دمعة وابتسامة (1914)/طفلان


طفلان

***

وقف الأمير على شرفة القصر ونادى الجموع المزدحمة في تلك الحديقة، وقال: «أبشركم وأهنئ البلاد، فالأميرة قد وضعت غلامًا يحيي شرف عائلتي المجيدة، ويكون لكم فخرًا وملاذًا ووريثًا لما أبقته أجدادي العظام،، افرحوا وتهللوا فمستقبلكم صار مناطًا بسليل المعالي.»

فصاحت تلك الجموع وملأت الفضاء بأهازيج الفرح، متأهِّلة بمن سوف يُرَبَّى على مهد الترف، ويشب على منصة الإعزاز، ويصير بعد ذلك حاكما مطلقًا برقاب العباد، ضابطًا بقوته أَعِنَّةَ الضعفاء، حرََّا باستخدام أجسادهم وإتلاف أرواحهم، من أجل ذلك كانوا يفرحون ويغنون الأناشيد ويعاقرون كاسات السرور.

وبينما سكان تلك المدينة يمجدون القوي ويحتقرون ذواتهم ويتغنون باسم المستبد، والملائكة تبكي على صغرهم، كان في بيت حقير مهجور امرأة مطروحة على سرير السقام تضم إلى صدرها الملتهب طفلًا ملتفًّا بأقمطة بالية.

صبية كتبت لها الأيام فقرًا، والفقر شقاء فأهملت من بني الإنسان، زوجة أمات رفيقها الضعيف ظلمُ الأمير القوي، وحيدة بعثت إليها الآلهة في تلك الليلة رفيقًا صغيرًا يكبل يديها دون العمل والارتزاق.

ولما سكنت جلبة الناس في الشوارع، وضعت تلك المسكينة طفلها على حضنها، ونظرت في عينيه اللامعتين وبكت بكاءً مرًّا كأنها تريد أن تُعَمِّدَهُ بالدموع السخينة، وقالت بصوت تتصدع له الصخور: «لماذا جئت يا فلذة كبدي من عالم الأرواح؟ أطمعًا بمشاطرتي الحياة المرة؟ أَرحمة بضعفي؟ لماذا تركت الملائكة والفضاء الوسيع وأتيت إلى هذه الحياة الضيقة المملوءة شقاءً ومذلَّة؟ ليس عندي يا وحيدي إلا الدموع، فهل تتغذى بها بدلًا من الحليب؟ وهل تلبس ذراعي العاريتين عوضًا عن النسيج؟ صغار الحيوان ترعى الأعشاب وتبيت في أوكارها آمنة، وصغار الطير تلتقط البذور وتنام بين الأغصان مغبوطة، وأنت يا ولدي ليس لك إلا تنهداتي وضعفي».

حينئذٍ ضَمَّتِ الطفل إلى صدرها بشدة كأنها تريد أن تجعل الجسدين جسدًا واحدًا، ورفعت عينيها نحو العلاء وصرخت: (ارفق بنا يا رب)

ولما انقشعت الغيوم عن وجه القمر، دخلت أشعته اللطيفة من نافذة ذلك البيت الحقير، وانسكبت على جسدين هامدين......