رسالة بايزيد الثاني إلى قانصوه الغوري يهنئه بمناسبة توليه عرش السلطنة المملوكية

​رسالة بايزيد الثاني إلى قانصوه الغوري يهنئه بمناسبة توليه عرش السلطنة المملوكية​ المؤلف بايزيد الثاني
ملاحظات: وردت هذه الرسالة بِاللُغة العربيَّة في المُجلَّد الأوَّل من كتاب «مجموعة مُنشآت السلاطين» لأحمد فريدون بك، الصادر سنة 1275هـ في دار الطباعة العامرة بإستانبول. صحيفة 347 - 349. رابط تحميل نسخة من الكتاب. النسخة الواردة أدناه من تصحيح وتعليق أ.د. فاضل بيات، في المُجلَّد الأوَّل من موسوعة «البلاد العربيَّة في الوثائق العُثمانيَّة».


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله الذي استخلف على عمارة العالم من اصطفاهم من خلقه، وأحسن إليهم تمام القُدرة، وأعظم شأنهم، ورفع مكانهم، وجعلهم أمنًا على رعاة حقِّه، وخصَّهم بِمزيد الرفعة والرُّتبة، والصلوٰة والسَّلام على أفضل الرُّسل مُحمَّد [الذي عُرف بِصفته ونعته واسمه ونسبه قبل] ظُهُوره بِالنُبُوَّة، واستعلى على كافَّة الأنام بِهذه القُوَّة بعد امتداد الفترة واشتداد البجرة، وعلى آله وأصحابه الذين هم أئمَّةُ البررة وقتلة الفجرة.

فإنَّا أصدرنا هذه المُكاتبة اللطيفة والمُفاوضة الشريفة إلى الحضرة العليَّة السُنيَّة الأكرميَّةمُلاحظة 1 الأكمليَّة الأكفليَّة الأفخميَّة الأعظميَّة الأعلميَّة الأعمليَّة الأعدليَّة الغوثيَّة والغيَّاثيَّة، عون الأُمَّة وكهف الملَّة الذي خفَّف السياسة بِحزمه، وشرَّف الرياسة بِفهمه وأقامة الآء(؟) بِرحابته، وأدام النصفة بِسماحته، وطوَّق الرقاب بِنعمه، واسترقَّ الأحرار بِمحاسن شيمه، وأقبلت الأماني عليه وفدًا، وحُشدت له السعاداتُ حشدًا، واطَّلع الكرمُ في أُفق أبوابه المُنيرة صباحه، وبسط الشرف في ظلاله الظليلة جناحه، وهو حامي بيت الحرام والروضة المُطهَّرة والمقام، وناصر المُسلمين والإسلام، المُختص بِالعزَّة والتمكين من حضرة الملك العلَّام، الله يُبقيه للأيادي بِقُلدها، ولِلمساعي بِخُلدها، ولِلمكارم بِوُتُدها، في دولةٍ واسعة الأرجاء، مُمتدَّة الأقباء، مأمونةٍ من الزوال، محروسةٍ عن الأنفال، ما ذرَّ شارق، وكرَّ طارق، وبرق بارق، وطلُع فجره، ولمع بدره، نهدي إليه سلامًا سلامًا، وهو كالعُقد انتظامًا، والورد ابتسامًا، وأوفر أقسامًا، وأوسع مقامًا، ويُؤلِّف بين القُلُوب ويُعطيهم نظامًا، وتُبدي لِعلمه الشريف:

إنَّ الرياسة الإنسيَّة والسياسة المدنيَّة وحماية بيضة الممالك، وحراسة الرعيَّة عن المهالك من صعاب الأُمُور وعظامها بين الجُمهُور لا يُوفَّق بها، ولا يستعد بِتوفيقها إلَّا من لهُ الرُتبة العالية والدرجة السامية عند الملك القديم الذي بِيده ملكوتُ كُلِّ شيء وهو السميعُ العليم، فإنَّ الفائزين بِتلك النعمة العُظمى والعطيَّة الكُبرى موسومين بِسُنن المُرسلين والأنبياء، وُجُودهم كهف البرايا، وُجُودهم كفيلُ الرعايا، تنكشفُ ظُلم ظُلم البعض عن البعض بعد الهم، وتنقسم الأرزاق المُخرجة من رحم السماء وصدع الأرض بِسماحتهم، وتنحسم المخاوف والمحن، وترتفعُ الحوادث والفتن بِمهابتهم وإيالتهم، لولاهم لاختلَّ النظام، وتساوى الخاص والعام، وانجذبت النُفُوس إلى ما في طبايعها من البأساء والبُؤس، لِتعذُّر خلاصهنَّ وتعسُّر مناصهنَّ عن الملكات الرديَّة، ما دامت في المنازل الجسمانيَّة والمعالم الظلمانيَّة، فلا يُخفى أنَّ من اختاره الله تعالىٰ لِتنفيذ أوامره ونواهيه، وحتَّم على الرعيَّة مُطاوعته بِحُسن القبول، وإطاعته بعد إطاعة الله والرسول، عملًا بِقوله تعالىٰ: ﴿أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِى ٱلْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ وواجب ذكره بِالدَّعوات الصالحة عقب الصلوٰة في الأوقات الخمس التي تُظنُّ فيها إجابة الدعوات، وحقٌّ عليه أن يُوقِّر الكبير، ويرحم الصغير، ويأمر بِالمعروف وينهى عن المُنكر، ويعتقد أنَّ الدين والمُلك توأمان لا يتم أحدهما إلَّا بِالآخر، وتُصرف نيَّته إلى تقوية الحق وإعزازه، ويعطف همَّته على نُصرة الإسلام وإحرازه، ويُخفض أجنحة الرأفة والمرحمة على المُسلمين، مُسترشدًا بِكلمة التعظيم لِأمر الله، والشفقة على خلق الله أُسُّ الدين، ويُراعي العدالة والنصفة في حُكمه وحُكُومته، رهبةً من قوله: كُلُّكم راعٍ [وكُلُّكم] مسؤولٌ عن رعيَّته ورغبته بِسعة حاله، ويُفرغ شعث ماله، فإنَّ من عدل في الحُكم، وكفَّ النفس عن الظُّلم، صفت لهُ الدُنيا، ودامت عليه النُعمى، ومَلَكَ القُلُوب، وأمَّن الحُرُوب، وصارت طاعته فريضة، وصحَّته غنيمة، قال النبيّ : «إِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَجْلِسًا إِمَامٌ عَادِلٌ»، صدق رسول الله.

وينبغي بِجيرانه الكرام من السلاطين العُظماء أن يُهنِّئ بِتلك الدولة البهيَّة والسيادة السُنيَّة، لأنَّ التهنئة سُنَّة حسنة، وعادة مُستحسنة بين السادات، إذا تجددت لِواحدٍ منهم نعمة جزيلة، وتمهَّدت رُتبةٌ جليلة. هذا والغرض من ترتيب تلك المُقدِّمات وتسبُّبها قد سمعنا وعلمنا أنَّ الله تعالىٰ أعظم أمركم، ورفع قدركم، وأخذ يدكم، وتهيَّأ أدوات السعادة عندكم، واصطفيكم لِضبط الجُمهُور، واجتباكم لِرد المحذور، وجعلكم خلف المُجاهدين، وأورثكم أرضهم، وصيَّركم شرف الباقين، وجمع بِصريمتكم شمل السُداد بعد تبدُّده، وقطع بِعزيمتكم حبل الفساد بعد تأكُّده، وسدَّ بِكفايتكم أبواب الخلل بعد اتساعه، وشدَّ بِعنايتكم أسباب الأمل بعد انقطاعه، وزيَّن بِوُجُودكم الشريف سرير السلطنة القاهرة، وبوَّأكم بِالطالع الأسعد الغُرَّة الباهرة، فاطَّلع كوكب العدل وكان خافيًا، وأوضح مذهب الفضل وكان عافيًا، وحشد القُلُوب على ولائكم، وشرَّف المنابر بِصالح دُعائكم، وأصلح الجُمهُور بِسياستكم، ونظَّم المنشور بِحُسن درايتكم، حتَّى استقامت الأُمُور، وأُفسدت الثُغُور، ورُتِّبت العُمَّال، وهُذِّبت الإعمال، وسكنت الرعيَّة، وانحسمت الأذيَّة، وانكشفت الطائمة المُستولية، واهتدت العُقُول الحايرة، ونامت العُيُون الساهرة، وقرَّ الأمر قراره، ووجد فلك الأمن مداره، وهذه الأُحدُوثة الجميلة أزالت قُلُوب الأعداء عن مقارها، وعمَّرت نُفُوس الأولياء بِمسارها، وأعادت الأيَّام أعيادًا، وأحرقت لِلحُسَّاد أفئدةً وأكبادًا، وجعلت صُدُورنا مُنشرحة، وقُلُوبنا مُتسعة ومُنفسحة، بِسبب المحبَّة الأزليَّة التي ثابتة في جبلتنا لا يُمكن زوالها، والمودَّة الجُبليَّة(؟) التي نابتة عن قريحتنا لا يُصوَّر انفصالها، وسألنا الله تعالىٰ أن يُديمكن ذلك القدر والجد والفخر والمجد وتلك العزَّة الشامخة والرُقعة الباذخة، ويزيد لِهذه الدولة انتشار جناح وأسفار صباح وسناء مصباح.

واخترنا لِتأدية التهنئة منَّا إلى جنابكم الكريم، وذهابًا إلى المذهب المعروف، وتبعًا لِلرسم القديم كما مرَّة آنفًا، وتقرَّر سالفًا، الأمير المُكرَّم والكبير المُفخَّم، ذا القدر الأتم، والنجابة والكرم، والمُؤيِّد بِتأييد الله الأكبر، رئيس السلَّاحين حيدر، رُزقت سلامته، وحسُنت بِالخير إعادته، وحمَّلناه السلام، وأودعنا عنده نبذًا من الكلام، فالمأمول من كرمكم العميم، وفضلكم الجسيم، إنَّ القاصد المرقوم إذ استعد بِحُصُول الوُصُول إلى خدمتكم الشريفة، وأباح راحلته في سُدَّتكم المُنيفة، وأقبل على تبيلغ ما يحمله من الرسالات، وتصدَّى بِتأدية ما تضمَّنته من الأمانات، أن يُنظر بِنواظر الإكرام، وعُيُون العزّ واللُّطف والاحترام، ويُسمع بِحُسن الاستماع إلى ما يحكيه، ويُمنح بِمزيد الاطلاع على ما يُؤدِّيه، ويُصرف إلى حضرتنا العليَّة بِأخبار المسرَّات، لِيُثمر المُوافاة والمُصافاة، وقاكم الله عن المكايد والعاهات بِمنِّه ولُطفه.

كُتب في أواسط صفر المُظفَّر، خُتم بِالخير والظَّفر، سنة ثمانٍ وتسعُمائةمُلاحظة 2 حسب المرسوم الشريف حامدًا لله الكبير، ومُصليًّا على رسوله البشير النذير.

هوامش

عدل
  1. وردت في الأصل بِشكل «الأزكيَّة».
  2. المُوافق فيه 20 آب (أغسطس) 1502م.