سكنا ولم يسكن حراك التبدد
سكناّ ولم يسكن حراك التبدد
سكناّ ولم يسكن حراك التبدد
مواطن فيها اليوم ايمن من غد
عفا رسم مغنى العز منها كما عفت
«لخولة أطلال ببرقة ثهمد»
بلاد أناخ الذلّ فيها بكلكل
على كل مفتول السبالين اصيد
معاهد عنها ضلّ سابق عزها
فهل هو من بعد الضلالة مهتد
أحاطت بها الأرزاء من كل جانب
إلى أن محتها معهداً بعد معهد
وحلق في آفاقها الجور بازياً
مطلاً عليها صائتاً بالتهدد
وينقضّ أحياناً عليها فتارة
يروح وفي بعض الأحايين يغتدي
فيخطف اشلاء من القوم حية ً
ولم يقد المقتول منها ولم يدِ
ويرمى بها في قعر أظلمَ موحش
به أين تسقطْ جذوة الروحُ تخْمدُ
هو السجن ما ادراك ما السجن انه
جلاد البلايا في مضيق التجلد
بناءٌ محيط بالتعاسة والشقا
لظلمّ بريء أو عقوبة معتد
زُرِ السجن في بغداد زورة راحم
لتشهد للأنكاد افجع مشهد
محل به تهفو القلوب من الاسى
فان زرته فاربط على القلب باليد
مرَّبعُ سورٍ قد احاط بمثله
محيط بأعلى منه شِيدَ بقَرمد
وقد وصلوا ما بين ثان وثالث
بمعقود سقف بالصخور مُشيَّد
وفي ثالث الاسوار تشجيك ساحة ٌ
تمور بتيار منالخسف مزبد
ومن وسط السور الشمالي تنتهي
إليها بسدود الرّتاجين مُوصد
هي الساحة النكراء فيها تلاعبت
مخاريق ضيم تخلط الجِدَّ بالدَّد
ثلاثون متراً في جدار يحيطها
بسمك زهاء العشر في الجوّ مصعد
تواصلت الاحزان في جنباتها
بحيث متى يَبلَ الأسى يتجدّد
تصعَّد من جوف المراحيض فوقها
بخارٌ اذا تمررْ به الريح تفسد
هناك يودُّ المرء لو قاء نفسه
وأطلقها من أسر عيش مُنكد
فقف وسطها وانظر حواليك دائراً
إلى حُجَر قامت على كل مقعد
مقابر بالأحياء غصت لحودها
بخمس مئتين انفس أو بازيد
وقد عميت منها النوافذ والكوى
فلم تكتحل من ضوء شمس بمردود
تظن إذا صدرَ النهار دخلتها
كأنك في قطع من الليل اسود
فلو كان للعباد فيها اقامة ٌ
لصلوا بها صلاة التهجد
يزور هبوبُ الريح إلا فِناءَها
فلم تحظ من وصل النسيم بموعد
تضيق بها الانفاس حتى كأنما
على كل حيزوم صفائح جلمد
بحبل اختناق محكم الفتل مُحصد
بها كل مخطوم الخشام مذلل
متى قِيد مجرورا إلى الضَّيم ينقد
يبيت بها والهم ملءُ اهابه
بليلة منبول الحشا غير مقصد
يُميت بمكذوب العزاء نهاره
ويحيي الليالي غير نومٍ مشرد
ينوء باعباء الهوان مقيداً
ويكفيه ان لو كان غير مقيد
وتقذفهم تلك القبور بضغطها
عليهم لحر الساحة المتوقد
فيرفع بعض من حصير ظلالة
ويجلس فيها جلسة المتعبد
وليست تقيه الحر الا تعلة ً
لنفس خلت من صبرها المتبدد
وبالثوب بعض يستظل وبعضهم
بنسج لعاب الشمس في القيظ يرتدي
فمن كان منهم بالحصير مظللاً
يعدونه ربَّ الطراف الممدد
تراهم نهار الصيف سُفعاً كأنهم
اثافيُّ اصلاها الطهاة بموقد
وجوه عليها للشحوب ملامح
تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
وقد عمَّهم قيد التعاسة موثقاً
فلم يتميز مطلق عن مقيد
فسيدهم في عيشه مثل خادم
وخادمهم في ذُلِّه مثل سيد
يخوضون في مستنقع من روائح
خبائث مهما يزدد الحر تزدد
تدور رؤُوس القوم من شمّ نتنها
فمن يك منهخم عادم الشم يحسد
تراهم سُكارى في العذاب وما هم
سكارى ولكن من عذاب مشدَّد
وتحسبهم دوداً يعيش بحمأة
وما هو من دود بها متولِّد
ألا ربِّ حر شاهد الحكم جائراً
يقود بنا قود الذلول المعبد
فقال ولم يجهر ونحن بمنتدى
به غيرُ مأمون الوشاية ينتدى
على ايّ حكم أم لا ية حكمة
ببغداد ضاع الحق من غير منشد
وقلت لأن العدل لم يتبغدد
رعى الله حياً مستباحاً كأنه
من الذعر أسراب النعام المطرد
وما صاب البيت الحقير بناؤه
بافزع من رب البلاط الممرد
وما ذاك إلا أنهم قد تخاذلوا
ولم ينهضوا للخصم نهضة مُلبد
فناموا عن الجلّي ونمت كنومهم
سوى نوحة مني بشعر مغرد
وهل أنا إلا من أولئك إن مشوا
مشيت وان يقعد اولئك اقعد
وكم رمت إيقاظاً فأعيا هبوبهم
وكيف وعزم القوم شارب مُرقدِ
نهوضاً نهوضاً ايها القوم للعلى
لتبنوا لكم بنيان مجد موطد
تقدمنا قوم فابعد شوطهم
وقد كا عنا شوطهم غير مبعد
وسدَّ علينا الاعتساف طريقنا
فأجحف بالغوريّ والمتنجِّد
أفي كل يوم يزحف الدهر نحونا
بجند من الخطب الجليل مجند
فيا ربِّ نفِّس من كروب عظيمة
ويا ربِّ خفف من عذاب مشدَّد