دبت عقارب صدغه في خده

دَبّتْ عَقارِبُ صُدغِهِ في خَدّهِ

​دَبّتْ عَقارِبُ صُدغِهِ في خَدّهِ​ المؤلف صفي الدين الحلي


دَبّتْ عَقارِبُ صُدغِهِ في خَدّهِ،
وسعى على الأردافِ أرقمُ جعدهِ
وبَدا مُحَيّاه، ففَوّقَ لَحظُهُ
نبلاً يذودُ بشوكه عن وردهِ
صنمٌ أضلَّ العاشقينَ، فلم يروا،
مُذْ لاحَ، بُدّاً مِن عِبادةِ بُدّهِ
ما بينَ إقبالِ الحياةِ ووصلهِ
فرقٌ، ولا بينَ الحمامِ وصدهِ
ظبيٌ من الأتراكِ ليسَ بتارِكٍ
حُسناً لمَخلوقٍ أتَى من بَعدِهِ
غَضُّ الحَيا، قَحلُ الوَدادِ، كأنّما
نهلتْ بشاشةُ وجههِ من ودهِ
حملَ السلاحَ على قوامٍ مترفٍ،
كادَ الحريرُ يؤدهُ من إدهِ
فترى حَمائلَ سَيفِهِ في نَحرِهِ،
أبهَى وأزهَى من جَواهرِ عِقدِهِ
من آلِ خاقانَ الذينَ صغيرهم
في سَرجِهِ، وكأنّهُ في مَهدِهِ
جعلوا ركوبَ الخيلِ حَدّ بُلوغهم،
هو للفتَى منهم بلوغُ أشدّه
فإذا صغيرهمُ أتَى متخضباً
بدَمِ الفوارِسِ قيلَ: بالِغُ رُشدِهِ
سيّانِ منهم في الوَقائِعِ حاسِرٌ
في سَرجِهِ، أو دارعٌ في سَردِهِ
من كلّ مسنونِ الحسامِ كلحظه،
أو كلّ معتدلِ القناةِ كقدّهِ
ومُخَلَّقٍ بدَمِ الكُماةِ كأنّما
صبغتْ فواضلُ درعه من خدّهِ
ومقابلٍ ليلَ العجاجِ بوجههِ،
فكأنّما غشّى الظّلامَ بضِدهِ
ومواجهٍ صدرَ الحسامِ ووجههُ
يُبدي صِقالاً مثلَ ماءِ فِرِنِدِهِ
يَلقَى الرّماحَ بنَهدِهِ وبصَدرِهِ،
والمرهفاتِ بصدرهِ وبنهدهِ
وإذا المنيةُ شمرتْ عن ساقها
غَشِيَ الهِياجَ مُشَمِّراً عن زَندِهِ
قرنٌ يخافُ قرينهُ من قربهِ،
أضعافَ خَوفِ مُحبّهِ من بُعدِهِ
يبدو، فيزجرهُ العدوُّ بنحسهِ
خَوفاً، ويَزجُرُه المحبُّ بسَعدِهِ
يردي الكماةَ بنبلهِ وحسامهِ:
ذا في كنانتهِ، وذا في غمدهِ
حتى إذا لَقيَ الكَميَّ مُبارِزاً
شغلتهُ بهجةُ حسنهِ عن ردهِ
ما زلتُ أجهدُ في رياضةِ خلقهِ،
وأحولُ في هذا العتابِ وجدهِ
حتى تَيَسّرَ بعدَ عُسرٍ صعبُهُ،
وافتَرّ مَبسِمُ لَفظِهِ عن وَعدِهِ
وأتى يسترُ سالفيهِ بفرعهِ،
حذراٍ، فيحجبُ سبطها في جعدهِ
وغدا يزفُّ من المدامةِ مثلَ ما
في فيهِ من خمرِ الرضابِ وشهدهِ
لاعَبتُهُ بالنّردِ، ثَمّ، وبَينَنا
رَهنٌ قد ارتضَتِ النّفوسُ بعَقدِهِ
حتى رأيتُ نقوش سعدي قد بدتْ،
ويَديّ قد حلّتْ تَشْشدَرَ بَندِهِ
فأجلُّ شطرنجي هنالكَ بعتهُ
بأقلّ ما أبدَتهُ كَعبَةُ نَردِهِ
ولقد أروحُ إلى السّرورِ وأغتدي،
وأقيلُ في ظِلّ النّعيمِ وبَردِهِ
وأعاجِلُ العِزّ المُقيمَ، ولم أبِعْ
نقدَ المسرةِ والهناءِ بفقدهِ
حتى إذا ما العزُّ قلصَ ظلهُ،
ما إن يُغَيِّبُ رأيَهُ عن رُشدِهِ
أخمدتُ بالإدلاجِ أنفاسَ الفلا،
وكحَلتُ طَرفي في الظّلامِ بِسُهدِهِ
بأغرّ أدهمَ ذي خجولٍ أربعِ،
مُبيَضُّها يَزهو على مُسوَدِّهِ
خلعَ الصباحُ عليهِ سائلَ غرةٍ
منهُ، وقمّصَه الظّلامُ بجِلدِهِ
فكأنّهُ لمّا تَسَرْبلَ بالدّجَى،
وطىءَ الضّحى فابيضّ فاضلُ بردهِ
قَلِقُ المِراحِ، فإن تَلاطَمَ خَطوُه
ظنّ المطاردُ أنهُ في مهدهِ
أرمي الحصَى من حافِرَيه بمِثلِهِ،
وأروعُ ضوءَ الصبحِ منه بصدهِ
وأظلٌّ في جوبِ البلادِ كأنني
سيفُ ابنِ أُرتُقَ لا يَقَرُّ بغِمدِهِ
الصالحُ الملكُ الذي صلحتْ به
رتبُ العلاءِ ولاحَ طالعُ سعدهِ
ملكٌ حوَى رتبَ الفخارِ بسعيهِ،
والملكَ إرثاً عن أبيهِ وجدهِ
مُتَسهِّلٌ في دَستِ رُتبَةِ مُلكِهِ،
مُتَصَعِّبٌ من فوقِ صَهوَةِ جُردِهِ
فإذا بَدا مَلأَ العُيونَ مَهابَةً؛
وإذا سخا ملأَ الأكفّ برفدهِ
كالغيثِ يولي الناسَ جوداً بعدما
بَهَرَ العُقولَ ببَرقِهِ وبرَعدِهِ
فالدّهرُ يُقسِمُ أنّهُ مِنْ رِقّةِ،
والموتُ يَحلِفُ أنّهُ من جُندِهِ
والوَحشُ تُعلِنُ أنّها من رَهطِهِ،
والطّيرُ تدعو أنّها من وَفدِهِ
يا ابنَ الذي كفَلَ الأنامَ كأنّما
أوصاهُ آدَمُ في كِلايةِ وُلدِهِ
المالكُ المنصورُ، والملكُ الذي
حازَ الفَخارَ بحَدّه وبجِدّه
أصلٌ بهِ طابتْ مآثرُ مجدكمْ،
والغُصنُ يَظهَرُ طيبُهُ من وَردِهِ
بذَلَ الجَزيلَ على القَليلِ من الثّنا،
وأتيتُ تنفقُ في الورى من نقدهِ
وهو الذي شغلَ العدوّ بنفسهِ
عنّي، كما شغَلَ الصّديقَ بحَمدِهِ
وأجارني إذ حاولتْ دميَ العدى،
ورأتْ شفاءَ صدورها في وردهِ
مِن كلّ مَذاقٍ تَبَسّمَ ثَغرُهُ،
وتوَقّدتْ في الصّدرِ جُذوةُ حِقدِهِ
ولذاكَ لم يَرَني بمنظَرِ شاعِرٍ
تَبغي قَصائدُهُ جَوائزَ قَصدِهِ
بل بامرىءٍ أسدَى إليهِ سَماحةً
نعماً، فكانَ المدحُ غايةَ جهدهِ
ودَرى بأنّ نِظامَ شِعري جَوهرٌ،
وسواهُ نحرٌ لا يليقُ بعقدهِ
ولقد عهدتُ إلى عرائسِ فكرتي
أنْ لا تزفّ لمنعمٍ من بعدهِ
لكنّكَ الفَرعُ الذي هوَ أصلُهُ،
شرَفاً، ومجدُكَ بضعةٌ من مَجدِهِ
ونجيهُ في سرهِ، ووصيهُ
في أمرهِ، وصفيهُ من بعدهِ
وإلَيكَ كان المُلكُ يَطمَحُ بعدَه،
يَبغي جَواباً لو سمَحتَ برَدّهِ
فتركتهُ طوعاً، وكنتَ ممكناً
من فَكّ مِعصَمِ كَفّهِ عن زَندِهِ
وشَددتَ أزرَ أخيكَ يا هارونَهُ،
لمّا توَقّعَ منكَ شَدّةَ عَضْدِهِ
حتى أحاطَ بنو الممالكِ كلها،
علماً بأنّكَ قد وَفَيتَ بعَهدِهِ
سمحتْ بك الأيامُ، وهيَ بواخلٌ،
ولربما جادَ البخيلُ بعمدهِ
وعدَ الزّمانُ بأن نَرى فيكَ المُنى،
والآنَ أوفَى الزمانُ بوعدهِ
للَّهِ كمْ قَلّدتَني مِن مِنّةٍ،
والقَطرُ أعظمُ أن يُحاطَ بعدّهِ
وعلمتَ ما في خاطري لك من ولا،
حتى كأنكَ حاضرٌ في ودهِ
إن كان بعدي عن علاكَ خطيةً،
قد يغفرُ المولى خطيةَ عبدهِ
بعدُ الوفيّ كقربهِ، إذْ ودُّه
باقٍ كما قربُ الملولِ كبعدهِ
مدحي لمجدك عن ودادٍ خالصٍ،
وسِوايَ يُضمِرُ صابَهُ في شَهدِهِ
إذْ لا أرومُ بهِ الجزاءَ لأنهُ
بحرٌ أنزهُ غلتي عن وردهِ
لا كالذي جعلَ القريضَ بضاعةً،
متَوقّعاً كَسبَ الغِنى من كَدّهِ
فاستَجلِ دُرّاً أنتَ لُجّةُ بَحرِهِ،
والبَسْ ثَناءً أنتَ ناسجُ بُردِهِ
يَزدادُ حُسناً كُلّما كرّرتَهُ،
كالتبرِ يظهرُ حسنهث في نقدهِ