خشعت لفيض جلالك الأبصار

خَشَعَت لفَيْضِ جَلالِكَ الأَبْصارُ

​خَشَعَت لفَيْضِ جَلالِكَ الأَبْصارُ​ المؤلف علي الجارم


خَشَعَت لفَيْضِ جَلالِكَ الأَبْصارُ
وَذَكَتْ بِمِسْك خِلاَلِكَ الأَشْعَارُ
وتَوسَّمتْ مِصرُ العُلاَ في طَلْعةٍ
قد حَفّها الإِجْلالُ والإِكْبار
مَلِكٌ تَغَار النَّيِّراتُ إِذا بَدَا
أَسَمعْتَ أَنَّ النَّيِّرات تَغَار
وَدَّتْ لَوِ اشْتَملتْ بَفضْل رِدَائه
هَيْهاتَ ثَوْبُ المَجْدِ لَيْس يُعَار
شَتّانَ بَيْن النيِّراتِ ومَنْ بِهِ
سُبُلُ البُطُولَةِ والْحَيَاةِ تُنَار
تهْدَى العُيُونُ بضَوْئهنّ وضَوْءُه
تُهْدَى البَصائِرُ فِيه والأَبْصَارُ
ولها مَدارٌ من قضَاءٍ مُبْهَمٍ
ولَكَ العُلاَ والمَكْرُمَاتُ مَدَار
غُضِّي جُفونَكِ يا نُجومُ فدوُنَه
تَتَضاءَلُ الآمَالُ والأَقْدار
أنتُنّ أقْربُ مُشْبِهٍ لِهِبَاته
فكِلاكُما مِنْ راحَتَيْه نِثَار
مِن حُسْنِه اخْتَلَس الأصيلُ جَمَالَه
وبِبِشْرِهِ تَتَبسَّمُ الأَسْحَار
تبدُو سَجايَا النُّبْلِ وَهْي قَلائِلٌ
فإِذا حَلَلْن ذَرَاه فَهْي كِثَار
أَبْصَرنَ فِيه نَصِيرَ كُلِّ كَريمةٍ
إِنْ قَلَّت الأَعْوانُ والأَنْصار
للّه يومُكَ والضِّياءُ يَعُمُّه
فَعَشِيُّهُ سِيَّانِ والإِبْكار
نَسِيت به الآمالُ جَفْوةَ دَلِّها
ومِنَ الدَّلالِ تَحجُّبُ ونِفَارُ
يَوْمٌ تَمنّاه الزَّمانُ وطَالمَا
مَدَّتْ إِليه رُءُوسَها الأَعْصَار
سَفَرتْ به البُشْرَى فَطاحَ قِنَاعُها
عَمْداً وطَار مع الهَواءِ خِمار
والنَّفْسُ أَغْرَى بالْجَمالِ مُحجَّباً
إِنْ زُحْزِحَتْ مِنْ دُونِه الأسْتار
ماصُبْحُ يومٍ والسَّماءُ مَريضةٌ
كصَبَاحِ يَوْمٍ والنَّهارُ نَهار
يوْمٌ غَدَا بين الدُّهورِ مُمَلَّكاً
يُوما إِليه مَهَابةً ويُشَار
الأَمْسُ يَجْزَع أنْ تَقَدَّمَ خُطْوَةً
وغَدٌ أَطَارَ صَوابَه اسْتِئْخار
يوْمُ جَثَا التاريخ فيه مُدوِّناً
للّه ما قَدْ ضَمَّتْ الأَسْفارُ
وتَصفَّح الأَخْبَارَ يَبْغِي مِثْلَه
هَيْهاتَ تَحْوِي مِثْلَه الأَخْبَار
يوْمٌ كأَنَّ ضِيَاءَه مِنْ أَعْيُنٍ
مِنْ طُولِ ما اتّجَهتْ له الأَنْظارُ
يَكْفِيه أن يُنْمَى لأَكْرمِ سُدَّةٍ
سَعِدَتْ بها الأَيَّامُ والأَمْصَارُ
بَيْتٌ له عَنَتِ الوُجُوه خَواشِعاً
كالبَيْت يُمْسَح رُكْنُه ويُزَار
ضُمَّتْ به فِلَذُ القُلُوبِ فكَّونتْ
بَيْتاً فلا صَخْرٌ ولا أَحْجَار
الدينُ والْخُلُقُ المَتِينُ أَساسُه
وحِيَاطَةُ المَوْلَى له أَسوَار
رَحُبتْ به السَّاحَاتُ فَهْوَ مَثابةٌ
وعَلاَ عُلُوَّ الْحَقِّ فهْوَ مَنَار
غِيلٌ تَهَابُ الأُسْدُ بَطْشَ لُيوثِه
وتَخُونُها الأَنيَابُ والأظْفَارُ
مِنْ كُلِّ خَطَّارٍ إِلَى غَايَاتهِ
يُزْهَى به الصَّمْصَامُ والْخَطَّار
نَدْبٍ إِذا حَلّ الْحُبَاءَ لغَارةٍ
أَلْقَى السِّلاَحَ الفَارِسُ المِغْوَار
حامَتْ نُسورُ النَّصْرِ حَوْلَ جُيُوشِهم
حتَّى كأَنَّ غُبارَها أَوْكار
شُمْسُ العَدَاوةِ والْحُسَامُ مُجَرَّدٌ
فإِذَا انْطَوَى فَمَلائِكٌ أَطْهار
سَبَقوا وُثُوبَ الْحادِثاتِ وبادَرُوا
إِنَّ الْحَياةَ تَوثُّبٌ وبِدَار
وعَلَوْا لِنَيْلِ المَجْدِ كُلَّ مَطِيَّةٍ
لو كانَ نَجْماً في السَّمَاء لَطَارُوا
الْخَالِدُون عَلَى الزَّمان وأَهْلهِ
تَفْنَى الرجالُ وتَخْلُدُ الآثارُ
جاءُوا ومِصْرُ عَفَتْ معالمُ مَجْدها
لامِصْرُ مِصْرُ ولا الدِّيارُ دِيَارُ
العِلْمُ يخْفِقُ للزّوالِ سِرَاجُهُ
والعَدْلُ مُنْدَكُّ الذُّرَا مُنْهارُ
والناسُ في حَلَكِ الظّلام يَسُوقُهم
نَحْوَ الفَنَاءِ تَخَبُّطٌ وعِثَار
فَبدَا مُحمَّدكُم فهَبَّ صَرِيعُهمْ
حَيّا كَذَاك البَعْثُ والإنْشَار
والتفَّتْ الرَّاياتُ حولَ لِوائِه
ودَعا الغفَاةَ إِلى المَسِير فَساروا
وأعادَ مَجْدَ الأَوَّلِين بَعزْمة
إِيرادُها للّه والإِصْدَار
إِنّ النُّفوسَ تَضِيقُ وَهْيَ صَغِيرةٌ
ويَضيق عنها الكَوْنُ وِهْيِ كِبَار
فاروقُ عيدُك هَزّ أَدْوَاحَ المُنَى
وتَعطَّرتْ بعَبِيرِه الأَزهارُ
اليُمْنُ يَسْطَع في جَبِينِ نهارِه
والسَّعْدُ كوْكبُ لَيْلِه السَّيّار
رقصت به الرايات بادية الحلى
الحبُّ رنَّحها والإستِبشار
مُتَلفِّتاتٍ حَوْلَ رَكْبِك حُوَّماً
لا يَسْتقِر لوَجْدِهِنّ قَرَار
مُتَدلِّلاتٍ ما عَرَفْن صَبَابةً
نَشْوَى وما لَعِبتْ بهنّ عُقَار
جَعَلتْ سَمَاءَ النيل رَوْضاً أَخْضَراً
هَيْهاتَ مِنْه الرَّوْضَةُ المِعْطار
والناسُ قَدْ سَدُّوا الفَضَاء كأَنَّهم
بَحْرٌ يَعجُّ عَجِيجه زَخَّار
لو صُبَّتِ الأَمْطَارُ صَبّاً فَوْقَهم
مامَسَّ مَوْطِىءَ نَعْلِهم أَمْطارُ
مُتجمِّعين كأَنَّهم سِرْبُ القَطا
مُتَدفِّقين كأَنهم أَنْهار
قَدْ لَوَّحوا بالرَّاحَتَيْن وزاحَمُوا
وتَلفَّتوا بالنَّاظِرَيْن ومَارُوا
لهمُ دَوِيٌّ بالهُتافِ وضَجَّةٌ
ولهمْ بِصدْقِ دُعائِهم تَهْدَار
رفَعُوا العَمارَ وَبَعْثَروا أَزْهَارَهم
فالْجَوُّ زَهْرٌ ناضِرٌ وعَمَار
حُبُّ المَلِيكِ الأَرْيَحِيِّ شِعَارهم
لو كَان يُنْسَجُ للْوَلاَء شِعار
قَرءُوا السعادةَ في جَبِينك أَسْطُراً
بيَدِ المُهيْمن هذه الأَسْطار
ورَأَوْا شَبَاباً كالْجْمَان يَزِينُه
أَنَّى التَفَتَّ جَلاَلةٌ وَوقَار
سُسْتَ القُلوبَ فنلْتَ أَكْرمَ وُدِّها
وعَرَفْتَ بالإِحْسانِ كيف تُثَار
ومِنَ القُلُوبِ حَدائقٌ بَسَّامةٌ
ومِنَ القُلُوبِ سَباسِبٌ وقِفَارُ
مَنْ يَغْرِس الصُّنْعَ الْجَميلَ بأُمّةٍ
فَلهُ من الشُّكْرِ الْجَميلِ ثِمَار
لما رَأَوْكَ رأَوْا بشَاشاتِ المُنَى
الوَجْهُ نَضْرٌ والشَّبَابُ نُضَار
مُتَسْرِبلاً ثَوْبَ الهُدَى مَتواضِعاً
للّه لا صَلَفٌ ولاَ اسْتِكْبار
نُورُ الإِلَه يَدُور حَوْلَك هَالةً
لم تَزْدَهِر بمَثِيلها الأَقْمَار
في مَوْكِبٍ للمُلْك يَخْتَلِب النُّهَى
وَتَتيه في تَصْوِيره الأَفْكار
فَتَن العُيونَ الشَّاخِصاتِ بسِحْره
إِنّ الْجَمَال لَفاتِنٌ سَحّار
فاروقُ تاجُك رَحْمةٌ وسَعادةٌ
للوادِيَيْن وعِزَّةٌ وفَخار
تَتألّق الآمالُ في جَنَباتِه
ويَدُورُ نَجْمُ السَّعْدِ حَيْثُ يُدَار
ما نالَه كِسْرَى ولم يَظْفَر له
بمُمَاثِل يومَ الفَخارِ نِزَارُ
نورُ الجبين السَّمْحِ مازَجَ ضَوْءَه
فتَشَابَه الأَضْوَاءُ والأَنْوَار
المُلْكُ فيكَ طَبِيعةٌ ووِرَاثةٌ
والمَجْدُ فيكَ سَليقَةٌ وِنجَار
أعْلَيْتَ دينَ اللّه جَلَّ جَلالُه
فَرَسَا له أَصْلٌ وطَالَ جِدَار
الدِّينُ نُورُ النَّفْسِ في ظُلُماتِها
والعَقْلُ يَعْثُرُ والظُّنُونُ تَحَار
بَيْن المَنابر والمآذِن بَهْجةً
وتَحدُّثٌ بِصَنِيعكم وَحِوَار
آياتُ نُبْلِك في شَبابِك سُبَّقٌ
للمَجْدِ لم يُشْقَقْ لهنّ غُبَار
يَبْدو شَذَا الرَّيْحانِ أَوَّلَ غَرْسِه
ويَبينُ قَدْرُ الدُّرِّ وَهْي صِغَار
فَتَحَتْ لك الدُّنيا كنوزَ هِبَاتِها
تَخْتارُ مِنها اليَوْمَ ما تَختار
يُمْناك يُمْنٌ للبلاد ورَحْمةٌ
غَدَقٌ ويُسْرَى راحَتَيْك يَسارُ
بَهَرتْ رِجالَ الغَرْب منك شَمائِلٌ
خُلُقٌ أَغَرُّ وَرَاحةٌ مِدْرار
عَرَفوا بمَجْدك مَجْدَ مِصْرَ ونُبْلَها
وتَحدَّثتْ بِخَلالك السُّمّار
وغَدَوْتَ فَألاً للعُلاَ فتحقَّقَتْ
فيك المُنَى وانحطَّتِ الآصَارُ
وتَخَطَّرتْ مِصْرٌ إِلى فَارُوقِها
غَيْداءَ ما شانَ الْجَمالَ إِسَار
شَمَّاءَ يَحْنِي الدهرُ أَصْيَدَ رَأْسِه
لجَلالها وتُطَأْطِىء الأَقْدار
فانْعَم بما أُوِتيتَ واهْنَأ شاكِراً
نِعَمَ الإِلهِ فإِنَهنّ غِزَار
لازِلْتَ بالنَّصْر المُبِينِ مُتوَّجاً
تَحْيَا بِك الأَوْطانُ والأَوْطار