خذوا من جفونى ماءها فهى ذرف

خذوا من جفونى ماءها فهى ذرّفُ

​خذوا من جفونى ماءها فهى ذرّفُ​ المؤلف الشريف المرتضى


خذوا من جفونى ماءها فهى ذرّفُ
فما لكُمُ إلاّ الجَوَى والتَّلَهُّفُ
وإنْ أنتما استوقفتما عن مسيلها
غروبَ مآقينا فما هنّ وقّفُ
كأنَّ عيوناً كُنَّ زَوْراً عنِ البكا
غصونٌ مَطيراتٌ الذُّرا فهْيَ وُكَّفُ
دعا العذلَ والتّعنيفَ فى الحزنوالأسى
فما هجر الحزانَ إلاّ المعنّفُ
تقولون لي: صبراً جميلاً، وليس لي
على الصَّبرِ إلاّ حسرةٌ وتَلَهُّفُ
وكيفَ أُطيقُ الصَّبرَ والحزنُ كلّما
عنفتُ به يقوى علىَّ وأضعفُ
ذكرتُ بيومِ الطّفِّ أوتاد أرضهِ
تهُبُّ بهمْ للموت نكباءُ حَرْجَفُ
كرامٌ سقوا ماءَ الخديعةِ وارتووا
وسِيقوا إلى الموتِ الزُّؤام فأَوْجَفوا
فكم مرهفٍ فيهمْ ألمَّ بحدّه
هنالك مسنونُ الغِرارين مُرْهَفُ
ومُعتدلٍ مثلِ القناةِ مُثقَّفٍ
لواه إلى الموتِ الطويلُ المثقّفُ
قَضَوْا بعدَ أن قضُّوا مُنىً من عدوِّهمْ
ولم ينكلوا يومَ الطِّعانِ ويَضْعُفوا
وراحوا كما شاءتْ لهمْ أريحيّةٌ
ودوحةُ عزٍّ فرعها متعطّفُ
فإنْ ترهمْ فى القاع نثراً فشملهمْ
بجنّاتِ عدنٍ جامعٌ متألّفُ
إذا ما ثنوا تلك الوسائد ميّلاً
أديرتْ عليهمْ فى الزّجاجةِ قرقفُ
وأحواضهم مورودةٌ فعدّوهم
يُحَلاَّ وأصحابُ الولايةِ تَرْشُفُ
فلو أنّنى شاهدتهمْ أو شهدتهمْ
هناك وأنيابُ المنيّةِ تصرفُ
لدافعتُ عنهمْ واهباً دونَهمْ دمي
ومن وهب النّفسَ الكريمةَ منصفُ
ولم يكُ يخلو من ضرابى وطعنتى
حُسامٌ ثليمٌ أو سِنانٌ مُقَصَّفُ
فيا حاسِديهمْ فضلَهمْ وهْو باهرٌ
وكم حسدَ الأقوامَ فضلاً وأسرفوا!
دعوا حلباتِ السّبقِ تمرح خيلها
وتَغْدوا على مضمارها تَتَغَطْرَفُ
ولا تزحفوا زَحْفَ الكسير إلى العُلا
فلن تلحقوا وللصِّلالِ التَّزَحُّفُ
وخلّوا التكاليفَ التي لا تُفيدُكمْ
فما يستوي طَبعٌ نَبا وتَكلُّفُ
فقد دام إلطاطٌ بهمْ فى حقوقهمْ
وأعْوَزَ إنصافٌ وطالَ تحيُّفُ
تناسيتُمُ ما قالَ فيهمْ نبيُّكُمْ
كأنَّ مقالاً قالَ فيهمْ مُحَرَّفُ
فكم لرسول اللهِ فى الطّفِّ من دمٍ
يراق ومن نفسٍ تماتُ وتتلفُ
ومن ولدٍ كالعينِ منه كرامةً
يُقادُ بأيدي النّاكثينَ ويُعْسَفُ
عزيزٌ عليه أنْ تُباعَ نساؤُهُ
كما بيع قطعٌ فى عكاظَ وقرطفُ
يذدنَ عن الماءِ الرّواءِ وترتوى
من الماءِ أجمالٌ لهمْ لا تكفكفُ
فيا لعيونٍ جائراتٍ عنِ الهدى
ويالقلوبٍ ضغنها متضعّفُ
لكمْ أم لهمْ بيتٌ بناهُ على التُّقى
وبيتٌ له ذاك السّتارُ المُسَجَّفُ
به كلَّ يومٍ من قرشٍ وغيرها
جهيرٌ مُلَبٍّ أو سَريعٌ مُطوِّفُ
إذا زارَهُ يوماً دَلوحٌ بذنبِهِ
مضَى وهو عُريانُ الفِرا متكشِّفُ
وزَمْزَمُ والرَّكبُ الذي يمسحونَهُ
وأيمانهمْ من رحمة الله تنطفُ
ووادي مِنىً تُهدَى إليهِ نحائرٌ
تكبُّ على الأذقانِ قسراً فتحتفُ
وجمعٌ وما جمعٌ لمن ساف تربهُ
ومن قبلهِ يومُ الوقوفِ المعرّفُ
وأنتمْ نصرتمْ أم همُ يومَ خبيرٍ
نبيّكمُ حيث الأسنّةُ ترعفُ؟
فررْتُمْ وما فرُّوا وحِدْتُمْ عنِ الرَّدى
وما عنهُ منهم حائدٌ مُتَحَرِّفُ
فحصنٌ مَشيدٌ بالسُّيوفِ مهدَّمٌ
وبابٌ منيعٌ بالأنامل يقذفُ
توقَّفتُمُ خوفَ الرَّدى عن مواقفٍ
وما فيهمُ من خيفةٍ يتوقّفُ
لهم دونكمْ فى يوم بدرٍ وبعدها
بيوم حُنَيْنٍ كلّما لا يُزَحْلَفُ
فقل لبنى حربِ وإنْ كان بيننا
من النَّسَبِ الدّاني مَرائِرُ تُحْصَفُ
أفى الحقّ أنّا مخرجوكم إلى الهدى
وأنتمْ بلا نَهجٍ إِلى الحقِّ يُعْرَفُ
وأنّا شَبَبْنا في عِراصِ ديارِكُمْ
ضياءً وليلُ الكفر فيهنَّ مُسْدَفُ
وأنّا رفعناكمْ فأشرفَ منكُمُ
بنا فوقَ هاماتِ الأعزَّةِ مُشرِفُ
وها أنتمُ ترموننا بجنادلٍ
لها سحبٌ ظلماؤها لا تكشّفُ
لنا منكُمُ في كلِّ يومٍ وليلةٍ
قتيلٌ صريعٌ أو شريدٌ مخوَّفُ
فخرتُمْ بما مُلِّكتُمُوه وإِنَّكمْ
سمانٌ من الأموال إذْ نحن شسّفُ
وما الفخر - يا منْ يجهل الفخر للفتى -
قميصٌ مُوَشَّى أو رداءٌ مُفَوَّفُ
وما فخرنا إلاّ الذى هبطتْ به الـ
ـملائكُ أو ما قد حَوى منه مُصْحَفُ
يقرُّ به من لا يطيق دفاعه
ويعرفُه في القوم مَن لا يَتَعرَّفُ
ولمّا ركبنا ما رَكبنا منَ الذُّرا
وليس لكمْ فى موضع الرّدفِ مردفُ
تيقّنتمُ أنّ بما قد حويتمُ
أحقُّ وأولى فى الأنامِ وأعرفُ
ولكنّ أمراً حاد عنه محصّلٌ
وأهوى إليه خابطٌ متعسّفُ
وكم من عتيقٍ قد نبا بيمينهِ
حُسامٌ وكم قطَّ الضَّريبةَ مُقرَفُ
فلا تركبوا أعوادَنا؛ فركوبُهَا
لمن يركبُ اليومَ العبوسَ فيوجفُ
ولا تسكنوا أوطاننا فعراصنا
تميلُ بكمْ شَوقاً إلينا وترجِفُ
ولا تكشفوا ما بيننا من حقائدٍ
طواها الرجال الحازمون ولفقواو
وكونوا لنا إمّا عدوّاً مجاملاً
وإمّا صديقاً دهره يتلطّفُ
فللخيرِ إنْ آثرتمُ الخيرَ موضعٌ
وللشّرِّ إنْ أحببتمُ الشّرَّ موقفُ
عكفنا على ما تعلمون من التّقى
وأنتمْ على ما يعلمْ اللّهُ عُكَّفُ
لكمْ كلُّ موقوذٍ بِكظَّةِ بَطنِهِ
وليس لنا إلاّ الهضيمُ المخفَّفُ
إلى كمْ أداري مَن أُداري منَ العِدا
وأهدُن قوماً بالجميل وألطُفُ
تلاعبُ بى أيدى الرّجالِ وليس لى
منَ الجورِ مُنجٍ لا ولا الظّلمِ مُنصفُ
وحشْوُ ضلوعي كلُّ نَجلاءَ ثَرَّةٍ
متى ألّفوها أقسمتْ لا تألّفُ
فظاهرها بادى السّريرةِ فاغرٌ
وباطنها خاوى الدّخيلةِ أجوفُ
إذا قلتُ يوماً: قد تلاءمَ جُرحُها
تحكّكُ بالأيدى علىَّ وتقرفُ
فكم ذا ألاقى منهمُ كلَّ رابحٍ
وما أنا إلاّ أعزلُ الكفِّ أكشفُ
وكم أنا فيهمْ خاضعٌ ذو استكانةٍ
كأنِّيَ مابين الأصحَّاءِ مُدْنَفُ
أقادُ كأنّى بالزّمامِ مجلّبٌ
بطيءُ الخُطا عاري الأضالعِ أعجفُ
وأَرسُفُ في قيدٍ منَ الحزمِ عُنوةً
ومَن ذِيدَ عن بسطِ الخُطا فهو يَرسُفُ
ويلصقُ بى من ليس يدرى كلالةً
وأُحْسَبُ مضعوفاً وغيري المضعَّفُ
وعُدنا بما مِنّا عيونٌ كثيرةٌ
شُخوصٌ إلى إدراكه ليس تَطرِفُ
وقيل لنا: حان المَدى فتوكَّفوا
فيا حُججاً للَّهِ طال التَّوَكُّفُ
فَحاشا لنا من رِيبةٍ بمقالكمْ
وحاشا لكمْ من أن تقولوا فتخلفوا
ولم أخشَ إلاّ من معالجةِ الرّدى
فأُصرَفُ عن ذاك الزَّمان وأُصدَفُ