ذهبت من الغريب بكل مذهب

ذهبت من الغريب بكل مذهب

​ذهبت من الغريب بكل مذهب​ المؤلف ابن شهاب


ذهبت من الغريب بكل مذهب
وملت عن النسيب وكان أنسب
ركبت من الحماسة كل صعب
ولم تجنح إلى كنس وربرب
كأنك لم تكن تهوى قديماً
ولم تعكف على طرب فتطرب
تريد تصبّراً فتضيق ذرعاً
وما أنساك أن الطبع أغلب
فكم قد أوقفتك يد التنائي
ذليلاً حيثما العبرات تسكب
ورب مهفهفٍ أقصاك هجراً
ومن بعد البعاد دنا وقرب
أتذكر إذ هصرت بفود سلمى
وكانت من عقاب الجوا صعب
فمالت مثل بدر في ظلامٍ
على غصن على رمل مكثب
ورمت عناقها فبكت دلالاً
وكفكف دمعها الكف المخضب
ولم تلبث بأن أدنت جناها
وأولتك المؤزر والمنقب
وبت ضجيعها في مرط أنس
وأمن لا تلام ولا تؤنّب
فتلثم من شهي الورد طوراً
وطوراً ترشف الراح المحبّب
وقد علقت بثوبك من شذاها
روائح من فتيت المسك أطيب
تنازعك الحديث على خفاء
وقد غفل الرقيب فما ترقب
تقص عليك ما الواشون قالوا
وتعتب أن تذيع ولات معتب
فتنثر من بديع اللفظ درّاً
وتبسم عن برود الثغر أشنب
ولم تمنح سواك سوى نفور
وإعراض وإن كان المهذب
وأنى يطمع العشّاق فيها
ودون مزارها الآمال خيّب
ومن إلاَّك مد فنال شمساً
ببرج الليث في الفلك المحجب
فداها كل غانية عداها
من البين المبرح إذ تنكب
بها وبمثلها فالهج وعرض
وعنها فانظم الدر المثقب
وفي سير الحسان فغن واطرب
فذكرك غيرهن هوى مركب
فكم من مدحة ذهبت ضياعاً
سكبت نضارها وإليك تنسب
ظلمت نفيسها ووضعته في
أسافل لم تكن في الحمد ترغب
كما ظلمت عقود من جمان
إذا ما قلدت في جيد أرنب
بنيت من البديع لهم قصوراً
فهدمها قصورهم وخرب
وشمت بروقهم فظننت ماء
ولم تعلم بأن البرق خلب
إذا ما كان للمدوح مجد
وإلا فالمديح بعينه سب
وحسبك إن من يتلو مديحاً
لهم فهو المكذّب والمكذّب
فبئس القوم لا بطش لديهم
يخاف ولا ندى يرجى ويطلب
شعارهم الملابس والملاهي
وفخرهم المفضض والمذهب
وليس لهم إذا اجتمعوا حديث
سوى ذكرى شهي الأكل والعب
فلا الدنيا صفت لهم فواقاً
ولا حسناتهم في الحشر تكتب
بهم يشقى جليسهم وتبت
يدا من ظل مرتقباً لهم تب
فوا أسفاً على در نفيس
بسوق الجزع أضحى اليوم يجلب
وواعجباً لجهلك كيف كانوا
وجهلهم بما ارتكبوه أعجب
فكنت ظننت شخصاً من بعيد
فخلت من الأسود فبان ثعلب
لرسم الملك يطلب وهو فدم
ضعيف العقل مهما طار أو دب
يصول بغيره ويتيه كبراً
وليس لذاته في الحرب مشرب
ولو لم يستجر بالجار حقاً
لطرده العدو ضحى وعذب
فتلك عصابة السوء التي لم
تجد خيراً بشائبهم ومن شب
شمائلهم فطانة باقل في
شجاعة صافر في عز اشعب
فلا برحوا بسوء ما علمنا
ودام بهم غراب البين ينعب
ولا فتئت يد الأيام نقذي
نواضرهم بكثكثها وتلعب
وترميهم بشر إن أصروا
كما رميت جمار بالمحصب