر كعبادة المريض * ثم يختص جواز الاداء بأيام النحر وهى ثلاثة أيام عندنا قال عليه الصلاة والسلام أيام النحر ثلاثة أفضلها أولها فإذا غربت الشمس من اليوم الثالث لم تجز التضحية بعد ذلك. وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه تجوز في اليوم الرابع وهو آخر أيام التشريق وهذا ضعيف فان هذه القربة تختص بأيام النحر دون أيام التشريق ألا ترى ان الافضل أداؤها في اليوم الاول وهو العاشر من ذى الحجة وهو يوم النحر لا أيام التشريق علي ما قيل الايام المعدودات ثلاثة وهى أيام النحر والمعلومات ثلاثة وهى أيام التشريق وتمضي هذه السنة في أربعة أيام فاليوم الاول من المعدودات خاصة واليوم الآخر من المعلومات خاصة وقيل المعلومات عشر ذى الحجة والمعدودات أيام التشريق * ثم يختص جواز الاضحية بالابل والبقر والغنم ولا يجزئه الا الثنئ من ذلك في الابل والبقر والمعز ويجزى الجذع من الضأن إذا كان
[ 10 ]
عظيما سمينا لما روى أن النبي عليه الصلاة والسلام قال ضحوا بالثنيات ولا تضحوا بالجذعان ولان الجذع ناقص وقد أمرنا في الضحايا بالاستعظام والاستشراف قال عليه الصلاة والسلام عظموا ضحاياكم فانها على الصراط مطاياكم. فأما الجذع من الضأن يجزئ لحديث أبى هريرة رضي الله تعالى عنه ان رجلا ساق جذعا الي منى فبادت عليه فروى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال نعمت الاضحية الجذع من الضأن فانتهبوها ثم الثنى من الغنم وهو الذى تم له سنتان عند أهل الادب وعند أهل الفقه الذى تمت له سنة والثنى من البقر الذى تم له حولان وطعن في الثالث عند جمهور الفقهاء رحمهم الله ومن الابل الذى تم له خمس سنين والجذع من الابل ماتم له خمس سنين ومن البقر ما تم له حولان وهكذا من الغنم عند أهل الادب وعند أهل الفقه إذا تم له سبعة أشهر فهو جذع بعد ذلك ولا خلاف ان الجذع من المعز لا يجوز وانما ذلك من الضأن خاصة * ثم أول وقت الاضحية عند طلوع الفجر الثاني من يوم النحر الا أن في حق أهل الامصار يشترط تقديم الصلاة على الاضحية فمن ضحى قبل الصلاة في المصر لاتجزئه لعدم الشرط لا لعدم الوقت ولهذا جازت التضحية في القرى بعد انشقاق الفجر * ودخول الوقت لا يختلف في حق أهل الامصار والقرى انما يختلفون في وجوب الصلاة فليس على أهل القرى صلاة العيد وانما عرفنا هذا في حق أهل الامصار بحديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال في خطبته من ضحي قبل الصلاة فليعد فقام خالي أبو بردة بن بشار رضى الله عنه قال انى عجلت نسيكتى لاطعم أهلى وجيراني فقال عليه الصلاة والسلام تلك شاة لحم فأعد نسيكتك فقال عندي عتود خير من شاتين فقال صلوات الله وسلامه عليه تجزئك ولا تجزئ أحدا بعدك وقال عليه الصلاة والسلام ان أول نسكنا في هذا اليوم أن نصلى ثم نذبح ومن يذبح من أهل الامصار أضحيته قبل أن يصلي الامام لم تجزه عندنا وقال الشافعي رحمه الله إذا مضى من الوقت مقدار ما يصلى فيه صلاة العيد عادة جازت الاضحية بعد ذلك لانهم لو صلوا جازت التضحية فلا يتغير ذلك بتأخير الامام الصلاة كما لو زالت الشمس ولكن نقول الواجب مراعاة الترتيب المنصوص وما بقى وقت الصلاة فمراعاة الترتيب ممكن بخلاف ما بعد الزوال فقد خرج وقت صلاة العيد بزوال الشمس في هذا اليوم ولهذا تجوز التضحية بعد ذلك. قال (وإذا ذبحها بعد ما انصرف أهل المسجد قبل أن يصلى أهل الجبانة أجزأه
[ 11 ]
استحسانا) ومعنى هذا ان للامام أن يخرج بالناس إلى الجبانة ويستخلف من يصلى بالضعفة في الجامع هكذا فعله على رضى الله تعالي عنه حين قدم الكوفة. قال (وإذا ذبح بعد ما فرغ أهل المسجد قبل أن يصلي أهل الجبانة ففى القياس لاتجزئه) لان اعتبار جانب أهل الجبانة يمنع الجواز واعتبار جانب أهل المسجد يجوز ذلك وفى العبادات يؤخذ بالاحتياط ولكنا استحسنا وقلنا قد أديت صلاة العيد في المصر حتى لواكتفوا بذلك أجزأهم فتجوز التضحية بعد ذلك لان الترتيب المشروط قد وجد حين ضحى بعد صلاة العيد في هذا المصر ولم يذكر ما لو سبق أهل الجبانة بالصلاة فضحى رجل قبل أن يصلى أهل المسجد. وقيل في هذا الموضع يجوز قياسا واستحسانا لان المسنون في العيد الخروج إلى الجبانة فأهل الجبانة هم الاصل وقد صلوا وقيل للقياس والاستحسان فيهما لان أداء الصلاة في المسجد أفضل منه بالجبانة وإذا كان في الموضع الذى صلى فيه أهل المسجد قياسا واستحسانا لما ذكرنا فهنا أولى. قال (ولا بأس بأن يضحي بالجماء وبمكسور القرن) أما الجماء فلان ما فات منها غير مقصود لان الاضحية من الابل أفضل ولا قرن له وإذا ثبت جواز الجماء فمكسور القرن أولى وقد روى في ذلك عن عمار بن ياسر رضى الله تعالى عنه. وكذلك الخصى لما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} ضحى بكبشين املحين اقرنين موجوين أو موحوين احدهما عن نفسه والآخر عن أمته. والمراد خصيان وكان إبراهيم يقول ما يزاد في لحمه بالخصاء أنفع للمساكين مما يفوت بالانثيين إذ لا منفعة للفقراء في ذلك. قال (ولا بأس أن يضحى بالجرباء والتولاء إذا كانت سمينة) والجرباء التى بها جرب وإذا كانت سمينة فالجرب في جلدها لافي لحمها ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} أن يضحى بالعجفاء التى لا تبقى. والتولاء هي المجنونة والجنون عيب في القضاة لا في الشاة فإذا كانت سمينة فما هو المقصود منها باق واشتراط السمن في الحديث الذى روينا ان النبي صلي الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين يرعيان في سواد وينظران في سواد ويأكلان في سواد ومقصود الراوى من هذه المبالغة بيان السمن. قال (ولا بأس أن يشترك سبعة نفر في بقرة أو بدنة) وقال مالك رحمه الله يجوز عن أهل بيت واحد بقرة واحدة وان كانوا أكثر من سبعة ولا تجوز عن أهل بيتين وان كانوا أقل من سبعة لقوله عليه الصلاة والسلام على أهل كل بيت في كل عام أضحاة وعنبرة ومذهبنا مروى عن ابن مسعود وحذيفة رضي الله عنهما والاستدلال بحديث جابر رضي الله عنه قال اشتركنا يوم الحديبية في
[ 12 ]
البقرة والبدنة فأجاز النبي عليه الصلاة والسلام البقره عن سبعة والبدنة عن سبعة والمراد بذكر أهل البيت قيم البيت لان اليسار له عادة. وقد ذكر في بعض الروايات على كل مسلم في كل عام اضحاة وعنبرة ويستوى ان كان قصدهم جميعا التضحية أو قصد بعضهم قربة أخرى عندنا وعند زفر لا يجوز الا إذا قصدوا جميعا التضحية وقال الشافعي يجوز وان كان قصد بعضهم للحم وقد بينا هذا في المناسك. فان كان الشركاء في البدنة ثمانية لم تجزهم لان نصيب كل واحد منهم دون السبع وكذلك ان كان نصيب أحدهم دون السبع حتى لو سئل عن رجل مات وترك ابنا وامرأة وبقرة وضحى بها يوم العيد هل يجوز * والجواب انه لا يجوز لان نصيب المرأة الثمن فإذا لم يجز ثمنها في نصيبها لا يجوز في نصيب الابن أيضا. فان مات أحد الشركاء في البدنة ورضى ورثته بالتضحية بها عن الميت مع الشركاء في القياس لا يجوز وهو رواية عن أبى يوسف رحمه الله لان نصيب الميت صار ميراثا والتضحية تقرب بطريق الاتلاف فلا يصح التبرع به من الوارث عن الميت كالعتق وإذا لم يجز في نصيبه لم يجز في نصيب الشركاء وفى الاستحسان يجوز لان معنى القربة حصل في اراقة الدم فان التبرع من الوارث عن مورثه بالقرب المالية صحيح كالتصدق وانما لا يجوز العتق لما فيه من الزام الولاء وذلك غير موجود في الاضحية وعلى هذا إذا كان أحد الشركاء أم ولد ضحى عنها مولاه أو صغير ضحى عنه أبوه ولا خلف انه ليس علي المولى ان يضحى عن أحد من مماليكة فان تبرع بذلك جاز وإذا جعله شريكا في البدنة ففيه قياس واستحسان لما بينا وأما الاب ليس عليه أن يضحى عن ولده الصغار في ظاهر الرواية وورى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله أن ذلك عليه كصدقة الفطر لانه جزء منه فكما يلزمه أن يضحى عن نفسه عند يساره فكذلك عن جزئه. وجه ظاهر الرواية ان مالا يلزمه عن مملوكه لا يلزمه عن ولده كسائر القرب بخلاف صدقة الفطر وهذا لان كل واحد منهما كسبه ولو كانت التضحية عن أولاده واجبة لامر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ونقل ذلك كما أمر بصدقة الفطر وان كان للصبي مال فقال بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى على الاب والوصي أن يضحى من ماله عند أبى حنيفة رضى الله عنه على قياس صدقة الفطر الاصح أنه لا يجب ذلك وليس له أن يفعله من ماله لانه ان كان المقصود الاتلاف فالاب لا يملكه في مال الولد كالعتق وان كان المقصود التصدق باللحم بعد اراقه الدم فذاك تطوع غير واجب ومال الصبى
[ 13 ]
لا يحتمل صدقة التطوع. قال (وإذا اشترى اضحية ثم باعها فاشترى مثلها فلا بأس بذلك) لان بنفس الشراء لاتتعين الاضحية قبل أن يوجبها وبعد الايجاب يجوز بيعها في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله ويكره وفى قول أبى يوسف رحمه الله لا يجوز لتعلق حق الله تعالى بعينها ولكنهما يقولان تعلق حق الله تعالى بها لا يزيل ملكه عنها ولا يعجزه عن تسليمها وجواز البيع باعتبار الملك والقدرة على التسليم ألا ترى انا نجوز بيع مال الزكاة لهذا والاصل فيه ماروى أن النى عليه الصلاة والسلام دفع دينارا إلى حكيم بن حزام رضى الله عنه ليشترى له شاة للاضحية فاشترى شاة ثم باعها بدينارين ثم اشترى شاة بدينار وجاء بالشاة والدينار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فأخبره بذلك فقال صلى الله عليه وسلم{{ص}} بارك الله في صفقتك أما الشاة فضح بها وأما الدينار فتصدق به فقد جوز رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} بيعه بعد ما اشتراها للاضحية وان كانت الثانية شرا من الاولى وقد كان أوجب الاولى فتصدق بالفضل فيما بين القيمتين أما جواز الثانية عن الاضحية فلاستجماع شرائط الجواز وأما التصدق فانه لما أوجب الاولي فقد جعل ذلك القدر من ماله لله تعالى فلا يكون له ان يستفضل شيئا منه لنفسه فيتصدق بفضل القيمة كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} حكيم بن حزام رضي الله عنه بالتصدق بالدينار ومن أصحابنا رحمهم الله من قال هذا إذا كان فقيرا أما إذا كان غنيا ممن يجب عليه الاضحية فليس عليه ان يتصدق بفضل بالقيمة لان في حق الغنى الوجوب عليه بايجاب الشرع فلا يتعين بتعيينه في هذا المحل ألا ترى أنها لو هلكت بقيت الاضحية عليه فإذا كان ما يضحى به محلا صالحا لم يلزمه شئ آخر وأما الفقير فليس عليه أضحية شرعا وانما لزمه بالتزامه في هذا المحل بعينه ولهذا لو هلكت لم يلزمه شئ آخر فإذا استفضل لنفسه شيئا مما التزمه كان عليه أن يتصدق به. قال الشيخ الامام والاصح عندي أن الجواب فيهما سواء لان الاضحية وان كانت واجبة على الغنى في ذمته فهو متمكن من تعيين الواجب في محل فيتعين بتعيينه في هذا المحل من حيث قدر المالية لانه تعيين مقيد وان كان لا يتعين ممن حيث فراغ الذمة. قال (والاضحية أحب إلى من التصدق بمثل ثمنها) والمراد في أيام النحر لان الواجب التقرب باراقة الدم ولا يحصل ذلك بالتصدق بالقيمة ففى حق الموسر الذى لزمه ذلك لااشكال أنه لا يلزمه التصدق بقيمته وهذا لانه لاقيمة لاراقة الدم واقامة المتقوم مقام ما ليس بمتقوم لا تجوز وارقة الدم خالص حق الله تعالي ولاوجه للتعليل فيما هو خالص حق الله تعالى وأشرنا
[ 14 ]
سطر 45:
[ 15 ]
ولكنه استحسن فقال ما يكون طريق الانتفاع به تناول العين فهو من باب التصرف على قصد التمول فليس له أن يفعل ذلك في جلد الاضحية وما ينتفع به في البيت مع بقاء العين فهو نظير عين بالجلد وكان له أن يفعل ذلك. قال (ويكره له أن يحلب الاضحية إذا كان لها لبن فينتفع بلبنها كما يكره له الانتفاع بصوفها) لان اللبن يتولد من عينها وقد جعلها للقربة فلا يصرف شيئا منها إلى منفعة نفسه قبل أن يبلغ محله ولكنه ينضح ضرعها بالماء البارد حتى يتقلص منه اللبن ولا يتأدي به الا أن هذا انما ينفع إذا كان يقرب من أيام النحر فأما إذا كان بالبعد فلا يفيد هذا لانه ينزل ثانيا وثالثا بعد ما يتقلص ولكنه ينبغى له أن يحلبها ويتصدق باللبن كالهدي إذا عطبت قبل أن يبلغ محله فان عليه أن يذبحها ويتصدق بلحمها وقد بيناه في المناسك. قال (وان اشترى بقرة يريد أن يضحى بها عن نفسه ثم اشترك معه ستة أجزأه استحسانا) وفي القياس لا يجزئه وهو قول زفر رحمه الله لانه أعدها للقربة فلا يكون له أن يبيع شيئا منها بعد ذلك على قصد التمول والاشتراك بهذه الصفة يوضحه أن هذا رجوع منه عن بعض ما تقرب به وذلك حرام شرعا. وجه الاستحسان انه لو أشر كهم معه في الابتداء بأن اشتروا جملة جاز فكذلك إذا أشركهم بعد الشراء قبل إتمام المقصود وهذا لان الانسان قد يبتلى بهذا فانه قد يجد بقرة سمينة فيشتريها ثم يطلب شركاءه فيها فلو لم يجز ذلك أدى إلى الحرج. قال (ولو فعل ذلك قبل أن يشترى كان أحسن) لانه أبعد عن الاختلاف وليس فيه معنى الرجوع في القربة لا صورة ولا معنى فكان ذلك أفضل. قال (ولا تجوز العوراء في الاضحية) لقوله عليه الصلاة استشرفوا العين والاذن وفي حديث البراء بن عازب رضى الله عنه قال نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} أن يضحى بأربعة العوراء البين عورها والعرجاء البين عرجها والمريضة البين مرضها والعجفاء التى لا تبقى ثم الاصل أن العيب الفاحش مانع لقوله تعالى ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون واليسير من العيب غير مانع لان الحيوان قلما ينجو من العيب اليسير فاليسير مالا أثر له في لحمها وللعور أثر في ذلك لانه لا يبصر بعين واحدة من العلف ما يبصر بالعينين وعند قلة العلف يتبين العجف ثم العين والاذن منصوص على اعتبارها فإذا كانت مقطوعة الاذن لم تجز لانعدام شرط منصوص وإذا كانت مقطوعة الطرف فكذلك بطريق الاولى. قال وان كان المقطوع بعض ذلك ففى ظاهر الرواية عن أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه ان كان المقطوع (2 ثانى عشر مبسوط)
[ 16 ]
أكثر من الثلث لا يجزئه وان كان الثلث أو أقل يجزئه وهكذا روى هشام عن محمد رحمهما الله اعتبار بالوصية فان الثلث في الوصية كما دونه ولا يجوز الوصية بأكثر من الثلث وفى رواية بشر عن أبى حنيفة رحمه الله إذا كان الذاهب أقل من الثلث يجوز وان كان أكثر من الثلث لا يجوز لقوله عليه الصلاة والسلام الثلث والثلث كثير وفي رواية ابن شجاع إذا كان الذاهب الربع لا يجزئ لان للربع حكم الكمال كما في مسح الرأس وقال أبو يوسف رحمه الله إذا بقى الاكثر من العين والاذن اجزأه قال وذكرت قولى لابي حنيفة فقال قولى قولك. قيل هذا رجوع من أبى حنيفة إلى قوله وقيل معناه قولى قريب من ذلك. وجه القول أبى يوسف ان القلة والكثرة من الاسماء المقابلة فإذا كان الذاهب أقل من النصف قلنا إذا قابلت الذاهب بالباقي كان الباقي أكثر وإذا كان الذاهب أكثر من النصف فإذا قابلته بالباقي كان الذاهب أكثر فإذا كان الذاهب النصف قال لا يجوز لانه لما استوى المانع والمجوز يترجح المانع احتياطا. فأما الشق في الاذن فهو عيب يسير ألا ترى انه يفعل ذلك للعلامة بمنزلة السمة فلا يمنع الجواز ومن العلماء رحمهم الله من لا يجوز لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} نهى أن يضحي بالشرقاء والخرقاء والمقابلة والمدابرة. فالشرقاء ان يكون الخرق في أذنها طولا والخرقاء ان يكون عرضا والمقابلة قطع في مقدم أذنها والمدابرة في مؤخر أذنها وتأويل ذلك عندنا إذا كانت بعض الاذن مقطوعة وكان الذاهب أكثر من الثلث لما بينا فأما العرجاء إذا كانت تمشى فلا بأس به لانه عليه الصلاة والسلام سئل عن العرجاء فقال إذا كانت تبلغ فلا بأس به فإذا كانت لا تقوم ولا تمشي لا يجوز لان ذلك يؤثر في لحمها فانها لا تعلف الا ما حولها وإذا كانت تمشى فهى تذهب إلى العلف فلا يؤثر في لحمها. ولا تجزئ العجفاء التى لا تبقى للنهى الذى روينا ولان هذا عيب فاحش أثر في لحمها ويستوى ان اشتراها كذلك أو صارت عنده كذلك وهو موسر لان الواجب في ذمته بصفة الكمال فلا يتأدى بالناقص فأما إذا كان معسرا أجزأه لانه لا واجب في ذمته بل يثبت الحق في العين فيتأدى بالعين على أي صفة كانت وذلك مروى عن علي رضى الله عنه وكذلك لو ماتت عنده أو سرقت فعليه بدلها ان كان موسرا ولا شئ عليه ان كان معسرا وعلى هذا قالوا الموسر إذا ضلت أضحيته فاشترى أخرى ثم وجد الاولى فله ان يضحى بأيهما شاء وان كان معسرا فاشتراه وأوجبها فضلت ثم اشترى أخرى فأوجبها ثم وجد الاولى فعليه ان يصحى بهما لان الوجوب في العين
[ 17 ]
سطر 84:
[ 28 ]
يكون تمليكا كالعتق كانه يجعله موقوفا على ما يظهر عند موته والصحيح أن ما باشره في المرض بمنزلة مالو باشره في الصحة في انه لا يتعلق به اللزوم ولا يمتنع الارث بمنزلة العارية الا أن يقول في حياتي وبعد موتى فحينئذ يلزم إذا كان مؤبدا وصار الابد فيه كعمر الموصى له بالخدمة في لزوم الوصية بعد الموت فأما أبو يوسف ومحمد رحمهما الله قالا الوقف يزيل ملكه وانما يحبس العين عن الدخول في ملك غيره وليس من ضرورة ذلك امتناع زوال ملكه فلزوال الملك في حقه يلزم حتى لا يورث عنه بعد وفاته لان الوارث يخلف المورث في ملكه وكان أبو يوسف رحمه الله يقول أولا يقول بقول أبى حنيفة رحمه الله ولكنه لما حج مع الرشيد رحمه الله فرأى وقوف الصحابة رضوان الله عليهم بالمدينة ونواحيها رجع فافتى بلزوم الوقف فقد رجع عند ذلك عن ثلاث مسائل (احداها) هذه (والثانية) تقدير الصاع بثمانية أرطال (والثالثة) أذان الفجر قبل طلوع الفجر. وحجتهم في ذلك الآثار المشهورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وعن الصحابة رضوان الله عليهم أجميعن منهم عمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير وعائشة وحفصة رضى الله تعالى عنهم فانهم باشروا الوقف وهو باق إلى يومنا هذا وكذلك وقف إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه باق إلى يومنا هذا وقد أمرنا باتباعه قال الله تعالى واتبعوا ملة إبراهيم حنيفا والناس تعاملوا به من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} إلى يومنا هذا يعنى اتخاذ الرباطات والخانات وتعامل الناس من غير نكير حجة وقد استبعد محمد رحمه الله قول أبى حنيفة في الكتاب لهذا وسماه تحكما علي الناس من غير حجة فقال ما أخذ الناس بقول أبى حنيفة وأصحابه الا بتركهم التحكم على الناس فإذا كانوا هم الذين يتحكمون على الناس بغير أثر ولا قياس لم يقلدوا هذه الاشياء ولو جاز التقليد كان من مضي من قبل أبى حنيفة مثل الحسن البصري وابراهيم النخعي رحمهما الله أحرى أن يقلدوا ولم يحمد على ما قال. وقيل بسبب ذلك انقطع خاطره فلم يتمكن من تفريغ مسائل الوقف حتى خاض في الصكوك واستكثر أصحابه من بعده من تفريغ مسائل الوقف كالخصاف وهلال رحمهما الله ولو كان أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه في الاحياء حين قال ما قال لدمر عليه فانه كما قال مالك رضى الله تعالى عنه رأيت رجلا لو قال هذه الاسطوانة من ذهب لدل عليه ولكن كل مجرى بالجلاء يسر * ثم استدل بالمسجد فقال اتخاذ المسجد يلزم بالاتفاق وهو اخراج لتلك البقعة عن ملكه من غير أن يدخل في ملك أحد ولكنها تصير محبوسة بنوع قربة قصدها فكذلك
[ 29 ]
في الوقف وبهذا تبين أنه ليس من ضرورة الحبس عن الدخول في ملك الغير امتناع خروجه عن ملكه * ثم للناس حاجة إلى ما يرجع الي مصالح معاشهم ومعادهم فإذا جاز هذا النوع من الاخراج والحبس لمصلحة المعاد فكذلك لمصلحة المعاش كبناء الخانات والرباطات واتخاذ المقابر ولو جاز الفرق بين هذا الاشياء لكان الاولي أن يقال لا يلزم المسجد وتلزم المقبرة حتى لا يورث لما في النبش من الاضرار والاستبعاد عند الناس أو كان ينبغى أن يلتزم الوقف دون المسجد لان في الوقف وان انعدم التمليك في عينه فلذلك يوجد فيما هو المقصود به وهو التصدق بالغلة وذلك لا يوجد في المسجد فكان هذا الفرق أبعد عن التحكم مما ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله هذا معنى ما احتج به محمد رحمه الله وقد طوله في الكتاب * ويستدلون بالعتق أيضا ففيه ازالة الملك الثابت في العبد من غير تمليك وصح ذلك على قصد التقرب فكذلك في الوقف وحجة أبى حنيفة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} يقول ابن ادم مالى مالى وهل لك من مالك الا أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فامضيت وما سوى ذلك فهو مال الوارث فبين النبي عليه الصلاة والسلام ان الارث انما ينعدم في الصدقة التى أمضاها وذلك لا يكون الا بعد التمليك من غيره (وسئل) الشعبى عن الحبس فقال جاء محمد عليه الصلاة والسلام ببيع الحبس فهذا بيان أن لزوم الوقف كان في شريعة من قبلنا وان شريعتنا ناسخة لذلك وقال ابن مسعود وابن عباس رضي الله تعالى عنهم لاحبس عن فرائض الله تعالى ولكنهم يحملون هذا الاثر علي ماكان أهل الجاهلية يصنعونه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ويقولون الشرع أبطل ذلك كله ولكنا نقول النكرة في موضع النفى تعم فيتناول كل طريق يكون فيه حبس عن الميراث الا ما قام عليه دليل (واستدل) بعض مشايخنا رحمهم الله بقوله عليه الصلاة والسلام إنا معاشر الانبياء لا نورث ما تركناه صدقة فقالوا معناه ما تركنا صدقة لا يورث ذلك عنا وليس المراد أن أموال الانبياء عليهم الصلاة والسلام لا تورث وقد قال الله تعالى وورث سليمان داود وقال تعالى فهب لى من لدنك وليا يرثنى ويرث من آل يعقوب فحاشا ان يتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} بخلاف المنزل فعلى هذا التأويل في الحديث بيان أن لزوم القوف من الانبياء عليهم الصلاة والسلام خاصة بناء على أن الوعد منهم كالعهد من غيرهم. ولكن في هذا الكلام نظر فقد استدل أبو بكر رضى الله عنه على فاطمة رضى الله عنها حين ادعت فدك بهذا الحديث على ماروى انها ادعت ان رسول الله
[ 30 ]
صلى الله عليه وسلم{{ص}} وهب فدك لها وأقامت رجلا وامرأة فقال أبو بكر رضى الله تعالى عنه ضمى إلى الرجل رجلا أوالي المرأة امرأة فلما لم تجد ذلك جعلت تقول من يرثك فقال أبو بكر رضى الله تعالى عنه أولادي فقالت فاطمة رضي الله تعالى عنها أيرثك أولادك ولا أرث أنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فقال أبو بكر رضي الله عنه سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول انا معشر الانبياء لا نورث ما تركناه صدقة فعرفنا أن المراد بيان ان ما تركه يكون صدقة ولا يكون ميراثا عنه. وقد وقعت الفتنة بين الناس بسبب ذلك فترك الاشتغال به أسلم والمعنى فيه ان العين الموقوفة فيه كانت مملوكة قبل الوقف وبقيت بعده مملوكة والمملوك بغير مالك لا يكون فمن ضرروة بقلئها مملوكة أن يكون هو المالك أو غيره ولم تصر مملوكة لغيره فكانت باقية على ملكه والوارث يخلف المورث في ملكه. وبيان قولنا انها بقيت مملوكة انه ينتفع بها على وجه الانتفاع بالمملوكات من حيث السكنى والزراعة وسائر وجوه الانتفاعات ولانها خلقت مملوكة في الاصل وقد تقرر ذلك بتمام الاحراز فلا يتصور اخراجها عن ان تكون مملوكة الا أن يجعلها لله تعالي خالصا وبالوقف لا يتحقق ذلك. وفى هذه التسمية ما يدل علي انها مملوكة محبوسة وبه فارق العتق فالآدمي خلق في الاصل ليكون مالكا فصفة المملوكية فيه عارض محتمل للرفع وإذا رفع كان مالكا كما كان. ومن ضرورة اثبات قوة المالكية انعدام المملوكية وبخلاف المسجد فان تلك البقعة تخرج من ان تكون مملوكة وتصير لله تعالى ألا ترى انه لا ينتفع بها بشئ من منافع الملك وان كانت تصلح لذلك وقد وجدنا لهذا الطريق أصلا في الشرع وهو الكعبة فتلك البقعة لله تعالى خالصة متحرزة عن ملك العباد فألحقنا سائر المساجد بها ولم نجد مثل ذلك في الوقف بل الوقف بمنزلة تسبيب أهل الجاهلية من حيث انه لا تخرج به العين من أن تكون مملوكة منتفعا بها ولو سبب دابته لم تخرج من ملكه فكذلك إذا وقف أرضه أو داره وإذا بقيت مملوكة له لا يمتنع الارث فيها الا باعتبار حق يستثنيه لنفسه بعد وفاته وذلك فيما إذا أضاف الوقف إلى ما بعد الموت فانه تبقى العين على حكم ملكه لشغله إياه بحاجته والناس لم يأخذوا قول أبى حنيفة في المسألة الا باشتهار الآثار فأما من حيث المعنى كلامه قوى وهو يحمل الآثار على الوقف المضاف إلى ما بعد الموت أو المنفعة في الحياة وبعد الموت، قال رحمه الله تعالى قد تم الكتاب على قول أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه وانما البيان بعد هذا على قولهما * ثم بدأ الكتاب بحديث رواه
[ 31 ]
عن صخر بن جويرة عن نافع أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كانت له أرض تدعى ثمغا وكان نخلا نفيسا فقال عمر رضى الله تعالى عنه يارسول الله انى استفدت مالا وهو عندي نفيس أفأتصدق به فقال صلوات الله وسلامه عليه تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن لينفق من ثمره. فتصدق به عمر رضى الله عنه في سبيل الله تعالي وفى الرقاب والضيف والمساكين واين السبيل ولذي القربى منه ولا جناح على من وليه أن يأكل منه بالمعروف أو يؤكل صديقا له غير متمول منه. وهذه الارض سهم عمر رضى الله عنه بخيبر حين قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} خيبر بين أصحابه رضى الله عنهم وثمغ لقب لها. وقد كانت لاملاكهم ألقاب حتى كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ناقة يقال لها العضباء وبغلة يقال لها دلدل وفرس يقال له السكب وحمار يقال له يعفور وعمامة تسمى السحابة * ثم في هذا دليل أن من قصد التقرب إلى الله سبحانه وتعالى فينبغي أن يختار لذلك أنفس أمواله واطيبها قال الله تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وقال الله سبحانه وتعالى ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون فلهذا اختار عمر رضى الله عنه أنفس أمواله وأطيبها لما أراد التصدق. وفيه دليل على ان من أراد التقرب إلى الله تعالى فالاولي ان يقدم السؤال عن ذلك وان الربا لايدخل في هذا السؤال بخلاف ما يقوله جهال المتقشفة. ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} بالوقف بقوله تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث فهو من حجة من يقول بلزوم الوقف وقد روى عن علي رضي الله عنه انه وقف كما فعله عمر رضى الله عنه ولكن لم يسثن للوالى شيئا وفيه دليل على ان كل ذلك واسع ان استثنى للوالى ان يأكل بالمعروف كما فعله عمر رضى الله عنه وهو صواب وان لم يستثن ذلك كما فعله علي رضي الله عنه فهو صواب أيضا وللوالي ان يأكل منه بالمعروف مقدار حاجته كما ان للامام فعل ذلك في بيت المال ولوصى اليتيم ذلك في مال اليتيم إذا عمل له قال الله تعالي ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ولكن لا يكون له أن يؤكل غيره ممن ليس في عياله الا إذا شرط الواقف ذلك كما فعله عمر رضى الله عنه أو يؤكل صديقا له (وقوله) غير متمول منه يعنى يكتفى بما يأكل ولا يكتسب به المال بالبيع لنفسه وهو نظير الغازى في طعام الغنيمة يباح له أن يتناول بقدر حاجته ولا يتمول ذلك بالبيع والاقراض من غيره وفيه دليل محمد رحمه الله ان الوقف لايتم الا بالتسليم إلى المتولي. وفى قوله لا جناح على من وليه إشارة إلى ذلك وقد روى انه جعل وقفه في يد ابنته حفصة رضى الله تعالى عنهما قال محمد رحمه الله ولهذا يأخذ إذا (3 ثانى عشر مبسوط)
[ 32 ]
سطر 144:
[ 48 ]
ذلك في العطية وقال الله تعالى فان طبن لحكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا واباحة الاكل بطريق الهبة دليل جواز الهبة. والسنة حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال الواهب أحق بهبته ما لم يثبت منها ولانه من باب الاحسان واكتساب سبب التودد بين الاخوان وكل ذلك مندوب إليه بعد الايمان واليه أشار رسول الله صلي الله عليه وسلم بقوله تهادوا تحابوا * ثم الملك لا يثبت في الهبة بالعقد قبل القبض عندنا وقال مالك رحمه الله تعالى يثبت لانه عقد تمليك فلا يتوقف ثبوت الملك به علي القبض كعقد البيع بل أولى لان هناك الحاجة إلى اثبات الملك من الجانبين وهنا من جانب واحد فإذا كان مجرد القول يوجب الملك من الجانبين فمن جانب واحد أولى وحجتنا في ذلك ماروى عن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} لا تجوز الهبة الا مقبوضة معناه لا يثبت الحكم وهو الملك إذ الجواز ثابت قبل القبض بالاتفاق والصحابة رضوان الله عليهم اتفقوا على هذا فقد ذكر أقاويلهم في الكتاب ولان هذا عقد تبرع فلا يثبت الملك فيه بمجرد القبول كالوصية وتأيره ان عقد التبرع ضعيف في نفسه ولهذا لا يتعلق به صفة اللزوم والملك الثابت للواهب كان قويا فلا يزول بالسبب الضعيف حتى ينضم إليه ما يتأيد به وهو موته في الوصية لكون الموت منافيا لملكه وتسليمه في الهبة لازالة يده عنه بعد ايجاب عقد التمليك لغيره. ويوضحه أن له في ماله ملك العين وملك اليد فتبرعه بازالة ملك العين بالهبة لا يوجب استحقاق ما لم يتبرع به عليه هو اليد ولو أثتنا الملك للموهوب له قبل التسليم وجب علي الواهب تسليمه إليه وذلك يخالف موضوع التبرع بخلاف المعاوضات. والصدقة كالهبة عندنا في أنه لا يوجنب الملك للمتصدق عليه الا بالقبض خلافا لمالك رحمه الله. وفى الصدقة خلاف بين الصحابة ومن بعدهم رضى الله تعالى عنهم وكان على وابن مسعود رضى الله عنهما يقولان إذا أعلمت الصدقة جازت وكان ابن عباس ومعاذ رضى الله عنهم يقولان لا تجوز الصدقة الا مقبوضة وعن شريح وابراهيم النخعي رحمهما الله تعالي فيه روايتان ذكرهما في الكتاب فأخذنا بحديث ابن عباس رضى الله عنهما وحملنا قول على وعبد الله بن مسعود رضى الله عنهما على صدقة الرجل على ولده الصغير وذلك بالاعلام يتم لانه يصير قابضا له والاصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام يقول ابن آدم مالى مالى وهل لك من مالك الا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت وما سوى ذلك فهو مال الوارث. فقد شرط النبي عليه الصلاة والسلام
[ 49 ]
الامضاء في الصدقة وذلك بالقبض يكون وقد بينا هذا في كتاب الوقف * ثم الهبة والصدقة قد تكون من الاجانب وقد تكون من القرابات وذلك أفضل لما فيه من صلة الرحم واليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} فقال أفضل الصدقة على ذى الرحم الكاسح ولهذا بدأ الكتاب بحديث رواه عن إبراهيم عن عمر رضى الله عنه قال من وهب لذى رحم محرم هبة فقبضها فليس له أن يرجع فيها. وذكر بعد هذا عن عطاء ومجاهد عن عمر رضي الله عنه قال من وهب هبة لذى رحم محرم فقبضها فليس له أن يرجع فيها ومن وهب هبة لغير ذى رحم فله أن يرجع فيها ما لم يثب منها. والمراد بقوله ذى رحم محرم قد ذكر ذلك في بعض الروايات وهذا لانه يفترض صلة القرابة المتأبدة بالحرمية دون القرابة المتحرزة عن الحرمية وهو كما يتلى في القرآن في قوله سبحانه وتعالى واتقوا الله الذى تساءلون به والارحام أي اتقوا الارحام أن تقطعوها وقال الله تعالى وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم فأصمهم وأعمى أبصارهم والمراد الرحم المتأبد بالحرمية * ثم ان الحديث دليل أن الهبة لا تتم الا بالقبض لانه اعتبر القبض للمنع عن الرجوع وهو دليل لنا أن الوالد إذا وهب لولده هبة ليس له أن يرجع فيها كالولد إذا وهب لوالده وهذا لان المنع من الرجوع لحصول المقصود وهو صلة الرحم أو لما في الرجوع والخصومة فيه من قطعية الرحم والولاد في ذلك أقوي من القرابة المتأبدة بالحرمية. وفيه دليل على أن من وهب لاجنبي هبة فلم أن يرجع فيها ما لم يعوض منها لقوله عليه الصلاة والسلام ما لم يثب والمراد بالثواب العوض فعمر رضى الله عنه إمامنا في المسئلتين يحتج بقوله رضى الله عنه على الخصم وقد قال عليه الصلاة والسلام اينما دار الحق فعمر معه وان ملكا ينطق على لسان عمر (وعن) عائشة رضى الله عنها قالت نحلنى أبو بكر رضي الله عنه جذاذ عشرين وسقا من ماله بالعالية فلما حضره الموت حمد الله تعالى واثنى عليه ثم قال يا بنية ان أحب الناس إلى غنى أنت وأعزهم على فقرا أنت وانى كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا من مالى بالعالية وانك لم تكوني قبضتيه ولا حزتيه وانما هو مال الورثة وانما هما اخواك واختاك قالت فقلت فانما هي أم عبد الله يعنى اسماء قال انه ألقى في نفسي أن في بطن بنت خارجة جارية. ثم ذكر عن الشعبى عن عائشة رضى الله عنها ان أبا بكر رضى الله عنه نحلها أرضا له. وفى هذا دليل ان الهبة لا تتم الا بالقبض وانه يستوى في ذلك الاجنبي والولد إذا كانا بالغين. وفيه دليل على أن الهبة لا تتم الا بالقسمة فيما يحتمل القسمة لان أبا بكر رضي الله عنه أبطل لعدم القبض
[ 50 ]
والحيازة جميعا بقوله وانك لم تكوني قبضتيه ولاحزتيه والمراد بالحيازة القسمة لانه يقال حاز كذا أي جعله في حيزه بقبضه وحاز كذا أي جعله في حيزه بالقسمة ولو حملناه علي القبض هنا كان تكرارا وحمل اللفظ على ما يستفاد به فائدة جديدة أولى من حمله علي التكرار وفيه دليل أن هبة المشاع فيما يحتمل القسمة لا تكون باطلة لان أبا بكر رضى الله عنه باشرها ولكن لا يحصل الملك الا بعد القسمة كما لا يحصل الملك الا بعد القبض ولا نقول الهبة قبل القبض باطلة. وفيه دليل ان التسليم كالتمليك المبتدا لان أبا بكر رضي الله عنه امتنع من ذلك لمرضه فان المريض ممنوع من ايثار بعض ورثته بشئ من ماله بطريق التبرع ولكن طيب قلبها بما قال انتدابا إلى ماندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} في قوله رحم الله امرأ أعان ولده على بره بدأ كلامه بالحمد والثناء على الله تعالى وكل مسلم مندوب إلى ذلك خصوصا في وصيته. ثم يستدل بقوله ان أحب الناس الي غنى أنت وأعزهم على فقرا أنت أي أشدهم من تفضيل الغين الشاكر على الفقير الصابر ولاشك أن أبا بكر رضى الله عنه كان يحب لها أعلي الدرجات ولكن المذهب عندنا أن الافضل ما اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وقد قال عليه الصلاة والسلام اللهم أحينى مسكينا وأمتنى مسكينا واحشرني في زمرة المساكين وقال صلوات الله وسلامه عليه الفقر أزين بالمؤمن من العذار الجيد على خد الفرس. وكذلك أبو بكر رضى الله عنه اختار الفقر لنفسه حين أنفق جميع ماله على رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فعرفنا أنه انما قال ذلك تطييبا لقلبها أو أحب الغنى لعجزها عن الكسب أو ظن انه يشق عليها الصبر على الفقر فلهذا قال أحب الناس إلى غنى أنت وانى كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا من مالي بالعالية وذلك اسم موضع وقد كان وهب لها قدر عشرين وسقا من ماله في ذلك الموضع قال وانما هو مال الورثة. وفيه دليل على أن حق الوارث يتعلق بمال المريض مرض الموت وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام وما سوى ذلك فهو مال الوارث أو قال ذلك باعتبار أن مآله إلى ذلك كقوله تعالى انك ميت وانهم ميتون. وانما هما أخواك واختاك وانما ذكر ذلك لطييب قلبها انه كان لا يسلم لك فلا يبعد عنك فأشكل على عائشة رضي الله عنها قوله واختاك لانها ما عرفت لها الا اختا واحدة وهى أم عبد الله فقال أبو بكر رضى الله عنه أنه ألقى في نفسي أن في بطن بنت خارجة جارية يعنى أم حبيب امرأته وكانت حاملا. وفيه دليل أن الحمل من جملة الورثة وانه لا بأس للانسان أن يتكلم بمثل هذا بطريق الفراسة فان أبا بكر
[ 51 ]
سطر 159:
[ 53 ]
رحم ليس بمحرم فله أن يرجع فيها) وهما فصلان (أحدهما) إذا وهب لاجنبي شيئا فله أن يرجع في الهبة عندنا ما لم يعوض منها في الحكم وان كان لا يستحب له ذلك بطريق الديانة وعند الشافعي ليس له أن يرجع فيها لقوله عليه الصلاة والسلام لا يرجع الواهب في هبته الا الوالد فيما يهب لولده وفي رواية قال لا يحل. فقد نفى الرجوع أو حرم ولا يجوز الاقدام على ارتكاب الحرام شرعا وقال عليه الصلاة والسلام العائد في هبته كالعائد في قيئه وفى رواية كالكلب يقئ ثم يعود في قيئه والعود في القئ حرام فكذلك الرجوع في الهبة والمعنى فيه ان الهبة عقد تمليك فمطلقه لا يقتضى الرجوع فيه كالبيع وهذا لان الرجوع يضاد المقصود بالتمليك والعقد لا ينعقد موجبا ما يضاد المقصود به وانما يثبت حق الرجوع قبل تمامه كما فيما بين الوالد والولد باعتبار أن الولد كسبه علي ما نبينه أو أنه بعضه فلا يتم اخراجه عن ملكه لما جعلها محرزة وهذا لا يوجد فيما بين الاجانب وهو معنى قولهم ليس بين الواهب والموهوب له حزونة فلا يرجع أحدهما فيما يهب لصاحبه كالاخوين. وحجتنا في ذلك حديث علي رضي الله عنه موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها والمراد حق الرجوع بعد التسليم لانها لا تكون هبة حقيقة قبل التسليم واضافتها إلى الواهب علي معنى أنها كانت له كالرجل يقول أكلنا خبز فلان الخباز وان كان قد اشتراه منها ولانه مد هذا الحق الي وصول العوض إليه وذلك في حق الرجوع بعد التسليم وفى قوله تعالى فحيوا بأحسن منها أوردوها ما يدل على ذلك وقد بينا أن المراد بالتحية العطية قال القائل * تحيتهم بيض الولائد بينهم * يريد عطاياهم وفي حديث أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام من وهب هبة ثم أراد أن يرجع فيها فليوقف وليعرف قبح فعله وفى رواية حسن فعله فان أبى يرد عليه والمراد حسن فعله في الهبة وقبح فعله في الرجوع (وعن) فضالة بن عبيد أن رجلين اختصما إليه فقال احدهما انى وهبت لهذا بازيا ليثيبنى ولم يثبنى فأنا أرجع فيه فقال فضالة لا يرجع في الهبة الا النساء والشراء من الناس اردد (وعن) أبى الدرداء رضى الله عنه قال الواهبون ثلاثة رجل وهب على وجه الصدقة فليس له أن يرجع فيها ورجل استوهب فوهب فله أن يرجع فيها ما لم يعوض ورجل وهب بشرط العوض فهى دين له في حياته وبعد موته والمعنى فيه أنه يمكن الخلل في المقصود بالعقد فيتمكن العاقد من الفسخ كالمشترى إذا وجد بالمبيع عيبا. وبيان ذلك أن المقصود من الهبة للاجانب العوض والمكافأة والمرجع
[ 54 ]
في ذلك إلى العرف والعادة الظاهرة أن الانسان يهدى إلى من فوقه ليصونه بجاهه والى من دونه ليخدمه والي من يساويه ليعوضه واليه أشار رسول الله صلي الله عليه وسلم في قوله لوفد ثقيف لما أتوه بشئ أصدقة أم هبة فالصدقة يبتغي بها وجه الله تعالى والهبة يبتغي فيها وجه الرسول صلى الله عليه وسلم{{ص}} وقضاء الحاجة ومنه يقال للايادي قروض وقال القائل وإذا جوزيت قرضا فاجزه * انما يجزى الفتى ليس الحمل وبهذا يتبين أن حق الرجوع اليس بمقتضى العقد عندنا بل لتمكن الخلل في المقصود بالعقد علي معنى أن المعروف كالمشروط ولا يقال انما يقصد العوض بالتجارات فأما المقصود بالهبة اظهار الجود والسخاء والتودد والتحبب وقد حصل ذلك وهذا لان العوض في التجارات مشروط وفى التبرعات مقصود ومعنى اظهار الجود ايضا مقصود فانما يمكن الخلل في بعض المقصود وذلك يكفى للفسخ مع أن اظهار الجود مقصود كريم الخلق ولهذا يقول الراجع في الهبة لا يكون كريم الخلق فاما مقصود طيبة النفس العوض ومعنى التودد انما يحصل بالعوض كما قال عليه الصلاة والسلام تهادوا تحابوا فان التفاعل يقتضى وجود الفعل من الجانبين كالمفاعلة فأما الحديث فالمراد به ان لا ينفرد بالرجوع من غير قضاء ولا رضا الا الوالد إذا احتاج الي ذلك فينفرد بالاخذ لحاجته وسمى ذلك رجوعا باعتبار الظاهر وان لم يكن رجوعا في الحكم كما روى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حمل على فرس سبيل الله ثم رأى ذلك الفرس يباع فأراد أن يشتريه فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} عن ذلك فقال لا تعد في صدقتك والشراء لا يكون رجوعا في الصدقة حكما والمراد لا يحل الرجوع بطريق الديانة والمروءة وهو كقوله عليه الصلاة والسلام لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر ان يبيت شبعان وجاره إلى جنبه طاو اي لا يليق ذلك بالديانة والمروءة وان كان جائزا في الحكم إذا لم يكن عليه حق واجب. والمراد بالحديث الآخر التنبيه في معنى الاستقباح والاستقذار ألا ترى أنه شبه بعود الكلب في قيئه وفعل الكلب يوصف بالقبح لا بالحرمة وبه نقول وانه يستقبح. وقد بينا الفرق بين هذا وبين الاخوين والزوجين لحصول ما هو المقصود هناك وتمكن الخلل فيما هو المقصود هنا ولهذا يحتاج إلى القضاء أو الرضا في الرجوع لانه بمنزلة الرد بالعيب بعد القبض من حيث ان السبب تمكن الخلل في المقصود فلا يتم الا بقضاء أو رضا والله سبحانه وتعالى أعلم (والفصل الثاني) إذا وهب الوالد لولده فليس له أن يرجع فيه
[ 55 ]
عندنا وقال الشافعي له ذلك لما روينا من قوله عليه الصلاة والسلام الا الوالد فيما يهب لولده والاستثناء من النفى اثبات ومن التحريم اباحة * وفي حديث نعمان بن بشير رضى الله عنه قال نحلنى أبى غلاما وانا ابن سبع سنين فأبت أمي الا أن يشهد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} فحملني أبى على عاتقه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} وأخبره بذلك فقال صلوات الله وسلامه عليه ألك ولد سواه فقال نعم فقال عليه الصلاة والسلام أوكل ولدك نحلته مثل هذا فقال لا فقال عليه الصلاة والسلام هذا جور وانا لا نشهد على جور اردد فقد امره رسول الله صلي الله عليه وسلم بالرجوع فيه واقل احوال الامر أن يفيد الاباحة ولانه جاد بكسبه على كسبه فيتمكن من الرجوع فيه كما لو وهب لعبده. ومعنى هذا أن الولد كسبه. قيل في معنى قوله تعالى ما أغنى عنه ماله وما كسب وما ولد وقال عليه الصلاة والسلام وان ولده من كسبه. وتأثيره مابينا أنه لا يتميز عن ملكه إذا كان الموهوب له كسباله كالموهوب به وإذا كان الموهوب له جزأ منه فلا يشكل أنه لا يتم خروجه عن ملكه ولا يبعد أن يختص الوالد بمالا يشاركه الولد فيه كالتملك بالاستيلاد فانه يثبت للاب في جارية ابنه ولا يثبت للابن في جارية أبيه. وحجتنا ماروينا من حديث عمر رضى الله عنه فهو الامام لنا في المسئلتين ولان الهبة قد تمت لذى الرحم المحرم ملكا وعقدا فلا يملك الرجوع فيه كالابن إذا وهب لا بيه أو الاخ لاخيه وهذا لان المقصود قد حصل وهو صلة الرحم ولان في الرجوع معنى قطيعة الرحم وهذا موجود في حق الوالد مع ولده لانه بالرجوع يحمله على العقوق وانما أمر الوالد أن يحمل ولده على بره. ولايقال مقصود الوالد أن يحدمه الولد ولما رجع فالظاهر انه لم ينل ذلك لان شفقة الابوة تمنعه من الرجوع بعد حصول المقصود وهذا لان هذا المعنى خفى لا ينبنى الحكم عليه وهو موجود في الولد إذا وهب لوالده فالظاهر أنه قصد أن يخصه باكرام وانما يرجع لانه لم ينل ذلك ولا معتبر بما ذكر من الكسب فانه لو وهب لمكاتبه أو لمعتقه لا يرجع فيه وهو كسبه أيضا وهذا لان الولد كسبه لا ملكه بخلاف عبده. فأما الحديث فقد قيل معنى قوله عليه الصلاة والسلام الا الوالد ولا الوالد فان كلمة الا تذكر بمعنى ولا قال الله تعالى الا الذين ظلموا منهم أي ولا الذين ظلموا منهم وقوله تعالى وما كان مؤمن أن يقتل مؤمنا الاخطأ أي ولا خطأ. أو المراد الا الوالد فانه ينفرد باخذه عند حاجته على ما قررنا وحديث النعمان بن بشير رضى الله تعالى عنه قيل
[ 56 ]
قوله وانا ابن سبع سنين وقوله فحملني أبى على عاتقه لم ينقل في شئ من المشاهير فيحتمل انه كان بالغا ولم يسلمه إليه. وعندنا في مثله له أن يرجع ويحتمل انه كان صغيرا ولكن كان فوض ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ليهبه له ان رآه صوابا. ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام اردد أي أمسك مالك وارجع إلى رحلك. وقيل كان هذا منه بطريق الوصية بعد موته ألا ترى أنه اعتبر التسوية بين الاولاد وانما تجب التسوية في الوصيه بعد الموت فأما في الهبة في الصحة فلا ألا ترى أن أبا بكر رضى الله تعالى عنه خص عائشة بالهبة لها في صحته كما روينا والدليل عليه أن النعمان بن بشير رضى الله عنه قال فرجع أبى في وصيته * وفى هذا التأويل كلام فالمذهب انه ينبغى للوالد ان يسوى بين الاولاد في العطية عند محمد رحمه الله على سبيل الارث للذكر مثل حظ الانثيين وعند أبى يوسف رحمه الله يسوى بين الذكور والاناث قال عليه الصلاة والسلام ساووا بين أولادكم حتي في القتل ولو كنت مفضلا أحدا لفضلت الاناث والاعتماد على التأويل الاول * وذو الرحم الذى ليس بمحرم كالاجنبي في حق الهبة لان ما بينهما من القرابة لا يفترض وصلها ولهذا لا يتعلق بها استحقاق العتق وحرمة النكاح وكذلك المحرم الذى ليس برحم لانه لا تأثير للرضاع والمصاهرة في استحقاق الصلة فكانت الهبة بينهما المقصود العوض فإذا لم ينل كان له أن يرجع فيها ان كانت قائمة لم يزدد خيرا * والموانع من الرجوع في الهبة إما أخذ العوض لان المقصود به قد تم وفى قوله ما لم يثب منها دليل على انه لا رجوع بعد نيل العوض وأن يزداد الموهوب في ندمه خيرا فان حق الرجوع فيما تتناوله الهبة وتلك الزيادة لم تتناولها الهبة ولا يتأتى الرجوع في الاصل بدون الزيادة المتصلة وهذا بخلاف مالو زاد في سعره لان ذلك ليس بزيادة في العين فانه عبارة عن كثرة رغبات الناس فيه فأما العين علي حاله كما كان. ومنها أن يخرج الموهوب من ملك الموهوب له لان تبدل الملك كتبدل العين ولان حق الرجوع في الملك المستفاد في الهبة على معنى أن بالرجوع ينتهى ذلك الملك فلا يمكن اثباته في ملك آخر. ومنها ان يموت الواهب فليس لوارثه أن يرجع فيه لان التمليك بعقد الهبة لم يكن منه فلا يخلف مورثه فيما لم يكن على ملكه عند موته ومنها ان يموت الموهوب له فان الملك ينتقل من الموهوب إلى وارثه ولو انتقل الملك في حياته إلى غيره لم يرجع الواهب فيه وكذلك بعد موته. قال (فان مات أحدهما إما الواهب أو الموهوب له قبل التسليم بطلت الهبة لان تمام الهبة بالقبض
[ 57 ]
وكان القبض في الهبة كالقبول في البيع من حيث ان الملك يثبت به فكما أن موت أحدهما بعد الايجاب قبل القبول يبطل البيع فكذلك الهبة. قال (وان كان الموهوب حاضرا في المجلس فقبضه الموهوب له باذن الواهب ملكه وان قبضه بغير اذنه في القياس لا يملكه وفى الاستحسان يملكه نص على ذلك في الزيادات). وجه القياس أن العين باقية علي ملك الواهب وليس لاحد أن يقبض ملك غيره بغير اذنه فكان متعديا في القبض لا متملكا ولان ايجاب العقد لا يكون اذنا في القبض كالبيع فان المشترى لو قبض المبيع بغير اذن البائع قبل نقد الثمن لم يكن هذا قبضا باذن وان كان المبيع حاضرا حتى لا يسقط حق البائع في الحبس بل أولى فان هناك قد ملكه المشترى بالعقد فانما يقبض ملك نفسه وهنا الموهوب له لم يملك بالعقد. ووجه الاستحسان أن القبض في الهبة كالقبول في البيع ثم ايجاب البيع يكون اذنا في القبول فكذلك ايجاب الهبة يكون اذنا في القبض لان مقصود الموجب اتمام تبرعه وذلك يكون بالقبض فكان في القبض تحصيل مقصوده فلهذا جعلنا مسلطا للموهوب له على ذلك إذا كان الموهوب حاضرا بخلاف البيع والقبض هناك لاسقاط حقه في الحبس ولم يكن ذلك مقصوده بالبيع وانما كان مقصوده أن يسلم العوض له فلهذا لا يجعله بايجاب البيع راضيا بسقوط حقه في الحبس ولو لم يكن الموهوب حاضرا في المجلس فقبضه الموهوب له بعد ما افترقا بغير اذن الواهب لا يملكه وان قبضه باذن الواهب فقياس الاستحسان الاول أن لا يملكه أيضا لان القبض هنا بمنزلة القبول في البيع والقبول بعد الافتراق لا يوجب الملك باذن الموجب كان أو بغير اذنه فكذلك القبض هنا وفي الاستحسان يملكه لان العقد انعقد لوجود الايجاب والقبول والقبض محتاج إلى ذلك ليتقوى به السبب فيكون موجبا للملك وذلك حاصل بعد الافتراق واذنه يحتاج في القبض إلى اذن المالك صريحا أو دلالة فإذا كان الموهوب غائبا لم يثبت الاذن بقبضه دلالة فلابد من التصريح بذلك فإذا قبضه باذن ملكه. والاصل فيه ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} لما نحر هداياه قال من شاء ان يقتطع فليقتطع وانصرف فكان إذنا بالقبض لمجهول يملكه بالقبض فلان يصح ذلك للمعلوم كان أولى وله أن يرجع قبل أن يقبضه الموهوب له سواء كان حاضرا وغائبا أذن له في قبضه أولم يأذن له ومراده التفرد بالرجوع فان الملك لم يحصل للموهوب له فكان الراجع مستديما لملكه والمالك ينفرد باستدامة ملكه فأما بعد القبض لا يرجع في الهبة الا بقضاء أو رضا بمنزلة الاخذ بالشفعة
[ 58 ]
لان الراجع يعيد إلى نفسه ملكا هو لغيره فلا ينفرد به من غير قضاء ولا رضا لانه ان كان هو يطلب لحقه فالموهوب له يمنع تملك فكان الفصل بينهما إلى القاضي كما في الاخذ بالشفعة والفرقة بين العنين وامرأته. قال (وإذا أودع الرجل الرجل شيئا ثم لقيه فوهبه له وليس الشئ بحضرتهما فالهبة جائزة إذا قال الموهوب له قبلت ولا يحتاج فيه إلى قبض جديد) لان الشئ في يد الموهوب له واليد مستدامة فاستدامتها كانشائها بعد قبول الهبة وهذا لان القبض يحكم الهبة ليس بموجب للضمان فيد الامانة تنوب عنه بخلاف الشراء فان المودع إذا اشترى الوديعة من المودع وهى ليست بحاضرة لا يصير قابضا بنفس الشراء فان القبض بحكم الشراء قبض ضمان وقبض الامانة دون قبض الضمان والضعيف لا ينوب عن القوى. وكذلك هذا في العارية والاجارة لان قبض المستعير والمستأجر قبض أمانة كقبض المودع أو أقوى منه. قال (والنحلى والعمري والعطية بمنزلة الهبة فيما ذكرنا) لان هذه عبارات عن شئ واحد وهو التمليك بطريق الهبة وانما يعتبر المقصود لا العبارة عنه ألا ترى أن لفظ الفارسية والعربية فيه سواء والاصل فيه ماروي أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} اجاز العمرى وأبطل الشرط يعنى شرط العود إليه بعد موت الموهوب له أما الصدقة إذا تمت بالقبض فليس له أن يرجع فيها سواء كانت لقوابته أو لاجنبي لان المطلوب بالصدقة نيل الثواب وقد حصل ذلك ولا رجوع بعد حصول المقصود بتمامه ولان المتصدق يجعل ذلك المال لله تعالى ثم يصرفه إلى الفقير فيكون كفاية له من الله تعالى ولهذا لم يكن للمعطى فيه منة على القابض وانما له حق الرجوع في ملك ذلك المال المتملك من جهته وقد انعدم ذلك في الصدقة فلهذا لا يرجع فيها ويستوى في الهبة حكم الرجوع ان كان الموهوب له مسلما أو كافر لان المقصود لا يختلف بذلك فانه ان كان اجنبيا فالمقصود العوض وان كان قريبا له فالمقصود صلة الرحم وفى هذا المسلم والكفار سواء. قال (وإذا وهب عبدا لا خيه ولا جنبي وقبضاه فله أن يرجع في نصيب الأجنبي اعتبارا للبعض بالكل) وهذا لان في نصيب الأجنبي مقصوده العوض ولم ينل ذلك. قال (وان وهب لاخيه هبة وهو عبد فقبضها فله أن يرجع فيها) لان الملك بالهبة وقع للمولي والعبد ليس من أهل الملك والمولى أجنبي فعرفنا ان مقصوده العوض والمكافأة ولم ينل ذلك ولانه انما يخاصم في الرجوع المرلى باعتبار أن الملك واليد له فلا يتمكن بينهما قطعية رحمه إذا كان المولى أجنبيا. قال (وان وهب لعبد أخيه
[ 59 ]
سطر 192:
[ 64 ]
له فكان هو منتفعا برأيه قائما مقامه ولو كان منتفعا برأيه بأن كان حاضرا لم يجز قبض الاخ فهذا مثله وهذا لما بينا ان مجرد قرابة الاخ لا تثبت له الولاية بدون اليد * وإذا كان في عيال من اختاره الاب فليس للاخ عليه يد موجودة ولا مستحقة حتى انه ليس له ان يسترده ممن يعوله فكان كالاجنبي ولمن يعوله يد مستحقة ما لم يحضر الاب فهو الذى يقبض الهبة له والله اعلم بالصواب باب ما يجوز من الهبة وما لا يجوز قال (وإذا وهب الرجل للرجل نصيبا مسمى من دار غير مقسومة وسلمه إليه مشاعا أو سلم إليه جمبع الدار لم يجز) يعنى لا يقع الملك للموهوب له بالقبض قبل اقسمة عندنا وقال الشافعي يقع الملك وتتم الهبة لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} لما دخل المدينة نظر إلى موضع المسجد فوجده بين أسعد بن زرارة وبين رجلين من قومه فوهب أسعد رضى الله عنه نصيبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ثم وهب الرجلان نصيبهما منه أيضا فبنى المسجد (وقال) عليه الصلاة والسلام للرجل الذى أتاه بكبة من شعر فقال أخذت هذه من الغنيمة لاخيط بها بردعة بعير لي أما نصيبي منها فهو لك فقد وهب المشاع (وعن) أنس بن مالك رضى الله عنه انه جوز الهبة في المشاع ولانه عقد تمليك للمال فيصح في المشاع كالبيع وتأثيره أن الجزء المشاع محل لما هو موجب هذا العقد وهو الملك وانما يشترط في المحل المضاف إليه العقد كونه محلا لحكم العقد وبه فارق الصوف على ظهر الغنم فانه مملوك وصفا وتبعا لا مقصودا وموجب الهبة الملك مقصودا ولهذا لا يجوز اضافة البيع إليه بخلاف الجزء الشائع ولان الشيوع فيما لا يحتمل القسمة لا يمنع تمام الهبة وما يؤثر فيه الشيوع فيما يحتمل القسمة وما لا يحتمل القسمه فيه سواء كالرهن عندكم والنكاح عندي ولان الهبة عقد تبرع فتكون بمنزلة القرض والوصية والشيوع لايمنع صحة الوصية وهى تبرع بعد الموت فكذلك التبرع في الحياة ولا يمنع القرض أيضا فانه لو دفع ألف درهم إلى رجل على أن يكون نصفها قرضا عليه ويعمل في النصف الآخر بشركته يجوز ذلك وبفضل القرض يبطل اعتمادكم على اشتراط القبض فاصل القبض شرط لوقوع الملك في القرض ثم لا تشترط القسمة والدليل على ان القبض مع الشيوع يتم انه ينتقل الضمان الي
[ 65 ]
سطر 198:
[ 66 ]
المقاسمة ولان اصل القبض هناك لا يشترط لوقوع الملك فذلك ما يتممه وبه فارق الوصية فأصل القبض هناك ليس بشرط للملك فكذلك ما يتممه وكما يستحق هناك ضمان التسليم على المالك يستحق ضمان المقاسمة ايضا والقرض تبرع من وجه ومن وجه هو عقد الضمان حتى كان المستقرض مضمونا بالمثل فلا يبعد أن يتعلق به ضمان المقاسمة وشرط القبض هناك ليس بمنصوص ليراعى وجوده على أكمل الجهات * ثم لشبهه بالتبرع شرطنا فيه القبض ولشبهه بعقد الضمان لا يشترط فيه القسمة وذلك اعتبار صحيح فيما له سببان وحديث الكبة فانما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} على وجه المبالغة في النهى عن الغلول أي لا أملك الا نصيبي فكيف أطيب لك هذه الكبة من الغنيمة ألا ترى أنه ليس لواحد من الغانمين أن يهب نصيبه قبل القسمة لانه لا يدري أين يقع نصيبه أو كان ذلك مما لا يحتمل القسمة فالكبة من الشعر إذا قسمت على جند عظيم لا يصيب كل واحد منهم ما ينتفع به وحديث المسجد فذكر الواقدي ان أبا بكر رضى الله عنه هو الذى اشترى موضع المسجد باثنى عشر دينارا ولئن تثبت الهبة فيحتمل أن أسعد رضى الله عنه وهب نصيبه ولم يسلم حتى وهب الرجلان نصيبهما ثم سلموا جملة. وعندنا هذا يجوز فان المؤثر الشيوع عند القبض لا عند العقد حتى لو وهب الكل وسلم النصف لا يجوز ولو وهب النصف ثم النصف وسلم الكل جاز. قال (ولو وهب أحد الشريكين نصيبه من شريكه مشاعا فيما يحتمل القسمة لا يجوز عندنا ايضا) وقال ابن أبى ليلى يجوز لقوله تعالى فنصف ما فرضتم الا أن يعفون أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح فهذا يقتضي أن الصداق إذا كان عينا يتنصف بالطلاق فان المرأة تندب إلى أن تترك الكل للزوج والزوج يندب إلى أن يسلم الكل إليها وذلك من كل واحد منهما هبة في المشاع (وعن) أبى السباع مولى عطاء قال أقرضت ابن عمر رضى الله عنهما خمسمائة درهم فقضاني في كيس فوجدته يزيد على حقى ثمانين فقلت في نفسي لعله جربني بهذا فأتيته واخبرته بذلك فقال هولك فهذا كان منه هبة للمشاع في تلك الزيادة من الشريك ولان المانع استحقاق ضمان المقاسمة وذلك لا يجوز في الهبة من الشريك. وحجتنا في ذلك ما بينا أن اشتراط القسمة في الهبة فيما يحتمل القسمه كاشتراط القبض وفى ذلك يستوى الهبة من الشريك ومن الاجنبي فكذلك في القسمة وهذا لان القبض في الهبة لايتم في الجزء الشائع فقبض الشريك لايتم اعتبار ما لاقاه في الهبة وانما يتم به وبغيره وهو ماكان مملوكا
[ 67 ]
سطر 219:
[ 73 ]
واضافة عقد التمليك إلى غير محله لغو (فان قيل) لاكذلك فالوصية بما يثمر نخيله العام صحيح (قلنا) الوصية ليست بعقد تمليك مال وانما شرعت للخلافة عن الموصى ثم الملك من ثمراته ولهذا لا يتوقف ثبوت الملك فيه على القبض وهنا العقد التمليك فلابد من اضافته إلى ما هو مملوك ليعتبروا الملك لا يسبق الوجود وبه فارق ما سبق من الصوف واللبن فانه موجود مملوك وان كان متصلا بالحيوان فانما يمتنع جواز بيعه لتمكن المنازعة بينهما عند التسليم وذلك لا يوجد في الهبة * ثم الجزاز والحلب والقبض في اللبن في وسعه فيمكن أن يجعل فيه نائبا عن الواهب ثم قابضا لنفسه بعد ذلك فأما الايجاب في الثمار ليس إليه. قال (وكذلك لو وهب له مافى بطن جاريته وهى حبلى أو مافى بطن غنمه فهو باطل) من اصحابنا رحمهم الله من يقول ان أمره بقبضه بعد الولادة فقبض ينبغى ان يجوز استحسانا كما في الصوف واللبن والاصح أنه لا يجوز لان مافى البطن ليس بمال اصلا ولا يعلم وجوده حقيقة ولان اخراج الولد من البطن ليس إليه فلا يمكن أن يجعل في ذلك نائبا عن الواهب بخلاف الجزاز في الصوف والحلب في اللبن. ومعنى هذا الفرق ان فيما ليس في وسعه لو جاز العقد باعتباره كان تعليقا للهبة بالخطر وذلك غير جائز وما في وسعه يكون تأخيرا لملكه إلى قبضه لا تعليقا للهبة بالخطر وذلك جائز. قال (ولو اعتق مافى بطن جاريته ثم وهبها لرجل وسلمها إليه جازت الهبة في الام فان باعها لم يجز بيعه) لانه لو باع جاريته واستثنى ما في بطنها لم يجز البيع ولو وهبها واستثنى مافى بطنها جازت الهبة في الام والولد والاستثناء باطل * أما مسألة استثناء ما في البطن تنقسم إلى ثلاثة أقسام (قسم منها) لا يجوز أصل التصرف وهو البيع والاجارة والرهن لان موجب اضافة العقد إلى الامر دخول الولد فيه واستثناء موجب العقد في هذه العقود مبطل للعقد لانه شرط فاسد وما يتعلق بالجائز من الشرط فالشرط الفاسد يبطله (وقسم منها) يجوز التصرف ويبطل الشرط وهو النكاح والخلع والصلح عن دم العمد والهبة لان الشرط الفاسد لا يبطل هذه العقود بل العقد صحيح والشرط باطل والاصل فيه ماروى عن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} انه أجاز العمرى وأبطل الرقبي (وقسم) يجوز التصرف والاستثناء جميعا وهو لوصية لان في حكم الوصية مافى البطن كانه شخص على حدة حتى يجوز افراده بالوصية فيجوز استثناؤه أيضا لانه غير مبنى على السراية بخلاف العتق * فإذا عرفنا هذا فنقول في البيع لو استثنى ما في البطن قصدا لم يجز البيع فكذلك إذا صار مستثنى حكما
[ 74 ]
سطر 225:
[ 75 ]
يسلم النصف الاول حتى وهب النصف الثاني للثاني ثم سلم الدار اليهما جازت الهبة لهما عند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله بمنزلة مالو وهب الدار لهما جملة (وان وهب لرجل نصفها ثم قسمها ودفع النصف إليه جاز) لان المعتبر عند القبض ولا شيوع عند ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم باب العوض في الهبة قال (وإذا عوض الموهوب له الواهب من هبته عوضا وقبضه الواهب لم يكن للواهب. ان يرجع في هبته ولا للمعوض أن يرجع في عوضه) والحاصل ان العوض في الهبة نوعان متعارف ومشروط فبدأ الباب ببيان ما هو متعارف من العوض غير مشروط والاصل أن المعوض بمنزلة الواهب حتى يشترط في العوض ما يشترط في ابتداء الهبة فلا يحصل الملك للواهب الا بالقبض بعد القسمة لان المعوض متبرع مختار في هذا التمليك كالواهب وبعد وصول العوض إلى الواهب لا رجوع له في الهبة لقوله صلى الله عليه وسلم{{ص}} ما لم يثب منها وحكم ما بعد الغاية بخلاف ما قبله ولان حق الرجوع له في الهبة كان لخلل في مقصوده وقد انعدم ذلك لوصول العوض إليه فهو كالمشتري يجد بالمبيع عيبا فيزول العيب قبل ان يرده ولا يرجع المعوض في عوضه أيضا لان مقصوده بالتعويض اسقاط حق الواهب في الرجوع وقد نال هذا المقصود ولانه مجازى في التعويض وبقاء جزء الشئ ببقاء أصله فإذا كان الموهوب سالما له فينبغي أن يكون الجزء سالما لصاحبه أيضا. قال (وان وهب عبدا لرجلين فعوضه أحدهما من حصته كان له أن يرجع في حصة الآخر) لانه لم يصل إليه العوض عن حصة الآخر والجزء معتبر بالكل والرجوع في النصف شائعا صحيح بخلاف ابتداء الهبة لان الراجع ليس يتملك بالرجوع بل يعيده إلى قديم ملكه والشيوع من ذلك لايمنع وبالرجوع في النصف لا تبطل الهبة فيما بقى لانه شيوع طرأ بعد تمام الهبة فلا يكون مؤثرا فيه فان ما يتمم القبض معتبر بأصل العقد وعود الموهوب إلى يد الواهب لايمنع بقاء الهبة فالشيوع كذلك فان عوضه أحدهما عن نفسه وعن صاحبه لم يكن للواهب أن يرجع في شئ من العبد لانه في نصيب صاحبه أجنبي والتعويض من الاجنبي صحيح وان كان بغير أمر الموهوب له لانه تصرف في المعوض في ملكه وانما يسقط به حق الواهب في الرجوع ومثل هذا التصرف يصح من الأجنبي كصلح الاجنبي مع صاحب الدين من دينه على مال
[ 76 ]
سطر 267:
[ 89 ]
الحادثة في العين أو في ماليته بفعله فان ذلك مانع من الرجوع والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب باب الرقبي قال (رجل حضره الموت فقال دارى هذه حبيس لم تكن حبيسا وكان ذلك ميراثا) لان قوله حبيس أي محبوس فعيل بمعنى مفعول كالقتيل بمعنى المقول ومعناه محبوس عن سهام الورثة وسهام الورثة في ماله بعد موته حكم ثابت بالنص فلا يتمكن من ابطاله بقوله وهو معنى قول شريح لا حبيس عن فرائض الله تعالى وجاء محمد صلى الله عليه وسلم{{ص}} ببيع الحبيس. وكذلك ان قال دارى هذه حبيس على عقبى بعد موتى فهو باطل لان معناه محبوس على ملكهم لا يتصرفون فيه بالازالة كما يفعله المالك وهو مخالف لحكم الشرع فكان باطلا. قال (ولو قال دارى هذه لك رقبي فهو باطل في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف رحمه الله هي هبة صحيحة إذا قبضها وكذلك لو قال لك حبيس) فأبو يوسف استدل بحديث ابن الزبير عن جابر رضى الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم أجاز العمرى والرقبي والمعنى فيه أن قوله دارى لك تمليك صحيح وقوله حبيس أو رقبي باطل فكأنه لم يذكر ذلك يوضحه ان معنى قوله دارى لك رقبي ملكتك دارى هذه فأرقب موتك لتعود الي فيكون بمنزلة العمرى في معنى الانتظار والتعليق بالعود إليه دون التمليك فيبقى المتليك في الحال صحيحا. وحجتهما في ذلك حديث الشعبى عن شريح رحمهما الله أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} أجاز العمرى ورد الرقبي والحديثان صحيحان فلابد من التوفيق بينهما. فنقول الرقبي قد تكون ممن الا رقاب وقد تكون من الترقب حيث قال أجاز الرقبي يعنى إذا كان من الا رقاب بان يقول رقبة دارى لك وحيث قال رد الرقبي إذا كان من الترقب وهو أن يقول أراقب موتك فراقب موتى فان مت فهى لك وان مت فهى لي فيكون هذا تعليق التمليك بالخطر وهو موت المملك قبله وذلك باطل ثم لما احتمل المعنيان جميعا والملك لذى اليد فيها يقينا فلا يزيله بالشك وانما يكون قوله دارى لك تمليكا إذا لم يفسر هذا الاضافة بشئ أما إذا فسرها بقوله رقبى أو حيس يتبين أنه ليس بتمليك كما لو قال دارى لك سكنى تكون عارية وهذا لان المكلام المبهم إذا تعقبه تفسير فالحكم لذلك التفسير. قال (رجل قال لرجلين عبدى هذا لاطولكما حياة أو حبيس على أطولكما حياة فهذا باطل) لانه لايراد بهذا اللفظ طول الحياة فيما مضى حتى لو كان احدهما شابا والآخر
[ 90 ]
سطر 276:
[ 92 ]
(فان قيل) هذا أن لوثبت الايداع (قلنا) لا حاجة إلى ذلك بقبض مال الغير لنفسه علي وجه التملك موجب للضمان الا أن يثبت تمليك من صاحبه اياه ولم يثبت ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم باب الصدقة قال (الصدقة بمنزلة الهبة في المشاع وغير المشاع وحاجتها إلى القبض) وقد بينا اختلاف ابن أبى ليلي فيها الا أنه لا رجوع في الصدقة إذا اتمت لان المقصود بها نيل الثواب وقد حصل وانما الرجوع عند تمكن الخلل فيما هو المقصود ويستوى ان تصدق علي غنى أو فقير في انه لا رجوع له فيها. ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول الصدقة على الغنى والهبة سواء انما يقصد به العوض دون الثواب ألا ترى ان في حق الفقير جعل الهبة والصدقة سواء في ان المقصود الثواب فكذلك في حق الغنى الهبة والصدقة سواء فيما هو المقصود ثم له أن يرجع في الهبة فكذلك في الصدقة ولكنا نقول ذكره لفظ الصدقة يدل على انه لم يقصد العوض ومراعاة لفظه أولى من مراعاة حال المتملك * ثم التصدق على الغنى يكون قربة بستحق بها الثواب فقد يكون غنيا يملك نصابا ولكن عيال كثيرة والناس يتصدقون على مثل هذا لنيل الثواب ألا ترى ان عند اشتباه الحال يتأدى الواجب من الزكاة بالتصدق عليه ولارهن ولا رجوع فيه بالاتفاق فكذلك عند العلم بحاله لا يثبت له حق الرجوع عليه. قال (رجل تصدق على رجل بصدقه وسلمها إليه ثم مات المتصدق عليه والمتصدق وارثه فورثه تلك الصدقة فلا بأس عليه فيها) بلغنا في الاثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم{{ص}} أن رجلا تصدق بصدقة ثم مات المتصدق عليه فورثه النبي صلي الله عليه وسلم من تلك الصدقة والحديث فيه ماروى ان طلحة رضي الله تعالى عنه تصدق على أمه بحديقة ثم ماتت قال صلي الله عليه وسلم ان الله تعالى قبل منك صدقتك ورد عليك حديقتك وفي المشهور ان النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال لا تحل الصدقة لغنى الا بخمسة وذكر من جملتها رجلا تصدق بصدقة ثم مات المتصدق عليه فورث ثلث الصدقة. قال (رجل قال في صحته جعلت غلة دارى هذه صدقة للمساكين ثم مات أو قال دارى هذه صدقة في المساكين ثم مات قال هي ميراث عنه) لانها صدقة لم تتصل بهذا القبض ولان هذا اللفظ منه بمنزلة النذر سواء التزم الصدقة بعينها أو بغلتها والمنذور لا يزول
[ 93 ]
عن ملكه قبل تنفيذ الصدقة فيه وانما عليه الوفاء بنذره حقا لله تعالي ولهذا يفتي به ولا يجبر عليه في الحكم ومثله لايمنع الارث فلا يبقى بعد الموت وان كان حيا وتصدق بقيمتها أجزأه لان ما لزمه من التصدق في عين مال بالتزامه معتبر بما أوجب الله تعالي عليه وهو الزكاة والواجب هناك يتأدى بالقيمة كما يتأدى بالعين فهذا مثله لان المقصود في حق المتصدق عليه اغناؤه وسد خلته. قال (فان قال جميع ما أملك صدقة في المساكين فعليه أن يتصدق بجميع ما يملك من الصامت وأموال السوائم وأموال الزكاة ولا يتصدق بالعقار والرقيق وغير ذلك استحسانا) وفي القياس عليه أن يتصدق بجميع ذلك وهو قول زفر رحمه الله وزعم بعض مشايخنا رحمهم الله ان في قوله جميع ما أملك يتصدق بالكل قياسا واستحسانا وانما القياس والاستحسان في قوله مالى صدقة أو جميع مالى صدقة والاصح انهما سواء وجه القياس ان اسم الملك حقيقة لكل مملوك له واسم المال لكل ما يتموله الانسان ومال الزكاة في ذلك وغير مال الزكاة سواء ألا ترى أن في الارث والوصية بالمال يستوى فيه ذلك كله وهذا لان اللفظ معمول به في حقيقته ما أمكن ولكنه استحسن فقال انما ذكر المال والملك عند ذكر الصدقة فيختص بمال الزكاة بدليل شرعى وهو ان ما يوجبه علي نفسه معتبر بما أوجب الله سبحانه وتعالى عليه والله تعالي أوجب الحق في المال ولذلك يختص بمال الزكاة فكذلك ما يوجبه على نفسه بخلاف الوصية وهذا لان الصدقة شرعا انما تكون عن غنى قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} لاصدقه الاعن ظهر غنى والغنى شرعا يختص بمال الزكاة حتى لا يكون مالك العقار والرقيق لغير التجارة غنيا شرعا فلهذا الدليل تركنا اعتبار حقيقة اللفظ وأو جبنا عليه التصدق بمال الزكاة وبخلاف الوصيه والميراث فان ذلك خلافه والحاجة إليه في مال الزكاة وغير مال الزكاة سواء ثم يمسك من ذلك قوته فإذا أصاب شيئا بعد ذلك تصدق بما أمسك لان حاجته في هذا القدر مقدمة إذ لو لم يسمك احتاج أن يسأل الناس ولا يحسن أن يتصدق بماله ثم يسأل الناس من ساعته ولم يبين في الكتاب مقدار ما يسمك لان ذلك يختلف بقلة عياله وكثرة عياله. وقيل ان كان محترفا فانما يمسك قوت يوم وان كان صاحب غلة امسك قوت شهر وان كان صاحب ضياع أمسك قوت سنة لان يد الدهقان إلى ما ينفق انما تتصل سنة فسنة ويد صاحب الغلة شهرا فشهرا ويد العامل يوما فيوما قال (رجل وهب للمساكين هبة ودفعها إليهم لم يرجع فيها استحسانا وفى القياس يرجع) لانه ملكه بطريق الهبة وفي أسباب الملك الغنى والفقير سواء
[ 94 ]
سطر 285:
[ 95 ]
الزبير عن جابر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم{{ص}} قال امسكوا عليكم أموالكم لاتعمروها فمن أعمر عمرى فهى للمعمر له ولورثته بعده. وروى سلمة عن جابر رضى الله عنهما ان النبي صلي الله عليه وسلم قضى بالعمرى للمعمر له ولعقبه بعده وقال عليه الصلاة والسلام من أعمر عمرى قطع قوله حقه يعنى قطع قوله وهبت لك عمرك حقه في الرجوع بعد موته والمعنى فيه أنه ملكه في الحال والوارث يخلفه في ملكه بعد موته فشرط الرجوع إليه بعد الموت فاسد والهبة لا تبطل بالشروط الفاسدة. قال (وكذلك لو قال نحلتك هذا الثوب أو أعطيتك هذا الثوب عطية فهذه عبارات عن تمليك العين بطريق التبرع وذلك يكون هبة) وكذلك لو قال قد كسوتك هذا الثوب فان هذا اللفظ لتمليك العين بدليل قوله تعالى أو كسوتهم فالكفارة لاتتأدى الا بتمليك الثوب من المسكين ويقال في العرف كسا الامير فلانا أي ملكه * وان قال حملتك على هذه الدابة كانت عراية لان الحمل على الدابة إركاب وهو تصرف في منافعها لافى عينها فتكون عارية الا أن يقول صاحب الدابة أردت الهبة لان هذا اللفظ قد يذكر للتمليك يقال حمل الامير فلانا على فرسه أي ملكه فإذا نوى ما يحتمله لفظه وفيه تشديد عليه عملت نيته. وكذلك لو قال قد أخدمتك هذه الجارية فهى عارية لان معناه مكنتك من ان تستخدمها وذلك تصرف في منافعها لافى عينها ان. وقال قد منحتك هذه الجارية أو هذه الارض فهى عارية لان المنحة بدل المنفعة بغير بدل قال صلى الله عليه وسلم{{ص}} المنحة مردودة والعارية مؤداة فيكون معنى كلامه جعلت لك منفعة هذه العين وهو نفس العارية. فان قال قد اطعمتك هذه الارض فانما أطعمه غلتها والرقبي لصاحبها لان عينها لا تطعم فمعناه أطعمتك ما يحصل منها فيكون تمليكا لمنفعة الارض دون عينها وله أن يأخذها متى شاء يعنى إذا كانت فارغه فأما بعد الزراعة إذا أراد ان يستردها فان رضى المستعير بأن يقلع زرعها ويردها فله ذلك وان أبى تركت في يده بأجرة مثلها إلى وقت ادراك الغلة لانه محق في زراعتهما غير متعد فلابد من مراعاة حقه بخلاف الغاصب وانما يعتدل النظر من الجانبين بأن تترك في يده بأجر إلى ادراك الغلة وان قال قد أطعمتك هذا الطعام فاقبضه فقبضه فهذه هبة لان عين الطعام تطعم فاضافة لفظة الاطعام إلى ما يطعم عينه يكون تصرفا في العين تمليكا بغير عوض وذلك يكون هبة. وكذلك لو قال جعلت هذه الدار لك فاقبضها لان معنى كلامه ملكتك هذه الدار ألا ترى ان في التمليك ببدل لافرق بين لفظ الجعل والتمليك (7 ثانى عشر مبسوط)
[ 96 ]