رحلة جرجي زيدان إلى أوربا/تمهيد
تمهيد
قضينا صيف هذا العام في أوربا بين فرنسا وإنكلترا وسويسرا وتنقلنا في أهم مدائنها فزرنا مرسيليا وليون وباريس ولندن وكمبريدج ومنشستر وأوكسفورد وجنيف ولوزان وإفيان. ودرسنا أحوالها وتفقدنا متاحفها ومكاتبها وآثارها. وتوخينا النظر على الخصوص فيما يهمُّ قراء العربية من أحوال تلك المدنية التي أخذنا في تقليدها منذ قرن كامل ونحن نتخبط في اختيار ما يلائم أحوالنا منها. وسننشر فيما يلي خلاصة ما بلغ إليه الإمكان من ذلك الدرس.
ونقتصر من ذلك على ما يهم القارئ الشرقي من حيث حاجته إلى تحدي مدنية أولئك القوم في نهضته هذه. ونبين ما يحسن أو يقبح من عوامل تلك المدنية بالنظر إلى طبائعنا وعاداتنا وأخلاقنا.
وسنغفل سياق الرحلة فلا نذكر رحيلنا أو نزولنا وما لاقيناه أو كابدناه في أثناء ذلك على ما جرت به عادة أهل الرحلة إذ ليس غرضنا أن يكون ما نكتبه دليلاً للراحلين في السفر والنزول ومعرفة الطرق والمسافات والأجور وإنما نريد أن نمثل للقارئ ما طُبع في ذهننا أثناء هذه الرحلة بعد إعمال الفكرة في أحوال تلك الأمم ولذلك نقسِّم الكلام إلى ثلاثة أقسام باعتبار الممالك التي زرناها على ترتيب تلك الزيارة فنبدأ بفرنسا فإنكلترا فسويسرا.