زوج الماء بابنة العنقود

زوجَ الماءَ بابنة ِ العنقودِ

​زوجَ الماءَ بابنة ِ العنقودِ​ المؤلف صفي الدين الحلي


زوجَ الماءَ بابنةِ العنقودِ،
فانجَلَتْ في قَلائِدٍ وعُقودِ
قُتِلَتْ بالمِزاجِ ظُلماً، فقالتْ:
كم قَتيلٍ كما قُتِلتُ شَهيدِ
طافَ يَسعَى بها أغنُّ حكَى ما
في يديهِ بثغرهِ والخدودِ
قربّ الكأس نحوَ عارضه الغضّ،
فأبدى العتيقَ فضلُ الجديدِ
فغدا التائبونَ منّا ندامَى،
والنّدامى في ظِلّ عَيشٍ رَغيدِ
فصَلَينا لَظًى، وأُزْلِفَتِ الجَنّةُ
للمتقينَ غيرَ بعيدِ
أنا صَبٌّ قَضَتْ لهُ شِرعةُ العِشقِ
بألاّ يموتَ غيرَ شهيدِ
فإذا ما نجوتُ من معركِ الألحاظِ
لم أنجُ من كمينِ القدودِ
كلذما أخلقَ التجلدُ وجدي
جادَ داعي الهوى بوجدٍ جديدِ
مثلَ أهلِ الجَحيمِ إن تُذهبِ النارُ
جُلوداً تَبَدّلوا بجُلُودِ
قَسَماً بالمَطيّ مثلَ الهَوادي،
نَظَمَتها الحُداةُ نَظمَ العُقودِ
فهيَ طوراً قلائدُ القللِ الشمّ،
وطَوراً وِشاحُ خَصرِ البِيدِ
نكَبَتْ مَرتَعَ الشّآمِ وأمّتْ
نحوَ مرعًى أحوى وظلٍّ مديدِ
فإذا ما تَجاوزَتْ حَرّ حَرّانَ،
أناخَتْ ببَردِ عينِ البَرودِ
وتَغانَتْ بنَهرِ حَرزَمَ والغَرْ
سينه عن نهرِ ثورةٍ ويزيدِ
لقد استَعصَمتْ بحِصِنٍ حَصينٍ،
حينَ لاذتْ منها بركنٍ شديدِ
وأناختْ بظلّ أبلَجَ رَحبِ الصّدرِ،
نَزرِ الأقرانِ، جَمِّ الحَسودِ
ساهرِ النّارِ، راقدِ الجارِ، رَحبِ الدّارِ
حيِّ الأكنافِ، ميتِ الحقودِ
بطولِ النجادِ، ضيق باع العُـ
ـذرِ، سمحٍ، قصيرِ عُمرِ الوعودِ
خيرِ أبناءِ أرتقَ الملكِ الصالحِ
شمسِ الدّينِ الفريدِ الوحيدِ
ملكٌ أنفدَ الذوابلَ بالنقلِ،
وأفنى الصفاحَ بالتقليدِ
حاملٌ من شَدائِدِ المُلكِ ما حُمّلَ
قدماً سميُّهُ مِنْ ثمودِ
من أناسٍ، إذا تمنعتِ العلياءُ
كانوا منها كحَبلِ الوَريدِ
عرَفوا الزّحفَ قبل معرِفةِ القُمْطِ،
وحلّوا السروجَ قبلَ المهودِ
أيّها الماجدُ الذي حمَلَ الأثقالَ
في طاعةِ الحميدِ المجيدِ
لا تكُنْ خائِفاً سِوى اللَّهِ شَيئاً،
إنّها من شَواهِدِ التّوحيدِ
فإذا زادَتِ الحَوادِثُ حَدّاً،
كانَ نقصُ الكمالِ في المحدودِ
كم جُموعٍ فَلّلتَها بحُسامٍ
شرقِ الصفحتينِ ظامي الخدودِ
فغدوا والرؤوسُ فوقَ صعادٍ،
وجِسامُ الجُسومِ تحتَ الصّعيدِ
يا إمامَ السّخا، وصِنوَ المَعالي،
ونبيَّ الندَى، وربَّ الجودِ
نقدتك العلياءُ، غذا أعوزَ، الكفءُ لديها
فكنتَ أغلى النقودِ
فإذا آلُ أُرتُق حاولوا الفَخرَ
بماضي الحُدودِ أو بالجُدودِ
كنتَ ملقى العصا وواسطةَ العقد،
وقُطبَ الرّجا وبيتَ القَصيدِ
فلو أنّ الزمانض ينطِقُ يوماً،
قالَ: هذا إنسانُ عَينِ الوُجودِ
وإذا الدهرُ خطذ حولكَ طرساً،
كانَ عنوانُهُ أقلّ العَبيدِ
يا مليكاً، إذا عزيتَ لفخرٍ
كانَ من برّهِ وجودي وجودي
أنتَ علّمتَني التّجَرّي على الدّهرِ
وفَتكي بكُل خَطبٍ شَديدِ
فإذا ما أمرْتُ دَهري بأمرٍ
خِلتُ أنّ الأيّامَ بَعضُ جُنودي
وبكَ استعذبَ الملوكُ كلامي،
ورعَوا حقّ حُرمتي وعُهودي
فمِنَ الجَهلِ أن أرومَ أُجازِيكَ
بمَعنى رِسالَةٍ، أو قَصيد
أو أصوغَ الأشعارض يومَ هناءٍ،
يَشمَلُ المَلكَ، أو أُهَنّي بعيدِ
غيرَ أنّ الإلهَ يجزيكَ، غذ لم
يكُ غَيرَ الثّناءِ من مَجهودي
فاستمعها بكراً حماها ضياءُ الحسّ
منّي عن ظُلمَةِ التعقيدِ
هجَنتْ شعرَ كلّ مَن عقَدَ القافَ
جَميعاً، لا جرولٍ ولَبيدِ
وابقَ طولَ الزّمانِ تُفني وتُغني،
وتُهَنّى بكلّ عيدٍ جَديدِ