رثاء حمال

​رثاء حمال​ المؤلف عبدالرحيم محمود


قد عشت في الناس غريبا وها
قد مت بين الناس موت الغريب
والناس مذ كانوا ذوو قسوة
وليس للبائس فيهم نصيب
لو كنت في حبلك شناقهم
لولولوا حزنا وشقوا الجيوب
أو كنت من " سلك " رزاقهم
لقام عند السل ألفا خطيب
ونزهوا حبلك عن عيبه
وبللوا السل بذوب القلوب
لكنك الحمال لم يطمعوا
فيك ولم يخشوا أذاك الرهيب
رغيفك الطاهر غمسته
من عرق زاك ودمع صبيب
ما كنت سلابا أخا غصبة
بل كنت ذا حق سليب غصيب
فرحت لم يسكب عليك امرؤ
دمعا ولا قلب رفيق يلوب
ولم يودعك حبيب وقد
يهون الصعب وداع الحبيب
حبلك والسل لقد أوديا
بهيبة الموت الوقور الرهيب
وفيهما لو أنصفوا رفعة
وشاهدا أفضل, وخير وطيب
قد مر أهل الدرب لم يأبهوا
للمهمل المطروح فوق الدروب
كم قد سألت الناس ماء فلم
يجبك النزع شفيق مجيب
أو استعنت الطب لكنما
لم تملك الأجر ففر الطبيب
أو ربما أوصيت أو شئت أن
توصي فلم يسمعك حان قريب
رب صغير لك خلفته
منتظرا إياك حتى تؤوب
يرجوك للجوع الذي شفه
يا غائبا عنه وطال المغيب
إن قوافي على قحطها
تلقى بمرآك المجال الخصيب
برودك الهاديء قد هاجها
فجررت غضبى ذيول اللهيب
ياموقظ النقمة في أضلعي
بشعت في عيني الجمال العجيب
لثوبك الرث وإخلاقه
كرهت أثواب الحرير القشيب
والجسد الجامد في يبسه
كره لي الغصن الطري الرطيب
وصمتك الرائع ياموحشي
بغض لي الصوت الحنون الطروب
زهدتني بالعيش في معشر
عار عن الرحمة خاو جديب
حياتك المأساة مثلتها
ذروتها الفصل الأخير الكئيب
وراقب الناس تفاصيلها
لكنه ما إن وعاها رقيب
يا حسرتاه قد فاتني بدؤها
وأسدلت قبلي عليها الحجوب
أولا فلو أبصرتها كلها
لكنت من وجدي وحزني أذوب
إني من الناس ولكنني
في رقتي عنهم بعيد جنيب
أبكى على الظالم من رقة
وخنجر الظالم مني شريب
فراق هذا الناس عيد فلا
تجزع وذي الراحة بعد اللغوب