دمعة وابتسامة (1914)/الحروف النارية


الحروف النارية

احفروا على لوح قبري :
« هنا رفات من كتب اسمه بماء »
جان كيتس

اهكذا تمرّ بنا الليالي؟ اهكذا تندثر تحت اقدام الدهر؟ اهكذا تطوينا الاجيال ولا تحفظ لنا سوى اسم تخطه عَلَى صحفها بماء بدلاً من المداد ؟

ا ينطفئ هذا النور وتزول هذه المحبة وتضمحل هذه الاماني ؟

ايهدم الموت كل ما نبنيه ويذري الهوآء كل ما نقوله ويخفي الظل كل ما نفعله ؟

ا هذه هي الحياة ؟ هل هي ماضٍ قد زال واختفت آثاره ، وحاضر يركض لاحقاً بالماضي، ومستقبل لا معنى له الا اذا ما مرّ وصار حاضراً او ماضياً ؟

اتزول جميع مسرَّات قلوبنا واحزان انفسنا بدون ان نعلم نتائجها ؟

اهكذا يكون الانسان مثل زبد البحر يطفو دقيقة عَلَى وجه الماء ثم تمرّ نسيمات الهوآء فتطفئهُ ويصبح كانهُ لم يكن؟

لا لعمري فحقيقة الحياة حياة . حياة لم يكن ابتداؤُها في الرحم ولن يكون منتهاها في اللحد . وما هذه السنوات إلا لحظة من حياة ازلية ابدية . هذا العمر الدنيوي مع كل ما فيه هو حلم بجانب اليقظة التي ندعوها الموت المخيف . حلم ولكن كل ما رأَيناه وفعلناه فيه يبقى ببقاء الله .

فالاثير يحمل كل ابتسامة وكل تنهدة تصعد من قلوبنا ويحفظ صدى كل قبلة مصدرها المحبة . والملائكة تحصي كل دمعة يقطرها الحزن من مآقينا وتعيد عَلَى مسمع لارواح السابحة في فضاء اللانهاية كل انشودة ابتدعهـا الفرح من شواعرنا.

هناك في العالم الآتي سنرى جميع تموجات شواعرنا واهتزازات قلوبنا وهناك ندرك كنه الوهيتنا التي نحتقرها الان مدفوعين بعوامل القنوط .

الضلال الذي ندعوه اليوم ضعفاً سيظهر سيف الغد كحلقة كيانها واجب لتكملة سلسلة حياة ابن آدم .

الاتعاب التي لا نكافا عليها الآن ستحيا معنا وتذيع مجدنا

الارزاء التي نحتملها ستكون اكليلا ً لفخرنا

هذا ولو علم «كيتس» ذلك البلبل الصداح ان اناشيده لم تزل تبث روح محبة الجمال في قلوب البشر لقال : « احفروا عَلَى لوح قبري – هنا بقايا من كتب اسمه عَلَى اديم السماء باحرف من نار .»