سبحان من لم تحوه أقطار

سُبحانَ مَن لم تَحوِهِ أَقطارُ

​سُبحانَ مَن لم تَحوِهِ أَقطارُ​ المؤلف ابن عبد ربه



سُبحانَ مَن لم تَحوِهِ أَقطارُ
 
ولم تكنْ تُدركُهُ الأَبصارُ
 
ـناكَ من خوطِ بانة ٍ بيضاءَ
ومن عنت لوجهه الوُجوهُ
 
فما له نِدٌّ ولا شَبيهُ
أن يُعرفَ التحريكُ والسُّكُونُ
 
داءَك في الإملالِ والقريضِ
سبحانَه مِن خالقٍ قديرِ
 
وعالمٍ بخلقهِ بصيرِ
وأوَّلٍ ليس له ابتداءُ
 
وآخرٍ ليس له انتهاءُ
أوسعنا إحسانُه وفضلُهُ
 
وعَزَّ أَن يكونَ شيءٌ مثلُهُ
 
في الفصلِ والغائي والابتداءِ
وجلَّ أنْ تُدْركهُ العيونُ
 
أو يَحْوياه الوهم والظنونُ
لكنَّهُ يُدرَك بالقَريحَه
 
والعَقلِ والأَبنية ِ الصَّحيحَه
أيها العاذلاتُ في الحبِّ، إنَّ الـ
 
ـعذلَ في الحبِّ ينتهي إغراءَ
وهذه من أثبت المعارف
 
في الأَوْجهِ الغامضَة ِ اللَّطائفْ
مُجازفاً إذ خانَهُ الدَّليلُ
 
ولا يكونُ في سوى ذي الأَربعَهْ
مَعْرفة ُ العَقْل من الإِنسانِ
 
أثبتُ من معرفة ِ العِيانِ
فالحمْدُ لِلّهِ على نَعْمائِهِ
 
حمداً جزيلاً وعلى آلائِهِ
سالمة ً من أَجمعِ الزِّحافِ
 
لا كُلِّ ما تخُطُّهُ اليَدانِ
ستة اربع عشرة وثلاثمائة لم يَ
 
غْزُ فيها وغَزَتْ قُوَّادُهُ
أَما تَراهُ في هَوانٍ يرتَعُ
 
بِعَسْكرٍ يَسْعرُ مِن حُماتِهِ
وإنَّما أَجازَه الخليلُ
 
تتعبُ النفسَ، هل تنالُ السماءَ؟
فاستنزلَ الوحشَ مِنَ الهضابِ
 
كأَنَّما حُطَّتْ منَ السَّحابِ
أسرتي، لا أقولُ فخراً، سراة ٌ
 
حسبهمْ ذاكَ، مفخراً وسناءَ
فأَذعنتْ مُرَّاقُها سِراعَا
 
وأقبلتْ حُصونُها تداعَى
ثم أتى به إلى الإمامِ
 
مَشْحوذة ٍ على دُروعِ الحَزْم
كادتْ لها أَنفُسُهُمْ تَجودُ
 
وكادتِ الأرضُ بهم تَميدُ
لولا الإلهُ زُلزلتْ زِلزالَها
 
وأخْرَجتْ من رَهْبة ٍ أثقالَها
فأَنزلَ الناسَ إلى البَسيطِ
 
وقَطَّع البَيْنَ منَ الخَليطِ
وافتتحَ الحُصونَ حِصناً حِصنا
 
وأَوْسعَ الناسَ جميعاً أَمْنا
ولم يَزْلْ حتى انْتحى جَيَّانا
 
فلم يَدَعْ بأَرْضِها شَيطانا
أَسبابَ مَن أَصبح فيه خالعا
 
قد عَقَد الإلَّ لهم والذِّمَّه
ثم انتَحى من فَورِه إلْبيرَهْ
 
وهي بِكلِّ آفة ٍ مشهورَهْ
فداسَها بِخَيلهِ ورَجْلهِ
 
حتى توطَّأ خدَّها بِنَعْلهِ
ولم يدعْ من جِنِّها مريدا
 
بها ولا من إنسها عَنيدا
إلا كَساهُ الذُّلَّ والصَّغارا
 
وعمَّهُ وأهلهُ دمارا
فما رأيتُ مثلَ ذاكَ العامِ
 
ومثلَ صُنعِ اللّه للإِسلامِ
فانصرفَ الأَميرُ من غَزاتِهِ
 
وقد شَفاهُ اللهُ من عُداتهِ
وقبلَها ما خضعتْ وأذعنتْ
 
إسْتِجة ُ وطالما قد صَنعتْ
وبعدها مدينة الشَّنَّيلِ
 
ما أَذعنتْ للصَّارمِ الصَّقيلِ
لما غزاها قائدُ الأميرِ
 
باليُمنِ في لوائهِ المنصورِ
فأسلمتْ ولم تكنْ بالمُسلمَهْ
 
وزالَ عنها أحمدُ بنُ مسْلمهْ
وبعدها في آخرِ الشُّهورِ
 
من ذلك العامِ الزَّكيِّ النُّورِ
أَرْجفتِ القِلاعُ والحُصونُ
 
كأنَّما ساوَرَها المَنُونُ
وأقبلتْ رجالُها وُفودا
 
تبْغِي لدَى إمامها السُّعودا
وليسَ مِن ذِي عزَّة وشدَّه
 
إلا توافوا عندَ بابِ السُّدَّه
قلُوبُهمْ باخعَة ٌ بالطَّاعَهْ
 
قد أجْمعةا الدُّخولَ في الجماعَه
وبعدَ حَمْدِ الله والتَّمجيدِ
 
وبعد شُكرِ المُبدئِ المُعيدِ
أقولُ في أيامِ خيرِ الناسِ
 
ومَن تحلَّى بالنَّدى والباسِ
ومَن أَبادَ الكُفرَ والنِّفاقا
 
وشَرَّد الفتْنة والشِّقاقا
ونحنُ في حَنادسٍ كالليل
 
وفتنة ٍ مثلِ غُثاءِ السَّيلِ
حتى تولَّى عابدُ الرحمنِ
 
ذاكَ الأَغرُّ من بني مروانِ
مؤيَّدٌ حَكَّمَ في عُداتِه
 
سيفاً يَسيلُ الموتُ من ظُباتِهِ
وصبَّحَ المُلكَ معَ الهلالِ
 
فأصبحَا نِدَّيْنِ في الجمالِ
واحتمل التَّقوى على جبينهِ
 
والدينَ والدُّنيا على يمينهِ
قد أَشرقتْ بِنُورِهِ البلادُ
 
وانقطعَ التَّشغيبُ والفسادُ
هذا على حينَ طغَى النِّفاقُ
 
واستفحلَ النُّكاثُ والمُرَّاقُ
وضاقتِ الأَرضُ على سُكانِها
 
وأَذْكَتِ الحربُ لظَى نيرانِها
ونحنُ في عشواءَ مُدلهمَّهْ
 
وظُلمة ٍ ما مثلُها من ظُلمهْ
تأخذُنا الصَّيحة ُ كُلَّ يومِ
 
فما تلذُّ مُقْلة ٌ بنَوْمِ
وقد نُصلِّي العيدَ بالنواظِر
 
مخافة ً من العدوِّ الثائِر
حتى أتانا الغوثُ من ضِياءِ
 
طَبَّقَ بينَ الأرْضِ والسماءِ
خَليفة ُ اللّهِ الذي اصطفاهُ
 
على جميع الخَلقِ واجْتباهُ
من معدنِ الوحيِ وبيتِ الحكمهْ
 
وخيرِ منسوبٍ إلى الأئمَّهْ
بكتْ على ما فاتَها النواظِرُ
 
وتَسْتحي من جُوده السَّحائبُ
في وجهه من نوره برهانُ
 
وكفُّه تقْبيلُها قُرْبانُ
أحْيا الذي ماتَ منَ المكارم
 
من عَهدِ كعْبٍ وزَمانِ حاتِم
وشِيمة ٌ كالصَّابِ أَو كالماءِ
 
وهِمَّة ٌ ترقى إلى السَّماءِ
وانظرْ إلى الرفيعِ من بُنيانِهِ
 
يُريكَ بِدْعاً من عَظيم شانِهِ
لو خايل البحرُ ندى يديهِ
 
إذا لجَت عُفاتُهُ إليهِ
لغاضَ أو لكادَ أن يغيضا
 
ولاسْتَحى من بعدُ أَنْ يَفيضا
من أسبغَ النُّعمى وكانتْ محقا
 
وفتَّق الدُّنيا وكانتْ رَتْقا
سامية ً في خَيلها المُسوَّمهْ
 
وجابَ عنها دامِساتِ الظُّلمَهْ
وجَدَّدَ المُلكَ الذي قد أَخْلَقا
 
حتى رَسَتْ أَوتادُهُ واسْتوسقا
وجَمَّعَ العُدَّة َ والعَديدا
 
وكَثَّفَ الأَجْنادَ والحُشودا
ثم غزا في عُقبِ عامٍ قابلِ
 
فجالَ في شَذُونة ٍ والسَّاحلِ
ولو يَدَعْ ريَّة َ والجزيرَه
 
حتى كوى أكلبَها الهريرَهْ
حتى أناخ في ذُرى قرْمونَه
 
بكَلْكلٍ كَمُدْرة ِ الطَّاحُونَه
على الذي خالفَ فيها وانتزَى
 
يُعْزى إلى سوادة ٍ إذا اعتزى
فسالَ أنْ يُمهلَهُ شُهورا
 
ثم يكونُ عبدَه المأمورا
فأَسعفَ الأميرُ منهُ ما سألْ
 
وعادَ بالفَضْلِ عليهِ وقفلْ
 
من غزْوِ إحدى وثلاثِ ميَّه
فلم يكنْ يُدركُ في باقيها
 
غزْوٌ ولا بَعْثٌ يكونُ فيها
 
وقد كساهُ عَزْمَه وحزْمهْ
فسارَ في جَيْشٍ شديدِ الباس
 
وقائدُ الجيْش أَبوالعبَّاس
حتى تَرقَّى بذُرى بُبَشْتَرْ
 
وجالَ في ساحاتها بالعسكرْ
فلم يَدَع زَرْعاً ولا ثمارا
 
لهم ولا عِلقاً ولا عُقارا
مَكارمٌ يَقصُرُ عنها الوَصْفُ
 
ولم يُباع عِلجُها ولا ظهَرْ
ثم انثنى من بعدِ ذاكَ قافلا
 
وقد أبادَ الزَّرعَ والمآكِلا
فأيقنَ الخِنزيرُ عندَ ذاكا
 
أنْ لا بقاءَ يُرتَجى هُناكا
فكاتَبَ الإمامَ بالإجابَه
 
والسَّمْعِ والطَّاعة ِ والإنابَه
فأخْمدَ اللهُ شِهابَ الفِتْنه
 
وأصْبحَ الناسُ معاً في هُدْنه
وارتعتِ الشاة ُ معاً والذِّيبُ
 
إذْ وضعتْ أوزارَها الحرُوبُ
وبعدها كانتْ غزاة ُ أرْبعِ
 
فأيَّ صُنْعٍ ربُّنا لم يصنعِ؟
فيها ببَسْطِ المَلِك الأَوَّاه
 
كِلْتا يَديه في سَبيلِ اللّهِ
وذاكَ أنْ قوَّدَ قائدينِ
 
بالنَّصرِ والتَّأييدِ ظاهرَيْنِ
هذا إلى الثَّغرِ وما يَليهِ
 
على عدوِّ الشِّركِ أو ذويه
وذا إلى شُمِّ الرُّبا من مُرْسِيَه
 
وما مضى جرى إلى بَلنْسيه
 
القرشيُّ القائدُ القنابل
وابنُ أبي عَبْدة َ نحوَ الشِّرْكِ
 
في خَيْرِ ما تَعْبية ٍ وشكِّ
فأقبلاَ بكُلِّ فَتْحٍ شاملِ
 
وكُلِّ ثُكلٍ للعدوِّ ثاكلِ
وبعدَ هذي الغزوة ِ الغرَّاءِ
 
كانَ افتتاحُ لَبْلة َ الحَمْراءِ
أغزى بجُندٍ نحوها مولاهُ
 
في عُقْبِ هذا العامِ لا سواهُ
بدراً فضمَّ جانبيْها ضمَّه
 
وغَمَّها حتَّى أجابتْ حُكمَه
أَسْلمتْ صاحبَها مَقهورا
 
حتى أتى بدرٌ به مأسورا
وبعدها كانتْ غَزاة ُ خمسِ
 
إلى السَّواديِّ عقيدِ النَّحْسِ
لما طَغى وجاوزَ الحُدودا
 
ونقضَ الميثاقَ والعُهودا
ونابذَ السُّلطانَ من شَقائهِ
 
ومِن تَعدِّيه وسُوءِ رائِهِ
أغزى إليه القُرشيِّ القائدا
 
إذ صارَ عن قَصْدِ السبيلِ حائدا
ثُمَّتَ شَدَّ أَزرَهُ ببَدْرِ
 
فكانَ كالشَّفعِ لهذا الوِتْرِ
أَحدَقَها بالخيلِ والرجالِ
 
مُشمِّراً، وجدَّ في القتالِ
فنازلَ الحِصْنَ العظيمَ الشانِ
 
بالرَّجْلِ والرُّماة ِ والفُرسانِ
فلم يزل بدرٌ بها محاصرا
 
كذا على قِتاله مُثابِرا
والكلبُ في تهوُّرٍ قدِ انغمَسْ
 
وضُيِّقَ الحَلْقُ عليهِ والنَّفَسْ
فافترقَ الأصحابُ عن لوائهِ
 
وفتحوا الأبوابَ دونَ رائهِ
واقتحم العَسكرُ في المدينَهْ
 
وهُوَ بها كهيْئة ِ الظعينَهْ
مسْتسلماً للذُّلِّ والصَّغار
 
ومُلقياً يديهِ للإسارِ
فنزَعَ الحاجبُ تاجَ مُلْكِهِ
 
وقادَه مُكتَّفاً لِهُلْكِهِ
وكانَ في آخرِ هذا العامِ
 
نَكْبُ أَبي العبَّاسِ بالإسلامِ
غزا وكانَ أنجدَ الأنجادِ
 
وقائداً من أَفحلِ القُوَّادِ
فسارَ في غيْرِ رجالِ الحربِ
 
الضَّاربينَ عند وَقْتِ الضَّربِ
مُحارباً في غيرِ ما مُحاربِ
 
والحشمُ الجُمهورُ عندَ الحاجبِ
واجتمعتْ إليه أخلاطُ الكُوَرْ
 
وغابَ ذو التَّحصيلِ عنهُ والنَّظرْ
حتى إذا أَوْغلَ في العَدُوِّ
 
فكانَ بينَ البُعدِ والدُنوِّ
أسلمهُ أهلُ القلوبِ القاسيهْ
 
وأَفردوهُ للكِلابِ العاويَهْ
فاستُشهدَ القائدُ في أبْرارِ
 
قد وَهَبوا نُفوسَهم للبارِي
في غير تأخير ولا فِرار
 
إلاَّ شديدَ الضَّربِ للكُفارِ
 
وأَحْكَم النصرَ لأَوْليائهِ
في مبدأ العامِ الذي من قابلِ
 
أزهقَ فيهِ الحقُّ نفْسَ الباطلِ
فكان من رأيِ الإمامِ الماجدِ
 
وخَيْرِ مَولودٍ وخَيْرِ والدِ
أَنِ احتَمى بالواحِدِ القهَّارِ
 
وفاضَ من غيظٍ على الكُفارِ
فجمَّعَ الأجنادَ والحُشودا
 
ونفَّرَ السيِّدَ والمَسودا
وحَشَرَ الأَطرافَ والثُّغورَا
 
ورَفَضَ اللَّذاتِ والحُبورَا
حتى إذا ما وَفتِ الجنودُ
 
واجتمعَ الحُشَّادُ والحُشودُ
قَوَّدَ بدراً أَمرَ تلك الطائفَهْ
 
وكانتِ النفسُ عليه خائفهْ
فسارَ في كتائبٍ كالسَّيلِ
 
وعَسكَرٍ مِثلَ سَوادِ اللَّيلِ
حتى إذا حَلَّ على مُطنيَّه
 
وكانَ فيها أخبثُ البريَّهْ
فحطَّه من هَضَباتِ ولبِ
 
كأنما أُضرمَ فيها النارُ
وجدَّ من بينهمُ القتالُ
 
وأحدقتْ حولهمُ الرجالُ
فحاربُوا يومَهمُ وباتُوا
 
وقد نَفتْ نومَهمُ الرُّماة ُ
فهم طَوالَ الليلِ كالطَّلائحِ
 
جراحُهم تَنْغل في الجوارحِ
ثم مضوا في حربهم أياما
 
حتى بدا الموتُ لهم زؤاما
لما رأَوا سحائبَ المَنيَّه
 
تمطرهم صواعق البليَّه
تَغَلْغَلَ العُجمُ بأرضِ العُجمِ
 
وانحشَدوا مِن تحتِ كُلِّ نجمِ
فأقبلَ العِلْجُ لهم مُغِيثَا
 
يومَ الخَمِيسِ مُسْرِعاً حَثِيثا
بين يديهِ الرَّجلُ والفوارسُ
 
وحولَهُ الصُّلبانُ والنَّواقسُ
وكان يرجو أنْ يُزيل العَسْكرا
 
عن جانبِ الحِصْن الذي قد دُمِّرا
فاعتاقَه بدرٌ بمن لديهِ
 
مُستبصِراً في زَحْفِهِ إِليهِ
حتى التَقتْ مَيْمنة ٌ بمَيْسرَه
 
واعتنتِ الأرواحُ عندَ الحَنْجره
ففازَ حِزْبُ اللهِ بالعِلجانِ
 
وانهزمتْ بِطانة ُ الشَيطانِ
فقُتِّلوا قتلاً ذريعاً فاشياً
 
وأدبر العِلْجُ ذميماً خازياً
وانصَرفَ الناسُ إلى القُلَيعَه
 
فصبَّحوا العَدوَّ يومَ الجُمْعهْ
ثم التقى العِلْجانِ في الطَّريق
 
البَنْبلونيُّ مع الجِلِّيقي
فأعقَدا على انتهابِ العَسكرِ
 
وأن يموتا قبلَ ذاكَ المحْضرِ
وأقْسما بالجبْتِ والطَّاغوتِ
 
لا يُهْزَما دونَ لقاءِ الموْتِ
فأقبلوا بأعظم الطُّغيانِ
 
قد جلَّلوا الجبالَ بالفُرسانِ
حتى تَداعى الناسُ يومَ السبتِ
 
فكانَ وقتاً يا لهُ من وقْتِ!
فأشرعتْ بينهمُ الرِّماحُ
 
وقد علا التَّكبيرُ والصِّياحُ
وفارقتْ أَغمادَها السُّيوفُ
 
وفغرتْ أفواهها الحتوفُ
والتقتِ الرجالُ بالرِّجالِ
 
وانغمسوا في غَمْرة ِ القتالِ
في مَوْقفٍ زاغتْ به الأَبصارُ
 
وقصُرت في طُولهِ الأَعمارُ
وهبَّ أهلُ الصَّبرِ والبصائرِ
 
فأوعقوا على العدوِّ الكافرِ
حتى بدتْ هزيمة ُ البُشكنسِ
 
كأنَّهُ مُخْتضبٌ بالوَرْسِ
فانقضَّتِ العقبانُ والسَّلالقهْ
 
زَعْقاً على مُقدَّم الجلالِقهْ
عِقبانُ موتٍ تخطفُ الأرواحا
 
وتُشبعُ السيوفَ والرِّماحا
فانهزمَ الخنزيرُ عندَ ذا كا
 
وانكشفتْ عورتُه هناكا
فقُتِّلوا في بطنِ كلِّ وادِ
 
وجاءتِ الرؤوسُ في الأعْوادِ
وقَدَّم القائدُ ألفَ راسِ
 
من الجَلاليق ذوي العماسِ
فتمَّ صُنعُ اللّهِ للإسلامِ
 
وعمَّنا سرورُ ذاكَ العامِ
وخيرُ ما فيهِ من السُّرورِ
 
موتُ ابن حفْصونَ به الخنزيرِ
فاتَّصلَ الفتحُ بفتحٍ ثانِ
 
والنصرُ بالنَّصرِ من الرحمنِ
وهذه الغزاة ُ تُدعى القاضِيَه
 
وقد أتتْهُمْ بعدَ ذاك الدَّاهِيهْ
وبعدها كانت غزاة ُ بلْده
 
وهي التي أودتْ بأهلِ الرِّدَّه
وبدْؤُها أنَّ الإمامَ المصطفى
 
أصدقَ أهلِ الأرضِ عدلاً ووفا
لما أَتتْهُ مِيتة ُ الخِنْزيرِ
 
وأنه صارَ إلى السَّعيرِ
كاتَبَه أولاده بالطاعهْ
 
وبالدُّخولِ مَدْخلَ الجَماعَهْ
أنْ يقِرَّهم على الولايَهْ
 
على دُرورِ الخَرْجِ والجِبايَهْ
فاختارَ ذلك الإمامُ المفْضِلُ
 
ولم يَزَل مِن رأيهِ التفضُّلُ
ثم لوى الشيطانُ رأس جعفرِ
 
وصارَ منهُ نافخاً في المُنخُرِ
فَنقَضَ العُهودَ والميثاقا
 
واستعملَ التَّشْغِيبَ والنِّفاقا
وضمَّ أهلَ النُّكث والخلافِ
 
من غيرِ ما كافٍ وغيرِ وافي
فاعتاقه الخليفة ُ المُؤيَّدُ
 
وهو الذي يُشقى به ويُسْعَدُ
ومن عليهِ من عيونِ اللهِ
 
حوافظٌ من كلِّ أمرٍ داهي
فجَنَّدَ الجُنودَ والكتائِبا
 
وقَوَّدَ القُوَّادَ والمقَانبا
ثم غزا في أكثرِ العديدِ
 
مُسْتَصحَباً بالنَّصرِ والتأييدِ
حتى إذا مَرَّ بِحِصْنِ بَلدَه
 
خلَّفَ فيهِ قائداً في عِدَّهْ
يَمْنعُهم من انتشارِ خيلِهمْ
 
وحارساً في يومهم وليلهِمْ
ثم مضى يستنزلُ الحُصونا
 
ويَبعثُ الطُّلاَّعَ والعُيونا
حتى أتاهُ باشرٌ من بَلْدَهْ
 
يعدو برأسِ رأسِها في صَعْدَهْ
فقدَّمَ الخيْلَ إليها مُسرعا
 
واحتلَّها من يومهِ تسرُّعا
فخفَّها بالخيْلِ والرُّماة ِ
 
وجُملة ِ الحُماة ِ والكُماة ِ
فاطَّلعَ الرَّجْلُ على أَنقابها
 
واقتحمَ الجُنْدُ على أَبوابِها
فأذعنتْ ولم تكُن بمُذعِنَهْ
 
واسْتسلمتْ كافرة ٌ لمؤمنهْ
فقُدِّمتْ كُفّارُها للسَّيفِ
 
وقُتِّلوا بالحَقِّ لا بالحَيفِ
وذاكَ منْ يُمنِ الإمام المُرتضى
 
وخيرِ منْ بقِيَ وخيرِ منْ مَضى
ثم انتَحى مِن فَورِهِ بُبَشتَرا
 
فلم يَدَعْ بها قَضيباً أَخضَرا
وحطَّمَ النباتَ والزُّروعا
 
وهتَّكَ الرِّباع والرُّبوعا
فإذْ رأى الكلبُ الذي رآهُ
 
من عزْمهِ في قَطْع مُنْتواهُ
 
وسالَ أن يُبقي عليه وادِعا
وأنْ يكونَ عاملاًفي طاعتهْ
 
على دُرورِ الخَرْجِ مِن جبايتِهِ
فَوثِّقَ الإمامُ من رِهانِهْ
 
كيلا يكونَ في عمى ً من شانِهْ
وقَبِلَ الإمامُ ذاكَ مِنْهُ
 
فضلاً وإحساناً وسارَ عنهُ
ثم غزا الإمامُ دارَ الحربِ
 
فكانَ خَطباً يا لهُ من خَطبِ