الفرق بين المراجعتين لصفحة: «عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات/المقالة الأولى»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
+نسخ من المساهمات
+نسخ من المساهمات
سطر 80:
وهي أعظم الكواكب جرماً، وأشدها ضوءاً ومكانها الطبيعي الكرة الرابعة، وهي بين الكواكب كالملك وسائر الكواكب كالأعوان والجنود، فالقمر كالوزير وولي العهد، وعطارد كالكاتب والمريخ كصاحب الجيش، والمشتري كالقاضي، وزُحل كصاحب الخزائن، والزهرة كالخدم والجواري والأفلاك كالأقاليم، والبروج كالبلدان والحدود والوجوه كالمدن، والدرجات كالقرى والدقائق كالمحال والثواني كالمنازل، وهذا تشبيه جيد، ومن لطف الله تعالى جعلها في وسط الكواكب السبعة لتبقى الطبائع والمطبوعات في هذا العالم بحركاتها على حذها الاعتدالي إذ لو كانت في فلك الثوابت لفسدت الطبائع من شدة البرد ولو انحدرت إلى فلك القمر لاحترق هذا العالم بالكلية، وخلقها سائرة غير واقفة وإلا لاشتدت السخونة في موضع والبرودة في موضع، ولا يخفى فسادهما بل تطلع كل يوم من المشرق ولا تزال تمشي موضعاً بعد موضع إلى أن تنتهي إلى المغرب، فلا يبقى موضع مكشوف مواز لها إلا ويأخذ موضع شعاعها، وتميل كل سنة مرّة إلى الجنوب ومرّة إلى الشمال لتعم فائدتها وأما جرمها فضعف جرم الأرض مائة وستة وستين مرة وقطر جرمها أحد وأربعون ألفاً وتسعمائة وثمانية وسبعون ميلا.
 
{{عنوان|فصل: في كسوخهاكسوفها}}
وسببه كون القمر حائلاً بين الشمس وبين أبصارنا لأن جرم القمر كمد فيحجب ما وراءه عن الأبصار، فإذا قارن الشمس، وكان في إحدى نقطتي الرأس والذنب أو قريباً منه فَإنّه يمر تحت الشمس، فيصير حائلاً بينها وبين الأبصار لأنّ الخطوط الموهومة الشعاعية التي تخرج من أبصارنا متصلة بالبصر على هيئة مخروط رأسه نقطة البصر وقاعدته المبصر، فإذا حال بيننا وبين الشمس يتحصل مخروط الشعاع أولاً بالقمر، فإن لم يكن للقمر عرض عن فلك البروج وقع جرم القمر في وسط المخروط فتنكسف الشمس كلها وإن كان للقمر عرض يتحرف المخروط عن الشمس بمقدار ما يوجب العرض، فينكسف بعضها، وذلك إذا كان العرضى أقل من مجموع نصف القطرين، فإن كان يماس جرم القمر مخروط الشعاع لا تتكسف الشمس، ثم الشمس إذا انكسفت لا يكون لكسوفها مكث، لأنْ قاعدة مخروط الشعاع إذا انطبق على صفحة القمر انحرف عنه فى الحال فتبتدىء الشمس بالانجلاء، ولكن يختلف قدرالكسوفات باختلاف أوضاع المساكن بسبب اختلاف المنظر، وقد لا تنكسف في بعض البلاد أصلاً.
 
سطر 293:
 
'''بطن الحوت:''' هي كواكب كثيرة في مثل حلقة السمكة، وتسمّى الرشاء أيضاً، وهي كواكب معترضة ذنبها نحو اليمن، ورأسها نحو الشام، وطلوعها لأربع ليال تخلو من نيسان، وسقوطها لخمس تمضي من تشرين الأول، وعند سقوطه ينتهي غور المياه، ويطلع بعده الشرطين، ويعود الأمر إلى ما كان عليه في السنة الأولى، وتقول العرب: إذا طلعت السمكة أمكنت الحركة. ورقيب بطن الحوت السماك، ونوءه غزير المطر قَلّما يخلف، وهو أوان حصاد الشعير بالجروم، قال أبو إسحاق الزجاجي: إِنّ السنة أربعة أجراء، كل جزء منها سبعة أنواء، كل نوء منها ثلاثة عشر يوماً، وزادوا فيها يوماً لتتم السنة ثلائمائة وخمسة وستّين يوماً وهو مقدار قطع الشمس فلك البروج، والله الموفق.
 
{{عنوان|النظر العاشر في فلك البروج}}
اعلم أنّه ليس فلك كسائر الأفلاك، بل هو أمر موهوم، وذلك لأنّهم ذهبوا إلى أن لكل كوكب من الكواكب كرة تخصّه، وإِنّ لكل كرة حركة تخصّها، وأن الكوكب مركوز في جرم الفلك كنقطة، وأن كل كرة تتحرك على قطبين، وأنّ النقطة الى عليها برسم دائرة موهومة على سطح الكرة، فإذا تحرك فلك الشمس من المشرق إلى المغرب كانت حركته قسرية، وإنما حركة فلك الشمس المختصّة به من المغرب إلى المشرق فإذا تمت دورته حدثت من مركز الشمس دائرة عظيمة في فلك الشمس، وتتوهم هذه الدائرة قاطعة للعالم فتحدث في سطح الفلك الأعلى دائرة عظيمة مركزها مركر العالم، وهي الدائرة التي تسمّى فلك البروج، ثم إِنّ الدائرة التي هي أعظم الدوائر التي تمر بمركز العالم وتقطع العالم نصفين، وقطبها قطبا العالم اللذان يسميان الشمالي والجنوبي تسمّى دائرة معدل النهار. فنقول دائرة فلك البروج تقطع دائرة معدل النهار نصفين على نقطتين متقابلتين تسمّى إحداهما نقطة الاعتدال الربيعي، والأخرى نقطة الاعتدال الخريفي، ثم تتوهم دائرة أخرى تمر بنقطتي معدل النهار، وهما قطبا العالم ونقطتي فلك البروج فتقطع دائرة فلك البروج على نقطتين متقابلتين، إحداهما مما يلي الشمال، والأخرى مما يلي الجنوب، أمّا الشمالية فتسمى نقطة الاتقلاب الصيفى، وأمّا الجنوبية فتسمى نقطة الانقلاب الشتوي، فهاتان الدائرتان تقسمان فلك البروج أربعة أقسام متساوية. أما الربع الذي بين نقطتي الاعتدال الربيعي وبين الانقلاب الصيفي فهو الذي يحدثه زمان الربيع، لأنّ الشمس ما دامت بحركة فلكها الخاص مسامتة لهذا القوس يسمّى ذلك الزمان ربيعاً. وأمًا الربع الذي بين نقطتي الانقلاب الصيفى والاعتدال الخريفى فهو الذي يحدثه زمان الصيف لأن الشمس ما دامت مسامتة لهذا القوس يسمّى ذلك الزمان صيفاً. وأما الربع الذي بين نقطتي الاعتدال الخريفى والانقلاب الشتوي فهو الذي يحدثه زمان الخريف لأن الشمس ما دامت مسامتة لهذا القوس يسمّى الزمان خريفاً.
 
وأما الربع الذي بين نقطتي الانقلاب الشتوي والاعتدال الربيعي فهو الذي يحدثه زمان الشتاء لِأنّ الشمس ما دامت مسامتة لهذا القوس يسمّى الزمان شتاء، تتوهم أيضاً دائرتان عظيمتان تخرجان من قطبي دائرة البروج، فيقطعان الربع الربيعي ثلاثة أقسام متساوية، ويقطعان أيضاً الربع الخريفي المقابل لهذا الربع ثلاثة أقسام متساوية، وتتوهم أيضاً دائرتان عظيمتان تخرجان من قطبي دائرة البروج، وتقطلعان الربع الصيفي والربع الشتوي المقابل له، كل واحد منها ثلاثة أقسام متساوية، فتصير جملة الدوائر الخارجة من قطبي دائرة البروج ستة، فإذا ترهمنا ست دوائر قاطعة للعالم تمر بقطبي الدائرة بنقطتين متقابلتين، انقسم كل واحد من الأفلاك التسعة اثني عشر ر قسماً، يسمّى كل قسم منها برجاً، وكل برج منها مقسوم ُ ثلاثين قسماً، يسمى كل قسم منها درجة، فالدوائر بجملتها ثلائمائة وستون درجة، ثم قسموا فلك الثوابت بهذه الدوائر الست اثني عشر قسماً، في كل قسم كواكب متشكلة بأشكال مختلفة، ففى أحد هذه الأقسام كواكب متشكلة بشكل يشبه صورة الحمل، فسمّي ذلك القسم برح الحمل، ثم يلي هذه القطعة قطعة عليها كواكب متشكلة يصورة شبيهة بالثور، فيسمى هذا القسم برج الثور، وهكذا إلى آخر الأقسام، وذكر بطليموس أن دائرة البروج أربعمائة وستّة وثمانون ألف ألف ومائتان وتسعة وخمسون ألفاً وسبعمائة وأحد وعشرون ميلاً وسبع ميل، فطول كل برج تسعة وثلاثون ألف ألف وثلاثمائة وثمانية وثمانون ألفاً وثلاثمائة وعشرة أميال ونصف وسدس ميل، وعرض كل برج ألف ألف وثلاثمائة واثنان وعشرون ألفاً وتسعمائة وثلاثة وأربعون ميلاً وثلث ميل، والله الموفق للصواب.
 
{{عنوان|النظر الحادي عشر في فلك الأفلاك}}
سمّي بهذا الاسم لإحاطته بجميع الأفلاك وتحريكه كلها ويقال له الفلك الأعظم لأنه أكبر الأفلاك: ويقال له الفلك الأطلس لأنهم لم يعرفوا له كوكباً، وحركة هذا الفلك من المشرق إلى المغرب على قطبين ثابتين، ويقال لأحدهما القطب الشمالي، وللآخر القطب الجنوبي، وتتم دورته في أربع وعشرين ساعة، وبحركته تتحرك الأفلاك كلها مع كواكبها، وحركته أسرع من كل شيء شاهده الإنسان حتى صح في الهندسة أن الشمس تتحرك بحركتها القسرية، وهي حركة الفلك الأعظم في مقدار ما يرفع الإنسان قدمه للخطو إلى أن يضعها ثمانمائة فرسخ، ويشهد بصحة هذا ما روي عن رسول الله {{ص}} أنه سأل جبريل عليه السلام عن دخول وقت الصلاة، فقال: لا، نعم، فسأل رسول الله {{ص}} عن قوله لا نعم، فقال: من وقت قلت لا إلى أن قلت نعم مرت الشمس خمسمائة فرسخ.
 
وبحركة هذا الفلك يتكوّن الليل والنهار، فإذا طلعت الشمس بدوران هذا الفلك على جانب من الأرض أضاء جوّها وأشرق سطحها، وتحركت حيواناتها، وربا نباتها، وفاح نسيمها، وإذا غابت بدوران هذا الفلك عن جانب من الأرض أظلم جوها واسود وجهها، وسكنت حيواناتها، وذبل نباتها، فما دامت هذه الحركة محفوظة، فهذه الحالة موجودة، وأشار إليها يقوله تعالي : ﴿ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾. والحكماء سمّوا هذا الفلك محدداً لاعتقادهم أن ليس وراء ذلك خلاء وملأ، وقال أبو عبد الله محمد بن عمر الرَازِي بعد ما أظهر فساد القول بالمحدد: من أراد أن يكتال مملكة الباري تعالى بمكيال العقل فقد ضلّ ضلالاً بعيداً، وقد أحب بعض السالفين التوفيق بين الآيات والأخبار، وقول الحكماء: فزعم أن الكرسي هو الفلك الثامن من الذي ذكرنا سعته وعجائبه، والعرش هو الفلك التاسع الذي هو أعظم الأفلاك، والله تعالى أعلم بصحة هذا القول أو فساده، ولا شك في وجود العرش والكرسي لنصوص الأيات، ولما رواه أبو الدرداء رضي الله عنه عن رسول الله {{ص}} أنه قال: « اما السمـٰوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقأة في فلاة. وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة، وأمًا العرش فإنه مخلوق عظيم من مخلوقات الله تعالى قبلة لأهل السمـٰوات » كما أنْ الكعبة قبلة لأهل الأرض فسبحان العظيم.
 
{{عنوان|النظر الثاني عشر في سكان السمـٰوات وهم الملائكة}}
زعموا أنّ الملك جوهر بسيط ذو حياة وفطر وعقل، والاختلاف بين الملائكة والجن والشياطين كالاختلاف بين الأنواع، واعلم أن الملائكة جواهر مقدسة عن طلب الشهوة، وكدورة الغضب لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، طعامهم التسبيح، وشرابهم التقديس، وأُنسهم بذكر الله تعالى، وفرحهم بعبادته، خلقوا على صور مختلفة، وأقدار متفاوتة لإصلاح مصنوعاته وإسكان سمـٰواته وقال {{ص}}: « أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها قدر شبر إلا وفيه ملك راكع أو ساجدة ». وقال بعض الحكماء: إن لم يكن في فضاء الأفلاك وسعة السمـٰوات خلائق، فكيف يليق بحكمة الباري جلت قدرته تركها فارغة مع شرف جوهرها، فإنه لم يترك قعر البحار المالحة المظلمة فارغاً حتى خلق فيه أجناس الحيوانات وغيرها، ولم يترك جو الهواء الرقيق حتى خلق أنواع الطير، ولم يترك البراري اليابسة والآجام والجبال حتى خلق فيها أجناس الهوام والحشرات. وأمًا أصناف الملائكة فلا يعرفهم غير خالقهم كما قال تعالى : ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ﴾ غير أن صاحب الشرع أعلم ببعضهم، وبحسب وقوع الحوادث اهتدى العقل إلى بعضهم حتى قيل: ما من ذَرّةَ من ذرَات العالم إلا وقد وُكَل بها ملك أو ملائكة، وما من قطرة إلا ومعها ملك ينزل بها من السحاب، ويدعها في المكان الذي قدر الله تعالى، هِذا حال الذرّات والقطرات فما ظنك بالأفلاك والكواكب والهواء والغيوم والرياح والأمطار والجبال والقفار والبحار والعيون والأنهار والمعادن والنبات والحيوان، فبالملائكة صلاح العالم، وكمال الموجودات بتقدير العزيز العليم، ولنذكر بعض من أخبر بهم صاحب الشريعة صلوات الله عليه وسلامه وهم الملائكة المقرّبون عليه وعليهم الصلاة والسلام.
 
فمنهم '''حملة العرش''' صلوات الله عليهم، وهم أغز الملائكة وأكرمهم على الله تعالى تتقرّب إليهم سائر الملائكة ويسلمون عليهم بالغدو والرواح لمكانتهم عند الله تعالى وهم يسبحون بحمد ربّهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا، فمنهم من هو على صورة النسر، ومنهم من هو على صورة الثور، ومنهم من هو على صورة الأسد، ومنهم من هو على صورة البشر. قال ابن عباس رضي الله عنهما: خلق الله حملة العرش، وهم اليوم أربعة، فإذا كان يوم القيامة أمدّهم الله تعالى بأربعة أخرى. فذلك قوله تعالى: ﴿ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ﴾وهو عظم لا يوصف، فمنهم كما تقدّم من هو على صورة ابن آدم يشفع لبني آدم فى أرزاقهم، ومنهم من هو على صورة الثور يشفع للبهائم في أرزاقها، ومنهم من هو على صورة النسر يشفع للطيور في أرزاقها، ومنهم من هو على صورة الأسد يشفع للسباع في أرزاقها.
 
ومنهم '''الروح الأمين''' عليه السلام، وهو ملك يقوم صفاً والملائكة كلهم صفاً لكرامته عند الله تعالى وعظمته، وإنّما سمي روحاً لأن كل نفس من أنفاسه يصير روحاً لحيوان، وقد وكله الله تعالى بإدارة الأفلاك وحركات الكواكب، وبما تحت فلك القمر من العناصر من المولدات والمعادن والنبات والحيوانات، وهو أكبر من الفلك وأقوى منه وأعظم وأشرف وأعلى من الجسمانيات، وهو قادر على تسكين الأفلاك، كما هو قادر على تحريكها بإذن الله تعالى.
 
منهم '''إسرافيل''' عليه السلام، وهو مبلغ الأوامر ونافخ الأرواح في الأجساد، قال رسول {{ص}}: « كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وأصغى بالأذن حتى يؤمر فينفخ » قال مقاتل القرن الصور، وذلك أن إسرافيل عليه السلام واضع فاه على القرن وهو كهيئة البوق، ودائرة رأس البوق كعرض السمـٰوات ومن في الأرض، وهو شاخص ببصره نحو العرش، ينظر متى يُؤمر فينفخ فإذا نفخ صعق من في السمـٰوات والأرض إلا من شاء الله تعالى. قالت عائشة رضي الله عنها: قلت لكعب الأحبار رضي الله عنه، سمعت رسول الله يه يقول: « يا رب جبريل وميكائيل وإسرافيل » أما جبريل وميكائيل فسمعت بهما في القرآن، وأمًا إسرافيل فأخبروني عنه، فقال كعب: إنه ملك عظيم الشأن له أربعة أجنحة، أحدهما سد به المشرق والآخر سد به المغرب، والثالث ينزل به من السماء إلى الأرض والرابع التثم به من عظمة الله تعالى، قدماه تحت الأرض السابعة، ورأسه ينتهي إلى أركان قوائم العرش، وبين عينيه لوح من جوهر، فإذا أراد الله عزّ وجل أن يحدث أمراً في عباده أمر القلم أن يخط في اللوح، ثم أدنى اللوح إلى إسرافيل، فيكون بين عينيه، ثم هو ينتهي إلى ميكائيل صلوات الله وسلامه عليهم، فهم أعوان في جميع العالم حتى على الأركان والمولدات، ينفخون أرواحها فيها فيصير معدناً ونباتاً وحيواناً، وهي القرى التي بها صلاحها وحياتها، فسبحان الخالق البارىء المصوّر.
 
ومنهم: '''جبريل الأمين''' عليه السلام، وهو أمين الوحي وخازن القدس، ويقال له الروح الأمين، وروح القدس، والناموس الأكبر، وطاووس الملائكة. جاء في الخبر أن الله تعالى إذا تكلم بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا فيصعقون، ولا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل عليه السلام، فإذا جاءهم فزع عن قلوبهم، قالوا: ماذا قال: ربكم قالوا: الحق، فينادون الحق بالحق، وجاء في الخبر أيضاً أن النبي {{ص}} قال لجبريل عليه السلام: « إني أحب أن أراك على صورتك التي صورك الله فيها » فقال: إنك لا تطيق ذلك، فقال {{ص}}: «أرني» فواعده جبريل بالبقيع في ليلة مقمرة فأتاه فنظر إليه النبي {{ص}} فإذا هو قد سد الآفاق فوقع مغشياً عليه فلمًا أفاق عاد جبريل عليه السلام إلى صورته الأولى قال {{ص}} ما ظننت أن أحداً من خلق الله تعالى هكذا فقّال له جبريل عليه السلام: كيف لو رأيت إسرافيل إن العرش لعلى كاهله، وإنْ رجليه قد مرقتا تحت تخوم الأرض السفلى، وإنه ليتصاغر من عظمة الله تعالى حتى يصير كالوسع والوسع العصفور الصغير. وقال كعب الأحبار رضي الله عنه أن جبريل عليه السلام من أفضل الملائكة، له ست أجنحة، في كل واحد مائة جناح وله وراء ذلك جناحان لا ينشرهما إلا عند هلاك القرى ولمّا نزل على رسول {{ص}} ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ ﴾ سأله رسول الله {{ص}} قوّته، فقال: رفعت قرى قوم لوط بجناحي وصعدت بها حتي سمع أهل السماء صياح ديكتهم، ثم قلبتها وأعوانه موكلون على جميع العالم، من شأنهم إحداث القوة الغضبية والحمية لدفع الشر والإيذاء.
 
ومنهم '''ميكائيل''' عليه السلام، وهو موكل بالأرزاق للأجساد والحكمة والمعرفة للنفوس، قال كعب الأحبار: في السماء السابعة البحر المسجور، وعليه من الملائكة ما شاء الله، وميكائيل قائم على البحر المسجور، لا يعرف وصفه وعدد أجنحته إلا الله تعالى، ولو أنّه فتح فاه لم تكن السمـٰوات فيه إلا كخردلة في بحر، ولو أشرف على أهل السمـٰوات والأرض لاحترقوا من نوره، وله أعوان موكلون على جميع العالم من شأنهم إحداث قوة النهوض قي الأركان والمولدات وغيرها التي بها الوصول إلى الغايات وبلوع الكمال في الكائنات.
 
ومنهم '''عزرائيل''' عليه السلام، وهو مسكن الحركات ومفرّق الأرواح من الأجساد. قال كعب الأحبار: عزرائيل في سماء الدنيا، وخلق الله تعالى رجليه في تخوم الأرضين، ورأسه في السماء العليا، ووجهه مقابل اللوح المحفوظ، وله أعوان بعدد من يموت، والخلق كلهم بين عينيه، لا يقبض روح مخلوق إلا بعد أن يستوفي رزقه، ويتقضي أجله. وعن أشعث بن أسلم أن إبراهيم عليه السلام سأل ملك الموت عليه الصلاة والسلام فقال له: ماذا تصنع إذا كان نفس بالمشرق ونفس بالمغرب ووقع الوباء بأرض والتقى الزحفان بأخرى؟ فقال: أدعو الأرواح بإذن الله تعالى، فتكون بين اصبعي هاتين. وعن وهب بن منبه رضي الله عنه أن سليمان بن داود عليهما السلام تمنّى أن يرى ملك الموت لِيتّخذه صديقاً فلم يشعر سليمان حتى أتاه كأنّه خرج من تحت سريره، فقال له سليمان: من أنت؟ نقال : ملك الموت، فصعق سليمان عليه السلام، فلمّا رأى ملك الموت ذلك قال: اللّهم إِنّ عبدك سليمان تمناني ونزل به ما ترى، اللّهم إني أسألك أن تقويه على رؤيتي، فأوحى الله تعالى إليه أن ضع يدك على صدره، ففعل ذلك، فأفاق سليمان عليه السلام وقال: يا ملك الموت، إني أراك عظيم الخلق أو كل الملائكة مثلك؟ فقال: والذي بعثك بالحق نبيّاً إن رجلى الآن على منكبي ملك قد جاوزت رأسه السمـٰوات السبع وارتفع فوق ذلك بمسيرة خمسمائة عام، ورجلاه قد جاوزتا الثرى بمسيرة خمسمائة عام، رشو فاتح فاه، رافع رأسه، باسط يديه، فلو أذن الله تعالي أن يطبق شفته العليا والسفلى لأطبق على ما بين السماء والأرض، فقال له سليمان عليه السلام: لقد وصفت أمراً عظيماً، فقال له: كيف لو رأيتني على صورتي التي أقبض فيها أرواح الكفّار، فصار ملك الموت صديقاً له ويأتيه كل خميس ويقعد عنده إلى أن تزول الشمس، فقال له سليمان عليه السلام يوماً: ما لي أراك لا تعدل بين الناس تأخذ هذا وتدع هذا؟ فقال له ملك الموت: ليس المسؤول بأعلم من السائل، إِنّما هي كتب فيها أسماء المقبوضين تلقى إلي ليلة الصك، وهي ليلة النصف من شعبان إلى مثلها من السنة القابلة، فأما أهل التوحيد فأقبض أرواحهم بيميني في حريرة بيضاء مغموسة في المسك، وترفع إلى عليين، وأما أهل الكفر فأقبضى أرواحهم بشمالي في سرباك من قطران، وتنزل إلى سجين، وأمرهم إلى عالم الغيب والشهادة، فينبئهم بما كانوا يعملون.
 
وعن الأعمش عن خيثمة قال: دخل ملك الموت على سليمان عليهما السلام فجعل ينظر إلى أحد جلسائه ويديم النظر إليه، فلمّا خرج ملك الموت قال الرجل: يانبي الله من كان هذا؟ قال: إِنّه ملك الموت، قال: رأيته ينظر إلى كأنّه يريدني، أريد أن تخلصني منه بأن تأمر الريح لتحملني إلى أقصى بلاد الهند، فأمر سليمان الريح بذلك؛ ففعلت، فلمًا عاد ملك الموت إلى سليمان عليه السلام قال: هل رأيتك تديم النظر إلى بعض جلسائي، قال: كنت أعجب منه لاني أمرت أن أقبضى روحه بأقصى الهند في ساعة قريبة، ورأيته عندك. وقال وهب: قبض ملك الموت روح جبار من الجبايرة، فقالت الملائكة لملك الموت: لمن كنث أشد رحمة ممن قبضت أرواحهم؟ فقال: أمرت بقبض روح امرأة في فلاة من الأرض، فأتيتها وقد ولدت مولوداً فرحمتها لغربتها، ورحمت ولدها لصغره، وكونه فى فلاة لا أحد بها، فقالت الملائكة: الجبار الذي قبفت الآن روحه هو ذلك المولود، فقال ملك الموت: سبحان اللطيف بعبادة.
 
ومنهم '''الكروبيون''' عليهم السلام، وهم العاكفون في حظيرة القدس لا التفات لهم إلى غير الله تعالى لاستغراقهم بجمال حضرة الربوبية يسبّحون الليل والنهار، لا يفترون، وفي الخبر أنَّ لله تعالى أرضاً بيضاء مسيرة الشمس فيها ثلاثون يوماً محشوة خلقاً من خلق الله تعالى لا يعلمون أن الله تعالى يعصى طرفة عين، قالوا: يارسول الله أمن ولد آدم هم؟ قال: « يعلمون أن تعالى خلق آدم » قيل: يا رسول الله أَنّى غفل عنهم إبليس؟ قال: « لا يعلمرن أن االله تعالى خلق إبليس » ثم تلا قوله تعالى: ﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾.
 
ومنهم '''ملائكة سبع سمـٰوات''' قال كعب الأحبار: هؤلاء ملائكة مداومون على التسبيح والتهليل في القيام والقعود والركوع والسجود، يسبحون الليل والنهار لا يفترون حتى تقوم الساعة، فإذا قامت الساعة يقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك، وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال: ملائكة سماء الدنيا على صور البقر، وقد وكّل الله تعالي بهم ملكاً اسمه إسماعيل، وملائكة السماء الثانية على صورة العقاب، ووكّل الله بهم ملكأ اسمه ميخائيل، وملائكة السماء الثالثة على صورة النسر، والملك الموكل بهم اسمه صاعد يابيل، وملائكة السماء الرابعة على صورة الخيل والملك الموكّل بهم اسمه صلصايبل، وملائكة السماء الخامسة على صورة الحور العين، والملك الموكل بهم أسمه كلكابيل، وملائكة السماء السادسة على صورة الولدان، والملك الموكل بهم اسمه سمخائيل، وملائكة السماء السابعة على صورة بني ادم، والملك الموكل بهم اسمه روقائيل. قال وهب: وفوق السمـٰوات السبع حجب فيها ملائكة لا يعرف بعضهم بعضاً لكثرة عددهم، يسبحون الله تعالى بلغات مختلفة كالرعد القاصف.
 
ومنهم '''الحفظة''' عليهم السلام، وهم الكرام الكاتبون، قال أبن جريج: هما ملكان موكلان بابن آدم أحدهما عن يميئه والآخر عن يساره، وقال بعضهم هم أربعة اثنان بالليل، واثنان بالنهار، وخامس لا يفارق ليلاً، ولا نهاراً وللكفار أيضاً حفظة لأن آية الحفظة نزلت في شأن الكفار، وهي قوله تعالى: ﴿ كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ وفي الخبر أن الملك ليرفع القلم عن العبد إِذا أذنب ست ساعات، فإذا تاب واستغفر لم يكتبه عليه وإلاّ كتبه، وفي رواية أخرى: فإذا كتبه عليه وعمل حسنة، قال صاحب اليمين لصاحب الشمال وهو أمين عليه ألق هذه السيئة حتى ألقي من حسناته واحدة من تضعيف العشرة، وأرفع تسع حسنات، فيفعل صاحب الشمال. وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله {{ص}} قال: « إن الله تعالى وكل بعبده ملكين يكتبان عليه، فإذا مات قالا: يا رب قبضت عبدك فلاناً، إلى أين تذهب؟ قال الله تعالى: سمائي مملوءة من ملائكتي يعبدونني وأرضي مملوءة من خلقي يطيعوني اذهبا إلى قبر عبدي، فُسبحاني وكبراني وهللاني واكتبا ذلك في حسنات عبدي إلى يوم القيامة.
 
ومنهم '''المعقبات''' عليهم السلام، وهم الملائكة الذين ينزلون بالبركات ويصعدون بأرواح بني آدم، وأعمالهم بالليل والنهار، فإذا واظب الإنسان على الصلوات في أوَّل أوقاتها، فإذا صلى الفجر أتاه ملائكة النهار وجدوه مصلياً وفارقه ملائكة الليل وتركوه مصلياً، وهكذا إذا صلى المغرب وما بين الصلاتين من الذنوب تكفرها الصلاة، وإذ كان كذلك فلا يرفعون له غير الحسنات، ويحقق أمر هذه الملائكة ما روي هن النبيّ {{ص}} أنه قال: « يقول الله تعالى: يا ابن ادم ما تنصفني أتحبب إليك بالنعم وتمقت إلي بالمعاصي خيري إليك نازل وشرّك إلي صاعد ولا يزال ملك كريم يأتبنى عنك في كل يوم وليلة بعمل قبيح، يا أبن أدم لو سمعت وصفك من غيرك وأنت لا تعلم من الموصوف لأسرعت إلى مقته ».
 
ومنهم '''منكر ونكير''' عليهما السلام؛ وهما ملاكان فظان غليظان يسألان في القبر كل أحد عن ربّه ونبيه، عن أنس بن مالك رضي الله عنهما قال: قال رسول الله {{ص}}: « إِنّ العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وهو يسمع قرع نعالهم أتاه ملكان، فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل يعني محمد {{ص}}؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدل بمقعد من الجنة، فيراهما جميعاً، وأمًا المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول فى هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري أقول ما يقول الناس، فيقال له لا دريت ولا تليت ويضرب بمطراق من حديد ضربة فيصيح صبحة يسمعها من يليه غير الثقلين ».
 
منهم '''السياحون''' عليهم السلام: وهم صنف من الملائكة يحبون مجالس الذكر فإذا رأوا مجالس الذكر احتووا عليها، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله {{ص}} أنه قال: « إن لله تعالى ملائكة سياحون في الأرض فضلا عن كتّاب الناس، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تعالى ينادون هلموا إلى بغيتكم، فيجيئون بهم إلى السماء الدنيا، فإذا انصرفوا يقول الله تعالى على أي شيء تركتم عبادي يصنعونه؟ فيقولون تركناهم يحمدونك ويمجّدونك ويقدسونك، فيقرل الله تعالى: وهل رأوني؟ فيقولون لا فيقول: كيف لى رأوني؟ فيقولون: لو رأوك لكانوا أشد تسبيحاً وتحميداً وتمجيداً، فيقول لهم: من أي شيء يتعوّذرن؟ فيقولون: من النار، فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون لا، فيقول: كيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها لكانوا أشد هرباً منها وأشد تعوّذا، فيقول: أي شيء بطلبونه؟ فيقولون: الجنّة فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا، فيقول: كيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها لكانوا أشدّ طلباً لها، فيقول: أشهدكم أني قد غفرت لهم، فيقولون: كان فيهم فلان، لم يردّهم إنما جاء لحاجة فيقول: هم القوم الذين لا يشفى بهم جليسهم ».
 
منهم '''هاروت وماروت''' هما ملكان معذبان ببابل عن ابن عباس رضي الله عنهما: لما خرج آدم {{ص}} من الجنّة عرياناً نظرت إليه الملائكة. وقالت إلهنا هذا آدم بديع فطرتك، أقله ولا تخذله، فمر بملأ من الملائكة، فوبّخوه على نقضه عهد ربّه، وكان ممن وبّخه يومئذ هاروت وهارورت، فقال آدم: يا ملائكة ربي ارحموا ولا توبخوا، فذلك الذي جرى علي كان قضاء ربي فأبلاهما الله تعالى حتى عصيا ومنعا من الصعود إلى السماء، فلمّا كان أيام إدريس عليه السلام صارا إليه، وذكرا له قصتهما، ثم قالا له: هل لك أن تدعو لنا حتى يتجاوز عنّا ربّنا؟ فقال إدريس عليه السلام: كيف لي العلم بالتجاوز عنكما؟ قالا: ادع لنا، فإتن رأيتنا فهو الاستجابة، وإن لم ترنا هلكنا، فتوضاً إدريس عليه السلام وصلى ودعا الله تعالى، ثم التفت فلم يرهما، فعلم أن العقوبة قد حلت بهما، واختطفا إلى أرض بابل، ثم خيّرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا، فهما مسلسلان معذيان في بئر بأرض بابل منكسين إلى يوم القيامة.
 
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله {{ص}} قال: « أشرفت الملائكة على أهل الدنيا فرأوهم يعصون الله فقالوا: يا ربنا ما أقل معرفة هؤلاء بعظمتك، فقال الله تعالى: لو كنتم في سلاحهم لعصيتموني، قالوا: كيف يكون هذا ونحن نسبّح بحمدك ونقدس لك؟ فقال: اختاروا ملكين، فاختاروا هاروت وماروت ثم أهبطا إلى الأرض وركبت فيهم شهوات بني ادم ومثلث لهما، فما عصما حتى واقعا المعصية فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فنظر أحدهما إلى صاحبه، فقال له: ما تقول؟ فقال: أقول إنّ عذاب الدنيا ينقطع وعذاب الآخرة لا ينقطع، فاختارا عذاب الدنيا » ، فهما اللذان ذكرهما الله تعالى في قوله: ﴿ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ﴾ وفي رواية أخرى قال لهما: إني أرسل رسولاً إلى الناس، وليس بيني وبينكما رسول انزلا ولا تشركا بي شيئاً ولا تقتلا ولا تسرقا، قال كعب: فما استكملا يومهما الذي نزلا فيه حتى أتيا ما حرم عليهما.
 
ومنهم '''الملائكة الموكلون بالكائنات''' لإصلاحها ودفع الفساد عنها، وقد وكّل بل فرد من أفرادها، من الملائكة ما شاء الله تعالى، وروى أبو أمامة رضى الله عنه عن رسول الله {{ص}} أنه قال: « وكل بالمؤمن مائة وستون ملكا يذبون عنه ما لا يقدر عليه من ذلك بالبصر سبعة أملاك يذبون عنه كما يذب الذباب عن قصعة العسل فى اليوم الصائف » وأمًا المائة والستّون فأمر عرفه النبيّ {{ص}} بنور النبوّة ولكنًا نمثل جهة التغذي، فإنّه أمر مشترك بين الحيوان والنبات، وأنت تقيس عليه غيره من الجهات.
 
فنقول إنّ جزءاً من الغذاء لا يصير جزءاً من المغتذي حتى يعمل فيه عدّة من الملائكة، ومعنى التغذي أن يصير جزء من الغذاء جزءاً من المغتذي، فَإِنّ الغذاء جماد لا يصير دما ولحماً وعظماً بنفسه، كما أنّ البر لا يصير طحيناً وعجيناً ورغيفاً حتى تعمل قيه الصناع، فصناع الظاهر أناس وصناع الباطن الملائكة، فقد أسبغ الله عليك نعمه ظاهرة وباطنة، وأقول أوّلا لا بد من ملك يجذب الغذاء إلى جوار اللحم والعظم، إن الغذاء لا يتحرك بنفسه، ولا بد من ثان يمسكه حتى تعمل فيه الحرارة، ثم لا بد من ثالث يلبسها صورة الدم ثم، لا بد من رابع يدفع القدر الفاضل عن الغذاء، ثم لا بد من خامس يميّز العظم واللحم والعروق وما يليق بها ثم لا بد من سادس يلصق ما اكتسب صورة العظم بالعظم وما اكتسب صورة اللحم باللحم ثم لا بد من سابع يراعي المقادير في الإلصاق فيلحق بالمستدير ما لا يبطل استدارته، وبالعريض ما لا يبطل عرضه، وبالمجوف ما لا يبطل تجويفه، ويحفظ على كل واحد مقدار حاجته ويدفع الزائد فإنّه لو جمع على الأنف من الغذاء مقدار ما يجمع للفخذ لتشؤهت الصورة، بل ينبغي أن يسوق إلى الأجفان رقيقها وإلى الحدقة صافيها وإلى الأفخاذ غليظها وإلى العظم صلبها مع مراعاة القدر والشكل وإلا بطلت الصورة، فلو لم يراع هذا الملك هذا القسط فساق الغذاء إلى جميع البدن، ولم يسق إلى رجل واحدة مثلاً لبقيت تلك الرجل كما كانت في أيام الصغر وكبر جميع البدن فترى شخصاً في ضخامة رجل له رجل كأنّها رجل صبي ولا ينتفع بنفسه البتة، فمراعاة هذه الهندسة مفوّضة إلى هذا الملك، فهذا حال بعض الملائكة الموكلين ببدن بني آدم، نهم مشتغلون بك وأنت في النوم أو تتردد في الغفلة وهم يصلحون بدنك ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ وهكذا حال جميع الكائنات، فما من شيء إلا وقد وكل الله به ملكا أو ملائكة، والله الموفق.
 
{{عنوان|النظر الثالث عشر في الزمان}}
زعموا أن الزمان مقدار حركة الفلك وهذا على رأي أرسطاطاليس وأصحابه، وعند غيره مرور الأيام والليالي، ثم مقدار حركة الفلك ينقسم إلى القرون، والقرون إلى السنين، والسنون إلى الشهور، والشهور إلى الأيام، والأيام إلى الساعات والزمان أنفس رأس مال به تكتسب كل سعادة، وإِنّه يضمحل شيئاً فشيئاً، وزمانك عمرك وهو معلوم القدر عند الله تعالى، وإن لم يكن معلوماً عندك وما مثله إلاّ كمسافة ساع يسعى في قطعها قوي على السير لا يفتر طرفة عين، فما أعجل انقطاعها، وإن كانت بعيدة، وما أسرع زوالها وإن كانت كعمر لقمان مدّة مديدة، ولنذكر شيئأ من خواصها وعجيبها.
 
القول '''في الليالي والأيام''': أمَا اليوم فهو الزمان الذي بين طلوع الفجر وغروب الشمس، وأمّا الليل فهو الزمان الذي يقع بين غروب الشمس وطلوع الفجر، ومجموعهما أربع وعشرون ساعة لا تزيد ولا تنقص، وكلّما نقص من النهار زاد في الليل، وكلّما نقص من الليل زاد في النهار كما قال الله تعالى : ﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ﴾ وأطول ما يكون النهار سابع عشر حزيران عند حلول الشمس آخر الجوزاء، فيكون النهار خمس عشرة ساعة والليل تسع ساعات، وهو أقصر ما يكون، ثم يأخذ النهار في النقصان والليل في الزيادة إلى ثامن عشر أيلول، وهو عند حلول الشمس آخر السنبلة، فيستوي الليل والنهار ويصير كل واحد منهما اثنتي عشرة ساعة، ثم ينقص النهار ويزيد الليل إلى سبع عشرة من كانون الأوّل، فيصير الليل خمس عشرة ساعة، وهو أطول ما يكون، والنهار تسع ساعات وذلك أقصر ما يكون، ثم يأخذ الليل في النقصان والنهار في الزيادة إلى سادس عشر آذار عند حلول الشمس آخر الحوت فيستوي الليل والنهار، ويصير كل واحد اثنتي عشرة ساعة، ثم يستأنف الدور وقد شبهوا أوقات اليوم والليلة بأرباع السنة، فقالوا: إن الغدوّ بمنزلة الربيع، وانتصاف النهار بمنزلة الصيف، والمساء بمنزلة الخريف، وانتصاف الليل بمنزلة الشتاء، لكن اختلافها لما كان اختلافاً يسيراً لا تتأثر منه الأبدان تأثرها عن السنة، وربما تأثرت منه الأبدان الضعيفة، ومن لطف الله تعالى بعباده جعل الليل والنهار لأنّ الإنسان مضطر إلى الحركات في أعماله لمعاشه ولا تنفك قواه عن كلال، فعند ذلك يغلب عليه النوم، ولا بد له عن ذلك لزوال الكلال كما قال تعالى ﴿ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ فعيّن وقتاً للنوم ينام فيه كلهم، ووقتاً للمعاش يعمل فيه كلهم، ولولا ذلك لأفضى إلى عسر قضاء حوائج الناس لأن أحدهم إذا طلب غيره لشغل وجده نائماً.
 
{{عنوان|فصل: في فضائل الأيام وخواصها}}
'''يوم الجمعة:''' عبد الملة الحنيفية وسيّد الأيام، روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله {{ص}} أنه قال: « خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خق آدم وفيه أُسكن الجنّة وفيه هبط عنها ، وفيه تاب الله عليه، وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله تعالى خيراً إلاّ أعطاه إيّاه » وقال بعض السلف إن الله تعالى فضلاً سوى أرزاق العباد لا يعطي من ذلك الفضل إلا من سأله عشية يوم الخميس ويوم الجمعة. وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: من قلم أظفاره يوم الجمعة أخرج الله منه داء وأدخل فيه شفاء. وقال الأصمعي: دخلت على الرشيد يوم الجمعة وهو يقلم أظفاره ويقول: قلم الأظفار يوم الجمعة من السنة، وبلغني أنه ينفي الفقر، فقلت: يا أمير المؤمنين، وأنت تخشى الفقر؟ فقال: وهل أحد أخشى من الفقر منّى. وفي الآثر أن الملائكة يتفقّدون العبد إذا تأخر عن وقته يوم الجمعة، فيسأل بعضهم بعضاً، فيقولون: ما فعل فلان وما الذي أخْره عن وقته؟ ثم يقولون: اللّهم إن كان أخّره فقر فأغنه، وإن كان أخره مرض فاشفه، وإن كان أخره شغل فأفرغه لعبادتك، وإن كان أخره لهو فأقبل بقلبه إلى طاعتك.
 
'''يوم السبت:''' هو عيد اليهود قال الكلبي: أمر موسى عليه السلام بنى إسرائيل أن يفرغوا في كل أسبوع يوماً للعبادة، فأبوا أن يقبلوا إلا يوم السبت، وقالوا: إنّه يوم فرع الله فيه من خلق الأشياء، وزعموا أن الأمور التي تحدث في يوم السبت تستمر إلى السبت الآخر، فلذلك امتنعوا فيه من الأخذ والعطاء، والمسلمون يخالفونهم في ذلك لقوله {{ص}}: « بورك لأمتي في بكور سبتها وخميسها » وزعم أصحاب الفلاحة أن النخلة إذا غرست يوم السبت لم تحمل.
 
'''يوم الأحد:''' عيد النصارى، قال أصحاب السير إِنّ أول الأيام الأحد، وهو أَوَلٍ أيام الدنيا، وبداً الله فيه خلق الأشياء، وذكروا أن عيسى عليه السلام أمر قومه بالجمعة فقالوا لا نريد أن يكون عيد اليهود بعد عيدنا، فَاتَخذوا الأحد، وزعموا أنه صالح لابتداء الأمور.
 
'''يوم الاثنين:''' يوم مبارك، كان رسول الله {{ص}} كثير المواظبة على صومه وصوم الخميس، فسئل عن ذلك، فقال: « هما يومان ترفع فيهما الأعمال، فأنا أحب أن يرفع عملي وأنا صائم » وفي الحديث أنه {{ص}} وُلد يوم الاثنين، وأتاه الوحي يوم الأثنين، وخرج من مكّة مهاجراً يوم الاثنين، وقدم المدينة يوم الاثنين، وقبض يوم الاثنين، أورده الإمام أحمد بن حنيل في مسند ابن عباس رضي الله عنهم.
 
'''يوم الثلاثاء:''' يستحب فيه العقود وإصلاح حال النفس بالحجامة، وقيل إن قابيل قتل هابيل يوم الثلاثاء.
 
'''يوم الأربعاء:''' يوم قليل الخير، والأربعاء الأخير من الشهر يوم نحس مستمر يحمد فيه الاستحمام.
 
'''يوم الخميس:''' يوم مبارك سيّما لطلب الحوائج وابتداء السفر، روى الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أن رسول {{ص}} و ما كان يخرج إذا أراد سفراً إلا يوم الخميس، وتكره الحجامة فيه، حدث حمدون بن إسماعيل قال: سمعت المعتصم بالله يحدث عن المأمون عن الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن جدّه عن ابن عباس رضي الله عنهم عن النبي {{ص}} أنه قال: « من احتجم يوم الخميس فحم من مات في ذلك المرض » قال: دخلت على المعتصم يوم الخميس، فإذا هو يحتجم فلمّا رأيته وقفت واجماً ساكتاً حزيناً، فقال: يا حمدون لعلك تذكرت الحديث الذي حدثتك به؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: والله ما ذكرت حتى شرط الحجام فحم من ساعته، وكان المرض الذي مات فيه رحمه الله تعالى.
 
{{عنوان|القول في الشهور}}
لكل صنف من أصناف الناس شهور مثل شهور العرب والروم والفرس والقبط والترك والهند والزنج، لكن الشهور المستعملة في زماننا هذا شهور العرب والروم والفرس، فاقتصرت على ذكرها، وذكر بعض خواصها والمواسم فيها، وبالله التوفيق.
 
{{عنوان|فصل: في شهور العرب}}
الشهر عندهم عبارة عن الزمان الذي بين الهلالين، ويتفق ذلك في كل سنة من سنيهم اثنتي عشرة مرّة لأنّ سنيهم ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوماً وكسر من يوم، فإذا جعلنا شهراً ثلاثين وشهراً تسعة وعشرين صارت الشهور منطبقة على أيام السنة، و إذا صارت الكسور يوماً زادوه فى آخر ذي الحجّة، وقد نطق بذلك الكتاب المجيد: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ﴾ والأشهر الحرم: رجب وذو القعدة وذو الحجّة والمحرم، واحد فرد وثلاثة سرد للحرم، زيادة وقع عند الله تعالي، فالطاعات فيها أكثر ثواباً والمعاصي أعظم عقاباً، وهذه الأشهر كانت محرمة في الجاهلية، وكانت العرب في هذه الأشهر تنزع الأسنة عن رماحها وتقعد عن شن الغارات، وكان الخائف فيها يأمن من أعدائه حتى أن الرجل إذا لقي قاتل أبيه أو أخيه لم يتعرض له، فلنذكر الآن الشهور:
 
'''المحرم:''' سمّى محرماً لحرمة القتال فيه، فاليوم الأوّل منه معظم عند ملوك العرب يقعدون للهناء كما أن اليوم الأول من سنة الفرس، كان عندهم معظماً وهو النيروز، والسابع منه هو الذي خرج فيه يونس من بطن الحوت، وقيل إنه كان في رابع عشر ذي القُعدة، والعاشر منه يوم عاشوراء يوم معظم في جميع الملل لأنه فيه تاب الله تعالى على آدم عليه السلام، واستوت السفية على الجودى وولد الخليل وموسى وعيسى عليهم السلام، وبردت النار على إبراهيم عليه السلام، ورافع العذاب عن قوم يونس، وكشف ضر أيوب، وردّ على يعقوب بصره، وأخرج يوسف من الجب، وأعطي سليمان ملكه، وأجيب زكريا حين استوهب يحيى، وهو يوم الزينة الذي غلب فيه موسى السحرة، ولمّا قدم النبي {{ص}} وجد يهودها يصومون عاشوراء، فسألهم عن ذلك، فقالوا: إنه اليوم الذي غرق فيه فرعون وقومه، ونجا موسى ومن معه، فقال عليه الصلاة والسلام: « أنا أحق بموسى منهم » فأمر بصوم عاشوراء، وكان الإسلاميون يعظمون هذا الشهر بأجمعهم حتى اتّقن في هذا اليوم قتل الحسين رضي الله عنه مع كثير عن أهل البيت، فزعم بنو أميّة أنهم انخذوه عيداً فتزينوا فيه، وأقاموا فيه الضيافات، والشيعة اتّخدوه يوم عزاء ينوحون فيه ويجتنبون الزينة، وأهل السنة يزعمون أن الاكتحال في هذا اليوم مانع من الرمد في تلك السنة، والسادس عشر منه جعلت القبلة لبيت المقدس، والسابع عشر منه فيه قدوم أصحاب الفيل، فأرسل الله عليهم طيراً أبابيل.
 
'''صفر:''' سمّي صفراً لأن الرباع كلها كانت تصفر من أهلها لأنّهم خرجوا للقتال لانقضاء الأشهر الحرم، وذهب الجمهور إلى أن القعود في هذا الشهر أولى من الحركة. وروي عن النبي {{ص}} أنه قال: « من بشرني بخروج صفر أبشره بالجنة » اليوم الأول منه عيد بني أمية أدخلت فيه رأس الحسين بدمشق، والعشرون منه ردت رأس الحسين رضي الله عنه إلى جثته، وترك المأمون لبس الخضرة وعاد إلى السواد بعدما لبسها خمسة أشهر ونصف والثالث والعشرون منه عاد الأمر إلى بني هاشم وجلس السفاح للخلافة، والرابع والعشرون منه دخل النبي {{ص}} الغار مع أبي بكر رضي الله عنه.
 
'''ربيع الأوّل:''' سمي ربيعاً لارتباع الناس، والمقام فيه هو شهر مبارك فتح الله فيه أبواب الخيرات وأبواب السعادات على العالمين بوجود سيد المرسلين {{ص}} الثامن منه قدم رسول الله {{ص}} المدينة والعاشر منه تزوّج {{ص}} خديجة رضي الله عنها، والثاني عشر منه مولد رسول الله {{ص}}.
 
'''ربيع الآخر:''' في اليوم الثالث منه رمى الحجاج الكعبة بالنار في إحصار ابن الزبير فاحترقت والرابع عشر منه فيه تقرر فرض الصلاة، وفي الحادي والعشرين غزوة رسول الله {{ص}}.
 
'''جمادى الأولى:''' إنّما سمى بذلك لأنهما صادفا أَيّام الشتاء حين اشتد البرد جمد الماء في الثامن منه مولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفي الخامس عشر رقعة الجمل.
 
'''جمادى الأخرى:''' زعموا أن الحوادث العجيبة كثيراً ما تقع في هذا الشهر حتى قالوا العجب كل العجب بين جمادى ورجب، في اليوم الأوّل منه نزل الملك على رسول الله {{ص}}، وفي السادس ولاية عمر بن الخطابه رضي الله عنه، وفي التاسع مولد جعفر الصادق، وفي الرابع عشر مولد موسى بن جعفر، وفي الخامس عشر هدم ابن الزبير الكعبة بيده، لحديث سمعه من عائشة رضي الله عنها وردها على هيئة ما كانت عليه في زمن الخليل عليه السلام، وفي العشرين منه مولد فاطمة رضي الله عنها.
 
'''رجب:''' سمٌّي رجباً لأنّه رجب أي عظم، ويقال له أيضاً الأصم لأنّه لا يسمع فيه صوت مستغيث، وقيل لأنه لا يسمع فيه قعقعة السلاح، ويقال له أيضاً الأصب لأن الله تعالي يصبّ فيه الرحمة والمغفرة على عباده، وقد وردت فيه احاديث كثيرة قد دلت على عظم شأنه وعلى أن الطاعات فيه مقبولة والدعاء فيه مستجاب ، وكان في الجاهلية إذا أراد المظلوم أن يدعو على الظالم أخّره إلى دخول رجب ودعا عليه فيستجاب له، وفي اليوم الأول منه ركب نوح عليه السلام السفينة، وفي الرايع وقعة صفّين، وفي الثاني عشر مولد جعفر الصادق، وفي الخامس عشر يوم أمّ داود وصلواتها التي تستجاب، وفي السابع والعشرين ليلة المعراج، وفي الثامن والعشرين البعثة النبوية.
 
'''شعبان:''' سمي شعباناً لتشتعّب القبائل فيه، اليوم الثالث منه مولد الحسين، وفي الرابع مولد الحسن رضي الله عنهما، وفي الخامس عشر ليلة الصك، وهي ليلة يغفر الله فيها أكثر من شعر غنم بني كلب، وفي السادس عشر صرفت القبلة إلى الكعبة، والعشرون منه النيروز المعتضدي.
 
'''رمضان:''' سمّى رمضاناً لمصادفته شدَّة الرمضاء في أوّل الوقت في أوّله فتتحت أبواب الجنّة وأغلقت أبواب النيران وصفّدت الشياطين، وفي الثالث أنزلت صحف التوراة على موسى عليه السلام، وفي الثامن أنزلت الإنجيل على عيسى عليه السلام، وفي التاسع عشر فتحت مكّة، والمحادي والعشرون ليلة القدر على رأي، وهي الليلة المباركة التي يفرق فيها كل أمر حكيم، والثالث والعشرون قيل ليلة القدر على رأي آخر، وفي الخامس والعشرين ظهور الدولة العباسية بخراسان بدعوة أبي مسلم، وفي السابع والعشرين وقعة بدر ونزول الملائكة لنصرة النبي {{ص}}، وليلته هي ليلة القدر على رأي حسن، وفي اليوم الأخير أعتق الله فيه بعدد ما أعتق من أوّل الشهر إلى آخره وله عند الفطر كل ليلة سبعون ألف ألف عتيق من النار.
 
'''شوّال:''' سمي شوّالاً لإشالة الإبل أذنابها عند اللقاح في ذلك الوقت لأنه أوّل أشهر الحجّ، في اليوم الأول مئه عيد الفطر، ويقال له يوم الرحمة لأن الله تعالى يرحم فيه عباده، وفيه أوحى الله إلى النحل صنعة العسل، وفي الرابع منه خرج رسول الله {{ص}} لمباهلة نصارى نجران، وفي السابع عشر منه غزوة أحد ومقتل حمزة رضي الله عنه، وفي الخامس والعشرين إلى آخر الشهر هي الأيام النحسات أهلك الله تعالى فيها عاداً، وقيل إنها أيام العجوز التي كانت تنوح عليهم كل سنة.
 
'''ذو القعدة:''' سمي ذا القعدة لأنهم كانوا يقعدون فيه عن القتال لكونه أوّل الأشهر الحرم في الأوّل منه واعد الله تعالى موسى ثلاثين ليلة، وفي الخامس رفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل عليهما السلام، وفي السابع منه فلق البحر لموسى عليه السلام، وفي الرابع عشر خروج يونس عليه السلام من بطن الحوت، وفي التاسع عشر أنبت الله تعالى عليه شجرة من يقطين ونزل جبريل، بالوحي على رسول الله {{ص}}.
 
'''ذى الحجّة:''' سمّي ذا الحجة لأنهم كانوا يحجون فيه العشر الأول منه الأيام المعلومات وهي أحب الأيام إلى الله تعالى، في اليوم الأول تزوج علي بفاطمة رضي الله عنهما، والثامن يوم التروية وسقاية الحاج بالمسجد الحرام تملأ ويسقى الحجيج في الجاهلية والإسلام حتى تروى، والتاسع منه يوم عرفة، والعاشر يوم النحر وفيه فدي الذبيح بالكبش، وثلاثة أيام بعده أيام التشريق، الثاني عشر منه عيد الغدير وهو اليوم الذي واخى النبي {{ص}} علياً رضي الله عنه فيه، وفي الرابع عشر تصدّق علي رضي الله عنه بخاتمه في الصلاة، وفي السادس والعشرين نزل الاستغفار على داود عليه السلام، وفي السابع والعشرين منه وقعة الحرة، وفي الثامن والعشرين منه خلافة علي رضي ألله عنه.
 
'''خاتمة:''' في معرفة أوائل هذه الشهور. وقد عمل لها جدول ليسهل علمها. أما طريق العمل بها أن تلقي عدد سنين الهجرة من أوّلها إلى السنة التي أنت فيها أو السنة التي تريد معرفة أوّل شهر من شهورها ثمانية ثمانية، فما بقي تعد من تحت الشهر الذي أنت طالب أوّله، فاليوم الذي ينتهي فيه العدد هو أوّل ذلك الشهر، وإن بقي ثمانية بعد أن أسقطتها كلها كان أوّل الشهر اليوم الذي في البيت الأخير، وهذه صفة الجدول:
{| class="wikitable" style="text-align:center;"
|-‏
|+ جدول الشهور والأيام
|-
! محرم !! صفر !! ربيع الأول !! ربيع الثاني !! جمادى الأول !! جمادى الأخرى !! رجب !! شعبان !! رمضان !! شوال !! ذو القعدة !! ذو الحجة
|-
|الاثنين || الأربعاء || الخميس || السبت || الأحد ||الثلاثاء ||الأربعاء || الجمعة ||السبت || الاثنين ||الثلاثاء || الخميس
|-
|الجمعة || الأحد || الاثنين ||الأربعاء || الخميس || السبت ||الأحد ||الثلاثاء || الأربعاء || الجمعة|| السبت || الاثنين
|-
|الثلاثاء || الخميس || الجمعة || الأحد || الاثنين || الأربعاء || الخميس || السبت ||الأحد || الثلاثاء ||الأربعاء || الجمعة
|-
|الأحد || الاثنين || الأربعاء || الجمعة || السبت || الاثنين || الثلاثاء || الخميس || الجمعة || الأحد || الأثنين || الأربعاء
|-
|الخميس || السبت || الأحد || الثلاثاء || الأربعاء || الجمعة || السبت || الاثنين ||الثلاثاء || الخميس || الجمعة || الأحد
|-
|الاثنين || الثلاثاء || الخميس || السبت || الأحد || الثلاثاء || الأربعاء || الجمعة ||السبت || الاثنين || الثلاثاء || الخميس
|-
|السبت || الأحد || الثلاثاء || الخميس || الجمعة || الأحد || الاثنين || الأربعاء || الخميس || السبت || الأحد || الثلاثاء
|-
|الأربعاء || الجمعة || السبت || الاثنين || الثلاثاء || الخميس || الجمعة || الأحد || الثلاثاء || الأحد || الخميس || السبت
|}
قال جعفر الصادق رضى الله عنه: إذا أشكل عليك أوّل شهر رمضان فعد الخامس من الشهر الذي صمته في العام الماضي، فإنه أول يوم من شهر رمضان الذي في العام المقبل وقد امتحنوا ذلك خمسين سنة، فكان صحيحاً.
 
[[تصنيف:عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات]]