دمعة وابتسامة (1914)/نظرة إلى الآتي


نظرة إلى الآتي

***

من وراء جدران الحاضر سمعت تسابيح الإنسانية · سمعت اصوات الاجراس تهز دقائق الاثير معلنة بدءَ الصلاة في معبد الجمال – اجراس سبكتها القوة من معدن الشواعر ورفعتها فوق هيكلها المقدس – القلبِ البشري

من وراء المستقبل رأَيت الجموع ساجدة عَلَى صدر الطبيعة، متجهة نحو المشرق، منتظرة فيض نور الصباح – صباح الحقيقة

رأَيت المدينة قد اندثرت ولم يبقَ من آثارها غير طلل بال يخبر الرجال باندحار الظلمة امام النور

رأَيت الشيوخ جالسين بظل اشجار الحور والصفصاف وقد جلس الصبيان حولهم يسمعون أخبار الايام

رأَيت الفتيان يوقعون عَلَى القيثارة وينفخون في الناي والصبايا مسدولات الشعر يرقصن حولهم تحت اغصان الياسمين والفل

رأَيت الكهول يحصدون الزرع والنساء يحملنَ الأغمار ويترنمنَ باناشيد اوحتها الغبطة والمسرة

رأَيت المرأَة مستعيضة عن الملابس المشوهة باكليل من الزنبق ومنطقة من اوراق الاشجار الغضة

رأَيت الالفة مستحكمة بين الإنسان والمخلوقات، فجماعات الطير والفَراش تقترب منهُ آمنة وسرَب الغزلان تنثني نحو الغدير واثقة . نظرت فلم ارَ فقيرًا ولا ما يزيد عن الكفاف، بل الفيت الاخاء والمساواة، ولم ارَ طبيباً، اذ كلٌّ غدا طبيب ذاته بحكم المعرفة والاختبار، ولم ارَ كاهنًا، لأن الضمير أصبح الكاهن الأعظم، ولم أر محاميًا، لأن الطبيعة قامت بينهم مقام محكمة تسجل معاهدات الألفة والوئام

رأَيت الانسان قد علم انهُ حجر زاوية المخلوقات، فترفع عن الصغائر، وتعالى عن الدنايا، وكشف عن بصيرة النفس مناديل الالتباس، فاصبحت تقرأ ما تكتبهُ الغيوم عَلَى وجه السماء، وما ينمقهُ النسيم عَلَى صفحات الماء، وتفقه كنه انفاس الأزهار، وتعرف معنى اغاني الشحارير والبلابل.

من وراء جدران الحاضر – عَلَى مرسح الاجيال الآتية رأَيت الجمال عروسًا والنفس عروسة، والحياة كلها ليلة القدر.