Wikipedia logo اقرأ عن نهج البلاغة في ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
كتاب
نهج البلاغة
  ► ◄  


بسم الله الرحمن الرحيم

تحقيقات

  1. نهج البلاغة تحقيق فارس الحسون

فهرس

الخطبة المعروفة بالشِّقْشِقِيَّة

ومن خطبة له (عليه السلام) المعروفة بالشِّقْشِقِيَّة [وتشتمل على الشكوى من أمر الخلافة ثم ترجيح صبره عنها ثم مبايعة الناس له] أَمَا وَالله لَقَدْ تَقَمَّصَها[1] فُلانٌ، وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّيَ مِنهَا مَحَلُّ القُطْبِ مِنَ الرَّحَا، يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ، وَلا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ، فَسَدَلْتُ[2] دُونَهَا ثَوْباً، وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً[3]، وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَد جَذَّاءَ[4]، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَة[5] عَمْيَاءَ، يَهْرَمُ فيهَا الكَبيرُ، وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ، وَيَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ. [ترجيح الصبر] فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى[6]، فَصَبَرتُ وَفي الْعَيْنِ قَذىً، وَفي الحَلْقِ شَجاً[7]، أرى تُرَاثي[8] نَهْباً، حَتَّى مَضَى الاَْوَّلُ لِسَبِيلِهِ، فَأَدْلَى بِهَا[9]إِلَى فلان بَعْدَهُ. ثم تمثل بقول الاعشى: شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا[10] * وَيَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِرِ فَيَا عَجَباً!! بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُها[11] في حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لاخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ ـ لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا[12] ! ـ فَصَيَّرَهَا في حَوْزَة خَشْنَاءَ، يَغْلُظُ كَلْمُهَا[13]، وَيَخْشُنُ مَسُّهَا، وَيَكْثُرُ العِثَارُ[14] [فِيهَا] وَالاْعْتَذَارُ مِنْهَا، فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ[15]، إِنْ أَشْنَقَ[16] لَهَا خَرَمَ[17]، وَإِنْ أَسْلَسَ[18] لَهَا تَقَحَّمَ[19]، فَمُنِيَ النَّاسُ[20] ـ لَعَمْرُ اللهِ ـ بِخَبْط[21] وَشِمَاس[22]، وَتَلَوُّن وَاعْتِرَاض[23]. فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ، وَشِدَّةِ الِْمحْنَةِ، حَتَّى إِذا مَضَى لِسَبِيلِهِ جَعَلَهَا في جَمَاعَة زَعَمَ أَنَّي أَحَدُهُمْ. فَيَاللهِ وَلِلشُّورَى[24]! مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الاَْوَّلِ مِنْهُمْ، حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هذِهِ النَّظَائِرِ[25]! لكِنِّي أَسفَفْتُ[26] إِذْ أَسَفُّوا، وَطِرْتُ إِذْ طَارُوا، فَصَغَا[27] رَجُلُ مِنْهُمْ لِضِغْنِه[28]، وَمَالَ الاْخَرُ لِصِهْرهِ، مَعَ هَن وَهَن[29]. إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ القَوْمِ، نَافِجَاً حِضْنَيْهِ[30] بَيْنَ نَثِيلهِ[31] وَمُعْتَلَفِهِ[32]، وَقَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ[33] مَالَ اللهِ خَضْمَ الاِْبِل نِبْتَةَ[34] الرَّبِيعِ، إِلَى أَنِ انْتَكَثَ عَلَيْهِ فَتْلُهُ[35]، وَأَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ[36]، وَكَبَتْ[37] بِهِ بِطْنَتُهُ[38]. [مبايعة علي(عليه السلام)] فَمَا رَاعَنِي إلاَّ وَالنَّاسُ إليَّ كَعُرْفِ الضَّبُعِ[39]، يَنْثَالُونَ[40] عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِب، حَتَّى لَقَدْ وُطِىءَ الحَسَنَانِ، وَشُقَّ عِطْفَايَ[41]، مُجْتَمِعِينَ حَوْلي كَرَبِيضَةِ الغَنَمِ[42]. فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالاَْمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ[43]، وَمَرَقَتْ أُخْرَى[44]، وَفَسَقَ [وقسط ]آخَرُونَ[45] كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: (تِلْكَ الدَّارُ الاخِرَةُ نَجْعَلُهَاِللَّذِينَ لاَ يُريدُونَ عُلُوّاً في الاَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، بَلَى! وَاللهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا، وَلكِنَّهُمْ حَلِيَتَ الدُّنْيَا[46] في أَعْيُنِهمْ، وَرَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا[47]! أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ[48]، لَوْلاَ حُضُورُ الْحَاضِرِ[49]، وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ[50]، وَمَا أَخَذَ اللهُ عَلَى العُلَمَاءِ أَلاَّ يُقَارُّوا[51] عَلَى كِظَّةِ[52] ظَالِم، وَلا سَغَبِ[53] مَظْلُوم، لاََلقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا[54]، وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِها، وَلاََلفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْز[55]! قالوا: وقام إِليه رجل من أهل السواد[56] عند بلوغه إلى هذا الموضع من خطبته، فناوله كتاباً، فأقبل ينظر فيه، فلمّا فرغ من قراءته قال له ابن عباس: يا أميرالمؤمنين، لو اطَّرَدت مَقالتكَ[57] من حيث أَفضيتَ[58]! فَقَالَ(عليه السلام): هَيْهَاتَ يَابْنَ عَبَّاس! تِلْكَ شِقْشِقَةٌ[59] هَدَرَتْ[60] ثُمَّ قَرَّتْ[61]! قال ابن عباس: فوالله ما أَسفت على كلام قطّ كأَسفي على ذلك الكلام أَلاَّ يكون أميرالمؤمنين(عليه السلام)بلغ منه حيث أراد. قوله (عليه السلام) في هذه الخطبة: «كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحم» يريد: أنه إذا شدد عليها في جذب الزمام وهي تنازعه رأسها خرم أنفها، وإن أرخى لها شيئاً مع صعوبتها تقحمت به فلم يملكها، يقال: أشنق الناقة: إذا جذب رأسها بالزمام فرفعه، وشنقها أيضاً، ذكر ذلك ابن السكيت في «إصلاح المنطق». وإنما قال(عليه السلام): «أشنق لها» ولم يقل: «أشنقها»، لانه جعله في مقابلة قوله: «أسلس لها»، فكأنه(عليه السلام)قال: إن رفع لها رأسها بالزمام يعني أمسكه عليها. وفي الحديث: أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) خطب الناس وهو عل ناقة قد شنق لها وهي تقصع بجرّتها. ومن الشاهد على أنّ أشنق بمعنى شنق قول عدي بن زيد العبادي: ساءها ما بنا تبيّن في الايدي * وأشناقها إلى الاعناقِ


[1] تَقَمّصَها: لبسها كالقميص. [2] سَدَلَ الثوبَ: أرخاه. [3] طَوَى عنها كشحاً: مالَ عنها. [4] الجَذّاءُ ـ بالجيم والذال المعجمة ـ: المقطوعة. [5] طَخْيَة ـ بطاء فخاء بعدها ياء، ويثلّثُ أوّلها ـ: ظلمة. [6] أحجى: ألزم، من حَجِيَ بهِ كرَضيَ: أُولِعَ به ولَزِمَهُ. [7] الشّجَا: ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه. [8] التراث: الميراث. [9] أدْلَى بها: ألقى بها. [10] الكُور ـ بالضم ـ: الرّحْل أوهو مع أداته. [11] يَسْتَقِيلها: يطلب إعفاءه منها. [12] تشطرا ضرعيها: اقتسماه فأخذ كلّ منهما شطراً، والضرع للناقة كالثدي للمرأة. [13] كَلْمُها: جرحها، كأنه يقول: خشونتها تجرح جرحاً غليظاً. [14] العِثار: السقوط والكَبْوَةُ. [15] الصّعْبة من الابل: ما ليستْ بِذَلُول. [16] أشْنَقَ البعير وشنقه: كفه بزمامه حتى ألصق ذِفْرَاه (العظم الناتىء خلف الاذن) بقادمة الرحل. [17] خرم: قطع. [18] أسْلَسَ: أرخى. [19] تَقَحّمَ: رمى بنفسه في القحمة أي الهلكة. [20] مُنيَ الناسُ: ابتُلُوا وأُصيبوا. [21] خَبْط: سير على غير هدى. [22] الشِّماس ـ بالكسر ـ: إباء ظَهْرِ الفرسِ عن الركوب. [23] الاعتراض: السير على غير خط مستقيم، كأنه يسير عَرْضاً في حال سيره طولاً. [24] أصل الشّورى: الاستشارة، وفي ذكرها هنا إشارة إلى الستة الذين عيّنَهم عمر ليختاروا أحدهم للخلافة. [25] النّظَائر: جمع نَظِير أي المُشابِه بعضهم بعضاً دونه. [26] أسَفّ الطائر: دنا من الارض. [27] صَغَى صَغْياً وَصَغَا صَغْواً: مالَ. [28] الضِّغْنُ: الضّغِينَة والحقد. [29] مع هَن وَهَن: أي أغراض أخرى أكره ذكرها. [30] نافجاً حضْنَيْه: رافعاً لهما، والحِضْن: ما بين الابط والكَشْح، يقال للمتكبر: جاء نافجاً حِضْنَيْه. [31] النّثِيلُ: الرّوْثُ وقذَر الدوابّ. [32] الـمُعْتَلَفُ: موضع العلف. [33] الخَضم: أكل الشيء الرّطْب. [34] النِّبْتَة ـ بكسر النون ـ: كالنبات في معناه. [35] انْتَكَثَ عليه فَتْلُهُ: انتقض. [36] أجهزَ عليه عملُه: تَمّمَ قتله. [37] كَبَتْ به: من كبابِه الجوادُ: إذا سقط لوجهه. [38] البِطْنَةُ ـ بالكسر ـ: البَطَرُ والاشَرُ والتّخْمة. [39] عُرْفُ الضّبُع: ماكثر على عنقها من الشعر، وهو ثخين يُضرب به المثل في الكثرة والازدحام. [40] يَنْثَالون: يتتابعون مزدحمين. [41] شُقّ عطفاه: خُدِشَ جانباه من الاصطكاك. [42] رَبيضَةُ الغنم: الطائفة الرابضة من الغنم. [43] نَكَثَتْ طَائفة: نَقَضَتْ عهدَها، وأراد بتلك الطائفة الناكثة أصحابَ الجمل وطلحةَ والزبيرَ خاصة. [44] مَرَقَتْ: خَرَجَتْ، وفي المعنى الديني: فَسَقَتْ، وأراد بتلك الطائفة المارقة الخوارج أصحاب النّهْرَوَان. [45] قَسَطَ آخرون: جاروا، وأراد بالجائرين أصحاب صفين. [46] حَلِيَتِ الدنيا: من حَليتِ المرأهُ إذا تزيّنَت بِحُلِيّها. [47] الزِبْرِجُ: الزينة من وَشْي أوجوهر. [48] النَسَمَة ـ محركة ـ: الروح وهي في البشر أرجح، وبَرَأها: خلقها. [49] أراد «بالحاضر» هنا: من حضر لِبَيْعَتِهِ. [50] أراد «بالناصر» هنا: الجيش الذي يستعين به على إلزام الخارجين بالدخول في البيعة الصحيحة. [51] ألاّ يُقَارّوا: ألاّ يوافقوا مُقرّين. [52] الكِظّةُ: ما يعتري الاكل من الثّقَلِ والكَرْب عند امتلاء البطن بالطعام، والمراد استئثار الظالم بالحقوق. [53] السَغَب: شدة الجوع، والمراد منه هضم حقوقه. [54] الغارب: الكاهلُ، والكلام تمثيلٌ للترك وإرسال الامر. [55] عَفْطَة العَنْز: ما تنثره من أنفها. وأكثر ما يستعمل ذلك في النعجة وإن كان الاشهر في الاستعمال «النّفْطَة» بالنون. [56] السّوَاد: العراق، وسُمّيَ سواداً لخضرته بالزرع والاشجار، والعرب تسمي الاخضر أسود. [57] اطّرَدَتْ مقالتك: أُتْبِعَتْ بمقالة أُخرى، من اطّراد النهر إذا تتابع جَرْيُهُ. [58] أفْضَيْتَ: أصل أفضى: خرج إلى الفضاء، والمراد هنا سكوت الامام عماكان يريد قوله. [59] الشّقْشِقَةُ ـ بكسر فسكون فكسر ـ: شيء كالرّئَهِ يخرجه البعير من فيه إذا هاج. [60] هَدَرَتْ: أَطْلَقَتْ صوتاً كصوت البعير عند إخراج الشِقْشِقَةِ من فيه، ونسبة الهدير إليها نسبة إلى الالة. [61] قَرّتْ: سكنت وَهَدَأتْ.

  اقرأ عن نهج البلاغة في ويكيبيديا، الموسوعة الحرة