رسالة الرد على الرافضة
► | ◄ |
الحمد لله الذي جعلنا من أهل السنة والصلاة والسلام على عبده الذي أكمل علينا به المنة وعلى آله وأصحابه الذين حبهم واتباع آثارهم أقوى جنة، أما بعد:
فهذا مختصر مفيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب تغمده الله بالرحمة والرضوان في بعض قبائح الرافضة الذين رفضوا سنة حبيب الرحمن واتبعوا في غالب أمورهم خطوات الشيطان فضلوا وأضلوا عن كثير من موجبات الإيمان بالله وسعوا في البلاد بالفساد والطغيان يتولون أهل النيران ويعادون أصحاب الجنان نسأل الله العفو عن الافتتان من قبائحهم.
مطلب الوصية بالخلافة:
إن مفيدهم ابن المعلم قال في كتابه روضة الواعظين:
- (إن الله أنزل جبريل على النبي ﷺ بعد توجهه إلى المدينة في الطريق في حجة الوداع فقال: يا محمد إن الله تعالى يقرئك السلام ويقول لك: انصب عليا للإمامة ونبه أمتك على خلافته فقال النبي ﷺ: يا أخي جبريل إن الله بغض أصحابي لعلي إني أخاف منهم أن يجتمعوا على إضراري فاستعف لي ربي فصعد جبريل وعرض جوابه على الله تعالى فأنزله الله تعالى مرة أخرى وقال النبي ﷺ: مثلما قال أولا فاستعفى النبي ﷺ كما في المرة الأولى ثم صعد جبريل فكرر جواب النبي ﷺ فأمره الله بتكرير نزوله معاتبا له مشددا عليه بقوله: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) فجمع أصحابه وقال: يا أيها الناس إن عليا أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين ليس لأحد أن يكون خليفة بعدي سواه، من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) انتهى.
فانظر يا أيها المؤمن إلى حديث هؤلاء الكذبة الذي يدل على اختلاقه ركاكة ألفاظه وبطلان أغراضه ولا يصح منه إلا من كنت مولاه، ومن اعتقد منهم صحة هذا فقد هلك إذ فيه اتهام المعصوم قطعا من المخالفة بعدم امتثال أمر ربه ابتداءا وهو نقص، ونقص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كفر، وأن الله تعالى اختار لصحبته من يبغض أجل أهل بيته، وفي ذلك ازدراء بالنبي ﷺ ومخالفة لما مدح الله به رسوله وأصحابه من أجل المدح قال الله تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار، وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) واعتقاد ما يخالف كتاب الله والحديث المتواتر كفر، وأنه ﷺ خاف إضرار الناس وقد قال الله تعالى: (والله يعصمك من الناس) قبل ذلك كما هو معلوم بديهة واعتقاد عدم توكله على ربه فيما وعده نقص ونقصه كفر وإن فيه كذبا على الله تعالى: (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا) وكذبا على رسول الله ﷺ ومن استحل ذلك فقد كفر، ومن يستحل ذلك فقد تفسق، وليس في قوله: من كنت مولاه أن النص على خلافته متصلة ولو كان نصا لادعاها علي رضي الله عنه لأنه أعلم بالمراد، ودعوى ادعائها باطل ضرورة، ودعوى علمه يكون نصا على خلافته وترك ادعائها تقيه أبطل من أن يبطل.
ما أقبح ملة قوم يرمون إمامهم بالجبن والخور والضعف في الدين مع أنه من أشجع الناس وأقواهم.
مطلب إنكار خلافة الخلفاء:
ومنها إنكارهم صحة خلافة الصديق رضي الله عنه وإنكارها يستلزم تفسيق من بايعه واعتقد خلافته حقا وقد بايعه الصحابة رضي الله عنهم حتى أهل البيت كعلي رضي الله عنه وقد اعتقدها حقا جمهور الأمة. واعتقاد تفسيقهم يخالف قوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس). إذ أي خير في أمة يخالف أصحاب نبيها إياه ويظلمون أهل بيته بغصب أجل المناصب ويؤذونه بإيذائهم ويعتقد جمهورها الباطل حقا؟ (سبحانك هذا افتراء عظيم) ومن اعتقد ما يخالف كتاب الله فقد كفر والأحاديث الواردة في صحة خلافة الصديق وبإجماع الصحابة وجمهور الأمة على الحق أكثر من أن تحصر، ومن نسب جمهور أصحابه ﷺ وازدراؤه كفر، ما أضيع صنيع قوم يعتقدون في جمهور [ أصحاب ] النبي ﷺ الفسق والعصيان والطغيان مع أن بديهة العقل تدل على أن الله تعالى لا يختار لصحبة صفيه ونصرة دينه إلا الأصفياء من خلقه والنقل المتواتر يؤيد ذلك، فلو كان في هؤلاء القوم خير لما تكلموا في صحب النبي ﷺ وأنصار دينه إلا بخير لكن الله أشقاهم فخذلهم بالتكلم في أنصار الدين. كل ميسر لما خلق (له). عن علي رضي الله عنه قال: (دخلنا على رسول الله ﷺ فقلنا: يا رسول الله استخلف علينا قال: إن يعلم الله فيكم خيرا يول عليكم خيركم فقال علي رضي الله عنه: فعلم الله فينا خيرا فولى علينا خيرنا أبا بكر رضي الله عنه) رواه الدارقطني، وهذا أقوى حجة على من يدعي موالاة علي رضي الله عنه، وعن جبير بن مطعم قال: (أتت امرأة على النبي ﷺ فأمرها أن ترجع غليه فقالت: إن جئت ولم أجدك كأنها تقول الموت، قال: إن لم تجديني فأت أبا بكر) رواه البخاري ومسلم، وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ تسأله شيئا فقال: تعودين فقالت يا رسول الله إن عدت فلم أجدك تعرض بالموت فقال: إن جئت فلم تجديني فأتي أبا بكر فإنه الخليفة بعدي) رواه ابن عساكر وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (سمعت رسول الله يقول: يكون خلفي اثنا عشر خليفة. أبو بكر لا يلبث إلا قليلا) رواه البغوي بسند حسن، وعن حذيفة رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ: (اقتدوا بالذين بعدي أبي بكر وعمر) رضي الله عنهما، رواه أحمد والترمذي وحسنه ابن ماجة والحاكم وصححه ورواه الطبراني عن أبي الدرداء والحاكم عن ابن مسعود. وعن حذيفة رضي الله عنهما قال قال رسول الله ﷺ: (إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم فاقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وتمسكوا بهدي عمار وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه) رواه أحمد وغيره.
وعن أنس قال قال رسول الله ﷺ: (اقتدوا بالذين بعدي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما واهتدوا بهدي عمار وتمسكوا بعهد ابن مسعود) رواه ابن عدي. وعنه بعثني بنو المصطلق إلى رسول الله ﷺ أن أسأله إلى من ندفع صدقاتنا بعدك فقال: (إلى أبي بكر) رواه الحاكم وصححه. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ في مرضه الذي مات فيه: ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا أولى ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر) رواه مسلم وأحمد. وهذا الحديث يُخرج من يأبى خلافة الصديق عن المؤمنين. عن علي رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله ﷺ: (سألت الله أن يقدمك ثلاثا فأبى الله إلا تقديم أبي بكر، وفي رواه زيادة: (ولكني خاتم الأنبياء وأنت خاتم الخلفاء) رواه الدارقطني والخطيب وابن عساكر، وعن سفينة قال: (لما بنى رسول الله ﷺ المسجد وضع في البناء حجرا وقال لأبي بكر: ضع حجرك إلى جنب حجري ثم قال لعمر: ضع حجرك على جنب حجر أبي بكر ثم قال: هؤلاء الخلفاء بعدي) رواه ابن حيان. قال أبو زرعة: إسناده قوي لا بأس به والحاكم وصححه والبيهقي. روي في تفسير قوله تعالى: (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه) الإخبار بخلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. قيل يشير إلى خلافة الصديق رضي الله عنه قوله تعالى: (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم أصحاب النار هم فيها خالدون) لأنه هو الذي جاهد أهل الردة قوله تعالى: (قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون) الآية، لأنه هو الذي باشر قتال بني حنيفة الذين كانوا من أشد الناس حين ارتدوا وقوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم) الآية، وقد مكن الإسلام بأبي بكر وعمر فكانا خليفتين حقين لوجود صدق وعد الله تعالى وما صح من قوله ﷺ: (الخلافة بعدي ثلاثون) وفي بعض الروايات خلافة رحمة، وفي بعضها خلافة النبوة وما صح من أمره ﷺ أبا بكر في مرض موته بإمامة الناس وهذا التقديم من أقوى إمارات حقيقة خلافة الصديق وبه استدل أجلاء الصحابة كعمر وأبي عبيدة وعلي رضي الله عنهم أجمعين. فهذه وما شاكلها تسود وجوه الرافضة والفسقة المنكرين خلافة الصديق رضي الله عنه.
مطلب دعواهم ارتداد الصحابة رضي الله عنهم:
ومنها أنه روى الكشي منهم وهو عندهم أعرفهم بحال الرجال وأوثقهم في رجاله وغيره عن الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه وحاشاه من ذلك أنه قال (لما مات النبي ﷺ ارتد الصحابة كلهم إلا أربعة: المقداد وحذيفة وسلمان وأبو ذر) رضي الله عنهم (فقيل له: كيف حال عمار بن ياسر قال: حاص حيصة ثم رجع). هذا العموم المؤكد يقتضي ارتداد علي وأهل البيت وهم لا يقولون بذلك وهذا هدم لأساس الدين لأن أساسه القرآن والحديث فإذا فرض ارتداد من أخذ من النبي ﷺ إلا النفر الذين لا يبلغ خبرهم التواتر وقع الشك في القرآن والأحاديث. نعوذ بالله من اعتقاد يوجب هدم الدين. وقد اتخذ الملاحدة كلام هؤلاء الرافضة حجة لهم فقالوا: كيف يقول الله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) وقد ارتدوا بعد وفاة نبيهم إلا نحو خمسة أو ستة أنفس منهم لامتناعهم من تقديم أبي بكر على علي وهو الموصى به؟ فانظر إلى كلام هذا الملحد تجده من كلام الرافضة فهؤلاء أشد ضررا على الدين من اليهود والنصارى. وفي هذه الهفوة الفساد من وجوه: فإنها توجب إبطال الدين والشك فيه وتجوز كتمان ما عورض به القرآن وتجوز تغيير القرآن وتخالف قوله تعالى: (رضي الله عن المؤمنين) وقوله تعالى: (رضي الله عنهم ورضوا عنه) وقوله فيمن آمن قبل الفتح وبعده: (وكلا وعد الله الحسنى) وقوله في حق المهاجرين والأنصار، (أولئك هم الصادقون) و(أولئك هم المفلحون) وقوله: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) وقوله: (كنتم خير أمة أخرجت للناس ) وغير ذلك من الآيات والأحاديث الناصّة على أفضلية الصحابة واستقامتهم على الدين، ومن اعتقد ما يخالف كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ فقد كفر، ما أشنع مذهب قوم يعتقدون ارتداد من اختاره الله لصحبة رسول ونصرة دينه.
مطلب دعواهم نقص القرآن:
ومنها ما ذكروه في كتبهم الحديثية والكلامية أن عثمان رضي الله عنه نقص من القرآن فإنه كان في سورة (ألم نشرح) بعد قوله تعالى: (ورفعنا لك ذكرك): "وعليا صهرك" فأسقطها بحسد اشتراك الصهرية. قالوا: وكانت سورة الأحزاب مقدار سورة الأنعام فأسقط عثمان منها ما كان في فضل ذوي القربى. قيل أظهروا في هذه الأزمنة سورتين يزعمون أنهما من القرآن الذي أخفاه عثمان كل سورة مقدار جزء وألحقوهما بآخر المصحف سموا إحداهما سورة النورين وأخرى سورة الولاء. يلزم من هذا تكفير الصحابة حتى علي حيث رضوا بذلك. فهي كالتي قبلها في المفاسد وتكذيب قوله تعالى: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) وقوله: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). ومن اعتقد عدم صحة حفظه من الإسقاط واعتقد ما ليس منه أنه منه فقد كفر، ويلزم من هذا رفع الوثوق بالقرآن كله وهو يؤدي إلى هدم الدين ويلزمهم عدم الاستدلال به والتعبد بتلاوته لاحتمال التبدل. ما أخبث قول قوم يهدم دينهم. روى البخاري أنه قال ابن عباس ومحمد بن الحنفية: (ما ترك رسول الله ﷺ إلا ما بين الدفتين).
مطلب السب:
ومنها إيجابهم سب الصحابة لا سيما الخلفاء الثلاثة نعوذ بالله. رووا في كتبهم المعتبرة عندهم عن رجل من أتباع هشام الأحول أنه قال: كنت يوما عند أبي عبد الله جعفر بن محمد فجاءه رجل خياط من شيعته وبيده قميصان فقال: يا ابن رسول الله خطت أحدهما وبكل غرزة إبرة وحدت الله الأكبر وخطت الآخر وبكل غرزة إبرة لعن الأبعد أبي بكر وعمر (رضي الله عنهما) ثم نذرت لك ما أحببته لك منهما فما تحبه خذه وما لا تحبه رده. فقال الصادق، أحب ما تم بلعن أبي بكر وعمر وأردد إليك الذي خيط بذكر الله الأكبر. فانظر على هؤلاء الكذبة الفسقة ماذا ينسبون إلى أهل البيت من القبائح حاشاهم.
قال الله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس فإذا لم يكن أصحاب رسول الله ﷺ وسطا فمن يكون غيرهم. وقال تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) فإذا لم يكن أصحابه من خيرهم فمن يكون سواهم وقال: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه أعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم). ومن سب من رضي الله عنه فقد حارب الله ورسوله. وقال: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة). وكيف يُسب من رضي عنه مولاه واصطفاه، وقال تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود). كيف يجوز سب من يمدحه ربه وقال تعالى: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى). ومن وعده سيده الجنة كيف يسب وقال تعالى: (للفقراء الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون وقال في الأنصار: (فأولئك هم المفلحون). والقرآن مشحون من مدح الصحابة رضي الله عنهم فمن سبهم فقد خالف ما أمر الله من إكرامهم، ومن اعتقد السوء فيهم كلهم أو جمهورهم فقد كذب الله تعالى فيما أخبر من كمالهم وفضائلهم ومكذبه كافر.
قال رسول الله ﷺ: (النجوم أمنة السماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون) رواه مسلم. وقد صح عن رسول الله ﷺ: (خير أمتي قرني ثم الثاني ثم الثالث وخير أمتي أولها وآخرها وفي وسطها الكدر) رواه الحاكم والترمذي، وقد صح عنه ﷺ أن الله يفتح على الناس ببركة الصحابة، وعن أبي سعيد قال رسول الله ﷺ: (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أُحد ذهبا ما أدرك مُد أحدهم أو نصيفه) رواه مسلم وغيره، وعن عمر رضي الله عنه يقول: (لا تسبوا أصحاب محمد ﷺ فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره) رواه ابن ماجة، وقد صح عنه ﷺ أنه قال: (لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم قد وجبت لكم الجنة أو قد غفرت لكم) وقد صح عنه ﷺ أنه قال: (لا يدخل النار من حضر الحديبية إن شاء الله تعالى).
وقد روي عنه بطرق إسناد بعضها رجال الصحيح غير واحد وهو ثقة قال: (لا تسبوا أصحابي. لعن الله من سب أصحابي). وقد روي بأسانيد بعضها حسن عن ابن عباس قال: كنت عند النبي ﷺ وعنده علي رضي الله عنه فقال النبي ﷺ، (يا علي سيكون في أمتي قوم ينتحلون حب أهل البيت لهم نبز يسمون الرافضة قاتلوهم فإنه مشركون). وقد تواتر على النبي ﷺ ما يدل على كمال الصحابة رضي الله عنهم خصوصا الخلفاء الراشدين فإن ما ذكر في مدح كل واحد مشهور بل متواتر لأن نقلة ذلك أقوام يستحيل تواطؤهم على الكذب ويفيد مجموع أخبارهم العلم اليقيني بكمال الصحابة وفضل الخلفاء.
فإذا عرفت أن آيات القرآن تكاثرت في فضلهم والأحاديث المتواترة بمجموعها ناصة على كمالهم فمن اعتقد فسقهم أو فسق مجموعهم وارتدادهم وارتداد معظمهم عن الدين أو اعتقد حقية سبهم وإباحته أو سبهم مع اعتقاد حقية سبهم أو حليته فقد كفر بالله تعالى ورسوله فيما أخبر من فضائلهم وكمالاتهم المسلتزمة لبراءتهم عما يوجب الفسق والارتداد وحقية السب أو إباحته، ومن كذبهما فيما ثبت قطعا صدوره عنهما فقد كفر. والجهل بالمتواتر القاطع ليس بعذر، وتأويله وصرفه من غير دليل معتبر غير مفيد كمن أنكر فرضية الصلوات الخمس جهلا لفرضيتها فإنها بهذا الجهل يصير كافرا. وكذا لو أولها على غير المعنى الذي نعرفه فقد كفر لأن العلم الحاصل من نصوص القرآن والأحاديث الدالة على فضلهم قطعي، ومن خص بعضهم بالسب فإن كان ممن تواتر النقل في فضله وكماله كالخلفاء فإن اعتقد حقية سبه أو إباحته فقد كفر لتكذيبه ما ثبت قطعا عن رسول الله ﷺ ومكذبه كافر، وإن سبه من غير اعتقاد حقية سبه أو إباحته فقد تفسق لأن سباب المسلم فسوق. وقد حكم بعضٌ فيمن سب الشيخين بالكفر مطلقا والله أعلم، وإن كان ممن لم يتواتر النقل في فضله وكماله فالظاهر أن سابه فاسق إلا أن يسبه من حيث صحبته لرسول الله ﷺ فإن ذلك كفر. وغالب هؤلاء الرفضة الذين يسبون الصحابة لا سيما الخلفاء يعتقدون حقية سبهم أو إباحته بل وجوبه لأنهم يتقربون بذلك إلى الله تعالى ويرون ذلك من أجل أمور دينهم كما نقل عنهم ما أضل عقول قوم يتقربون إلى الله تعالى بما يوجب لهم خسران الدين والله الحافظ.
هذا وإني لا أعتقد كفر من كان عند الله مسلما ولا إسلام من كان عنده كافرا بل أعتقد من كان عنده كافرا كافرا، وما صح عن العلماء من أنه لا يكفر أهل القبلة فمحمول على من لم يكن بدعته مكفرة لأنهم اتفقت كلمتهم على تكفير من كانت بدعته مكفرة ولا شك أن تكذيب رسول الله ﷺ فيما ثبت عنه قطعا كفر والجهل في مثل ذلك ليس بعذر والله أعلم.
مطلب التقية:
ومنها إيجابهم التقية ورووا عن الصادق رضي الله عنه: (التقية ديني ودين آبائي) حاشاه عن ذلك. وفسر بعضهم قوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) أكثركم تقية وأشدكم خوفا من الناس، وقد قال ﷺ: (من فسر القرآن برأيه فقد كفر). ونقل علماؤهم عن أحد ثقاتهم أنه قال: (إن جعفر الصادق رضي الله عنه نام ليلة عندنا فتوضأ ماسحا أذنيه غاسلا رجليه وصلى ساجدا على اللبد عاقدا يديه فكنا نقول لعل الحق ذلك حتى سمعنا صيحة فرأينا رجلا ألقى بنفسه على قدميه يقبلهما ويبكي ويعتذر فسئل عن حاله فقال: كان الخليفة وأركان دولته يشكون فيك وأنا كنت من جملتهم فتعهدت بالفحص عن مذهبك وقد انتهزت الفرصة مدة مديدة حتى ظفرت هذه الليلة بأن دخلت الدار واختفيت ولم يطلع علي أحد فالحمد لله الذي أذهب ذلك عني وحسن اعتقادي يا ابن بنت رسول الله ﷺ ولم يبقني على سوء ظني، قال الشيخ: فعلمنا أن الله لا يخفي عن المعصوم شيئا وعلمنا أن هذه كانت تقية منه انتهى.
والمفهوم من كلامهم أن معنى أن التقية عندهم كتمان الحق أو ترك اللازم أو ارتكاب المنهي خوفا من الناس والله أعلم. فانظر إلى جهل هؤلاء الكذبة. وبنوا على هذه التقية المشئومة كتم علي نص خلافته ومبايعة الخلفاء الثلاثة وعدم تخليصه حق فاطمة رضي الله عنها من إرثها على زعمهم وعدم التعرض لعمر حين اغتصب بنته من فاطمة رضي الله عنها وغير ذلك، قالوا فعل ذلك تقية قبحهم الله. وقد وردت نصوص كثيرة عن علي وأهل بيته دالة على براءتهم عنها وإنما افتراها عليهم الرافضة لترويج مذهبهم الباطل وهذا يقتضي عدم الوثوق بأقوال أئمة أهل البيت وأفعالهم لاحتمال أنهم قالوها أو فعلوها تقية. وإن أرادوا بقوله ودين آبائي النبي ﷺ ومن بعده فقد جوزوا عليه عدم تبليغ ما أمره الله تبليغه خوفا من الناس، ومخالفة أمر الله في أقواله وأفعاله خوفا منهم ويلزم من هذا عدم الوثوق بنبوته، حاشاه عن ذلك. ومن جوز عليه ذلك فقد نقصه، ونقص الأنبياء عليهم السلام كفر، ما أشنع قول قوم يلزم منه نقص أئمتهم المبرإين عن ذلك.
مطلب سبهم عائشة رضي الله عنها المبرأة:
ومنها نسبتهم الصديقة الطيبة المبرأة عما يقولون فيها إلى الفاحشة وقد شاع في هذه الأزمنة بينهم ذلك كما نقل عنهم، قال تعالى: (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم. لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإن لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذابٌ أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوف رحيم، يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليهم) وقال تعالى: (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات والمؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرأون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم) وقد روى عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة رضي الله عنها أنها المبرأة المرادة من هذه الآيات، وروى سعيد ابن منصور وأحمد والبخاري وابن المنذر وابن مردويه عن أم رومان رضي الله عنها ما يدل أن عائشة رضي الله عنها هي المبرأة المقصودة بهذه الآيات، وروى البزار وابن مردويه بسند حسن عن أبي هريرة ما يوافق ما تقدم، وروى ابن مردويه والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنه مثلما سبق، وروى الطبراني وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما ما يطابق السابق وروى ابن مردويه والطبراني عن أبي إياس الأنصاري ما يوافق ما تقدم وروى ابن أبي حاتم والطبراني عن سعيد بن جبير ما يوافق ما تقدم، وروى الطبراني عن الحكم بن تيبة مثل ذلك وروى عن عبد الله بن الزبير ما يوافقه وروى عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود وعمرة بنت عبدالرحمن وعبدالله بن أبي بكر بن حزم وسلمة بن عبدالرحمن بن عوف والقاسم بن محمد بن أبي بكر والأسود بن يزيد وعباد بن عبدالله بن الزبير ومقسم مولى ابن عباس وغيرهم عن عائشة رضي الله عنها مثله. وكونها هي المبرأة المرادة من الآيات مشهور بل متواتر. فإذا عرفت هذا فاعلم أنه من قذفها بالفاحشة مع اعتقاده أنها زوجة رسول الله ﷺ وأنها بقيت في عصمته بعد هذه الفاحشة فقد جاء بكذب ظاهر واكتسب الإثم واستحق العذاب وظن بالمؤمنين سوءا وهو كاذب وأتى بأمر ظنه هينا وهو عند الله عظيم واتهم أهل بيت النبوة بالسوء ومن هذا الاتهام يلزم نقص النبي ﷺ ومن نقصه فكأنما نقص الله ومن نقص الله ورسوله فقد كفر وهو بفعله هذا خارج عن أهل الإيمان ومتبع لخطوات الشيطان وملعون في الدنيا والآخرة ومكذب الله في قوله تعالى: (والطيبات للطيبين) الآية ومن كذب الله فقد كفر ومن قذفها ما تقدم من القبائح، والحاصل أن قذفها كيفما كان يوجب تكذيب الله تعالى في إخباره عن تبرأتها عما يقول القاذف فيها، وقد قال بعض المحققين من السادة: (وأما قذفها الآن فهو كفر وارتداد ولا يكتفي فيه بالجلد لأنه تكذيب لسبع عشرة آية من كتاب الله كما مر فيقتل ردة وإنما اكتفى ﷺ بجلدهم أي من قذفها في زمنه مرة أو مرتين لأن القرآن ما كان أنزل في أمرها فلم يكذبوا القرآن وأما الآن فهو تكذيب للقرآن، أما نتأمل في قوله تعالى: (يعظكم الله أن تعودوا لمثله) الآية، ومكذب القرآن كافر فليس له إلا السيف وضرب العنق انتهى) ولا يخالف هذا قوله: (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا) الآية لأنه روى عبدالرزاق والفرياني وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في الصمت وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طرق ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: (فخانتاهما) أما خيانة امرأة نوح فكانت تقول للناس إنه مجنون وأما خيانة امرأة لوط فكانت تدل على الضيف فتلك خيانتهما. وروى ابن عساكر عن أشرس يرفعه إلى النبي ﷺ قال: (ما بغت امرأة نبي قط). وروى ابن جرير عن مجاهد: (لا ينبغي لامرأة كانت تحت نبي أن تفجر). ومن يقذف الطاهرة الطبية أم المؤمنين زوجة رسول رب العالمين ﷺ في الدنيا والآخرة كما صح ذلك عنه فهو من ضرْب عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين ولسان حال رسول الله ﷺ يقول: (يا معشر المسلمين من يعذرني فيمن آذاني في أهلي) (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا) فأين أنصار دينه ليقولوا نحن نعذرك يا رسول الله فيقومون بسيوفهم إلى هؤلاء الأشقياء الذين يكذبون الله ورسوله ويؤذونهما والمؤمنين فيبيدونهم ويتقربون بذلك إلى رسول الله ﷺ ويستوجبون بذلك شفاعته، اللهم إنا نبرأ إليك من قول هؤلاء المطرودين.
مطلب تكفير من حارب عليا:
ومنها تكفير من حارب عليا رضي الله عنه مرادهم بذلك عائشة وطلحة والزبير وأصحابهم ومعاوية وأصحابه، وقد تواتر منه ﷺ ما يدل على إيمان هؤلاء وكون بعضهم مبشرا بالجنة، وفي تكفيرهم تكذيب لذلك فإن لم يصيروا كفرة بهذا التكذيب فلا شك أنهم يصيرون فسقة وذلك يكفي في خسارتهم في تجارتهم.
مطلب استهانتهم بأسماء الصحابة:
ومنها استهانتهم بأسماء الصحابة ولا سيما العشرة وقد تواتر عنه ﷺ ما يدل على وجوب تعظيمهم وإكرامهم وقد أرشد الله تعالى على ذلك في مواضع من كتابه. ويلزم من إهانة هؤلاء إباهم استحقاقهم لذلك عندهم، ومن اعتقد منهم ما يوجب إهانتهم فقد كذب رسول الله ﷺ فيما أخبر من وجوب إكرامهم وعظيمهم، ومن كذبه فيما ثبت عنه قطعا فقد كفر.
ومن عجب أنهم يتجنبون التسمية بأسماء الأصحاب ويسمون بأسماء الكلاب، فما أبعدهم عن الصواب وأشبههم بأهل الضلال والعقاب.
مطلب انحصار الخلافة في اثنى عشر:
ومنها دعواهم انحصار الخلافة في اثني عشر فإنهم كلهم بالنص والابصار عمن قبله وهذه دعوى بلا دليل مشتملة على كذب فبطلانها أظهر من أن يبين ويتوسلون بها على بطلان خلافة من سواهم في ذلك تكذيب لنصوص واردة في خلافة الخلفاء الراشدين وخلافة قريش.
مطلب العصمة:
ومنها إيجابهم العصمة للاثنى عشر بناء على أن العصمة عندهم شرط في الإمامة وبطلان هذا أظهر ويلزم من اعتقادهم هذا مشاركة الأئمة الاثنى عشر الأنبياء في وصف العصمة، فإن قلنا: إنها مخصوصة بهم لا توجد في غيرهم أو لا تلزم لغيرهم فإثباتها للأئمة جرم جسيم، قال في التجريد: (الإمام لطف فيجب نصبه على الله تحصيلا للغرض)، قال شارحه (اختلفوا في أن الإمام هل يجب أن يكون معصوما أم لا فذهبت الإمامية والإسماعيلية إلى وجوبه والباقون بخلافه) ثم قال في المتن وامتناع التسلسل: (يوجب عصمة الإمام) إلى آخر ما ذكر والظاهر أن إيجاب العصمة لأئمتهم من أكذابهم وافترائهم، لم يرد به دليل من الكتاب ولا من السنة ولا من الإجماع ولا من القياس الصحيح ولا من العقل السليم قاتلهم الله أنى يؤفكون.
مطلب فضل الإمام علي رضي الله عنه:
ومنها: أنه قال ابن المطهر الحلي (اجتمعت الإمامية على أن عليا بعد نبينا أفضل من الأنبياء غير أولي العزم وفي تفضيله عليهم خلاف قال وأنا من المتوقفين في ذلك وكذلك الأئمة من آله) وقال الطوسي في تجريده: (وعلي أفضل الصحابة لكثرة جهاده... إلى أن قال وظهور المعجزات عنه واختصاصه بالقرابة والأخوة ووجوب المحبة والنصرة ومساواة الأنبياء انتهى) وقال الشارح: (ويؤيده قوله ﷺ: (من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في تقواه وإلى إبراهيم في حلمه وإلى موسى في هيبته وإلى عيسى في عبادته فلينظر إلي علي بن ابي طالب) فإنه أوجب مساواته الأنبياء في صفاتهم انتهى). وفي صحة هذا نظر وبعد فرض صحته لا يوجب المساواة لأن المشاركة في بعض الأوصاف لا تقتضي المساواة كما هو بديهي. ومن اعتقد في غير الأنبياء كونه أفضل منهم ومساويا لهم فقد كفر. وقد نقل على ذلك الإجماع غير واحد من العلماء فأي خير في قوم اعتقادهم يوجب كفرهم.
مطلب نفي ذرية الحسن رضي الله عنه:
ومنها قولهم: إن الحسن بن علي لم يعقب وأن عقبه انقرض وأنه لم يبق من نسله الذكور أحد وهذا القول شائع فيهم وهم مجمعون عليه ولا يحتاج إلى إثباته كذا قيل. ومنهم من يدعي أن الجاج مثلهم كلهم وتوصلوا بذلك على أن يحصروا الإمامة في أولاد الحسين ومنهم في اثني عشر وأن يبطلوا إمامة من قام بالدعوة من آل الحسن مع فضلهم وجلالتهم واتفاقهم بشروط الإمامة ومبايعة الناس لهم وصحة نسبتهم ووفور علمهم بحيث أنهم كلهم بلغوا درجة الاجتهاد المطلق فقالتهم الله أنى يؤفكون. انظر إلى هؤلاء الأعداء لآل البيت المؤذين رسول الله ﷺ وفاطمة بإنكار نسب من يثبت نسبه قطعا أنه من ذرية الحسن رضي الله عنه. وثبوت نسب ذريته متواتر لا يخفى على ذي بصيرة، وقد عد ﷺ الطعن في الأنساب من أفعال الجاهلية، وقد ورد ما يدل على أن المهدي من ذرية الحسن رضي الله عنه كما رواه أبو داود وغيره.
مطلب خلافهم في خروج غيرهم من النار:
ومنها أنه قال الحلي في شرح التجريد: (واختلف الأئمة في غير الاثنى عشرية من الفرق الإسلامية هل يخرجون من النار ويدخلون الجنة أم يخلدون فيها بأجمعهم قال: والأكثرون على الثاني، وقال شرذمة بالأول، وقال ابن نوبخت (يخرجون من النار ولا يدخلون الجنة بل هم بالأعراف) انتهى. وهذا مبني على أن مذهبهم اعتقادهم أهل الجنة كفارا أو فساقا مع اعتقادهم أن الفاسق لا يخرج من النار أبدا، وهذا يستلزم تكذيب ما صح عنه ﷺ من إخراج عصاة الموحدين من النار وما ورد في فضل السواد الأعظم الذين هم أهل السنة. وقد صح أن الصحابة وأخيار التابعين مذهب أهل السنة مذهبهم. وقولهم هذا يشبه قول أهل الكتاب حيث قالوا: (لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى) وكذلك هؤلاء يقولون بأفواههم لن يدخل الجنة إلا من كان رافضيا. انظر كيف يفترون على الله الكذب بل أفعالهم تقتضي حرمانهم عنها.
مطلب مخالفتهم أهل السنة:
ومنها أنهم جعلوا مخالفة أهل السنة والجماعة الذين هم على ما (عليه) رسول الله ﷺ وأصحابه أصلا للنجاة فصاروا كلما فعل أهل السنة تركوه وإن تركوا شيئا فعلوه. فخرجوا بذلك عن الدين رأسا فإن الشيطان سول لهم وأملى لهم. وادعوا بأن هذه المخالفة علامة أنهم الفرقة الناجية. وقد قال ﷺ: (الفرقة الناجية الناجية هي السواد الأعظم وما أنا عليه وأصحابي). فلينظر إلى الفرق ومعتقداتهم وأعمالهم فما وافقت النبي ﷺ وأصحابه هي الفرقة الناجية. وأهل السنة هم المتبعون لآثاره ﷺ وآثار أصحابه كما لا يخفى على منصف ينظر بعين الحق فهم أحق أن يكونوا الفرقة الناجية وآثار النجاة الظاهرة فيهم لاستقامتهم على الدين من غير تحريف وظهور مذهبهم وشوكتهم في غالب البلاد ووجود العلماء المحققين والمحدثين والأولياء والصالحين فيهم وقد نزع الولاية عن الرافضة فما سُمع فيهم ولي قط.
مطلب الرجعة:
ومنها: أنه ما قال أضلهم محمد بن بابويه القمي في عقائده في مبحث الإيمان بالرجعة فإنهم عليهم الصلاة قالوا: من لم يؤمن برجعتنا فليس منا وإليه ذهب جميع علمائهم قالوا إن النبي ﷺ وعليا رضي الله عنه والأئمة الاثنى عشر يحيون في آخر الزمان ويحشرون بعد خروج المهدي وبعد قتله الدجال ويحيى كل من الخلفاء الثلاثة وقتلة الأئمة فيقتل النبي ﷺ الخلفاء حدا والقتلة قصاصا ويصلبون الظالمين ويبتدئون بصلب أبي بكر وعمر على شجرة فمن قائل يقول: إن تلك تكون رطبة فتجف تلك الشجرة بعد أن صلبا عليها فيضل بذلك خلق كثير من أهل الحق، ويقولون ظلمناهم ومن قائل يقول: الشجرة تكون يابسة فتخضر بعد الصلب ويهتدي به جم غفير من محبيهما، قيل ذكروا في كتبهم أن تلك الشجرة نخلة وأنها تطول حتى يراها أهل المشرق والمغرب وأن الدنيا تبقى بعد ذلك خمسين ألف سنة وقيل مائة وعشرين ألف سنة لكل إمام من الاثنى عشر اثنى عشر ألف سنة، وقال بعضهم إلا المهدي فإن له ثمانين ألف سنة ثم يرجع آدم ثم شيث ثم إدريس ثم نوح ثم بقية الأنبياء إلى أن ينتهي إلى المهدي وأن الدنيا غير فانية وأن الآخرة غير آتية كذا نقل عنهم والله أعلم.
فانظر أيها المؤمن إلى سخافة رأي هؤلاء الأغبياء يختلقون ما يرده بديهة النقل وصراحة النقل. وقولهم هذا مستلزم تكذيب ما ثبت قطعا في الآيات والأحاديث من عدم رجوع الموتى إلى الدنيا. فالمجادلة مع هؤلاء الحمر تضيع الوقت، لو كان لهم عقل لما تكلوا أي (شيء) يجعلهم مسخرة للصبيان ويمج كلامهم أسماع أهل الإيقان لكن الله سلب عقولهم وخذلهم في الوقيعة في خُلص أوليائه لشقاوة سبقت لهم.
مطلب زيادتهم في الأذان:
ومنها: زيادتهم في هذه الأزمنة في الأذان والإقامة وفي التشهد بعد الشهادتين: أن عليا ولي الله، وهذه بدعة مخالفة للدين لم يرد بها كتاب ولا سنة ولم يكن عليها إجماع ولا فيها قياس صحيح ومخالفة لأهل مذهبهم، فردها لا يحتاج إليه.
مطلب الجمع بين الصلاتين:
ومنها: تجويزهم الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير عذر. وقد روى الترمذي قال قال رسول الله ﷺ: (من جمع بين صلاتين بغير عذر فقد أتى بابا من الكبائر). وقد ورد أن من أشراط الساعة تأخير الصلاة عن أوقاتها. وما روى عن ابن عباس رضي الله عنه من الجمع بين العصرين والعشاءين فمؤول بتأخير الأولى إلى آخر وقتها وأداء الأخرى في أول وقتها والله أعلم. قيل إن سبب جمعهم بين الظهرين والمغربين طول الدهر مع اختيار التأخير فيهما هو أنهم ينتظرون القائم المختفي في السرادب ليقتدوا به فيؤخرون الظهر إلى العصر على قريب غروب الشمس فإذا يئسوا من الإمام واصفرت الشمس وصارت بين قرني الشيطان نقروا عند ذلك كنقر الديك فصلوا الصلاتين من غير خشوع ولا طمأنينة فرادى من غير جماعة ورجعوا خائبين خاسرين. نسأل الله العفو والعافية. وقد صاروا بذلك وبوقوفهم بالجبل على ذلك السرادب وصياحهم بأن يخرج إليهم ضحكة لأولي اللباب ولقد أحسن القائل شعرا:
ما آن للسرداب أن يلد الذي كلمتوه بجهلكم ما آنا
فعلى عقولكم العفاء فإنكم ثلثتم العنقاء والغيلانا
مطب العصمة:
ومنها: اشتراكهم كون الإمام معصوما وإيجابهم على الله عدم إخلاء الزمان من إمام معصوم وحصر الإمام المعصومين في اثنى عشر. وبطلان هذا وتناقضه واشتماله على سوء الأدب مع الله أظهر من أن يذكر. وأبطلوا بهذا القول الباطل الجماعة في الصلاة التي هي من أعلى شعائر الإسلام لكنهم ليس لهم نصيب منها فحرموا هذه الكرامة العلية.
مطلب المتعة:
ومنها: إباحتهم نكاح المتعة بل يجعلونها خيرا من سبعين نكاحا دائما. وقد جوز لهم شيخهم الغالي علي بن العالي أن يتمتع اثنا عشر نفسا في ليلة واحدة بامرأة واحدة وإذا جاءت بولد منهم أقرعوا فمن خرجت قرعته كان الولد له. قلت هذا مثل أنكحة الجاهلية التي أبطلها الشرع كما في الصحيح. وعن علي رضي الله عنه أنه قال [ إن ] رسول الله ﷺ نهى عن نكاح المتعة. رواه البخاري ومسلم وغيرهما. وعن سلمة ابن الأكوع رضي الله عنه أنه ﷺ أباح نكاح المتعة ثم حرمها رواه الشيخان. وروى مسلم في صحيحه عن سبرة نحو ذلك. وعن ابن عمر: (نهانا عنها يعني المتعة رسول الله ﷺ) رواه الطبراني بإسناد قوي. وقد نقل عن ابن عباس رجوعه عنها وروى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه: (هدم المتعة الطلاق والعدة والميراث) وإسناده حسن. وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: (كانت المتعة في أول الإسلام حتى نزلت هذه الآية: (حرمت عليكم) وتصديقها من القرآن (إلا على أزواجهم أو ما ملكت إيمانهم) (وما سوى هذا فهو حرام) رواه الطبراني والبيهقي. والحاصل: أن المتعة كانت حلالا ثم نسخت وحرمت تحريما مؤبدا فمن فعلها فقد فتح على نفسه باب الزنا.
مطلب النكاح بلا ولي وشهود:
ومنها: إباحتهم النكاح بلا ولي ولا شهود وهذا هو الزنا بعينه. قال الحلي منهم: (ولا يشترط في نكاح الرشيدة الولي ولا يشترط الشهود في شيء من الأنكحة ولو تآمروا على الكتمان لم يبطل) انتهى. عن عمران بن حصين أنه ﷺ قال: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) رواه الشافعي والطبراني والدارقطني والبيهقي. وهذا وإن كان منقطعا فإن أهل العلم يقولون به. وعن أبي موسى قال قال رسول الله ﷺ: (لا نكاح إلا بولي) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم وقال: وقد صحت الرواية فيه عن أزواج النبي ﷺ عائشة وزينب بنت جحش قال: وفي الباب عن علي أنه قال: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) وابن عباس وغيرهما وسرد تمام ثلاثين صحابيا. وعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: قال رسول الله ﷺ: (أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل) رواه الشافعي وأحمد وابو داود والترمذي وابن ماجه وأبو عوانة وابن حبان والحاكم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ: (لا تنكح المرأة المرأة ولا نفسها إنما الزانية التي تنكح نفسها) وفي لفظ: (التي تنكح نفسها هي الزانية) رواه ابن ماجه والدارقطني. وعن عكرمة بن خالد قال: (جمعت الطريق ركبا فجعلت امرأة منهن ثيب أمرها بيد رجل غير ولي فأنكحها فبلغ ذلك عمر فجلد الناكح والمنكح) رواه الشافعي والدارقطني. وروى الدارقطني عن الشعبي قال: (ما كان أحد من أصحاب النبي ﷺ أشد في النكاح من علي بن أبي طالب كان يضرب فيه) رواه الشافعي والدارقطني. (قد روى ابن خيثمة مرفوعا: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) وعن أبي هريرة مرفوعا وموقوفا: (لا نكاح إلا بأربعة خاطب وولي وشاهدين) وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: (أدنى ما يكون في النكاح أربعة الذي يتزوج والذي يزوج وشاهدان) رواه ابن أبي شيبة وصححه البيهقي ورواه الدارقطني وعن عائشة رضي الله عنها نحو ذلك. وروى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنه (أن النبي ﷺ قال: (البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بينة). وروى مالك عن أبي الزبير أن عمر أتى بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة قال: (هذا نكاح السر ولا أجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمته). وعن عبد الله بن الزبير أن النبي ﷺ قال: (أعلنوا النكاح) رواه أحمد والحاكم وصححه. قال بعض السادة: وإذا طرق سمعك ما سردنا عليك من الأحاديث فقد ظهر لك بطلان مذهبهم في تجويزهم النكاح بغير ولي ولا شهود والله أعلم.
مطلب وطء الجارية بالإباحة:
ومنها: تجويزهم وطء الجارية للغير بالإباحة. قال الحلي: يجوز إباحة الأمة للغير بشرط كون المبيح مالكا لرقته جائز التصرف وكون الأمة مباحة بالنسبة إلى من أبيحت له. ويكفي في رد هذا الباطل قوله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) ومعلوم قطعا أن وطأها ليس بالنكاح ولا بملك اليمين وقوله تعالى: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء).
مطلب الجمع بين المرأة وعمتها:
ومنها: تجويزهم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها. وعلى هذا ما ورد عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ: (لا تنكح المرأة على عمتها ولا العمة على بنت أخيها ولا المرأة على خالتها والخالة على بنت أختها لا الصغرى على الكبرى ولا الكبرى على الكبرى) رواه البزار. وعن ابن عباس رضي الله عن النبي ﷺ: (لا تنكح المرأة على عمتها) بمثل حديث علي رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان وزاد عن ابن عباس: (إنكم إذا فعلتم قطعتم أرحامكم). وروى ابن ماجة عن أبي سعيد نحوه وروى ابن حبان عن ابن عمر رضي الله عنه نحوه وروى أبو داود والترمذي والنسائي عن جابر نحو ذلك وكلها مرفوعة. ونقل ابن عبد البر الإجماع على حرمة ذلك. وبهذا وأمثاله تعرف أن الرافضة أكثر الناس تركا لما أمر الله وإتيانا لما حرمه وأن كثيرا منهم ناشئ عن نطفة خبيثة موضوعة في رحم حرام ولذا لا ترى منهم إلا الخبيث اعتقادا وعملا. وقد قيل كل شيء يرجع إلى أصله.
مطلب إباحتهم - أبعدهم الله - إتيان المرأة في دبرها:
ومنها إباحتهم إتيان الزوجة والمملوكة في الدبر. وقد صح عن النبي ﷺ وأصحابه ما يدل على أن المراد من قوله: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) هو الإتيان في القبل وإليه يرشد لفظ الحرث بل هو نص في ذلك. وقد ورد عنه ﷺ لعن من فعل ذلك في الدبر وإطلاق الكفر عليه فهو خليق أن يكون حراما قطعيا يخاف على مستحله الكفر، الله الحافظ.
مطلب مسح الرجلين:
ومنها: إيجابهم المسح على الرجلين ومنعهم غسلهما والمسح على الخفين. وقد صح عن رسول الله ﷺ الذي قال الله فيه: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل غليهم) برواية علي رضي الله عنه غسلهما والأمر به، وكذا عنه برواية عثمان وابن عباس وزيد بن عاصم ومعاوية بن مرة والمقداد بن معد يكرب وأنس وعائشة وأبي هريرة وعبد الله بن عمر وعمرو بن عنبسة وغيرهم. وقد صح عنه: (ويل للأعقاب من النار). فمجموع ما ورد عنه في غسلهما فعلا وقولا يفيد العلم الضروري اليقيني ومن أنكر ذلك فقد أنكر المتواتر وحال منكره معلوم أقل مراتبه أن يكون فاسقا بل تكون صلاته باطلة فيبعث يوم القيامة مصليا بلا طهارة شرعية والله أعلم. وقد صح عنه ﷺ برواية نحو خمسين عن الصحابة أو ثمانين أو أزيد المسح على الخفين، فمنكره مبتدع. فلا خير في قوم يتركون المتواتر من فعله ﷺ الذي يجب اتباعه في جميع أموره، من اتبعه وصل ومن لم يتبعه ضل وانفصل. أحيانا الله على سنته وأماتنا على ملته وحشرنا في زمرته.
مطلب الطلاق بالثلاث في لفظ واحد:
ومنها: قولهم: إن من طلق امرأته بالثلاث في لفظ واحد لا يقع شيء. وهذا مخالف للأحاديث الصحيحة وإجماع أهل الإسلام، فإنهم أجمعوا على وقوع الطلاق وإنما اختلافهم في عدد الطلاق أهي واحدة أم ثلاث. روى ابن ماجة عن الشعبي قال: قلت لفاطمة بنت قيس: حدثيني عن طلاقك قالت: (طلقني زوجي ثلاثا وهو خارج على اليمن فأجاز ذلك رسول الله ﷺ). وروى البيهقي عن علي رضي الله عنه فيمن طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها قال: (لا تحل حتى تنكح زوجا غيره). وروى ابن عدي عنه: (إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا في مجلس واحد فقد بانت منه ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره). وروى البيهقي عن مسلمة بن جعفر الأحمس قال: قلت لجعفر بن محمد أن قوما يزعمون أن من طلق ثلاثا بجهالة رد إلى السنة يجعلونها واحدة يروونها عنكم قال: معاذ الله أن يكون هذا من قولنا من طلق ثلاثا فهو كما قال. وتعرف بهذا وأضرابه افتراء الرافضة الكذبة على أهل البيت وأن مذهبهم مذهب أهل السنة والجماعة. وروي عن غير واحد من الصحابة ما يوافق هذا، وروي عن الحسن رضي الله عنه ما يؤيد ذلك. فهؤلاء الإمامية خارجون عن السنة بل عن الملة واقعون في الزنا. وما أكثر ما فتحوا على أنفسهم أبواب الزنا في القبل والدبر فما أحقهم بأن يكونوا أولاد الزنا – حمانا الله وإياكم معاشر الإخوان من اتباع خطوات الشيطان.
مطلب نفي القدر:
ومنها: قولهم إن الله لم يقدر شيئا في الأزل وأن الله لم يرد شرا ولا يريده، وقد روى مسلم أن قوله تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر) نزل حين نازل المشركون فيه، وقد قال بعض السادة: قد رويت في إثبات القدر وما يتعلق به أحاديث رويت عن أكثر من مائة صحابي رضي الله عنهم. وقد ورد عنه ﷺ: (لكل أمة مجوس ومجوس هذه الأمة الذين يقولون لا قدر). فإذا علمت ذلك فاعلم أن الله علم الأشياء قبل وجودها إجمالا وتفصيلا كلية وجزئية وعلم ما يتعلق به وقدر في الأزل لكل شيء قدرا فلا يزيد ولا ينقص ولا يتقدم ولا يتأخر وأنه لا يوجد شيء إلا بإرادة الله ومشيئته والله بكل شيء عليم وما قدر الله يكون وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. وثبت ذلك ببداهة العقل وتواتر النقل وعلم يقينا، فمن أنكر هذا البديهي والمتواتر فإن لم يصر كافرا فلا أقل (من) أن يصير فاسقا.
مطلب مشابهتم اليهود:
ومن قبائحهم تشابههم باليهود ولهم بهم مشابهات منها: أنهم يضاهون اليهود الذين رموا مريم الطاهرة بالفاحشة بقذف زوجة رسول الله ﷺ عائشة المبرأة بالبهتان وسلبوا بسبب ذلك الإيمان، ويشابهونهم في قولهم إن دينا بنت يعقوب خرجت وهي عذراء فافترعها مشرك بقولهم إن عمر اغتصب بنت علي رضي الله عنه، وبلبس التيجان فإنها من ألبسة اليهود وبقص اللحى أو حلقها أو إعفاء الشوارب، هذا دين اليهود وإخوانهم من الكفر. ومنها أن اليهود مسخوا قردة وخنازير وقد نقل أنه وقع ذلك لبعض الرافضة في المدينة المنورة وغيرها بل قد قيل إنهم تمسخ صورهم ووجوههم عند الموت والله أعلم.
مطلب تركهم الجمعة والجماعة:
ومنها (ترك) الجمعة والجماعة وكذلك اليهود فإنه لا يصلون إلا فرادى. ومنها: تركهم قول آمين وراء الإمام في الصلاة فإنه لا يقولون آمين يزعمون أن الصلاة تبطل به. (ومنها: تركهم تحية السلام فيما بينهم وإذا سلموا فعلوا بعكس السنة). ومنها: خروجهم من الصلاة بالفعل وتركهم السلام في الصلاة فإنها يخرجون من الصلاة من غير سلام بل يرفعون أيديهم ويضربون بها على ركبهم كأذناب الخيل الشمس. ومنها: شدة عدوانهم للمسلمين وأخبر الله عن اليهود: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود)، وكذلك هؤلاء أشد الناس عداوة لأهل السنة والجماعة حتى أنهم يعدونهم أنجاسا فقد شابهوا اليهود في ذلك. ومن خالطهم لا ينكر وجود ذلك فيهم.
ومنها: أنهم يجمعون بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها يشابهون اليهود فإنهم كانوا يجمعون في شرع يعقوب بين الأختين.
ومنها: قولهم إن من عداهم من الأمة لا يدخلون الجنة بل يخلدون في النار وقد قال اليهود والنصارى: (لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى). ومنها: اتخاذهم الصور الحيوانية كاليهود والنصارى، وقد ورد الوعيد الشديد في تصوير الصور ذوات الأرواح. في البخاري وغيره أنه قال رسول الله ﷺ: (لعن الله المصورين) وأنه قال: (إن المصور يكلف يوم القيامة أن ينفخ الروح فيما صوره وليس بنافخ) ولا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ذات روح.
ومنها: تخلفهم عن نصر أئمتهم كما خذلوا عليا وحسينا وزيدا وغيرهم رضي الله عنهم قبحهم الله ما أعظم دعواهم في حب أهل البيت وأجنبهم عن نصرهم، وقد قال اليهود لموسى: (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون). ومنها: أن اليهود مسخوا وقد روي: إن كان خسف ومسخ ففي المكذبين بالقدر وهؤلاء مكذبون به. وقد خسف بقرى كثيرة مرات عديدة من بلاد العجم. ومنها: أن اليهود ضربت عليهم الذلة والمسكنة أينما كانوا وكذلك هؤلاء ضربت عليهم الذلة حتى أحيوا التقية من شدة خوفهم وذلهم.
ومنها: أن اليهود يكتبون الكتاب بأيديهم ويقولون: هذا من عند الله وكذلك هؤلاء يكتبون الكذب ويقولون هذا من كلام الله تعالى ويفترون الكذب على رسول الله ﷺ وأهل بيته رضي الله عنهم.
مطلب مشابهتهم النصارى:
ومن مشابهتهم النصارى: أنهم عبدوا المسيح كذلك غلاة هؤلاء عبدوا عليا وأهله رضي الله عنهم. ومنها أن النصارى أطرت عيسى كذلك غلاة الرافضة أطروا أهل البيت حتى ساووهم بالأنبياء.
ومنها: جماعهم النساء في الأدبار حالة الحيض وكانت النصارى تجامع النساء في المحيض.
ومنها: أن لبس بعضهم يشبه لبس النصارى.
مشابهتهم المجوس:
ومن مشابهتهم المجوس: أنهم قالوا بإلهين النور والظلمة، وهؤلاء يقولون: الله خالق الخير والشيطان خالق الشر. ومنها أن المجوس ينكحون المحارم كذلك غلاة الشيعة يفعلون ذلك. ومنها: المجوس تناسخيون وكذلك في غلاتهم تناسخيون. ومن قبائح هؤلاء الرفضة أنهم يتخذون يوم موت الحسين رضي الله عنه مأتما فيتركون الزينة ويظهرون الحزن ويجمعون النوائح يبكين ويصورون صورة قبور الحسين رضي الله عنه ويزينونها ويطوفون بها في السكك ويقولون: يا حسين ويسرفون في ذلك إسرافا محرما وكل ذلك بدعة. أما ترك الزينة فمن الإحداد الذي حرمه رسول الله ﷺ كما ورد ذلك في الصحيح. وأما النياحة فمن أعظم منكرات الجاهلية. ويترتب على ما يفعلون من المنكرات والمحرمات كما لا يحصى. وكل ذلك بدعة ومنكر وفاعله والراضي به والمعين عليه والأجير فيه كلهم مشاركون في البدعة. فاللازم على كل مؤمن منع هؤلاء المبتدعة من هذه البدعة القبيحة. ومن سعى في إبطالها مخلصا لله تعالى يرجى له الثواب الجزيل. قال الشيخ ابن تيمية الحنبلي الحراني رحمه الله: (اعلم وفقني الله وإياك أن ما أصيب به الحسين رضي الله عنه من الشهادة في يوم عاشوراء إنما كان كرامة من الله عز وجل أكرمه بها ومزيد حظوة ورفع درجة عند ربه وإلحاقا له بدرجات أهل بيته الطاهرين وليهينن من ظلمه واعتدى عليه وقد قال النبي ﷺ لما سئل أي الناس أشد بلاء قال: الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه وإن كان في دينه رقة خفف عنه ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة. فالمؤمن إذا حضر يوم عاشوراء وذكر ما أصيب به الحسين يشتغل بالاسترجاع ليس إلا كما أمره المولى عز وجل عند المصيبة ليحوز الأجر الموعود في قوله: (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) ويلاحظ ثمرة البلوى وما أعده الله للصابرين حيث قال: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) ويشهد أن ذلك البلاء من المبلي فيغيب برؤية وجدان مرارة البلاء وصعوبته قال تعالى: (فاصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا). وقيل لبعض الشطار متى يهون عليك الضرب والقطع فقال إذا كنا بعين من نهواه فنعد البلاء رخاء والجفاء وفاء والمحنة منحة. فالعاقل يستحضر مثل هذا في ذلك الوقت ويستصغر ما يرد عليه من مصائب الدنيا وشدائدها وبلائها ويتسلى ويتعزى بما يصيبه من ذلك ويشتغل يومه ذلك بما استطاع من الطاعات والأعمال الصالحات لحثه ﷺ على صوم يوم عاشوراء فبكل ذلك يصرف زمانه في أنواع القربات عسى أن يكتب من محبي أهل القربى ولا يتخذه للندب والنياحة والحزن كفعل الجهلة إذ ليس ذلك من أخلاق أهل البيت النبوي ولا من طريقهم ولو كان ذلك من طرائقهم لاتخذ الأمة يوم وفاة نبيهم ﷺ مأتما في كل عام. فما هذا إلا من تزيين الشيطان وإغوائه.) قال الشيخ عقب ذكر ذلك: (وهذا كما زين لقوم آخرين معارضة هؤلاء في فعلهم فاتخذوا هذا اليوم عيدا وأخذوا في إظهار الفرح والسرور إما لكونهم من النواصب المتعصبين على الحسين رضي الله عنه وأهل بيته وإما من الجهال المقابلين للفساد بالفساد والشر بالشر والبدعة، فأظهروا الزينة كالخضاب ولبس الجديد من الثياب والاكتحال وتوزيع النفقات وطبخ الأطعمة والحبوب الخارجة عن العادات. ويفعلون فيه ما يفعل في الأعياد ويزعمون أن ذلك من السنة والمعتاد. والسنة ترك ذلك كله فإنه لم يرد في ذلك شيء يعتمد عليه ولا أثر صحيح يرجع إليه... إلى أن قال: فصار هؤلاء لجهلهم يتخذون يوم عاشوراء موسما كموسم الأعياد والأفراح وأولئك يتخذون مأتما يقيمون فيه الأحزان والأتراح. وكلا الطائفتين مخطئة خارجة عن السنة متعرضة للحرم والجناح) انتهى.
وقال ابن القيم: (وأما أحاديث الاكتحال والأدهان والتطيب يوم عاشوراء فمن وضع الكذابين وقابلهم الآخرون فاتخذوه يوم تألم وحزن والطائفتان مبتدعتان خارجتان عن السنة. وأما ما يحكى عن الرافضة من تحريم لحوم الحيوانات المأكولة يوم عاشوراء حتى يقرأوا كتاب مصرع الحسين رضي الله عنه فمن الجهالات والأضحوكات لا يفتقر في إبطالها إلى دليل. حسبنا الله ونعم الوكيل. انتهى كلام الشيخ بنوع اختصار. وقبائح هذه الطائفة أكثر من أن تذكر وفضائحهم أشهر من أن تشهر وفي هذا القدر كفاية في معرفة مذهبهم الكاسد وقولهم الفاسد.
مطلب الخاتمة رزقنا الله حسنها:
خاتمة: جاء في المطالب العالية عن نوف البكالي أن عليا رضي الله عنه خرج يوما للمسجد وقد أقبل إليه جندب بن نصير والربيع بن خيثم وابن أخيه همام بن خيثم وكان من أصحاب البرانس المتعبدين فأفضى علي وهم معه إلى نفر فأسرعوا إليه قياما وسلموا عليه التحية ثم قال: من القوم؟ فقالوا أناس من شيعتك يا أمير المؤمنين. فقال لهم خيرا ثم قال: يا هؤلاء مالي لا أرى فيكم سمة شيعتنا وحلية أحبتنا فأمسك القوم حياء. فأقبل عليه جندب والربيع فقالا له: ما سمة شيعتكم يا أمير المؤمنين؟ فسكت فقام همام وكان عابدا مجتهدا (وقال) أسألك بالذي أكرمكم أهل البيت وخصكم وحباكم لما أنبأتنا بصفة شيعتكم قال: فسأنبئكم جميعا ووضع يده على منكب همام وقال: شيعتكم العارفون بالله العاملون بأمر الله أهل الفضائل الناطقون بالصواب مأكولهم القوة وملبوسهم الاقتصاد وشيمهم التواضع لله بطاعته وخضعوا إليه بعبادته مضوا غاضين أبصارهم عما حرم الله عليهم موقفين أسماعهم على العلم بدينهم نزلت أنفسهم منهم بالبلاء كالذي نزلت منهم في الرخاء رضا عن الله بالقضاء فلولا الأجال التي كتب الله لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا على لقاء الله تعالى والثواب وخوفا من أليم العقاب عظم الخالق في أنفسهم وصغر ما دونه في أعينهم فهم والجنة كمن رآها فيهم على أرائكها متكئون والنار من رآها فهم فيها معذبون صبروا أياما قليلا فأعقبهم راحة طويلة أرادتهم الدنيا فلم يريدوها وطلبتهم فأعجزوها، أما الليل فصافون أقدامهم تالون لأجزاء القرآن ترتيلا يعظون أنفسهم بأمثاله يستشفون لدائهم بدوائه تارة وتارة مفترشون جباههم وأكفهم وركبهم وأطراف أقدامهم تجري دموعهم على خدودهم يمجدون جبارا عظيما ويجأرون إليه في فكاك رقابهم هذا ليلهم، وأما نهارهم فحلماء علماء بررة أتقياء برَاهم خوف باريهم كالقداح تحسبهم مرضى وقد خولطوا وما هم بذلك بل خامرهم من عظمة ربهم وشدة سلطانه ما طاشت له قلوبهم وذهلت عنه عقولهم فإذا أشفقوا من ذلك بادروا إلى الله تعالى بالأعمال الزكية لا يرضون له بالقليل ولا يستكثرون له الجزيل فهم لأنفسهم متهمون ومن أعمالهم مشفقون ترى لأحدهم قوة في دين وحزما في لين وإيمانا في يقين وحرصا على علم وفهما في فقه وعلما في حلم وكيسا في قصد وقصدا في غناء وتجملا في فاقة وصبرا في شدة وخشوعا في عبادة ورحمة لمجهود وإعطاء في حق ورفقا في كسب وطلبا في حلال ونشاطا في هدوء واعتصاما في شهوة لا يغره ما أجهله ولا يدع إحصاء ما عمله يستبطيء نفسه في العمل وهو من صالح عمل على وجل يصبح وشغله الذكر ويمسي وهمه الشك يبيت حذرا سنة النفل ويصبح فرحا بما أصاب من الفضل والرحمة ورغبته فيما يبقى وزهادة فيما يفنى وقد قرن العلم بالعمل والحلم بالعلم دائما نشاطه بعيدا كسله قريبا أمله قليلا زلَله متوقعا أجله خاشعا قلبه ذاكرا ربه قانعة نفسه محرزا دينه كاظما غيظه آمنا منه جاره سهلا أمره معدوما كبره بينا صبره كثيرا ذكره لا يعمل شيئا من الخير رياء ولا يتركه حياء أولئك شيعتنا وأحبتنا ومنا ومعنا ألا شوقا إليهم. فصاح همام صيحة فوقع مغشيا عليه فحركوه فإذا هو قد فارق الدنيا فغسل وصلى عليه أمير المؤمنين رضي الله عنه ومن معه. قال الشيخ: (فهذه صفة شيعة أهل البيت النبوي التي وصفهم بها إمامهم وهي صفة خواص المؤمنين لا من اشتغل بالتعصبات والترهات لأن بتلك الصفات تظهر علامة المحبة وهو طاعة المحبوب وإيثار محابه ومرضاته والتأدب بآدابه وأخلاقه وعن هذا قال علي رضي الله عنه: (لا يجتمع حبي وبغض أبي بكر وعمر). لأن التحقيق بالمحبة يستوجب التخلق بخلق المحبوب والأخذ بهديه وحب من أحبه. ومن هدي علي رضي الله عنه حب أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم. منحنا الله وإياكم ذلك وجعلنا من الفائزين برسول الله ﷺ وأهله وأصحابه أجمعين آمين آمين آمين.
(فرغت من كتابتها في الساعة الواحدة من الليلة الرابعة من شهر ذي الحجة سنة 1325هـ ببغداد صانها الله من الفساد.)