ذهبت من الهجران في غير مذهب

ذهبتَ من الهِجران في غير مذهب

​ذهبتَ من الهِجران في غير مذهب​ المؤلف علقمة الفحل


ذهبتَ من الهِجران في غير مذهب
ولم يَكُ حقّاً كلُّ هذا التجنُّبِ
لَيالِيَ لا تَبْلى نصيحَةُ بَينِنا
لَيالِي حَلُّوا بالسِّتار فَغُرَّبِ
مُبَتّلة كأنَّ أنضاءَ حَليِها
على شادِنٍ من صاحَةٍ مترببِ
مَحالٌ كأجوازِ الجَرادِ ولؤلؤٌ
من القَلَقِيِّ والكَبيسِ المُلَوَّبِ
إِذا ألحَمَ الواشونَ لِلشَّرِّ بَينَنا
تَبلَّغَ رَسُّ الحُب غيرُ المُكَذَّبِ
ومَا أنت أم ما ذِكرُها رَبَعِيَّةً
تَحُلُّ بإِيرٍ أو بأكنافِ شُربُبِ
أطَعتَ الوُشاةَ والمُشاةَ بِصُرمِها
فقد أنهَجَت حِبالُها للتّقَضُّبِ
وقد وَعَدَتكَ موعِدا لو وَفَت به
كمَوعودِ عُرقُوبٍ أخاه بِيَثرِبِ
وقالتْ: وإِن يُبخَلْ عليكَ ويُعتَللْ
تَشَكَّ وإن يكشف غرانك تدربِ
فقلتَ لها: فِيئِي فما تَستَفِزُّني
ذواتُ العُيونِ والبَنانِ المخضبِ
ففاءت كما فاءت من الأدم مُغزِلٌ
بِبِيشَةَ تَرعى في أراكٍ وحُلَّبِ
فَعِشنا بِها من الشَّبابِ مُلاوَةً
فأنجَحَ آياتُ الرَّسولِ المُخَبَّبِ
فإِنَّكَ لم تَقطَعْ لُبَانَةَ عاشقٍ
بمثل بُكورٍ أو رَواحٍ مُؤَوِّبِ
بِمُجفَرةِ الجَنبَينِ حَرفٍ شِملَّةٍ
كَهمَّكَ مِرقالٍ على الأينِ ذِعِلبِ
إذا ما ضَربتُ الدَّفَّ أوصُلتُ صَوْلَةً
تَرقَّبُ مني، غير أدنى ترَقُّبِ
بعَينٍ كمِرآةِ الصَّناعِ تُديرُها
لِمَحجَرِها منَ النَّصيف المنقَّب
كأنَّ بِحاذَيها إذا ما تَشذَّرت
عَثاكيل عِذقٍ من سُمَيحةَ مُرطِبِ
تَذُبُّ به طَوراً وطوراً تُمِرُّةُ
كذَبِّ البَشير بالرِّداءِ المُهدَّبِ
وقد أغتَدي والطَّيرُ في وُكُناتِها
وماءُ النَّدى يجري على كلِّ مِذنَبِ
بِمُنجَرِدٍ قَيدِ الأوابِدِ لاحَهُ
طِرادُ الهَوادي كلَّ شأوٍ مُغرِّبِ
بغَوجٍ لَبانُهُ يُتَمُّ بَريمُهُ
على نَفْثِ راقٍ خَشيَةَ العينِ مُجلِبِ
كُمَيتٍ كلَونِ الأُرجُوان نشرتَه
لِبَيع الرِّداءِ في الصُّوان المُكعَّبِ
مُمَرٍّ كَعَقدِ الأندَريّ يَزينُهُ
مع العتقِ خَلقٌ مُفعَمٌ غَيرُ جَأنَبِ
لهُ حُرَّتانِ تَعرِفُ العِتقَ فيهما
كَسامِعَتيْ مَذعورةٍ وَسطَ رَبربِ
وجَوفٌ هَواء تحت مَتْنٍ كأنَّه
من الهضبةِ الخَلقاءِ زُحلوقُ مَلعبِ
قطاةٌ ككُردوسِ المحالة أشرفت
إلى سَندٍ مِثلِ الغَبيطِ المُذَاَّبِ
وغُلبٌ كأعناق الضِّباع مَضيغُها
سِلامُ الشَّظى يَغشى بها كل مركب
وسُمْرٌ يُفَلِّقن الظِّراب كأنَّها
حِجارةُ غَيلٍ وارِساتٌ بطُحلُبِ
إذا ما اقتَضَينا لم نُخاتِلْ بِجُنَّةٍ
ولكنْ نُنادي من بعيدٍ: ألا اركبِ!
أخا ثِقةٍ لا يلعَنُ الحيُّ شخصَهُ
صَبوراً على العِلاَّتِ غَيرِ مُسبَّبِ
إِذا أنفَدُوا زادا فإنَّ عِنانَهُ
وأكرُعَهُ مستعمَلاً خَيرُ مكسبِ
رأينا شِياها يَرتَعِينَ خَميلَةً
كَمَشْيِ العذارى في المُلاءِ المُهدَّبِ
فَبينا تَمارِينا وعَقدُ عِذاره
خَرجنَ عَلينا كالجُمانِ المُثقَّبِ
فَأتبعَ آثار الشِّياهِ بصادِقٍ
حثيثٍ كَغيثِ الرائحِ المُتَحلِّبِ
ترى الفأر عن مسترغب القدرِ لائحاً
على جَددِ الصَّحراءِ من شدٍّ مُلهبِ
خَفى الفأرَ مِن أنفاقهِ فكأنَّما
تَخلَّله شُؤبوبُ غيثٍ مُنقِّبِ
فظلَّ لثيرانِ الصَّريمِ غَماغِمٌ
يُداعِسُهُنَّ بالنَّضِيِّ المُعلَّبِ
فَهاوٍ على حُرِّ الجَبينِ ومُتَّقِ
بِمِدراتِه كأنَّها ذَلْقُ مِشعَبِ
وعادى عِداءً بين ثَورٍ ونَعجةٍ
وتَيسٍ شَبوبٍ كالهَشيمة قرهَبِ
فقُلنا: ألا قد كان صيدٌ لِقانصٍ
فَخَبُّوا علينا فضلَ بُردٍ مُطنَّبِ
فظلَّ الكفُّ يختَلِفن بحانذٍ
إلى جؤجُؤٍ مِثلِ المَداك المُخَضَّبِ
كأنَّ عُيوب الوحش حولِ خبائنا
وأرحُلِنا الجَزعُ الَّذي لَم يُثقَّبِ
ورُحنا كأنَّا جُواثى عَشِيَّةً
نُعالي النِّعاج بَينَ عِدلٍ ومُحقَبِ
وراحَ كشاةِ الرَّبل ينفُض رأسَه
أذاةً بهِ من صائكٍ مُتَحلِّبِ
وراحَ يُباري في الجِنابِ قَلُوصَنا
عزيزاً علينا كالحُبابِ المُسيَّبِ