الفرق بين المراجعتين لصفحة: «إحياء علوم الدين/كتاب العلم/الباب الأول»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
طلا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر 48:
 
والرابعة: الوعاظ وحكمهم على بواطن العوام فقط؛ فأشرف هذه الصناعات الأربع بعد النبوة إفادة العلم وتهذيب نفوس الناس عن الأخلاق المذمومة المهلكة وإرشادهم إلى الأخلاق المحمودة المسعدة وهو المراد بالتعليم؛ وإنما قلنا إن هذا أفضل من سائر الحرف والصناعات لأن شرف الصناعات يعرف بثلاثة أمور: إما بالالتفات إلى الغريرزة التي بها يتوصل إلى معرفتها كفضل العقول العقلية على اللغوية: إذ تدرك الحكمة بالعقل، واللغة بالسمع، والعقل أشرف من السمع؛ وإما بالنظر إلى عموم النفع كفضل الزراعة على الصياغة، وإما بملاحظة المحل الذي فيه التصرف كفضل الصياغة على الدباغة: إذ محل أحدهما الذهب ومحل الآخر جلد الميتة؛ وليس يخفي أن العلوم الدينية وهي فقه طريق الآخرة إنما تدرك بكمال العقل وصفاء الذكاء، والعقل أشرف صفات الإنسان كما سيأتي بيانه؛ إذ به تقبل أمانة الله، وبه يتوصل إلى جوار الله سبحانه. وأما عموم النفع فلا يستراب فيه فإن نفعه وثمرته سعادة الآخرة. وأما شرف المحل فكيف يخفى والمعلم متصرف في قلوب البشر ونفوسهم، وأشرف موجود على الأرض جنس الإنس وأشرف جزء من جواهر الإنسان قلبه، والمعلم مشتغل بتكميله وتجليته وتطهيره وسياقته إلى القرب من الله عز وجل، فتعليم العلم من وجه: عبادة لله تعالى، ومن وجه خلافة لله تعالى، وهو من أجل خلافة الله؛ فإن الله تعالى قد فتح على قلب العالم العلم الذي هو أخص صفاته. فهو كالخازن لأنفس خز ائنه؛ ثم هو مأذون له في الإنفاق منه على كل محتاج إليه؛ فأي رتبة أجل من كون العبد واسطة بين ربه سبحانه وبين خلقه في تقريبهم إلى الله زلفى وسياقتهم إلى جنة المأوى، جعلنا الله منهم بكرمه؛ وصلى الله على كل عبد مصطفى.
 
 
 
 
[[تصنيف:إحياء علوم الدين]]