الفرق بين المراجعتين لصفحة: «قالب:صفحة مختارة/الحالية»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
تحديث
تحديث
سطر 1:
<center><big>'''[[الأمثالإغاثة فياللهفان/الباب القرآنالثالث الكريمعشر/32|إغاثة اللهفان]]، ل[[مؤلف:ابن القيم|شمسابن الدينقيم محمد بن أبي بكر، ابن القيمالجوزية]].'''</big></center>
 
<big>
وثبت عن النبي {{صل}} أنه قال: اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون فأول تلاعب الشيطان بهذه الأمة في حياة نبيها وقُرب العهد بإنجائهم من فرعون وإغراقه وإغراق قومه، فلما جاوزوا البحر رأوا قوما يعكفون على أصنام لهم فقالوا: يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة فقال لهم موسى عليه السلام إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون، فأي جهل فوق هذا والعهد قريب وإهلاك المشركين أمامهم بمرأى من عيونهم، فطلبوا من موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلها، فطلبوا من مخلوق أن يجعل لهم إلها مخلوقا، وكيف يكون الإله مجعولا، فإن الإله هو الجاعل لكل ما سواه، والمجعول مربوب مصنوع فيستحيل أن يكون إلها.
وقع في القرآن أمثال وان أمثال القرآن لا يعقلها إلا العالمون وأنها تشبيه شيء بشيء في حكمه وتقريب المعقول من المحسوس أو أحد المحسوسين من الأخر واعتبار أحدهما بالآخر كقوله تعالى في حق المنافقين ﴿ومثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضآءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمي فهم لا يرجعون أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم﴾ إلى قوله ﴿إن الله على كل شيء قدير﴾ فضرب للمنافقين بحسب حالهم مثلين مثلا ناريا ومثلا مائيا لما في الماء والنار من الإضاءة والإشراق والحياة فإن النار مادة النور والماء مادة الحياة وقد جعل الله سبحانه الوحي الذي أنزل من السماء متضمنا لحياة القلوب واستنارتها ولهذا سماه روحا ونورا وجعل قابليه أحياء في النور ومن لم يرفع به رأسا أمواتا في الظلمات وأخبر عن حال المنافقين بالنسبة إلى حظهم من الوحي أنهم بمنزلة من استوقد نارا لتضيء له وينتفع بها وهذا لأنهم دخلوا في الإسلام فاستضاءوا به وانتفعوا به وخالطوا المسلمين ولكن لما لم يكن لصحبتهم مادة من قلوبهم من نور الإسلام طغى عنهم وذهب الله بنورهم ولم يقل نارهم فإن النار فيها الإضاءة والإحراق فذهب الله بما فيها من الإضاءة وأبقى عليهم ما فيها من الإحراق وتركهم في ظلمات لا يبصرون فهذا حال من أبصر ثم عمي وعرف ثم أنكر ودخل في الإسلام ثم فارقه بقلبه لا يرجع إليه ولهذا قال فهم لا يرجعون.
 
وما أكثر الخَلَف لهؤلاء في اتخاذ إله مجعول، فكل من اتخذ إلها غير الله فقد اتخذ إلها مجعولا، وقد ثبت عن النبي {{صل}} أنه كان في بعض غزواته فمروا بشجرة يعلِّق عليها المشركون أسلحتهم وشاراتهم وثيابهم يسمونها ذات أنواط، فقال بعضهم: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال: الله أكبر قلتم كما قال قوم موسى لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، ثم قال: لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة.
ثم ذكر حالهم بالنسبة إلى المثل المائي فشبههم بأصحاب صيب وهو المطر الذي يصوب أي ينزل من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق فلضعف بصائرهم وعقولهم اشتدت عليهم زواجر القرآن ووعيده وتهديده وأوامره ونواهيه وخطابه الذي يشبه الصواعق فحالهم كحال من أصابه مطر فيه ظلمة ورعد وبرق فلضعفه وخوفه جعل أصبعيه في أذنيه خشية من صاعقة تصيبه وقد شاهدنا نحن وغيرنا كثيرا من مخانيث تلاميذ الجهمية والمبتدعة إذا سمعوا شيئا من آيات الصفات وأحاديث الصفات المنافية لبدعتهم رأيتهم عنها معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة ويقول مخنثهم سدوا عنا هذا الباب واقرأوا شيئا غير هذا وترى قلوبهم مولية وهم يجمحون لثقل معرفة الرب سبحانه تعالى وأسمائه وصفاته على عقولهم وقلوبهم وكذلك المشركون على اختلاف شركهم إذا جرد لهم التوحيد وتليت عليهم نصوصه المُبْطِلة لشركهم اشمأزت قلوبهم وثَقُلَ عليهم لو وجدوا السبيل إلى سد آذانهم لفعلوا وكذلك نجد أعداء أصحاب رسول الله ثَقُلَ ذلك عليهم جدا فأنكرته قلوبهم وهذا كله شبه ظاهر ومثل محقق من إخوانهم من المنافقين في المثل الذي ضربه الله لهم بالماء فإنهم لما تشابهت قلوبهم تشابهت أعمالهم.
 
ومن تلاعبه بهم عبادتهم العجل من دون الله تعالى وقد شاهدوا ما حل بالمشركين من العقوبة والأخذة الرابية ونبيهم حي لم يمت، هذا وقد شاهدوا صانعه يصنعه ويصوغه ويصليه النار ويدقه بالمطرقة ويسطو عليه بالمبرد ويقلبه بيديه ظهرا لبطن، ومن عجيب أمرهم: أنهم لم يكتفوا بكونه إلههم حتى جعلوه إله موسى فنسبوا موسى عليه السلام إلى الشرك وعبادة غير الله تعالى بل عبادة أبلد الحيوانات وأقلها دفعا عن نفسه بحيث يُضرب به المثل في البلادة والذل فجعلوه إلهَ كليمِ الرحمنِ.
 
ثم لم يكتفوا بذلك حتى جعلوا موسى عليه السلام ضالا مخطئا فقالوا: فَنَسِي، قال ابن عباس: أي ضَل وأخطأ الطريق، وفي رواية عنه، أي إن موسى ذهب يطلُب ربه فضل ولم يعلم مكَانَهُ. وعنه أيضا، نسِيَ أن يذكر لكم أن هذا إلهه وإلهكمْ، وقال السدي: أي ترك موسى إلهه ههنا وذهب يطلبهُ. وقال قتادة: أي إن موسى إنما يطلب هذا ولكنه نسِيه وخالفه في طريق آخرَ.
</big>