الفرق بين المراجعتين لصفحة: «البداية والنهاية/الجزء الأول/فصل»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
ط قالب مرجع داخلي وحذف هامش
سطر 13:
قال الله تعالى بعد قصص ما تقدم في سورة الأعراف:
 
{ وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ * قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } <ref>[{{مردخ|الأعراف: 127-129]</ref>}}.
 
يخبر تعالى عن الملأ من قوم فرعون وهم: الأمراء، والكبراء، أنهم حرضوا ملكهم فرعون على أذية نبي الله موسى عليه السلام، ومقابلته بدل التصديق بما جاء به بالكفر والرد والأذى.
سطر 29:
{ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } أي: فكونوا أنتم المتقين لتكون لكم العاقبة.
 
كما قال في الآية الأخرى: { وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } <ref>[{{مردخ|يونس: 84-86]</ref>}}.
 
وقولهم: { قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا } أي: قد كانت الأبناء تقتل قبل مجيئك، وبعد مجيئك إلينا.
 
{ قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } <ref>[{{مردخ|الأعراف: 129]</ref>}}.
 
وقال الله تعالى في سورة حم المؤمن: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ } <ref>[{{مردخ|غافر: 23-24]</ref>}}.
 
وكان فرعون الملك، وهامان الوزير، وكان قارون إسرائيليًا من قوم موسى، إلا أنه كان على دين فرعون وملائه، وكان ذا مال جزيل جدًا كما ستأتي قصته فيما بعد إن شاء الله تعالى.
 
{ فَلَمَّا جَاءهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ } <ref>[{{مردخ|غافر: 25]</ref>}} وهذا القتل للغلمان من بعد بعثة موسى إنما كان على وجه الإهانة، والإذلال، والتقليل لملأ بني إسرائيل، لئلا يكون لهم شوكة يمتنعون بها ويصولون على القبط بسببها، وكانت القبط منهم يحذرون فلم ينفعهم ذلك، ولم يرد عنهم قدر الذي يقول للشيء كن فيكون.
 
{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ } <ref>[{{مردخ|غافر: 26]</ref>}} ولهذا يقول الناس على سبيل التهكم: صار فرعون مذكرًا، وهذا منه، فإن فرعون في زعمه يخاف على الناس أن يضلهم موسى عليه السلام.
 
{ وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ } <ref>[{{مردخ|غافر: 27]</ref>}} أي: عذت بالله، ولجأت إليه بجنابه، من أن يسطو فرعون وغيره على بسوء.
 
وقوله: { مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ } أي: جبار عنيد، لا يرعوي ولا ينتهي ولا يخاف عذاب الله وعقابه، لأنه لا يعتقد معادًا ولا جزاء، ولهذا قال: { مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ }.
 
{ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ * يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ } <ref>[{{مردخ|غافر: 28-29]</ref>}}
 
وهذا الرجل هو ابن عم فرعون، وكان يكتم إيمانه من قومه، خوفًا منهم على نفسه. وزعم بعض الناس أنه كان إسرائيليًا، وهو بعيد ومخالف لسياق الكلام لفظًا ومعنى، والله أعلم.
سطر 67:
وهذا الكلام في هذا المقام من أعلى مقامات التلطف والاحتراز والعقل التام.
 
وقوله: { يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ } <ref>[{{مردخ|غافر: 29]</ref>}} يحذرهم أن يسلبوا هذا الملك العزيز، فإنه ما تعرض الدول للدين إلا سلبوا ملكهم، وذلوا بعد عزهم، وكذا وقع لآل فرعون ما زالوا في شك وريب، ومخالفة ومعاندة لما جاءهم موسى به حتى أخرجهم الله مما كانوا فيه، من الملك والأملاك، والدور والقصور، والنعمة والحبور.
 
ثم حولوا إلى البحر مهانين، ونقلت أرواحهم بعد العلو والرفعة، إلى أسفل السافلين، ولهذا قال هذا الرجل المؤمن المصدق، البار الراشد التابع للحق، الناصح لقومه، الكامل العقل: { يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ } أي: عالين على الناس حاكمين عليهم.
سطر 77:
قال الله تعالى إخبارًا عن موسى:
 
{ قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا * فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا * وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا } <ref>[{{مردخ|الإسراء: 102-104]</ref>}}.
 
وقال تعالى: { فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ } <ref>[{{مردخ|النمل: 13-14]</ref>}}.
 
وأما قوله: { وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ } فقد كذب أيضًا، فإنه لم يكن على رشاد من الأمر، بل كان على سفه وضلال وخبل وخيال، فكان أولًا ممن يعبد الأصنام والأمثال، ثم دعا قومه الجهلة الضلال، إلى أن اتبعوه وطاوعوه وصدقوه فيما زعم من الكفر المحال، في دعواه أنه رب، تعالى الله ذو الجلال.
سطر 85:
قال الله تعالى:
 
{ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ * فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ * فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ } <ref>[{{مردخ|الزخرف: 51-56]</ref>}}.
 
وقال تعالى: { فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى } <ref>[{{مردخ|النازعات: 20-26]</ref>}}.
 
وقال تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ * يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ * وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ } <ref>[{{مردخ|هود: 96-99]</ref>}}.
 
والمقصود بيان كذبه في قوله: { مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى } وفي قوله: { وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ }.
 
{ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ * وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ * الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ } <ref>[{{مردخ|غافر: 30-35]</ref>}}.
 
يحذرهم ولي الله إن كذبوا برسول الله موسى، أن يحل بهم ما حل بالأمم من قبلهم، من النقمات والمثلات مما تواتر عندهم وعند غيرهم، ما حل بقوم نوح وعاد وثمود ومن بعدهم إلى زمانهم ذلك، مما أقام به الحجج على أهل الأرض قاطبة، في صدق ما جاءت به الأنبياء، لما أنزل من النقمة بمكذبيهم من الأعداء، وما أنجى الله من اتبعهم من الأولياء، وخوفهم يوم القيمة - وهو يوم التناد -.
 
أي: حين ينادي الناس بعضهم بعضًا حين يولون مدبرين إن قدروا على ذلك ولا إلى ذلك سبيل. { يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ } <ref>[{{مردخ|القيامة: 10-12]</ref>}}.
 
وقال تعالى: { يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } <ref>[{{مردخ|الرحمن: 33-36]</ref>}}.
 
وقرأ بعضهم: (يوم التناد) بتشديد الدال، أي: يوم الفرار. ويحتمل أن يكون يوم القيامة، ويحتمل أن يكون يوم يحل الله بهم البأس فيودون الفرار، ولات حين مناص.
 
{ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } <ref>[{{مردخ|الأنبياء: 12-13]</ref>}} ثم أخبرهم عن نبوة يوسف في بلاد مصر، ما كان منه من الإحسان إلى الخلق في دنياهم وأخراهم، وهذا من سلالته وذريته، ويدعو الناس إلى توحيد الله وعبادته، وأن لا يشركوا به أحدًا من بريته.
 
وأخبر عن أهل الديار المصرية في ذلك الزمان أي: من سجيتهم التكذيب بالحق، ومخالفة الرسل ولهذا قال: { فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا } <ref>[{{مردخ|غافر: 34]</ref>}} أي وكذبتم في هذا، ولهذا قال: { كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ * الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ } <ref>[{{مردخ|غافر: 34-35]</ref>}}.
 
أي: يريدون حجج الله وبراهينه، ودلائل توحيده بلا حجة ولا دليل عندهم من الله، فإن هذا أمر يمقته الله غاية المقت، أي: يبغض من تلبس به من الناس، ومن اتصف به من الخلق { كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ } قرىء بالإضافة وبالنعت، وكلاهما متلازم. أي: هكذا إذا خالفت القلوب الحق - ولا تخالفه إلا بلا برهان - فإن الله يطبع عليها أي: يختم عليها بما فيها.
 
{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ } <ref>[{{مردخ|غافر: 36-37]</ref>}}.
 
كذب فرعون موسى عليه السلام في دعواه أن الله أرسله، وزعم فرعون لقومه ما كذبه وافتراه في قوله لهم: { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ } <ref>[{{مردخ|القصص: 33]</ref>}}.
 
وقال ههنا: { لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ... } أي: طرقها ومسالكها. { فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا } ويحتمل هذا معنيين:
سطر 123:
{ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا } أي: في دعواه ذلك، وإنما كان مقصود فرعون أن يصد الناس عن تصديق موسى عليه السلام، وأن يحثهم على تكذيبه.
 
قال الله تعالى: { وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ } <ref>[{{مردخ|غافر: 37]</ref>}} وقرئ: وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب.
 
قال ابن عباس، ومجاهد يقول: إلا في خسار أي: باطل لا يحصل له شيء من مقصوده الذي رامه، فإنه لا سبيل للبشر أن يتوصلوا بقواهم إلى نيل السماء أبدا، أعني السماء الدنيا، فكيف بما بعدها من السموات العلى؟ وما فوق ذلك من الارتفاع الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل.
 
وذكر غير واحد من المفسرين أن هذا الصرح، وهو القصر الذي بناه وزيره هامان له لم يرَ بناء أعلى منه، وإن كان مبنيًا من الآجر المشوي بالنار. ولهذا قال: { فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا } <ref>[{{مردخ|القصص: 38]</ref>}}.
 
وعند أهل الكتاب أن بني إسرائيل كانوا يسخرون في ضرب اللبن، وكان مما حملوا من التكاليف الفرعونية أنهم لا يساعدون على شيء مما يحتاجون إليه فيه، بل كانوا هم الذين يجمعون ترابه وتبنه وماءه، ويطلب منهم كل يوم قسط معين إن لم يفعلوه، وإلا ضربوا وأهينوا غاية الإهانة، وأوذوا غاية الأذية.
سطر 133:
ولهذا قالوا لموسى: { أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } فوعدهم بأن العاقبة لهم على القبط، وكذلك وقع، وهذا من دلائل النبوة. ولنرجع إلى نصيحة المؤمن وموعظته واحتجاجه.
 
قال الله تعالى: { وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ } <ref>[{{مردخ|غافر: 38-40]</ref>}}.
 
يدعوهم رضي الله عنه إلى طريق الرشاد والحق، وهي متابعة نبي الله موسى وتصديقه فيما جاء به من ربه، ثم زهدهم في الدنيا الدنية الفانية المنقضية لا محالة، ورغبهم في طلب الثواب عند الله، الذي لا يضيع عمل عامل لديه، القدير الذي ملكوت كل شيء بيديه، الذي يعطي على القليل كثيرًا، ومن عدله لا يجازي على السيئة إلا مثلها.
سطر 139:
وأخبرهم أن الآخرة هي دار القرار، التي من وافاها - مؤمنًا قد عمل الصالحات - فلهم الجنات العاليات، والغرف الآمنات، والخيرات الكثيرة الفائقات، والأرزاق الدائمة التي لا تبيد، والخير الذي كل ما لهم منه في مزيد.
 
ثم شرع في إبطال ما هم عليه، وتخويفهم مما يصيرون إليه فقال: { وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ * لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } <ref>[{{مردخ|غافر: 41-46]</ref>}}.
 
كان يدعوهم إلى عبادة رب السموات والأرض، الذي يقول للشيء كن فيكون، وهم يدعونه إلى عبادة فرعون الجاهل الضال الملعون.
سطر 157:
والمقصود أن الله تعالى لم يهلكهم إلا بعد إقامة الحجج عليهم، وإرسال الرسول إليهم، وإزاحة الشبه عنهم، وأخذ الحجة عليهم منهم، فبالترهيب تارة، والترغيب أخرى، كما قال تعالى:
 
{ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ } <ref>[{{مردخ|الأعراف: 130-133]</ref>}}.
 
يخبر تعالى أنه ابتلى آل فرعون، وهم قومه من القبط بالسنين وهي أعوام الجدب التي لا يستغل فيها زرع، ولا ينتفع بضرع. وقوله: { وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ } وهي: قلة الثمار من الأشجار. { لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } أي: فلم ينتفعوا ولم يرعوا، بل تمردوا واستمروا على كفرهم وعنادهم، { فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ } والخصب ونحوه { قَالُوا لَنَا هَذِهِ } أي: هذا الذي نستحقه، وهذا الذي يليق بنا.
سطر 167:
{ وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } أي: مهما جئتنا به من الآيات - وهي الخوارق للعادات - فلسنا نؤمن بك، ولا نتبعك ولا نطيعك ولو جئتنا بكل آية.
 
وهكذا أخبر الله عنهم في قوله: { إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ } <ref>[{{مردخ|يونس: 96-97]</ref>}}.
 
قال الله تعالى: { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ } <ref>[{{مردخ|الأعراف: 133]</ref>}}.
 
أما الطوفان فعن ابن عباس: هو كثرة الأمطار المتلفة للزروع والثمار. وبه قال سعيد بن جبير، وقتادة، والسدي، والضحاك.
سطر 209:
قال محمد بن إسحاق: فرجع عدو الله فرعون حين آمنت السحرة مغلوبًا مفلولًا، ثم أبى إلا الإقامة على الكفر والتمادي في الشر وتابع الله عليه بالآيات، فأخذه بالسنين، فأرسل عليه الطوفان، ثم الجراد، ثم القمل، ثم الضفادع، ثم الدم آيات مفصلات، فأرسل الطوفان: وهو الماء ففاض على وجه الأرض ثم ركد، لا يقدرون على أن يخرجوا ولا أن يعملوا شيئًا، حتى جهدوا جوعًا.
 
فلما بلغهم ذلك قالوا يا موسى: { ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ } <ref>[{{مردخ|الأعراف: 134]</ref>}} فدعا موسى ربه فكشفه عنهم، فلما لم يفوا له بشيء فأرسل الله عليهم الجراد، فأكل الشجر فيما بلغني حتى أن كان ليأكل مسامير الأبواب من الحديد، حتى تقع دورهم ومساكنهم، فقالوا مثل ما قالوا، فدعا ربه فكشف عنهم، فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم القمل.
 
فذكر لي أن موسى عليه السلام أمر أن يمشي إلى كثيب حتى يضربه بعصاه، فمشى إلى كثيب أهيل عظيم، فضربه بها فانثال عليهم قملًا حتى غلب على البيوت والأطعمة، ومنعهم النوم والقرار، فلما جهدهم قالوا له مثل ما قالوا له، فدعا ربه فكشف عنهم.
سطر 217:
وقال زيد بن أسلم: المراد بالدم الرعاف. رواه ابن أبي حاتم.
 
قال الله تعالى: { وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ } <ref>[{{مردخ|الأعراف: 134-136]</ref>}}.
 
يخبر تعالى عن كفرهم، وعتوهم، واستمرارهم على الضلال والجهل، والاستكبار عن إتباع آيات الله، وتصديق رسوله، مع ما أيد به من الآيات العظيمة الباهرة، والحجج البليغة القاهرة، التي أراهم الله إياها عيانًا، وجعلها عليهم دليلًا وبرهانًا.
سطر 225:
ثم يعودون إلى جهلهم العريض الطويل هذا، والعظيم الحليم القدير ينظرهم، ولا يعجل عليهم، ويؤخرهم ويتقدم بالوعيد إليهم، ثم أخذهم بعد إقامة الحجة عليهم، والإنذار إليهم أخذ عزيز مقتدر، فجعلهم عبرة ونكالًا وسلفًا لمن أشبههم من الكافرين، ومثلًا لمن اتعظ بهم من عباده المؤمنين، كما قال تبارك وتعالى وهو أصدق القائلين، في سورة حم والكتاب المبين:
 
{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * فَلَمَّا جَاءهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ * وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَقَالُوا يَاأَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ * وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ * فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ * فَلَمَّا أسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ } <ref>[{{مردخ|الزخرف: 46-56]</ref>}}.
 
يذكر تعالى إرساله عبده الكليم الكريم، إلى فرعون الخسيس اللئيم، وأنه تعالى أيد رسوله بآيات بينات واضحات، تستحق أن تقابل بالتعظيم والتصديق، وأن يرتدعوا عما هم فيه من الكفر، ويرجعوا إلى الحق والصراط المستقيم، فإذا هم منها يضحكون، وبها يستهزئون، وعن سبيل الله يصدون، وعن الحق ينصرفون، فأرسل الله عليهم الآيات تترى، يتبع بعضها بعضًا، وكل آية أكبر من التي تتلوها، لأن التوكيد أبلغ مما قبله:
سطر 249:
{ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا } أي: لمن اتبعهم في الصفات { وَمَثَلًا } أي: لمن اتعظ بهم، وخاف من وبيل مصرعهم، ممن بلغه جليه خبرهم، وما كان من أمرهم، كما قال الله تعالى:
 
{ فَلَمَّا جَاءهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ * وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ } <ref>[{{مردخ|القصص: 36-42]</ref>}}.
 
يخبر تعالى أنهم لما استكبروا عن اتباع الحق، وادعى ملكهم الباطل، ووافقوه عليه وأطاعوه فيه، اشتد غضب الرب القدير العزيز الذي لا يغالب، ولا يمانع عليهم، فانتقم منهم أشد الانتقام، وأغرقه هو وجنوده في صبيحة واحدة، فلم يفلت منهم أحد، ولم يبق منهم ديار، بل كل قد غرق فدخل النار، وأتبعوا في هذه الدار لعنة بين العالمين، ويوم القيامة بئس الرفد المرفود، ويوم القيامة هم من المقبوحين.
 
{{هامش محدود}}
 
 
{{البداية والنهاية/الجزء الأول}}
 
[[تصنيف: البداية والنهاية:الجزء الأول|{{صفحة فرعية}}]]
 
[[تصنيف: البداية والنهاية:الجزء الأول|{{صفحة فرعية}}]]