الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مغامرات حاجي بابا الإصفهاني/11»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
إملاء
 
سطر 1:
{{جودة النص|5075%}}
 
{{ترويسة
سطر 32:
أزعجني هذا الاقتراح كثيراً، فقد تربيت مع هذا السعدان، وتقاسمت معه أفراح الحياة وأتراحها، ولم أكن أتحمل أن أفقده بهذه الطريقة الفظيعة. كنت سأرد على الدرويش بيدين بالرفض الصريح، ولكني لاحظت كيف أن تعابير وجهه تغيرت من البشاشة إلى الغيظ، فخشيت أنه سيأخذ عنوةً ما لا طاقة لي بحمايته، فاضطررت رغم أنفي أن أوافق على تنفيذ خطته. فابتعدنا عن الطريق واختبأنا في وادٍ صغير وجمعنا حطباً وأشعلناه بالصوان الذي كان الدرويش يحمله معه. أمسك الدرويش سعداني المسكين بيديه وذبحه فوراً، ثم شرّحه، وبعد أن أخذ كبده وسلخ الجلد عن أنفه حرقه، وبعد أن احترق، جمّع رماده بكل عناية ولفه في منديله، ثم تابعنا طريقنا.
 
وصلنا بعد فترة إلى إصفهان، وفيها بدّلت ملابس المهرج بملابس درويش، ثم توجهنا إلى طهران. وفي طهران أحدث ظهور معلّمي ضجة كبيرة؛ فحالما انتشر خبر وصوله حتى تزاحم الناس ليطلبوا مشورته. كانت الأمهات تطلبيطلبن حمايةحمايةً لأطفالهن ضد إصابتهم بالعين، والزوجات تعاويذ ضد غيرة أزواجهن؛ والمقاتلون حجباً تحميهم من رصاص الأعداء وسيوفهم، ولكن أهم زبائنه كانت النساء من حريم الشاه، وأهم طلباتهن كانت وسيلة سحرية لاستجلاب عناية الشاه. جمّع الدرويش بيدين مجموعة متنوعة من المواد المناسبة لهذا الغرض، من شعر الوشق وفقرات البوم ودهن الدببة، يحضِّر منها خلطات متنوعة. باع لإحدى السيدات، التي كانت لحوحة أكثر من غيرها بسبب تقدمها في السن، كبد سعداني، وأكد لها أنها حالما تظهر أمام جلالته وهي تلبسه على جسمها، سيميزها عن كل منافساتها فوراً؛ وأعطى لامرأة أخرى التي شكت أن الشاه لم يلاحظها يوماً رغم كل محاولاتها للفت انتباهه أعطاها مغليّاً من رماد السعدان؛ ولثالثة، كانت تطلب دواءً ضد التجاعيد، أعطاها مرهماً يجعل وجهها أملس بشرط دهنه بالطريقة الموصوفة والامتناع عن الضحك وتحريك الوجه.
 
بدأ الدرويش بيدين يلقنني مبادئ هذه الأسرار وكان دوري في أحيان كثيرة يتعلق بإعانته على الاحتيال؛ كلما احتاج معلمي إلى صنع شيء خارق لدعم سمعته في حال فشلت تعاويذه. ولكن كل الأرباح، سواء من هذه الخدمات أم من بقايا سعداني، كانت تذهب إلى جيبه فقط، ولا أحصل منها على شيء.
سطر 50:
«كان والدي من أشهر علماء [[w:قم|قم]] وفقهائها، وعرف بدقته في صلواته وصومه أكثر من أي رجل آخر فيها. كان زبدة الشيعة ومثالاً للمسلمين. أنجب من الأبناء الكثير وربانا تربية صارمة فيما يتعلق بشعائر ديننا، ولكن فقرنا دفعنا إلى تحصيل المال بالمكر والتظاهر والخديعة حتى استقرت هذه الصفات في طبعنا، وعندما انكشف أمرنا لصقت بنا سمعة أكبر منافقين وحرامية في بلدنا، وسمعتي صارت أسوأ من الآخرين فاضطررت أن أصبح درويشاً؛ أما سمعة الدرويش فقد اكتسبتها نتيجة حادثة حصلت معي وكانت من حسن حظي.
 
ما أن وصلت إلى طهران وأقمت في غرفة مقابل دكان عطار حتى جاءت إلي امرأة عجوز مسرعةً وقالت لي أن سيدها – أي العطار – مرض بعد أن أكل أكثر من المعتاد، وأن الدواء الذي تناوله لم ينفعه وأن ذويه يريدون أن يجربوا حجاباً عسى أن يشفيه، فطلبفطلبت مني أن أكتب لها حجاباً مناسباً. لم يكن عندي ورق ولا حبر ولا قلم، فطلبتُ أن أذهب إلى أندرونه، أي بيت الحريم، وأكتب الحجاب هناك، فوافقتْ. دخلت إلى باحة مربعة صغيرة ثم إلى غرفة وجدت فيها المريض طريح الفراش يحيط به من النساء ما تتسع له الغرفة، تصحن معاً: «واه، واه، إنه يموت، يموت!» كانت تتناثر حوله أدوات طبية تشير إلى أن الأقربين قد فعلوا كل شيء كي ينقذوه أو يميتوه: فكان هناك على الرف كوب كبير فيه الدواء الموصوف وفي الزاوية أنبوب من زجاج، وكان الطبيب جالساً يدخن، فبعد أن وجد أن الوسائل البشرية لم تنفع نصح باللجوء إلى الوسائل الغيبية فأوصى بكتابة حجاب كملاذ أخير، وصدف أن هذا الواجب كان من نصيبي. أثار الدرويش الجديد آمالاً جديدة لأن دخولي ترافق بحركة وضجة. طلبت ورقاً وأنا أظهر الرزانة والثقة بقواي (مع أنني لم أكتب حجاباً في حياتي)، فأعطوني قطعة ورق كبيرة تبدو وكأنها استخدمت لتغليف الدواء. وبكل ثقة غطيت الورقة بكلمات غريبة أدس بينها آيات من القرآن وأسماء الله ومحمد وعلي والحسن والحسين، وأكتب من حين إلى آخر أرقاماً بدل الحروف. ثم ناولتها للطبيب الذي طلب ماءً وغسل الحبر عن الورق في الكوب الذي فيه بقايا دوائه، بينما يدعو الحاضرون لشفاء المريض، ثم قال: «ليشربها المريض باسم الله، وإن قُدِّر له أن يعيش تعيده الأسماء المقدسة التي يشربها إلى الحياة؛ وإن كتب الله له غير ذلك فلن ينفع علمي ولا علم أي آدمي آخر.»
 
أعطي المريض الشراب وعيون الجميع تراقب وجهه. بقي الرجل لفترة ما لا يتحرك ولا تبدو عليه علامات الحياة؛ ثم أدهش الجميع، بما فيهم أنا والحكيم، إذ أصدر أنيناً ورفع رأسه وطلب الطشت وتقيّأ قيئاً غزيراً وطاب.