​رئة تتمزق​ المؤلف بدر شاكر السياب


الداء يثلج راحتي، ويطفيء الغد ... في خيالي

ويشل أنفاسي ويطلقها كأنفاس الذبال

تهتز في رئتين يرقص فيهما شبح الزوال

مشدودتين إلى ظلام القبر بالدّم والسعال ..

واحسرتا ؟! كذا أموت ؟ كما يجف ندى الصباح ؟

ما كاد يلمع بين أفواف الزنابق والأقاحي

فتضوع أنفاس الربيع تهزّ أفياء الدوالي

حتى تلاشى في الهواء كأنه خفق الجناح !

كم ليلة ناديت باسمك أيها الموت الرهيب

وودت لو طلع الشروق علي إن مال الغروب

بالأمس كنت أرى دجاك أحب من خفقات آل

راقصن آمال الظماء ... فبلها الدم واللهيب !

بالأمس كنت أصيح : خذني في الظلام إلى ذراعك

وأعبر بي الأحقاب يطويهن ظل من شراعك

خذني إلى كهف تهوم حوله ريح الشمال ..

نام الزمان على الزمان به وذابا في شعاعك

كان الهوى وهما يعذبني الحنين إلى لقائه

ساءلت عنه الأمنيات وبت أحلم بارتمائه

زهراَ ونوراَ في فراغ من شكاة وابتهال ..

في ظلمة بين الأضالع تشرئب إلى ضيائه

واليوم حببت الحياة إلي وابتسم الزمان

في ثغرها وطفا على أهدابها الغد والحنان

سمراء تلتفت النخيل المساهمات إلى الرمال

في لونها وتفر ورقاء ويأرج أقحوان

شع الهوى في ناظريها فاحتواني واحتواها

وارتاح صدري وهو يخفق باللحون على شذاها

فغفوت استرق الرؤى والشاعرية من رؤاها

وأغيب في الدفء المعطر كالغمامة في نداها

عينان سوداوات أصفى من؟ أماسي اللقاء

وأحب من نجم الصباح إلى المراعي والرعاء

تتلألأن عن الرجاء كليلة تخفي دجاها

فجراَ يلون بالندى درب الربيع وبالضياء

سمراء يا نجما تألق في مسائي أبغضيني

واقسي علي ولا ترقى للشكاة وعذبيني

خلي احتقارًا في العيون وقطبي تلك الشفاها

فالداء في صدري تحفز لافتراسك في عيوني !

يا موت يارب المخاوف والدياميس الضريرة

اليوم تأتي ؟! من دعاك ؟ ومن أرادك أن تزوره ؟

أنا ما دعوتك أيها القاسي فتحرمني هواها

دعني أعيش على ابتسامتها وان كانت قصيرة

لا ! سوف أحيى سوف أشقى سوف تمهلني طويلا

لن تطفئ المصباح لكن سوف تحرقه فتيلا

في ليلة في ليلتين سيلتقي آها فآها

حتى يفيض سني النهار فيغرق النور الضئيلا !!

يا للنهاية حين تسدل هذه الرئة الأكيل

بين السعال على الدماء فيختم الفصل الطويل

والحفرة السوداء تفغر بانطفاء النور فاها

إني أخاف أخاف من شبح تخبئه الفصول !!

وغدا إذا ارتجف الشتاء على ابتسامات الربيع

وانحل كالظل الهزيل وذاب كاللحن السريع

وتفتحت بين السنابل وهي تحلم بالقطيع

والناي زنبقة مددت يدي إليها في خشوع

وهويت أنشقها فتصعد كلما صعد العبير

من صدري المهدوم حشرجة فتحترق العطور

تحت الشفاه الراعشات ويطفأ الحقل النضير

شيئا فشيئا .. في عيوني ثم ينفلت الأسير !!