الفرق بين المراجعتين لصفحة: «البداية والنهاية/الجزء الأول/ذكر ما يتعلق بخلق السموات وما فيهن من الآيات»
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
ط قالب مرجع داخلي وحذف هامش |
|||
سطر 9:
{{نثر}}
قد قدمنا أن خلق الأرض قبل خلق السماء، كما قال تعالى: { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
وقال تعالى: { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ* فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }
وقال تعالى: { ءأنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا }
وقال تعالى: { تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ * الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ * وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ }
وقال تعالى: { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا * وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا }
وقال تعالى: { أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا }
وقال تعالى: { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا }
وقال تعالى: { تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا }
وقال تعالى: { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ * لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ }
وقال تعالى: { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ * إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ }
وقال تعالى: { وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُون }
وقال تعالى: { وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }
وقال تعالى: { وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }
وقال تعالى: { فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }
وقال تعالى: { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }
والآيات في هذا كثيرة جدًا، وقد تكلمنا على كل منها في التفسير.
سطر 43:
والمقصود: أنه تعالى يخبر عن خلق السموات وعظمة اتساعها، وارتفاعها، وأنها في غاية الحسن والبهاء، والكمال والسناء.
كما قال تعالى: { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ }
وقال تعالى: { فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ }
ولو نظر حتى يعي ويكل ويضعف لما اطلع على نقص فيها ولا عيب، لأنه تعالى قد أحكم خلقها وزين بالكواكب أفقها، كما قال: { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ }
وقيل: محال الحرس التي يرمي منها بالشهب لمسترق السمع، ولا منافاة بين القولين.
وقال تعالى: { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ }
فذكر أنه زين منظرها بالكواكب الثوابت والسيارات، الشمس والقمر، والنجوم الزاهرات، وأنه صان حوزتها عن حلول الشياطين بها، وهذا زينة معنى فقال: وحفظناها من كل شيطان رجيم.
كما قال: { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ * لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى }
قال البخاري في كتاب بدء الخلق، وقال قتادة: { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ }
خلق هذه النجوم الثلاث، جعلها زينة للسماء، ورجومًا للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول بغير ذلك فقد أخطأ وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به.
وهذا الذي قاله قتادة مصرح به في قوله تعالى: { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ }
وقال تعالى: { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ }
فمن تكلف غير هذه الثلاث، أي من علم أحكام ما تدل عليه حركاتها ومقارناتها في سيرها، وأن ذلك يدل على حوادث أرضية فقد أخطأ.
سطر 105:
قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: « فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى: { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }
هذا لفظه في بدء الخلق، ورواه في التفسير.
سطر 123:
فيقال لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها.
فإذا رآها الناس آمنوا جميعًا، وذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرًا، وفسروا بذلك قوله تعالى { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا }
قيل: لوقتها الذي تؤمر فيه تطلع من مغربها.
سطر 133:
وعن ابن عباس أنه قرأ: والشمس تجري لا مستقر لها، أي: ليست تستقر، فعلى هذا تسجد وهي سائرة.
ولهذا قال تعالى: { لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }.
أي: لا تدرك الشمس القمر، فتطلع في سلطانه ودولته، ولا هو أيضًا، ولا الليل سابق النهار، أي ليس سابقه بمسافة يتأخر ذاك عنه فيها، بل إذا ذهب النهار جاء الليل في أثره متعقبًا له.
كما قال في الآية الأخرى: {..... يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }
وقال تعالى: { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا }
فالزمان المحقق ينقسم إلى ليل ونهار، وليس بينهما غيرهما، ولهذا قال تعالى: { يولج اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى }.
ثم يشرع النهار يطول ويتزايد، والليل يتناقص حتى يعتدلا أيضًا في أول فصل الخريف.
سطر 147:
ثم يشرع الليل يطول، ويقصر النهار إلى آخر فصل الخريف، ثم يترجح النهار قليلًا قليلًا، ويتناقص الليل شيئًا فشيئًا، حتى يعتدلا في أول فصل الربيع كما قدمنا، وهكذا في كل عام.
ولهذا قال تعالى: { وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ }
ولهذا يقول في ثلاث آيات عند ذكر السموات، والنجوم، والليل والنهار { ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }
أي: العزيز الذي قد قهركل شيء، ودان له كل شيء، فلا يمانع ولا يغالب، العليم بكل شيء، فقدر كل شيء تقديرًا على نظام لا يختلف ولا يضطرب.
سطر 163:
قال الله تعالى: « وأنا الدهر » أي: أنا الدهر الذي يعنيه، فإنه فاعل ذلك، الذي أسنده إلى الدهر، والدهر مخلوق، وإنما فعل هذا هو الله، فهو يسب فاعل ذلك، ويعتقده الدهر، والله هو الفاعل لذلك، الخالق لكل شيء، المتصرف في كل شيء، كما قال: « وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب ليله ونهاره ».
وكما قال تعالى: { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }
« إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم ».
وقال تعالى: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ }
أي: فاوت بين الشمس والقمر في نورهما، وفي شكلهما، وفي وقتهما، وفي سيرهما، فجعل هذا ضياء، وهو شعاع الشمس برهان ساطع، وضوء باهر، والقمر نورًا أي أضعف من برهان الشمس، وجعله مستفادًا من ضوئها، وقدره منازل أي:
سطر 181:
فبه تعرف الشهور، وبالشمس تعرف الليالي والأيام، وبذلك تعرف السنين والأعوام، ولهذا قال تعالى: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ }.
وقال تعالى: { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا }
وقال تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ }
وقد بسطنا القول على هذا كله في التفسير، فالكواكب التي في السماء، منها سيارات، وهي المتخيرة في اصطلاح علماء التفسير، وهو علم غالبه صحيح، بخلاف علم الأحكام فإن غالبه باطل، ودعوى ما لا دليل عليه، وهي سبعة:
سطر 203:
وبقية الكواكب يسمونها الثوابت، وهي عندهم في الفلك الثامن، وهو الكرسي في اصطلاح كثير من المتأخرين.
وقال آخرون: بل الكواكب كلها في السماء الدنيا، ولا مانع من كون بعضها فوق بعض، وقد يستدل على هذا بقوله تعالى: { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ }
وبقوله: { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }
فخص سماء الدنيا من بينهن بزينة الكواكب، فإن دل هذا على كونها مرصعة فيها فذاك، وإلا فلا مانع مما قاله الآخرون، والله أعلم.
سطر 219:
وذكره صاحب السر المكتوم في مخاطبة الشمس والقمر والنجوم، وغيره من علماء الحرنانيين (فلاسفة حران) في قديم الزمان، وقد كانوا مشركين يعبدون الكواكب السبع، وهم طائفة من الصابئين.
ولهذا قال الله تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }
وقال تعالى إخبارًا عن الهدهد: أنه قال لسليمان عليه السلام مخبرًا عن بلقيس وجنودها ملكة سبأ في اليمن وما والاها: { إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ }
وقال تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ }
وقال تعالى: { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ * وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }
وقال تعالى: { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ }
وقال تعالى: { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا }
ولما كان أشرف الأجرام المشاهدة في السموات والأرض هي الكواكب، وأشرفهن منظرًا، وأشرفهن معتبرًا: الشمس والقمر، استدل الخليل على بطلان إلهية شيء منهن، وذلك في قوله تعالى: { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ }
{ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ }
فبين بطريق البرهان القطعي أن هذه الأجرام المشاهدات من الكواكب والقمر والشمس، لا يصلح شيء منها للألوهية، لأنها كلها مخلوقة مربوية، مدبرة مسخرة في سيرها، لا تحيد عما خلقت له، ولا تزيغ عنه إلا بتقدير متقن محرر، لا تضطرب ولا تختلف.
وذلك دليل على كونها مربوبة مصنوعة مسخرة مقهورة، ولهذا قال تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }
وثبت في (الصحيحين) في صلاة الكسوف، من حديث ابن عمر، وابن عباس، وعائشة وغيرهم، من الصحابة أن رسول الله {{صل}} قال في خطبته يومئذ:
سطر 259:
« الشمس والقمر ثوران عقيران في النار ».
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، وعمر بن عبد الله الأزدي، حدثنا أبو أسامة، عن مجالد، عن شيخ من بجيلة، عن ابن عباس { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ }
فدلت هذه الآثار على أن الشمس والقمر من مخلوقات الله، خلقها الله لما أراد، ثم يفعل فيها ما يشاء، وله الحجة الدافعة، والحكمة البالغة، فلا يسأل عما يفعل لعلمه وحكمته وقدرته، ومشيئته النافذة، وحكمه الذي لا يرد ولا يمانع ولا يغالب.
سطر 301:
فرب العباد ألق سيبا ورحمة * علي وبارك في بني وماليا
فإذا علم هذا، فالكواكب التي في السماء من الثوابت والسيارات الجميع مخلوقة، خلقها الله تعالى كما قال تعالى: { وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }
وأما ما يذكره كثير من المفسرين في قصة هاروت وماروت، من أن الزهرة كانت امرأة، فراوداها على نفسها، فأبت إلا أن يعلماها الاسم الأعظم، فعلماها فقالته، فرفعت كوكبًا إلى السماء، فهذا أظنه من وضع الإسرائيليين، وإن كان قد أخرجه كعب الأحبار، وتلقاه عنه طائفة من السلف، فذكروه على سبيل الحكاية، والتحديث عن بني إسرائيل.
سطر 334:
ومثل هذا الإسناد لا يثبت به شيء بالكلية، وإذا أحسنا الظن قلنا: هذا من أخبار بني إسرائيل كما تقدم من رواية ابن عمر عن كعب الأحبار، ويكون من خرافاتهم التي لا يعول عليها، والله أعلم.
{{هامش محدود}}
{{البداية والنهاية/الجزء الأول}}
▲[[تصنيف: البداية والنهاية:الجزء الأول|{{صفحة فرعية}}]]
|