ريح الشمال
ريح الشمال
سألت: وقد مرّت الشمأل
تنوح وآونه تعول
إلى أيما غاية تركضين؟
ألا مستقر؟ ألا موئل؟
وكم تعولين، وكم تصرخين،
كعصفورة راعها الأجدل؟
لقد طرح الغصن أوراقه
من الذعر، واضطرب الجدول
وضلّ الطريق ألى عشه
فهام على وجهه البلبل
وغطى السّهى وجهه بالغمام
كما يتزوى الخائف الأعزل
وكادت تخرّ الهضاب
وتركض قدّامك الأجبل
أبنت الفضاء أضاق الفضاء
فأنت ألى غيره أميل؟
أغاظك أنّ الدجى لا يزول
وأن الكواكب لا تأقل؟
أتبكين آمالك الضائعات؟
هل الريح مثل الورى تأمل؟
أيعدو وراءك جيش كثيف؟
أمثلك يرهبه الجحفل؟
وما فيك عضو ولا مفصل
فتقطع أوصلك الأنصل
فجاوبني عاتف في الظلام:
غلطت فما هذه الشمأل
ولكنها أنفس الغابرين
تجوس الديار ولا تنزل
فقلت: أينهض من القبور
وفوقهم الترب والجندل؟
أجاب الصدى ضاحكا ساخرا
إلى كم تحار، وكم تسال؟
وترفع عينيك نحو السماء
وليست تبالي ولا تحفل؟
من البحر تصعدي هذي الغيوث
وتهطل في البحر إذ تهطل
وفي الجوّ إن خفيت نسمة
وفي الأرض إن نضب المنهل
لقد كان في أمس ما قبله
وفي غده يومك المقبل
عجبت لباك على أوّل
وفي الآخر النائح الأول
هم في الشراب الذي نحستي
وهم في الطعام الذي نأكل
وهم في الهواء الذي حولنا
وفي ما نقول وما نفعل
فمن حسب العيش دنيا وأخرى
فذا رجل عقله أحول