رف الندى وتنفس النوار
رفَّ النَّدَى وَتَنَفَّسَ النُوَّارُ
رفَّ النَّدَى، وَتَنَفَّسَ النُوَّارُ
وَتَكَلَّمَتْ بِلُغَاتِها الأَطْيَارُ
وَتَأَرَّجَتْ سُرَرُ الْبِطَاحِ، كَأَنَّمَا
فِي بَطْنِ كُلِّ قَرارَةٍ عَطَّارُ
زَهْرٌ يَرِفُّ عَلَى الْغُصُونِ، وَطَائِرٌ
غَرِدُ الهَديرِ، وجدولٌ زَخَّارُ
وَنَوَاسِمٌ أَنْفَاسُهُنَّ طَوِيلَةٌ
وَهَواجِرٌ أَعْمَارُهُنَّ قِصَارُ
وَالْبَاسِقَاتُ الْحَامِلاتُ كَأَنَّهَا
عُمُدٌ مُشَعَّبَةُ الذرا ومنارُ
عَقدت ذَلاذِلَ سُوقِها فى جِيدِها
وَسمَتْ، فَلَيْسَ تَنَالُهَا الأَبْصَارُ
فَأُصُولُهَا لِلسَّابِحَاتِ مَلاعِبٌ
وَفُرُوعُهَا لِلنَّيِّراتِ مَطَارُ
يَبدُو بِها زَهوٌ تَخالُ إهانه
فُتُلاً تَمَشَّتْ في ذُرَاهَا النَّارُ
طَوراً تَميلُ معَ الرِياحِ، وتارَةً
تَرْتَدُّ، فَهْيَ تَحَرُّكٌ وَقَرَارُ
فَكَأَنَّمَا لَعِبَتْ بِها سِنَةُ الْكرَى
فَتَمَايَلَتْ، أَوْ بَيْنَهَا أَسْرَارُ
فإذا رأيتَ رأيتَ أحسنَ جَنَّةٍ
خَضْرَاءَ تَجْرِي بَيْنَهَا الأَنْهَارُ
يَتَرنَّمُ العُصفورُ فى عَذباتِها
ويَصيحُ فِيها العَندَلُ الصَّفَّارُ
فَالتُّرْبُ مِسْكٌ، وَالْجَدَاولُ فِضَّةٌ
وَالْقَطْرُ دُرٌّ، وَالْبَهَارُ نُضَارُ
فاشرَب على وَجهِ الرَبيعِ، فإنَّهُ
زَمَنٌ دَمُ الآثَامِ فِيهِ جُبَارُ
واعلَم بِأنَّ المرءَ غَيرُ مُخلَّدٍ
والناسُ بَعدَ لِغيرهِم أخبارُ
إِنِّي وَإِن لَعِبَ الزَّمَانُ بصَعْدَتِي
وابيضَّ مِنِّى مَفرِقٌ وَعِذارُ
فَلَنِعْمَ ما بَقِيَتْ لَدَيَّ مَهَابَةٌ
تَقذى بِها عَينُ العِدا ووقارُ
وسَعى إلىَّ الحِلمُ فى أثوابهِ
طَرِباً، وآنَ لِجَهلىَ الإقصار
أَنَا لِلصَّدِيقِ كَمَا يُحِبُّ، وَلِلْعِدَا
عِنْدَ الْكَرِيهَةِ ضَيْغَمٌ زءَّارُ
خَيْلِي مُسَوَّمَةٌ، وَرُمْحِي ذَابِلٌ
يَوْمَ الطِّعَانِ، وَصَارِمِي بَتَّارُ
وَبِراحَتِي قَلَمٌ، إِذَا حَرَّكْتُهُ
رَويَتْ بهِ الأمهامُ وَهىَ حرارُ
تَرتَدُّ عَنهُ قنابِلٌ وجحافِلُ
وَتَكِلُّ عَنْهُ أَسِنَّةٌ وَشِفَارُ
غَردٌ إذا ما جالَ فوقَ صَحيفَةٍ
سَجَدَتْ لِحُسْنِ صَرِيرِهِ الأَوْتَارُ
وإذا امتطى ظَهرَ البنانِ لِغايةٍ
خَضَعتْ إِلَيْهِ قَوَارِحٌ وَمِهارُ
فَإِذَا رَكِبْتُ فَكُلُّ قِرْنٍ أَمْيَلٌ
وإذا نَطقتُ فَكلُّ نُطقٍ رارُ
أَلقى الكَلامُ إلى ثنىَ عِنانهِ
وتَفاخَرت بِكَلامِىَ الأشعارُ