ساري الهواء ملكت أي جناح

سارِي الْهَواءِ مَلَكْتَ أيَّ جَناحِ

​سارِي الْهَواءِ مَلَكْتَ أيَّ جَناحِ​ المؤلف علي الجارم


سارِي الْهَواءِ مَلَكْتَ أيَّ جَناحِ
وحَلَلْتَ أيَّ مَشارِفٍ وَبِطاحِ
وبِأَيِّ ناحِيَةٍ أَقَمْتَ فإِنَّني
أَلْقاكَ بَيْنَ تَوَثُّبٍ وجِماحِ
في كُلِّ مَغْدىً مِنْ ذُيُولِكَ مَسحَبٌ
وخُطاكَ ماثِلَةٌ بِكُلِّ مَراحِ
تَجْرِى فَتَنْتَظِمُ الْمَدَائِنَ والْقُرَى
وتَفُوتُهُنَّ إِلى مَدىً فَيَّاحِ
لا الْبَرْقُ يَسْرِي حَيْث سِرْتَ ولا رَمَى
نَسْرٌ إِلى ما رُمْتَهُ بِجنَاحِ
يَكْبُو الظَلِيمُ وأَيْنَ مِنْكَ عِداؤُهُ
ويَكِلُّ جُهْدُ الأَجْرَدِ السَبّاحِ
تَمْضِي فلا تَقِف الْعَوَائِقُ حائِلاً
وتَمُرُّ بَيْنَ الصَلْدِ والصُّفّاحِ
دانٍ وما عَلقتْ بِشَخْصِكَ أَعْيُنٌ
يَوْماً ولامُسَّتْ يَداكَ بِراحِ
تَتَمايَلُ الأشْباحُ إنْ تَخْطِرْ بِها
ومِنَ السُرورِ تَمايُلُ الأَشْباحِ
وتَهُزُّ أَدْواحَ الرياضِ فَتَنْثَنِي
شَوْقاً إِلَيْكَ بَواسِقُ الأَدْواحِ
لَوْلاكَ ما صَبَّ الغَمامُ عيوُنَهُ
تَسْقِي البِطاحَ بِوابِلٍ سَحّاح
لَوْلاكَ مازَهَتِ الرُبا بِمُرَقَّشٍ
مِنْ نَسْجِ مَنْثُورٍ وَوَشْيِ أقاحِي
قَدَحُ الْحَيَاةِ وَأَنْتَ أَغْلَى مَشْرَباً
مِنْ صَفْوَةِ الْمَاذِيِّ فِي الأَقْدَاحِ
سِرْ يا هَواءُ فَأنْتَ أَوْطَأُ مَرْكَبٍ
وَاهْتِفْ بَصَوْتِ الطَائِرِ الصَدَّاحِ
واحْرِصْ عَلَى سِحْرِ الْبَيَانِ وَوَحْيِهِ
وَارْفُقْ بآيٍ في الْقَرِيض فِصاحِ
جَمَعَتْ مَنَ الزَهْرِ النَديِّ قَوافِياً
تَسْبِي النهَى بِعَبِيرِها الْفَوّاحِ
دُرَرٌ صِحاحٌ لَوْ تُقاسُ بِشِبْهِهَا
لَبَدَتْ دَرارِي اللَّيْل غَيْرَ صِحاحِ
ماالسَيْفُ فِي كَفِّ الْمُفَزَّعِ قَلْبُهُ
كالسَيْفِ فِي كَفِّ الفَتَى الْجَحْجاحِ
الشعْرُ مِنْ سِرِّ السَماءِ فَهمْسُهُ
وَحْيُ النُفُوسِ وَراحَةُ الأَرْوَاحِ
كَمُلَتْ صِفَاتُ الراحِ فِي نَشَوَاتِهِ
وَنَجا فَلَمْ يُوصَمْ بإِثْمِ الراحِ
سِرْ يا قَرِيضُ إِلَى الْعُرُوبَةِ مُسْرِعاً
وَانْزِلْ بآفاقٍ بِها ونَواحِي
وَامْزُجْ بمِسْكِيِّ الأَثِيرِ تَحِيَّةً
لِعَشَائِرٍ شُمِّ الأُنُوفِ سِماخِ
شحُّوا بِأَنْ تَلِدَ الْمَكارِمُ غَيْرَهُمْ
وَهُمُ عَلَى النَّجَداتِ غَيْرُ شِحاحِ
جَعَلُوا مِنَ الْفُصْحَى وَمِنْ آياتِها
نَسَباً مُضِيئاً كالنهارِ الضاحِي
الضادُ تَجْمَعُهُمْ وَتَرْأَبُ صَدْعَهُمْ
سِيَّانِ في الأَفْراحِ وَالأَتَراحِ
دارَ الإِذاعَةِ لا تَمَليِّ إِنَّنِي
أَطْلَقْتُ لِلأَمَل الْبَعيدِ سَراحِي
حُبُّ الْعُروبَةِ قَدْ جَرَى بِمفَاصِلِي
بالرَّغْمِ مِنْ هَذِرِ الْحَدِيثِ مُلاَحِي
دارَ الإِذاعَةِ أَنْتِ بِنْتُ ثَلاثَةٍ
مَرَّتْ كَوَمْضِ الْبَارِقِ اللَّمَّاحِ
كَمْ فِيكِ لِلْقُرْآنِ رَنَّةُ قارِئٍ
تَحْلُو لَدَى الإِمْسَاءِ والإِصْبَاحِ
كَشَفَتْ عَنِ النفْسِ الْمَلُولِ حِجابَها
فَتَوَجَّهَتْ لِلْخَالِقِ الْفَتَّاحِ
الدِينُ سَلْوَى النفْسِ في آلامِها
وطَبِيبُها مِنْ أَدْمُعٍ وَجِراحِ
أوْدَعْتُه حُزْنيِ فَلَمْ تَعْبَثْ بِهِ
شَكْوَى ولاصَدَع الدجَى بِنُواحِ
دارَ الإِذاعَةِ كَمْ نَشَرْتِ ثَقافَةً
جَلَّتْ مَآثِرُها عَنِ الإِفْصَاحِ
كمْ جازَ صَوْتُك مِنْ بِحارٍ سُجِّرَتْ
وَفَدافِدٍ شُعْث الْفِجاجِ فِساحِ
أَصْبَحْتِ أُسْتاذَ الشُعُوبِ وَكافَحَتْ
نَجْواكِ جَيْشَ الْجَهْلِ أَيَّ كِفاحِ
وَمَلأْتِ بِالْعِلْمِ الْبِلادَ فَنُورُهُ
فِي كُلِّ مُنْعَطَفٍ وَبُهْرَةِ ساحِ
تَتَلَقَّفُ الدنْيَا حديثَكِ مِثْلَمَا
يَتَلَقَّفُ الأَبْرَارُ وَحْيَ الْوَاحِي
دَارَ الإِذاعةِ أَنْتِ أَمْرَحُ أَيْكَةٍ
صَدَحَتْ فكانَتْ أيْكَةَ الأفْراحِ
صاحَتْ بَلابِلُكِ الْحِسانُ فَأَخْمَلتْ
فِي الْجَوِّ صَوْتَ الْبُلْبُلِ الصَيَّاحِ
مِنْ كُلِّ شادِيَةٍ كَأَنَّ حَنِينَها
هَمْسُ الْمُنَى لِلْيَائِسِ الْكَدَّاحِ
اللَّيْلُ إِنْ نادَتْهُ ماسَ بِعِطْفِهِ
فَتَرَاهُ بَيْنَ الْمُنْتَشىِ والصَاحِي
كَمْ فِيك مِنْ لَهْوٍ بهِ رِيُّ النُهَى
وفُكاهَةٍ مَحبُوبَةٍ ومُزاحِ
النفْسُ تَسْأَمُ إِنْ تَطاوَلَ جِدُّها
فَاكْشِفْ سَآمَةَ جِدِّها بِمُباحِ
زُمَرَ الشَبابِ وَلِي مُلامَةُ ناصِحٍ
لَوْ تَسْمَعُونَ نَصِيحَةِ النُصَّاحِ
بِالْعِلْمِ مَرْكُونِي تَسَلَّقَ لِلْعُلاَ
وَبعَزْمَةِ الْوَثّابَةِ الطمّاحِ
رَجُلٌ عِصامِيُّ الأَرُومَةِ لَمْ يَنَلْ
مَجَداً بآمُونٍ ولا بِفِتاحِ
تَتَطَلعُ الدنْيا إِلَيْهِ وتَمْتَطِي
ذِكْرَى مَآثِرِهِ مُتُونَ رِياحِ
إِنَّ التفَاخُرَ بِالْقَدِيمِ تَعِلَّةٌ
وَالْجَهْلُ لِلْمَجْدِ الْمُؤَثَّلِ ماحِي
والْعِلْمُ مِصْباحُ الْحَياةِ فَنَقِّبُوا
مِنْ قَبْلِ أَنْ تَثِبُوا عَنِ الْمِصْباحِ
بَلِيَ السِلاحُ مَعَ الْقَدِيمِ وَعَهْدِهِ
والآنَ صارَ الْعِلْمُ خَيْرَ سِلاحِ
الْيَوْمَ فِكْرَةُ عالِمٍ في مَصْنَعٍ
تُغْنِي عَنِ الأَسْيافِ وَالأَرْماحِ
وَتَصُدُّ كُلَّ كَتِيبَةٍ مَوَّارَةٍ
خَضْرَاءَ تَفْذِفُ بِالْكُماةِ رَدَاحِ
أَمْضُوا الْجُهُودَ وأخْلِصُوا لِبلادِكُمْ
فِي الْجَهْدِ وَالإِخْلاصِ كلُّ نَجاح
لاَ يُرْتَجَى مِنْ أُمَّةٍ مَفْتُونَةٍ
بِاللَّهْوِ والتسْوِيفِ أَيُّ فَلاحِ
خُوضُوا الصعابَ ولا تَملُّوا إنَّما
نَيْلُ الْمُنَى بالصبْرِ وَالإِلْحَاحِ
قَدْ يُنْجِدُ اللُّجُّ الْغَرِيقَ بِقَذْفِهِ
حَيَّا فَيَلْقَى الْمَوْتَ فِي الضَحْضَاحِ
الْعَهْدُ مِثْلُكُمُ جَدِيدٌ مُشْرِقٌ
فَهَلُمَّ لِلإِنْتَاجِ وَالإِصْلاحِ
وَمَلِيكُكُمْ مَثَلُ الشبابِ مُجّمَّلٌ
بِخلائِقٍ غُرِّ الْوُجُوهِ صِباحِ
يَتَفاءَلُ النيلُ الْوَفِيُّ بِعَهْدِهِ
وَبِيُمْنِ طَلْعَةِ وَجْهِهِ الْوَضّاحِ
سارَتْ مَحَامِدُهُ وسارَتْ خَلْفَها
تَشْدُو بِسابِغِ فَضْلِهِ أَمْداحِي