سل الفلك الدوار إن كان ينطق
سَلِ الفَلكَ الدوَّارَ إن كانَ يَنطِقُ
سَلِ الفَلكَ الدوَّارَ إن كانَ يَنطِقُ
وكيفَ يُحيرُ الهوى أخرَسُ مُطرِقُ؟
نُسائِلُهُ عَنْ شَأْنِهِ وَهْوَ صَامِتٌ
وَنَخْبُرُ مَا فِي نَفْسِهِ وهْو مُطْبَقُ
فلا سِرُّهُ يَبدو، ولا نحنُ نَرعَوِى
وَلاَ شَأْوُهُ يَدْنُو، وَلاَ نَحْنُ نَلْحَقُ
وكَيفَ تنالُ النفسُ مِنهُ لُبانةً
وَأَقْرَبُ مَا فِيهِ عَنِ الظَّنِ أَسْحَقُ؟
فَضاءٌ يَرُدُّ العينَ حَسرى، ومَسرحٌ
يَقُصَّ جَنَاحَ الْفِكْرِ وَهْوَ مُحَلِّقُ
أقامَ على رَغمِ الفَناءِ، وكلُّ ما
تَرَاهُ عَلَى وَجْهِ الْبَسِيطَةِ يَنْفُقُ
فَكَمْ ثَلَّ عَرْشاً، وَاسْتَبَاحَ قَبِيلَةً
وفَرَّقَ جَمعاً وهوَ لا يتفرَّقُ
تَحسَّى مراراتِ الكُبودِ، فَلم تَزلْ
بهِ صِبغَةٌ من لَونِها، فهو أزرقُ
نَهارٌ وليلٌ يَدأبانِ، وأنجمٌ
تَغيبُ إلى مِيقاتِها، ثُمَّ تَشرقُ
تَرِفُّ كَزَهرٍ طَوَّحتهُ عواصِفٌ
بِلجَّةِ ماءٍ، فَهو يَطفو ويَغرقُ
سوابِحُ لا تَنفَكُّ تَجرِى لِغايةٍ
يُقَصِّرُ عَنْهَا الْكَاهِنُ الْمُتَعَمِّقُ
فَيَأَيُّهَا السَّارِي عَلَى غَيْرٍ هُدْيَةٍ
رُويداً، فإنَّ البابَ دُونَكَ مُغلَقُ
أتَحسِبُ أنَّ الظَنَّ يُدرِكُ بَعضَ ما
تُحَاوِلُهُ وَالظَّنُّ لِلْمَرْءِ مُوبِقُ؟
وَكَيْفَ يَنَالُ الْحِسُّ وَهْوَ مُحَدَّدٌ
سَرِيرَةَ غَيْبٍ دُونَهَا الْحِسُّ يَصْعَقُ؟
فَلا تَتَّبِع ريبَ الظنونِ، فَكلُّ ما
تَصَوَّرهُ الإنسانُ وَهمٌ مُلفَّقُ
ولا تَحسبنَّ الحَدسَ يُدرِكُ ما نأى
فَمَا كُلَّ حينٍ قَائِفُ الْحَدْسِ يَصْدُقُ
وَأَيْنَ مِنَ الْمَخْلُوقِ إِدْرَاكُ حِكْمَةٍ
بِهَا يُنْشِيءُ اللَّهُ الْقُرُونَ وَيَمْحَقُ؟
فَلَوْ عَلِمَ الإِنْسَانُ حَالَةَ نَفْسِهِ
كَفاهُ، ولَكِنَّ ابنَ آدَمَ أخرَقُ
إذا المرءُ لم يَملك بوادرَ وَهمهِ
عنِ القولِ فيما لم يُفِد فَهوَ أحمَقُ
فَإِيَّاكَ وَالدُّنْيَا، فَإِنَّ نَعِيمَهَا
يَزُولُ، وَمَلْبُوسُ الْجَدِيدَيْنِ يَخْلُقُ
فَإِنْ هِيَ أَعْطَتْكَ اللِّيَانَ فَإِنَّهَا
سَتَخشنُ من بَعدِ اللَّيانِ وتَخرقُ
فلا وُدُّها يَبقَى، ولا صَفوُ عَيشِها
يَدُومُ، وَلاَ مَوْعُودُهَا يَتَحَقَّقُ
فَكم أخلَفَت وعداً، ومَلَّت صَحابةً
وخانت وَفِيًّا، فَهىَ بَلهاءُ تَنزَقُ
وكيفَ يعيشُ الدَهرَ خِلواً منَ الأسى
سَقيمٌ يُغادِى بالهمومِ ويُطرَقُ؟
لَعَمْرُ أَبِي إِنَّ الْحَيَاةَ وَإِنْ صَفَتْ
مَسافةَ يومٍ-فَهوَ صَفوٌ مُرنَّقُ
فَفِيمَ يَوَدُّ الْمَرْءُ طُولَ حَيَاتِهِ
وفى طُولِها شَملُ الهناءِ مُفرَّقُ؟
وما الدهرِ إلاَّ مُستَعِدٌّ لِوثبَةٍ
فَحِذْرَكَ، مِنْهُ، فَهْوَ غَضْبَانُ مُطْرِقُ
كَأَنَّ هِلاَلَ الأُفْقِ سَيْفٌ مُجَرَّدٌ
عَلَيْنَا بِهِ، وَالنَّجْمَ سَهْمٌ مُفَوَّقُ
أبادَ بنيهِ ظَالِماً غَيرَ راحمٍ
فَيَا عَجَبَا مِنْ وَالِدٍ لَيْسَ يُشْفِقُ
فَلا تبتئس بالأمرِ تَخشَى وُقوعَهُ
فَقَدْ يَأْمَنُ الإنْسَانُ مِنْ حَيْثُ يَفْرَقُ
فَمَا كُلُّ مَا تَهْوَاهُ يَأْتِيكَ بِالْمُنَى
وَلاَ كُلُّ مَا تَخْشَاهُ فِي الدَّهْرِ يَطْرُقُ
وكُن واثِقاً باللهِ فى كلِّ مِحنَةٍ
فَلَلَّهُ أَوْلَى بِالْعِبادِ وَأَرْفَقُ