7٬095
تعديل
ط (قالب مرجع داخلي وحذف هامش) |
|||
}}
{{نثر}}
حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا أصبغ بن زيد، حدثنا القاسم بن أبي أيوب، أخبرني سعيد بن جبير قال: سألت عبد الله بن عباس عن قول الله تعالى لموسى: { وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا } فسألته عن الفتون ما هو؟
فبينما موسى عليه السلام يمشي في ناحية المدينة، إذا هو برجلين يقتتلان، أحدهما فرعوني، والآخر إسرائيلي، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني، فغضب موسى غضبًا شديدًا لأنه تناوله، وهو يعلم منزلته من بني إسرائيل، وحفظه لهم لا يعلم الناس إلا أنه من الرضاعة إلا أم موسى، إلا أن يكون الله أطلع موسى من ذلك على ما لم يطلع عليه غيره.
فوكز موسى الفرعوني فقتله، وليس يراهما أحد إلا الله عز وجل والإسرائيلي، فقال موسى حين قتل الرجل: { هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ }
ثم قال: { قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ * فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ... }
فبينما هم يطوفون لا يجدون بينة، إذا موسى من الغد قد رأى ذلك الإسرائيلي يقاتل رجلًا من آل فرعون آخر، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني فصادف موسى قد ندم على ما كان منه، وكره الذي رأى، فغضب الإسرائيلي وهو يريد أن يبطش بالفرعوني، فقال للإسرائيلي: لما فعل بالأمس واليوم: { إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ }.
فلما علم أني امرأة صوب رأسه فلم يرفعه، حتى بلغته رسالتك، ثم قال لي: امشي خلفي وانعتي لي الطريق فلم يفعل هذا إلا وهو أمين، فسرى عن أبيها وصدقها، وظن به الذي قالت.
فقال له: هل لك { أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ }
قال سعيد هو - ابن جبير -: فلقيني رجل من أهل النصرانية من علمائهم قال: هل تدري أي الأجلين قضى موسى؟ قلت: لا، وأنا يومئذ لا أدري، فلقيت ابن عباس فذكرت ذلك له، فقال: أما علمت أن ثمانية كانت على نبي الله واجبة، لم يكن نبي الله لينقص منها شيئًا؟ وتعلم أن الله كان قاضيًا عن موسى عدته التي وعده، فإنه قضى عشر سنين.
فلما سار موسى بأهله كان من أمر النار والعصي ويده ما قص الله عليك في القرآن، فشكا إلى الله تعالى ما يتخوف من آل فرعون في القتيل وعقدة لسانه، فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير من الكلام، وسأل ربه أن يعينه بأخيه هارون، يكون له ردءًا، ويتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به لسانه، فأتاه الله عز وجل سؤله، وحل عقدة من لسانه.
وأوحى الله إلى هارون فأمره أن يلقاه، فاندفع موسى بعصاه حتى لقي هارون، فانطلقا جميعًا إلى فرعون، فأقاما على بابه حينًا لا يؤذن لهما، ثم أذن لهما بعد حجاب شديد، فقالا: { إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ }
فقال: فمن ربكما؟
قال: أريد أن تؤمن بالله وترسل معي بني إسرائيل، فأبى عليه وقال: { فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } فألقى عصاه فإذا هي حية تسعى عظيمة، فاغرة فاها، مسرعة إلى فرعون.
فلما رآها فرعون قاصدة إليه، خافها، فاقتحم عن سريره، واستغاث بموسى، أن يكفها عنه ففعل، ثم أخرج يده من جيبه فرآها بيضاء من غير سوء، يعني: من غير برص، ثم ردها فعادت إلى لونها الأول، فاستشار الملأ حوله فيما رأى، فقالوا له: { هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى }
وأبوا على موسى أن يعطوه شيئًا مما طلب، وقالوا له: اجمع السحرة فإنهم بأرضك كثير، حتى تغلب بسحرك سحرهما، فأرسل إلى المدائن، فحشر له كل ساحر متعالم، فلما أتوا فرعون قالوا: بم يعمل هذا الساحر؟
فتواعدوا { يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى } قال سعيد: فحدثني ابن عباس أن يوم الزينة اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون والسحرة، هو يوم عاشوراء، فلما اجتمعوا في صعيد قال الناس بعضهم لبعض: انطلقوا فلنحضر هذا الأمر، لعلنا نتبع السحرة، إن كانوا هم الغالبين يعنون: موسى وهارون، استهزاءً بهما.
فقالوا: يا موسى بعد تريثهم بسحرهم { إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ }
قال: بل ألقوا { فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ } فرأى موسى من سحرهم ما أوجس في نفسه خيفة، فأوحى الله إليه { أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ } فلما ألقاها صارت ثعبانًا عظيمة فاغرة فاها، فجعلت العصي تلتبس بالحبال حتى صارت جرزًا على الثعبان أن تدخل فيه، حتى ما أبقت عصًا ولا حبلًا إلا ابتلعته.
فلما أن جاوز موسى وأصحابه كلهم البحر، ودخل فرعون وأصحابه التقى عليهم البحر كما أمر، فلما جاوز موسى البحر قال أصحابه: إنا نخاف أن لا يكون فرعون غرق، ولا نؤمن بهلاكه، فدعا ربه فأخرجه له ببدنه حتى استيقنوا بهلاكه.
ثم مروا بعد ذلك على قوم يعكفون على أصنام لهم { قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
فلما أتى ربه عز وجل، وأراد أن يكلمه في ثلاثين يومًا، وقد صامهن ليلهن ونهارهن، وكره أن يكلم ربه وريح فيه ريح فم الصائم، فتناول موسى شيئًا من نبات الأرض فمضغه، فقال له ربه حين أتاه: لمَ أفطرت؟ - وهو أعلم بالذي كان -.
وقالت فرقة: هذا من عمل الشيطان، وليس بربنا، ولا نؤمن به ولا نصدق.
واشرب فرقة في قلوبهم الصدق بما قال السامري في العجل، وأعلنوا التكذيب به. فقال لهم هارون عليه السلام: { يَاقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ }
قالوا: فما بال موسى وعدنا ثلاثين يومًا ثم أخلفنا، هذه أربعون يومًا قد مضت، قال سفهاؤهم: أخطأ ربه فهو يطلبه ويبتغيه، فلما كلم الله موسى وقال له ما قال، أخبره بما لقي قومه من بعده { فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا }
قال: قبضت قبضة من أثر الرسول، وفطنت لها، وعميت عليكم، فقذفتها { وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي * قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا }
فاستيقن بنو إسرائيل بالفتنة، واغتبط الذين كان رأيهم فيه مثل رأي هارون، فقالوا لجماعتهم: يا موسى سل لنا ربك أن يفتح لنا باب توبة نصنعها، فتكفر عنا ما عملنا، فاختار موسى من قومه سبعين رجلًا لذلك، لا يألوا الخير خيار بني إسرائيل، ومن لم يشرك في الحق، فانطلق بهم يسأل لهم التوبة، فرجفت بهم الأرض.
فاستحيا نبي الله عليه السلام من قومه، ومن وفده حين فعل بهم ما فعل فقال: { رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا }
فقال: يا رب سألتك التوبة لقومي فقلت: إن رحمتي كتبتها لقوم غير قومي، فليتك أخرتني حتى تخرجني في أمة ذلك الرجل المرحوم، فقال له: إن توبتهم أن يقتل كل رجل منهم من لقي من والد وولد، فيقتله بالسيف، ولا يبالي من قتل في ذلك الموطن، وتاب أولئك الذين كان خفي على موسى وهارون أمرهم، وأطلع الله من ذنوبهم فاعترفوا بها، وفعلوا ما أمروا، وغفر الله للقاتل والمقتول.
ثم مضوا حتى أتوا الأرض المقدسة، فوجدوا مدينة فيها قوم جبارون، خلقهم خلق منكر، وذكر من ثمارهم أمرًا عجبًا من عظمها فقالوا: { يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ } لا طاقة لنا بهم، ولا ندخلها ما داموا فيها { فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ }.
{ قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ }
قيل ليزيد: هكذا قراه؟
هكذا ساق هذا الحديث الإمام النسائي، وأخرجه ابن جرير، وابن أبي حاتم، في (تفسيرهما) من حديث يزيد بن هارون، والأشبه والله أعلم أنه موقوف، وكونه مرفوعًا فيه نظر، وغالبه متلقى من الإسرائيليات وفيه شيء يسير مصرح برفعه في أثناء الكلام، وفي بعض ما فيه نظر ونكارة، والأغلب أنه من كلام كعب الأحبار. وقد سمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول ذلك أيضًا، والله أعلم.
{{هامش محدود}}
{{البداية والنهاية/الجزء الأول}}
▲[[تصنيف: البداية والنهاية:الجزء الأول|{{صفحة فرعية}}]]
|