سارت العيس يرجعن الحنينا

سارتِ العِيسُ يُرجعْنَ الحنينا

​سارتِ العِيسُ يُرجعْنَ الحنينا​ المؤلف البوصيري



سارتِ العِيسُ يُرجعْنَ الحنينا
 
ويُجاذبنَ من الشوقِ البُرينا
دامِياتٍ مِنْ حَفى ً خفافُها
 
وَعَذابَ الْخِزْيِ في المُسْتَقْيِمِينا
وعلى طولِ طواها حُرمتْ
 
عُشْبَهَا المُخْضَرَّ والماءَ المَعِينا
كلما جدَّ بها الوجدُ إلى
 
غاية ٍ لمْ تدْرِها إلاَّ ظُنُونا
قلتُ للحادي أعذ أشواقها
 
بالسُّرَى إنَّ مِنَ الشَّوْقِ جُنُونا
آهِ من يومٍ بهِ أبكي دماً
 
إنَّ لِلْعِيسِ وَلِي فيهِ شُؤُونا
أسَرَتْ ألبابنا لمَّا سرتْ
 
تحملُ الحسنَ بدوراً وغصونا
أعْدَتِ القَلْبَ فُتُوراً وَضَنى ً
 
ليتها من وسنٍ تُعدى الجفونا
ثغرها الدُّرِّيُّ من أنفاسهِ
 
مسكُ دارينَ وخمرُ الأندرينا
أخذتْ قلبي وصبري والكرى
 
يَوْمَ بَيْعي النَّفْسَ منها أَرَبُونا
لاأقالَ اللهُ لي منْ حبِّها
 
بيعة ً يوماً ولا فكَّ رُهُونا
صاحبي قفْ بي فإني لم أجد
 
لي على الوجدِ ولا الصبرُ مُعِينا
وسلِ الرَّبعَ الذي سُكانُه
 
رحلوا عنه عساهُ أن يُبِينا
نَسَخَتْ آياته أيْدِي البِلَى
 
فأرتْ عينيَ منه الصَّادَ شِينا
وجنوبٌ وشمالٌ جعلا
 
تربهُ في جبهة ِ الدهرِ غضونا
فَثَراهُ وَحَصاهُ أَبَداً
 
يفضُلانِ المسكَ والدُّرَّ الثمينا
سَحَبَتْ فيهِ الصَّبا أَذْيالَها
 
بمديحي لإمامِ المرسلينا
أحمدَ الهادي الذي أمتُهُ
 
رَضِيَ الله لها الإسلامَ دينا
كان سراً في ضميرِ الغيبِ منْ
 
قبلِ أنْ يُخلقَ كونٌ أو يكونا
تُشرقُ الأكوانُ من أنوارهِ
 
كلما أودعها الله جبينا
أسْجَدَ الله لهُ أمْلاَكهُ
 
يومَ خَرُّوا لأبيهِ ساجدينا
 
دَعْوَة ٌ قالَ لها الصِّدْقُ آمِينا
فتَلَّقى آدمُ من ربِّهِ
 
كلماتٍ هنَّ كنزُ المذنبينا
وَبِهِ جَنّاتُ عَدْنٍ رُفِعَتْ
 
عَلَماً أَبْوابُها لِلْمُسْلِمِينَا
ودُعُوا أنْ تلكمُ الدارُ لكم
 
فادْخَلواها بسَلامٍ آمِنينا
وَبِهِ نُوحٌ دَعا في فُلْكهِ
 
فأغاثَ اللهُ نوحاً والسفينا
وأغاثَ اللهُ ذا النونِ بهِ
 
بعد ما أعرى به في البحرِ نونا
وَشَفَى أيُّوبَ مِنْ ضُرَّكما
 
سَرَّ يَعقُوبَ وَقد كانَ حَزِينا
وخليلُ اللهِ همَّتْ قومهُ
 
أن يكيدوهُ فكانوا الأخسرينا
وَبِنُورِ المُصْطَفَى إطْفاءُ ما
 
أوقدوهُ وتولوا مدبرينا
وَجَدَتْهُ أنبياءُ الله في
 
كلِّ فضلٍ واجداً مايجدونا
مصدرُ الرحمة ِ للخلقِ فلا
 
عجبٌ أنْ بتولى الصَّالحينا
خَتَمَ الله النَّبِيِّينَ بِهِ
 
قبلَ أن يجبُلَ من آدمَ طينا
فهوَ في آبائهمْ خيرُ أبٍ
 
وهوَ في أبنائهم خيرُ البنينا
قد عَلاَ بالرُّوحِ والجِسْمِ عُلاً
 
رجعتْ من دونها الرُّوحُ الأمينا
ورأى من قاب قوسين الذي
 
رُدَّ موسى دونه من طور سينا
ووَجِيهاً كانَ مُوسَى عِنْدَهُ
 
مثلما قد كان جبريلُ مسكينا
صَلَواتُ الله ذِي الفَضْلِ عَلَى
 
رُسُلِ الله إلينا أجْمَعِينا
أكرمُ الخلقِ همُ الرُّسلُ لنا
 
وَأَبو القاسِمِ خيرُ الأَكْرَمينا
فتعالى منْ برا صورتهُ
 
مِنْ جَمَالٍ أُودِعَ الماءَ المِهَينا
وَاصْطَفَى مَحْتِدَهُ مِنْ دَوْحَة ٍ
 
أَنْبَتَتْ أفْنانُها عِلْماً ودِينا
مِنْ أنسٍ جانبتْ أحسابهمْ
 
طُرُقَ الذَّمِّ شمالاً ويمينا
ما رَأينا كَرَمَ الأخْلاَقِ في
 
غيرِ ما يأتونهُ أو يدَّعونا
يغضبُ الموتُ إذا ما غضبوا
 
وإذا ما غَضِبوا هم يغفرونا
معشرٌ صانهم اللهُ لأنْ
 
يودعوا من أحمدَ السرَّ المصونا
هذبَ السؤددُ أخلاقهمْ
 
فَلَهُمْ مِنْ شَرَفٍ ما يَدَّعُونا
عجباً والمصطفى الشَّمسُ الذي
 
ظهرتْ أنوارهُ للمُبصِرينا
شهدَ الكفارُ بالغيبِ لهُ
 
وأتاهمْ فإذا همْ مُبلِسونا
أَغْلَقُوا بابَ الهُدَى مِنْ دُونِهِمْ
 
بعدَ ما كانوا به يستفتحونا
وَعَمُوا عنهُ فلا واللهِ ما
 
تَنْفَعُ الشَّمْسُ لَدَى القَوْمِ العَمِينا
وأتاهمْ بكتابٍ أُحكمتْ
 
منه آياتٌ لقَوْمٍ يَعْقِلُونا
سَمِعَتْهُ الإِنْسُ وَالجِنُّ فما
 
أنْكَروا مِنْ فَضْلِهِ الحقِّ المُبِينا
عَجَزُوا عَنْ سُورَة ٍ مِنْ مِثْلِهِ
 
فَهُمُ الْيَوْمَ له مُسْتَسْلمُونا
قال للكفَّارِ إذ أفحمهم
 
بالتَّحَدِّي مالكم لاتنطقونا
قصَّ مايأتي عليهم مثلما
 
قَصَّ أَخْبارَ القُرونِ الأَوَّلينا
وأتت أخبارهُ في حكمٍ
 
فتأملها ثماراً وفنونا
قسمَ الرَّحمة َ في قرائهِ
 
وعذابَ الخزي في المستقسمينا
ما لَهْ مِثْلٌ وَفي أَمْثالِهِ
 
أبداً موعظة ٌ للمتقينا
رحمَ اللهُ به الخلقَ وكمْ
 
أهلكَ اللهُ بآياتٍ قرونا