الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مجموع الفتاوى/المجلد التاسع عشر/فصل في عموم رسالة الرسول للثقلين»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
Obaydb (نقاش | مساهمات)
استيراد تلقائي للمقالات - كتابة على الأعلى
ط بوت: إصلاح أخطاء فحص ويكيبيديا من 1 إلى 104
 
سطر 17:
ولهذا أمر الله رسوله {{صل}} بسؤال أهل الكتاب عما تواتر عندهم كقوله: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالا نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } <ref>[النحل: 43]</ref> ؛ فإن من الكفار من أنكر أن يكون الله رسول بشر، فأخبر الله أن الذين أرسلهم قبل محمد كانوا بشرًا، وأمر بسؤال أهل الكتاب عن ذلك لمن لا يعلم.
 
وكذلك سؤالهم عن التوحيد وغيره مما جاءت به الأنبياء، وكفر به الكافرون، قال تعالى: { قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } <ref>[الرعد: 43]</ref>، وقال تعالى: { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ } <ref>[يونس: 94]</ref>، وقال تعالى: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ } .<ref>[الأحقاف: 10]</ref>.
 
وكذلك شهادة أهل الكتاب بتصديق ما أخبر به من أنباء الغيب التي لا يعلمها إلا نبي أو من أخبره نبي، وقد علموا أن محمدا لم يتعلم من أهل الكتاب شيئًا.
سطر 71:
وقد أخذ النبي {{صل}} الجزية من أهل البحرين وكانوا مجوسًا، وأسلمت عبد القيس وغيرهم من أهل البحرين طوعًا، ولم يكن النبي {{صل}} ضرب الجزية على أحد من اليهود بالمدينة ولا بخيبر، بل حاربهم قبل نزول آية الجزية، وأقر اليهود بخيبر فلاحين بلا جزية إلي أن أجلاهم عمر؛ لأنهم كانوا مهادنين له، وكانوا فلاحين في الأرض فأقرهم لحاجة المسلمين إليهم، ثم أمر بإجلائهم قبل موته، وأمر بإخراج اليهود والنصاري من جزيرة العرب، فقيل: هذا الحكم مخصوص بجزيرة العرب، وقيل: بل هو عام في جميع أهل الذمة إذا استغني المسلمون عنهم أجلوهم من ديار الإسلام، وهذا قول ابن جرير وغيره. ومن قال: إن الجزية لا تؤخذ من مشرك قال: إن آية الجزية نزلت والمشركون موجودون فلم يأخذها منهم.
 
والمقصود أنه لم يخص العرب بحكم، وإن قيل: إنه خص جزيرة العرب التي هي حول المسجد الحرام، كما خص المسجد الحرام بقوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا } .<ref>[التوبة: 28]</ref>.
 
وكذلك من قال من العلماء: إنه حرم على جميع المسلمين ما تستخبثه العرب وأحل لهم ما تستطيبه. فجمهور العلماء على خلاف هذا القول كمالك وأبي حنيفة وأحمد وقدماء أصحابه، ولكن الخرقي وطائفة منهم وافقوا الشافعي على هذا القول، وأما أحمد نفسه فعامة نصوصه موافقة لقول جمهور العلماء، وما كان عليه الصحابة والتابعون أن التحليل والتحريم لا يتعلق باستطابة العرب ولا باستخباثهم، بل كانوا يستطيبون أشياء حرمها الله، كالدم والميتة، والمنخنقة والموقوذة، والمتردية والنطيحة، وأكيلة السبع؛ وما أهل به لغير الله، وكانوا بل خيارهم يكرهون أشياء لم يحرمها الله، حتي لحم الضب كان النبي {{صل}} يكرهه، وقال: «لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه»، وقال مع هذا: إنه ليس بمحرم وأكل على مائدته وهو ينظر، وقال فيه: «لا آكله ولا أحرمه».
سطر 79:
وكذلك الدم يجمع قوى النفس من الشهوة والغضب، فإذا اغتذي منه زادت شهوته وغضبه على المعتدل؛ ولهذا لم يحرم منه إلا المسفوح بخلاف القليل فإنه لا يضر.
 
ولحم الخنزير يورث عامة الأخلاق الخبيثة؛ إذ كان أعظم الحيوان في أكل كل شيء، لا يعاف شيئًا، والله لم يحرم على أمة محمد شيئًا من الطيبات، وإنما حرم ذلك على أهل الكتاب، كما قال تعالى: { فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } <ref>[النساء: 160]</ref>، وقال تعالى: { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ } .<ref>[الأنعام: 146]</ref>.
 
وأما المسلمون فلم يحرم عليهم إلا الخبائث، كالدم المسفوح، فأما غير المسفوح كالذي يكون في العروق فلم يحرمه، بل ذكرت [[عائشة]] أنهم كانوا يضعون اللحم في القدر فيرون آثار الدم في القدر؛ ولهذا عفي جمهور الفقهاء عن الدم اليسير في البدن والثياب إذا كان غير مسفوح، وإذا عفي عنه في الأكل ففي اللباس والحمل أولي أن يعفي عنه.
سطر 113:
وليس لمن أنكر ذلك حجة يعتمد عليها تدل على النفي، وإنما معه عدم العلم؛ إذ كانت صناعته ليس فيها ما يدل على ذلك، كالطبيب الذي ينظر في البدن من جهة صحته ومرضه الذي يتعلق بمزاجه، وليس في هذا تعرض لما يحصل من جهة النفس ولا من جهة الجن، وإن كان قد علم من غير طبه أن للنفس تأثيرًا عظيمًا في البدن أعظم من تأثير الأسباب الطبية، وكذلك للجن تأثير في ذلك، كما قال النبي {{صل}} في الحديث الصحيح: »إن الشيطان يجري من ابن آدم مجري الدم«، وفي الدم الذي هو البخار الذي تسميه الأطباء: الروح الحيواني المنبعث من القلب الساري في البدن الذي به حياة البدن، كما قد بسط هذا في موضع آخر.
 
والمراد هنا أن محمدا {{صل}} أرسل إلى الثقلين: الإنس والجن، وقد أخبر الله في القرآن أن الجن استمعوا القرآن وأنهم آمنوا به، كما قال تعالى: { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا } إلى قوله: { أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } <ref>[الأحقاف: 29 - 32]</ref>، ثم أمره أن يخبر الناس بذلك فقال تعالى: { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا } <ref>[الجن: 1]</ref> إلخ، فأمره أن يقول ذلك ليعلم الإنس بأحوال الجن، وأنه مبعوث إلى الإنس والجن؛ لما في ذلك من هدى الإنس والجن ما يجب عليهم من الإيمان بالله ورسله وإلىوم الآخر، وما يجب من طاعة رسله ومن تحريم الشرك بالجن وغيرهم، كما قال في السورة: { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا } .<ref>[الجن: 6]</ref>.
 
كان الرجل من الإنس ينزل بالوادي والأودية مَظَانُّ الجن، فإنهم يكونون بالأودية أكثر مما يكونون بأعإلى الأرض فكان الإنسي يقول: أعوذ بعظيم هذا الوادي من سفهائه، فلما رأت الجن أن الإنس تستعيذ بها زاد طغيانهم وغيرهم، وبهذا يجيبون المعزم والراقي بأسمائهم وأسماء ملوكهم، فإنه يقسم عليهم بأسماء من يعظمونه، فيحصل لهم بذلك من الرئاسة والشرف على الإنس ما يحملهم على أن يعطوهم بعض سُؤْلِهِمْ، لاسيما وهم يعلمون أن الإنس أشرف منهم وأعظم قدرًا، فإذا خضعت الإنس لهم واستعاذت بهم كان بمنزلة أكابر الناس إذا خضع لأصاغرهم ليقضي له حاجته.
 
ثم الشياطين منهم من يختار الكفر والشرك ومعاصي الرب، وإبليس وجنوده من الشياطين يشتهون الشر، ويلتذون به ويطلبونه، ويحرصون عليه بمقتضي خبث أنفسهم، وإن كان موجبًا لعذابهم وعذاب من يغوونه، كما قال إبليس: { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } <ref>[ص: 82، 83]</ref>، وقال تعالى: { قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلا } <ref>[الإسراء: 62]</ref>، وقال تعالى: { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ } .<ref>[سبأ: 20]</ref>.
 
والإنسان إذا فسدت نفسه أو مزاجه يشتهي ما يضره ويلتذ به، بل يعشق ذلك عشقًا يفسد عقله ودينه وخلقه وبدنه وماله، والشيطان هو نفسه خبيث، فإذا تقرب صاحب العزائم والأقسام وكتب الروحانيات السحرية، وأمثال ذلك إليهم بما يحبونه من الكفر والشرك؛ صار ذلك كالرشوة والبِرْطِيل <ref>[البِرطِيل بالكسر: حجر، أو حديد طويل صُلب خِلْقة، ينقر به الرحى، والمعول، والرِّشوة]</ref> لهم. فيقضون بعض أغراضه، كمن يعطي غيره مالًا ليقتل له من يريد قتله، أو يعينه على فاحشة، أو ينال معه فاحشة.
سطر 144:
 
{{مجموع الفتاوى/19}}
 
[[تصنيف:مجموع الفتاوى:أصول الفقه|{{SUBPAGENAME}}]]