سهرت فكل شيء ساهر قدماي و المصباح

سهرت فكل شيء ساهر قدماي و المصباح

​سهرت فكل شيء ساهر قدماي و المصباح​ المؤلف بدر شاكر السياب


سهرت فكل شيء ساهر قدماي و المصباح

و أوراقي

أنا الماضي الذي سدوا عليه الباب فالألواح

غدي و الحاضر الباقي

أنا الغد في ضمير الليل مد الليل ألف جناح

عليه فطار لما طار بالظلماء و الشهب

أصخت السمع و الظلماء حولي بوق سيارة

يبث إلى البغي رسالة الحبّ

و يومى للسكارى أن تعالوا ألف خمّارة

تكشر تفرج الساقين تقطع نومة الدرب

بوهوهة النيون

أصخت و الظلماء صفارة

و خطوة حارس

فذكرت نهر القرية المكسال

يسيل لكي يعيش لكي يموت يمصه الجزر

فيعرى جرفه الطيني حتى يقبل الفجر

فيحمل في سناه المد يحمل زورقا يختال

بصياد يعد شباكه و يرود في الماء

مسارب كل ناعسة من الأسماك خضراء

ذكرت مقابر الأطفال

تلوذ بكل سفح نام فيها دون أثداء

و لا قمط صغار من حصاد الجوع و الداء

لقد رضعوا من الثدي الذي لم تبله الأجيال

و ناموا في حمى الأم التي لا يستوي الأطفال

و لا الأشياء إلا في حماها في حمى ترب و ظلماء

سهرت الليل في بيروت لا بين المواخير

(كهوف العالم المتحضّر المغسول بالنور)

هنا يتوكأون على العظام ليصعدوا أفقا من النشوة

لينحدروا إلى فجوة

تثاءب ظلها و أصيلها بين الدياجير

و بين منابع الأضواء

تثاءب ظلّها و أصيلها بين العقارب و السنانير

و بين المسرج الظلماء

و الممتد حتى الله في القدس و في سيناء

سهرت يرن صور الموت في أذنّي كالزلزال

تهدم حائط الأجيال

و كاد يغور إذ لمسته كفي ألف نوح زال

و ألف زليخة صيّرت كحل عيونها ظلمة

أنا الباقي بقاء الله أكتب باسمه الآجال

و ما لسواه عند مطارق الآجال من حرمة

هنا في كل موت ألف موت كان في الضمّة

و في القبلات في الأقداح

تدور الأسطوانة و هو فيها لمعة الضوء

يوسوس في تهدّج صوتها فيخادع الأرواح

و يلمس جبهة الملاّح في النّوء

سهرت لأنني أدري

بأني لن أقبّل ذات يوم وجنة الفجر

سيقبل مطلقا في كل عشّ نغمة و جناح

و سوف أكون في قبري.