سيرة عمر بن عبد العزيز

​سيرة عمر بن عبد العزيز​ المؤلف عبد الله بن عبد الحكم المصري
ملاحظات: المحقق:أحمد عبيد


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه نستعين اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وَآله.

سَنَد الْمُؤلف

قَالَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم حَدثنِي أبي عبد الله بن عبد الحكم قَالَ حَدثنِي مَالك بن أنس وَاللَّيْث بن سعد وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعبد الله بن لَهِيعَة وَبكر بن مُضر وَسليمَان بن يزِيد الكعبي وَعبد الله بن وهب وَعبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم ومُوسَى بن صَالح وَغَيرهم من أهل الْعلم مِمَّن لم أسم بِجَمِيعِ مَا فِي هَذَا الْكتاب من أَمر عمر بن عبد الْعَزِيز على مَا سميت ورسمت وفسرت وكل وَاحِد مِنْهُم قد أَخْبرنِي بطَائفَة فَجمعت ذَلِك كُله


حِكَايَة عمر بن الْخطاب مَعَ الْهِلَالِيَّة وتزويج ابْنه اياها

فَكَانَ مِمَّا ذكر من ذَلِك أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ نهى فِي خِلَافَته عَن مذق اللَّبن بِالْمَاءِ فَخرج ذَات لَيْلَة فِي حَوَاشِي الْمَدِينَة فَإِذا بإمرأة تَقول لإبنة لَهَا أَلا تمذقين لبنك فقد أَصبَحت فَقَالَت الْجَارِيَة كَيفَ أمذق وَقد نهى أَمِير الْمُؤمنِينَ عَن المذق فَقَالَت قد مذق النَّاس فامذقي فَمَا يدْرِي أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَت إِن كَانَ عمر لَا يعلم فإله عمر يعلم مَا كنت لأفعله وَقد نهى عَنهُ فَوَقَعت مقالتها من عمر فَلَمَّا أصبح دَعَا عَاصِمًا ابْنه فَقَالَ يَا بني اذْهَبْ إِلَى مَوضِع كَذَا وَكَذَا فاسأل عَن الْجَارِيَة ووصفها لَهُ فَذهب عَاصِم فَإِذا هِيَ جَارِيَة من بني هِلَال فَقَالَ لَهُ عمر اذْهَبْ يَا بني فَتَزَوجهَا فَمَا أحراها أَن تَأتي بِفَارِس يسود الْعَرَب فَتَزَوجهَا عَاصِم بن عمر فَولدت لَهُ أم عَاصِم بنت عَاصِم بن عمر بن الْخطاب فَتَزَوجهَا عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان بن الحكم فَأَتَت بعمر بن عبد الْعَزِيز

وَأَخْبرنِي اللَّيْث بن سعد أَنه كَانَ يُقَال الفراسة فراسة الْعَزِيز فِي يُوسُف النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام حِين قَالَ {ائْتُونِي بِهِ أستخلصه لنَفْسي فَلَمَّا كَلمه قَالَ إِنَّك الْيَوْم لدينا مكين أَمِين} وفراسة عمر بن الْخطاب فِي الْهِلَالِيَّة حِين قَالَ لوَلَده تزَوجهَا وَالله ليوشكن أَن تَأتي بِفَارِس يسود الْعَرَب فَأَتَت بعمر بن عبد الْعَزِيز وَأَخْبرنِي من أرْضى عَن اللَّيْث أَنه قَالَ وفراسة سُلَيْمَان بن عبد الْملك فِي عمر بن عبد العزيزحيث قَالَ وَالله لأعقدن عقدا لَيْسَ للشَّيْطَان فِيهِ نصيب فعقد لعمر بن عبد الْعَزِيز

واستيقظ عمرمن نَومه فَمسح النّوم عَن وَجهه وفرك عَيْنَيْهِ وَهُوَ يَقُول من هَذَا الَّذِي من ولد عمر يُسمى عمر يسير بسيرة عمر يُرَدِّدهَا مَرَّات


خُلَاصَة سيرة عمر بن عبد الْعَزِيز قبل الْخلَافَة

وَولد عمر بن عبد الْعَزِيز بِالْمَدِينَةِ فَلَمَّا شب وعقل وَهُوَ غُلَام بعد صَغِير كَانَ يَأْتِي عبد الله بن عمر كثيرا لمَكَان أمه مِنْهُ ثمَّ يرجع إِلَى أمه فَيَقُول يَا أمه أَنا أحب أَن أكون مثل خَالِي يُرِيد عبد الله بن عمر فتؤفف بِهِ ثمَّ تَقول لَهُ اغرب أَنْت تكون مثل خَالك تكَرر عَلَيْهِ ذَلِك غير مرّة فَلَمَّا كبر سَار أَبوهُ عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان إِلَى مصر أَمِيرا عَلَيْهَا ثمَّ كتب إِلَى زَوجته أم عَاصِم أَن تقدم عَلَيْهِ وَتقدم بِوَلَدِهَا فَأَتَت عَمها عبد الله بن عمر فأعلمته بِكِتَاب زَوجهَا عبد الْعَزِيز إِلَيْهَا فَقَالَ لَهَا يَا ابْنة أخي هُوَ زَوجك فالحقي بِهِ فَلَمَّا أَرَادَت الْخُرُوج قَالَ لَهَا خَلْفي هَذَا الْغُلَام عندنَا يُرِيد عمر فَإِنَّهُ أشبهكم بِنَا أهل الْبَيْت فخلفته عِنْده وَلم تخَالفه فَلَمَّا قدمت على عبد الْعَزِيز اعْترض وَلَده فَإِذا هُوَ لَا يرى عمر قَالَ لَهَا وَأَيْنَ عمر فَأَخْبَرته خبر عبد الله وَمَا سَأَلَهَا من تخليفه عِنْده لشبهه بهم فسر بذلك عبد الْعَزِيز وَكتب إِلَى أَخِيه عبد الْملك بن مَرْوَان يُخبرهُ بذلك فَكتب عبد الْملك أَن يجْرِي عَلَيْهِ ألف دِينَار فِي كل شهر ثمَّ قدم عمر على أَبِيه بعد ذَلِك مُسلما عَلَيْهِ فَأَقَامَ عِنْده مَا شَاءَ الله ثمَّ إِنَّه ركب ذَات يَوْم حمارا فَسقط عَنهُ فشج فَبلغ ذَلِك الْأَصْبَغ بن عبد الْعَزِيز وَكَانَ غُلَاما فَضَحِك لسقوطه فَبلغ سُقُوطه وَضحك الْأَصْبَغ مِنْهُ عبد الْعَزِيز فاغتاظ على الْأَصْبَغ وَقَالَ لَهُ يسْقط أَخُوك فيشج فتضحك سُرُورًا مِنْك بماأصابه قَالَ لَيْسَ ذَلِك كَذَلِك أَيهَا الْأَمِير لم يضحكني شماتة بِهِ وَلَا سرُور بسقوطه وَلَكِنِّي كنت أرى العلامات من أشج بني أُميَّة مجتمعة فِيهِ إِلَّا الشَّجَّة فَلَمَّا سقط وشج سرني ذَلِك لتكامل العلامات فِيهِ فأضحكني وَهُوَ وَالله أشج بني أُميَّة فَسكت عَنهُ عبد الْعَزِيز وَقَالَ مَا يَنْبَغِي لمن كَانَ يُرْجَى لما يُرْجَى أَن يكون تأديبه إِلَّا بِالْمَدِينَةِ فَبَعثه إِلَى الْمَدِينَة

قَالَ ثمَّ ولي عمر على الْمَدِينَة فَسَار بِأَحْسَن سيرة وَكَانَ مَعَ ذَلِك يعصف رِيحه ويرخي شعره ويسبل إزَاره ويتبختر فِي مشيته وَهُوَ مَعَ ذَلِك لَا يغمص عَلَيْهِ فِي بطن وَلَا فرج وَلَا حكم

قدوم رجل على عمر بن عبد الْعَزِيز لتعزيته ونصحه

قَالَ وأتى رجل إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز حِين هلك سُلَيْمَان فَقَالَ لَهُ ارْض بِقَضَاء الله وَسلم لأَمره وارج مَا عِنْده فَإِن عِنْد الله الْخَيْر الدَّائِم والعوض من المصائب انْظُر إِلَى الَّذِي كنت تخشاه على سُلَيْمَان فاخشه على نَفسك ثمَّ قَامَ الرجل فَقَالَ عمر عَليّ بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ لَهُ عمر لأي شَيْء قلت لي هَذَا قَالَ الرجل إِن أمنتني حدثتك قَالَ أَنْت آمن قَالَ رَأَيْتُك بِالْمَدِينَةِ تذيل إزارك وترخي شعرك وتعصف رِيحك فَكنت أعجب كَيفَ يدعك الله فِي سكان أرضه فَلَمَّا جَاءَت حالتك هَذِه رَأَيْت عَليّ من الْحق تعزيتك وَأَدَاء حَقك فَقَالَ لَهُ عمر يَا أخي إِن كنت مُقيما مَعنا بأرضنا فتعاهدنا وَإِن خرجت فَفِي حفظ الله


المشية العمرية وإفراط عمر قبل الْخلَافَة فِي النَّعيم

قَالَ وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز من أعظم أموي ترفها وتملكا غذي بِالْملكِ وَنَشَأ فِيهِ لَا يعرف إِلَّا وَهُوَ تعصف رِيحه فتوجد رَائِحَته فِي الْمَكَان الَّذِي يمر فِيهِ وَيَمْشي مشْيَة تسمى العمرية فَكَانَ الْجَوَارِي يتعلمنها من حسنها وتبختره فِيهَا وَإنَّهُ ترك كل شَيْء كَانَ فِيهِ لما اسْتخْلف غير مشيته فَإِنَّهُ لم يسْتَطع تَركهَا فَرُبمَا قَالَ لمزاحم ذَكرنِي إِذا رَأَيْتنِي أَمْشِي فيذكره فيخلطها ثمَّ لَا يَسْتَطِيع إِلَّا إِيَّاهَا فَيرجع إِلَيْهَا وَكَانَ يسبل إزَاره حَتَّى رُبمَا دخلت نَعله فِيهِ فيتحامل عَلَيْهِ فيشقه وَلَا يخلعها وَيسْقط أحد شقي رِدَائه عَن مَنْكِبه فَلَا يرفعهُ وتنقطع نَعله فَلَا يعرج عَلَيْهَا وَرُبمَا لحقه بهَا الْمَمْلُوك فيعنفه ويطبع بِخَاتمِهِ فتتسخ الطينة من العنبر فَلم يزل على ذَلِك حَتَّى ولي الْخلَافَة فزهد فِي الدُّنْيَا ورفضها


اعتذار عمر الى سعيد بن الْمسيب

قَالَ وَأرْسل عمر بن عبد الْعَزِيز فِي ولَايَته على الْمَدِينَة رَسُولا إِلَى سعيد بن الْمسيب يسْأَله عَن مَسْأَلَة وَكَانَ سعيد لَا يَأْتِي أَمِيرا وَلَا خَليفَة فَأَخْطَأَ الرَّسُول فَقَالَ هَل الْأَمِير يَدْعُوك فَأخذ نَعْلَيْه وَقَامَ إِلَيْهِ (من وقته) فَلَمَّا رَآهُ قَالَ لَهُ عزمت عَلَيْك يَا أَبَا مُحَمَّد إِلَّا رجعت إِلَى مجلسك حَتَّى يَسْأَلك رَسُولنَا عَن حاجتنا فَإنَّا لم نزسله ليدعوك وَلكنه أَخطَأ إِنَّمَا أرسلناه ليسألك وَلم ير سعيد أَنه يَسعهُ التَّخَلُّف عنها ان اذل لوجه الله

تنحي عمر فِي الْمَسْجِد مرضاة لِابْنِ الْمسيب

قَالَ وَخرج عمر بن عبد الْعَزِيز ذَات لَيْلَة إِلَى الْمَسْجِد فَقَامَ ليُصَلِّي وَكَانَ حسن الصَّوْت فصلى قَرِيبا من سعيد بن الْمسيب فَقَالَ سعيد لغلامه برد يَا برد نح عَن هَذَا القارىء فقد آذَانا بِصَوْتِهِ وَتَمَادَى عمر فِي صلَاته فَعَاد سعيد لبرد فَقَالَ يَا برد وَيحك ألم أقل لَك نح هَذَا القارىء عَنَّا فَقَالَ برد لَيْسَ الْمَسْجِد لنا فَسمع ذَلِك عمر فَأخذ نَعْلَيْه وَتَنَحَّى إِلَى نَاحيَة من الْمَسْجِد


خُرُوج عمر مَعَ سُلَيْمَان بن عبد الْملك

قَالَ وَخرج عمر بن عبد الْعَزِيز مَعَ سُلَيْمَان بن عبد الْملك إِلَى مخرج من مخارجه لم يكن عمر قدم فِيهِ ثقلا فَبلغ الْمنزل وَصَارَ كل رجل إِلَى مضربه الَّذِي قدمه وَصَارَ سُلَيْمَان إِلَى حجرَة ثمَّ فقد عمر فَقَالَ اطلبوه فَمَا أرَاهُ قدم شَيْئا فَطلب فَوجدَ تَحت شَجَرَة باكيا فَأخْبر بذلك سُلَيْمَان فَدَعَاهُ فَقَالَ مَا يبكيك يَا أَبَا حَفْص قَالَ أبكاني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنِّي ذكرت يَوْم الْقِيَامَة من قدم شَيْئا وجده وَلم أقدم شَيْئا فَلم أجد شَيْئا


تبرؤ عمر من الْكَذِب وتجهزه لفراق سُلَيْمَان

قَالَ وَخرج عمر بن عبد الْعَزِيز مَعَ سُلَيْمَان يُرِيد الصائفة فَالتقى غلمانه وغلمان سُلَيْمَان على المَاء فَاقْتَتلُوا فَضرب غلْمَان عمر غلْمَان سُلَيْمَان فشكوا ذَلِك إِلَى سُلَيْمَان فَأرْسل إِلَى عمر فَقَالَ لَهُ ضرب غلمانك غلماني قَالَ مَا علمت فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان كذبت قَالَ مَا كذبت مذ شددت عَليّ إزَارِي وَعلمت أَن الْكَذِب يضر أَهله وَإِن فِي الأَرْض عَن مجلسك هَذَا لسعة فتجهز يُرِيد مصر فَبلغ ذَلِك سُلَيْمَان فشق عَلَيْهِ فَدخلت فِيمَا بَينهمَا عمَّة لَهما فَقَالَ لَهَا سُلَيْمَان قولي لَهُ يدْخل عَليّ وَلَا يعاتبني فَدخل عَلَيْهِ عمر فَاعْتَذر إِلَيْهِ سُلَيْمَان وَقَالَ لَهُ يَا أَبَا حَفْص مَا اغتممت بِأَمْر وَلَا أكربني أَمر إِلَّا خطرت فِيهِ على بالي فَأَقَامَ


تخلص عمر من تَعْزِيَة الْوَلِيد بالحجاج

قَالَ وَلما أَتَى نعي الْحجَّاج بن يُوسُف وَدخل النَّاس على الْوَلِيد يعزونه وَلم يعزه عمر فَوجدَ الْوَلِيد من ذَلِك وَقَالَ مَا مَنعك يَا عمر أَن تعزيني بالحجاج كَمَا عزاني النَّاس فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّمَا الْحجَّاج منا أهل الْبَيْت فَنحْن نعزى بِهِ وَلَا نعزي قَالَ صدقت

وَكَانَ عمر يَقُول مَا أحب أَن لي بلوذان الْكَلَام كَذَا وَكَذَا

قَول عمر عِنْد موت الْحجَّاج

قَالَ وَلما بلغ عمر وَفَاة الْحجَّاج قَالَ رغم أنفي لله أَن قطع مُدَّة الْحجَّاج


استعفاؤه الْخَلِيفَة من ممر الْحجَّاج عَلَيْهِ

قَالَ وَكَانَ الْحجَّاج قد ولي الْمَوْسِم فَكتب عمر إِلَى الْخَلِيفَة يستعفيه أَن يمر عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ فَكتب إِلَى الْحجَّاج إِن عمر بن عبد الْعَزِيز كتب إِلَيّ يستعفيني من ممرك عَلَيْهِ فَلَا عَلَيْك أَن لَا تمر بِمن كرهك فَتنحّى عَن الْمَدِينَة


إعظامه مَسْجِد الرَّسُول

قَالَ وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز إِذْ كَانَ واليا على الْمَدِينَة إِذا بَات على ظهر الْمَسْجِد مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم تقربه امْرَأَة إعظاما لمَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم


فَتْوَى عمر فِيمَن سبّ الْخُلَفَاء

قَالَ وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز أرسل إِلَيّ الْوَلِيد بن عبد الْملك فِي الظهيرة فِي سَاعَة لم يكن يُرْسل إِلَيّ فِي مثلهَا فَوَجَدته فِي قيطون صَغِير لَهُ بَابَانِ بَاب يدْخل مِنْهُ وَبَاب خلف ظَهره ينحرف مِنْهُ إِلَى أَهله قَالَ فَدخلت عَلَيْهِ فَإِذا هُوَ قاطب بَين عَيْنَيْهِ فَقَالَ لي اجْلِسْ هَا هُنَا فأجلسني بَين يَدَيْهِ مجْلِس الْخصم وَلَيْسَ عِنْده إِلَّا خَالِد بن الريان قَائِما بِسَيْفِهِ فَقَالَ كَيفَ ترى فِيمَن سبّ الْخُلَفَاء أَتَرَى أَن يقتل قَالَ فَسكت فَانْتَهرنِي وَقَالَ مَالك لَا تَتَكَلَّم فَسكت فَعَاد لمثلهَا فَقلت أفتك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ لَا وَلكنه سبّ الْخُلَفَاء قلت فَإِنِّي أرى أَن ينكل بِهِ بِمَا انتهك من حُرْمَة الْخُلَفَاء قَالَ فَرفع الْوَلِيد رَأسه الى ابْن الريان وَقَالَ مَا أَظُنهُ إِلَّا أَن يَقُول لَهُ اضْرِب عُنُقه فَقَالَ إِنَّه فيهم لتائه ثمَّ حول وركيه فَدخل على أَهله فَقَالَ لي ابْن الريان بِيَدِهِ انْصَرف وَكَانَ ابْن الريان لعمر حَافِظًا قَالَ فَانْصَرَفت وَمَا تهب ريح من ورائي إِلَّا وَأَنا أَظن أَنه رَسُول يردني إِلَيْهِ


عزل ابْن الريان وَدُعَاء عمر عَلَيْهِ

فَلَمَّا ولي عمر بن عبد الْعَزِيز الْخلَافَة عزل خَالِد بن الريان عَن مَوْضِعه الَّذِي كَانَ يكون عَلَيْهِ وَكَانَ حرسيا مَعَ الْوَلِيد بن عبد الْملك وَقَالَ إِنِّي أذكر بأوه وتيهه ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي قد وَضعته لَك فَلَا ترفعه فَمَا رُؤِيَ شرِيف قد خمد ذكره حَتَّى لَا يذكر مَا خمد ذكر خَالِد بن الريان حَتَّى إِن كَانَ الرجل ليقول لَيْت شعري مَا فعل خَالِد أَحَي هُوَ أم ميت وَإنَّهُ لفي قَرْيَة صَغِيرَة مَا يدرى أَحَي هُوَ أم ميت


قَول عمر لِسُلَيْمَان فِي الرَّعْد والبرق

قَالَ وَخرج سُلَيْمَان بن عبد الْملك وَمَعَهُ عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى الْحَج فَأَصَابَهُمْ مطر شَدِيد ورعد وبرق فَقَالَ سُلَيْمَان هَل رَأَيْت مثل هَذَا يَا أَبَا حَفْص فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذَا فِي حِين رَحمته فَكيف بِهِ فِي حِين غَضَبه


استنقاذ عمر المحذومين وَقد أَمر سُلَيْمَان بتحريقهم

قَالَ وَحج سُلَيْمَان وَمَعَهُ عمر فَبَيْنَمَا هُوَ يسير ذَات لَيْلَة على رَاحِلَته قرب مَكَّة وَقد نعس إِذْ صَاح بِهِ المجذمون وضربوا بأجراسهم فَاسْتَيْقَظَ سُلَيْمَان فَزعًا وَقد بشع بهم وأفزعوه فَأمر بتحريقهم بالنَّار فَرجع الْمَأْمُور مَا يدْرِي مَا يصنع بهم حَتَّى لَقِي عمر بن عبد العزبز فَقَالَ يَا أَبَا حَفْص حدث أَمر عَظِيم من أَمِير الْمُؤمنِينَ وَذَلِكَ أَنه مر بهؤلاءالجذمى وَهُوَ نَائِم على رَاحِلَته فراعه من نَومه صِيَاحهمْ وَضرب أجراسهم فَغَضب وَأمر بتحريقهم فَقَالَ لَهُ عمر لَا تعجل حَتَّى ألحقهُ فَلحقه فحادثه سَاعَة ثمَّ قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَل رَأَيْت مثل هَؤُلَاءِ المبتلين فنسأل الله الْعَافِيَة فَلَو أمرت بإخراجهم قَالَ لَهُ أصبت فَأمر بإخراجهم فَرجع عمر وَرَاءه فَقَالَ للْمَأْمُور قد أَمر أَمِير الْمُؤمنِينَ بإخراجهم


طلب عمر مِيرَاث بعض أخواته وَمَا كَانَ بَينه وَبَين أَيُّوب بن سُلَيْمَان

قَالَ وكلم عمر بن عبد الْعَزِيز سُلَيْمَان بن عبد الْملك فِي مِيرَاث بعض بَنَات عبد الْعَزِيز من بني عبد الْملك فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان بن عبد الْملك إِن عبد الْملك كتب فِي ذَلِك كتابا مَنعهنَّ ذَلِك فَتَركه يَسِيرا ثمَّ رَاجعه فَظن سُلَيْمَان أَنه اتهمه فِيمَا ذكر من رَأْي عبد الْملك فِي ذَلِك الْأَمر فَقَالَ سُلَيْمَان لغلامه ائْتِنِي بِكِتَاب عبد الْملك فَقَالَ لَهُ عمر أَبَا الْمُصحف دَعَوْت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ أَيُّوب بن سُلَيْمَان ليوشكن أحدكُم أَن يتَكَلَّم الْكَلَام تضرب فِيهِ عُنُقه فَقَالَ لَهُ عمر إِذا أفْضى الْأَمر اليك فَالَّذِي دخل على الْمُسلمين أعظم مِمَّا تذكر فزجر سُلَيْمَان أَيُّوب فَقَالَ عمر إِن كَانَ جهل فَمَا حلمنا عَنهُ


قَول عمر حِين خرج من الْمَدِينَة

قَالَ وَلما خرج عمر بن عبد الْعَزِيز من الْمَدِينَة الْتفت إِلَيْهَا وَبكى وَقَالَ يَا مُزَاحم أنخشى أَن نَكُون مِمَّن نفت الْمَدِينَة


مَا قَالَه عمر لمزاحم حِين تطير

قَالَ وَلما خرج عمر بن عبد الْعَزِيز من الْمَدِينَة نظرت فَإِذا الْقَمَر فِي الدبران فَكرِهت أَن أَقُول ذَلِك لَهُ فَقلت أَلا تنظر إِلَى الْقَمَر مَا أحسن استواءه فِي هَذِه اللَّيْلَة فَنظر عمر فَإِذا هُوَ بالدبران فَقَالَ كَأَنَّك أردْت أَن تعلمني أَن الْقَمَر بالدبران يَا مُزَاحم إِنَّا لَا نخرج بشمس وَلَا بقمر وَلَكنَّا نخرج بِاللَّه الْوَاحِد القهار


بِشَارَة الْخضر لعمر بالخلافة

قَالَ وَخرج ذَات لَيْلَة على مركب لَهُ يسير وَحده وَتَبعهُ مُزَاحم فَتقدم عمر وَتَأَخر مُزَاحم فَنظر مُزَاحم فَإِذا هُوَ بِرَجُل يُسَايِر عمر وَعَهده بِهِ وَحده وَقد وضع الرجل يَده على عاتق عمر قَالَ مُزَاحم فَقلت فِي نَفسِي من هَذَا إِن هَذَا لذُو دَالَّة عَلَيْهِ فحركت للحوق بِهِ فَأَدْرَكته فَإِذا هُوَ وَحده لَا أرى مَعَه أحدا غَيره فَقلت لَهُ رَأَيْت مَعَك رجلا آنِفا قد وضع يَده على عاتقك وَهُوَ يسايرك فَقلت فِي نَفسِي من هَذَا إِن هَذَا لذُو دَالَّة عَلَيْهِ فلحقتكما فَلم أر أحدا غَيْرك فَقَالَ عمر أوقد رَأَيْته يَا مُزَاحم قَالَ نعم قَالَ إِنِّي لأحسبك رجلا صَالحا ذَلِك يَا مُزَاحم الْخضر أعلمني أَنِّي سألي هَذَا الْأَمر وأعان عَلَيْهِ

مُوَافقَة صَلَاة عمر صَلَاة النَّبِي

قَالَ وَلما قدم أنس بن مَالك خَادِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْعرَاق إِلَى الْمَدِينَة كَانَت تعجبه صَلَاة عمر بن عبد الْعَزِيز وَكَانَ عمر أميرها فصلى أنس خَلفه فَقَالَ مَا صليت خلف إِمَام بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أشبه صَلَاة بِصَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من إمامكم هَذَا وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ يتم الرُّكُوع وَالسُّجُود ويخفف الْقعُود وَالْقِيَام

اسْتِخْلَاف عمر وكراهيته ذَلِك وحيلة رَجَاء فِي إبرام الْبيعَة

وَكَانَ لِسُلَيْمَان بن عبد الْملك ابْن يُقَال لَهُ أَيُّوب بن سُلَيْمَان فعقد لَهُ ولَايَة الْعَهْد من بعده ثمَّ إِن أَيُّوب توفّي قبل سُلَيْمَان وَلم يبْق لِسُلَيْمَان ولد إِلَّا صَغِير فَلَمَّا حَضرته الْوَفَاة أَرَادَ أَن يسْتَخْلف فحضره عمر بن عبد الْعَزِيز ورجاء بن حَيْوَة فَقَالَ لرجاء اعْرِض عَليّ وَلَدي فِي القمص والأردية فعرضهم عَلَيْهِ فَإِذا هم صغَار لَا يحْتَملُونَ مَا لبسوا من القمص والأردية يسحبونها سحبا فَنظر إِلَيْهِم وَقَالَ يَا رَجَاء

(إِن بني صبية صغَار ... أَفْلح من كَانَ لَهُ كبار)

فَقَالَ لَهُ عمر بن عبد الْعَزِيز ياأمير الْمُؤمنِينَ يَقُول الله تبَارك وَتَعَالَى {قد أَفْلح من تزكّى وَذكر اسْم ربه فصلى} ثمَّ قَالَ يَا رَجَاء اعْرِض عَليّ بني فِي السيوف فقلدهم السيوف ثمَّ عرضهمْ عَلَيْهِ فَإِذا هم صغَار لَا يحملونها يجرونها جرا فَنظر إِلَيْهِم وَقَالَ

(إِن بني صبية صيفيون ... أَفْلح من كَانَ لَهُ ربعيون) فَقَالَ لَهُ عمر بن عبد الْعَزِيز يَقُول الله تبَارك وَتَعَالَى {قد أَفْلح من تزكّى وَذكر اسْم ربه فصلى} فَلَمَّا لم ير فِي وَلَده مَا يُرِيد حدث نَفسه بِولَايَة عمر بن عبد الْعَزِيز لما كَانَ يعرف من حَاله فَشَاور رَجَاء فِيمَن يعْقد لَهُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ رَجَاء بعمر وسدد لَهُ رَأْيه فِيهِ فَوَافَقَ ذَلِك رَأْي سُلَيْمَان وَقَالَ لأعقدن عقدا لَا يكون للشَّيْطَان فِيهِ نصيب فَلَمَّا اشْتَدَّ بِهِ وَجَعه عهد عهدا لم يطلع عَلَيْهِ أحدا إِلَّا رَجَاء بن حَيْوَة الْكِنْدِيّ اسْتخْلف فِيهِ عمر بن عبد الْعَزِيز وَيزِيد بن عبد الْملك من بعد عمر فَدخل سعيد ابْن خَالِد مَعَ عمر بن عبد الْعَزِيز وَبَعض أهل بَيته يعودون سُلَيْمَان فَرَأَوْا بِهِ الْمَوْت فَمشى عمر بن عبد الْعَزِيز وَسَعِيد بن خَالِد ورجاء بن حَيْوَة وتخلف عمر كَأَنَّهُ يعالج نَعْلَيْه حَتَّى أدْركهُ رَجَاء فَقَالَ لَهُ يَا رَجَاء إِنِّي أرى أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الْمَوْت وَلَا أَحْسبهُ إِلَّا سيعهد وَأَنا أناشدك الله إِن ذَكرنِي بِشَيْء من ذَلِك إِلَّا صددته عني وَإِن لم يذكرنِي أَن لَا تذكرني لَهُ فِي شَيْء من ذَلِك فَقَالَ رَجَاء لعمر لقد ذهب ظَنك مذهبا مَا كنت أحسبك تذهبه أتظن بني عبد الْملك يدخلونك فِي أُمُورهم وَقد كَانَ سُلَيْمَان فرغ من ذَلِك وَلكنه أَرَادَ إخفاءه عَن عمر فَلَمَّا ولي هِشَام بن عبد الْملك ذكر لَهُ فعل رَجَاء بن حَيْوَة فَقَالَ أوليس بِصَاحِب عمر بن عبد الْعَزِيز يَوْم وَافقه ثمَّ أصبح وَقد اسْتخْلف فَذكر لرجاء فَقَالَ رَجَاء أَولا أخْبركُم عَن ذَلِك الْموقف إِن عمر نشدني الله أَن لَا أذكرهُ فِي شَيْء من أَمر الْخلَافَة وَإِن كَانَ سُلَيْمَان ذكره أَن أصده عَنهُ فَعجب هِشَام من قَول رَجَاء وَقَالَ وَمَا أَحسب عمر خطا خطْوَة قطّ إِلَّا وَله فِيهَا نِيَّة

فَلَمَّا حضر سُلَيْمَان وَاشْتَدَّ مَا بِهِ أَمر بالبيعة لمن كَانَ فِي كِتَابه مِمَّن عهد إِلَيْهِ فَبَايع النَّاس وَلَا يعلمُونَ من فِي كِتَابه ثمَّ قضى الله على سُلَيْمَان بِالْمَوْتِ فَلَمَّا مَاتَ كتمه رَجَاء بن حَيْوَة ثمَّ خرج إِلَى النَّاس فَقَالَ إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يَأْمُركُمْ بتجديد الْبيعَة لمن كَانَ عهد إِلَيْهِ وَقد أصبح بِحَمْد الله صَالحا فَقَالُوا أوصلنا إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ لنَنْظُر إِلَيْهِ وننفذ لأَمره فَدخل فَأمر بِهِ فأسند بالوسائد وَأقَام عِنْده خَادِمًا وَأمر بِالنَّاسِ فأدخلوا عَلَيْهِ فيقفون عِنْد الْبَاب فيسلمون من بعيد يرَوْنَ شخصه فَيرد الْخَادِم عَنهُ رد الْمَرِيض وهم ينظرُونَ إِلَيْهِ ثمَّ قَالَ يَأْمُركُمْ أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن تبايعوا لمن عهد إِلَيْهِ وتسمعوا لَهُ وتطيعوا فَخَرجُوا إِلَى الْمَسْجِد وَالنَّاس مجتمعون وُجُوه بني مَرْوَان وَبني أُميَّة وأشراف النَّاس فَبَايعُوا حَتَّى إِذا رَضِي رَجَاء من ذَلِك نظر فَإِذا هُوَ لَا يرى عمر فَخرج يلتمسه فِي الْمَسْجِد حَتَّى رَآهُ قاصيا فَوقف عَلَيْهِ وَقَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته قُم إِلَى الْمِنْبَر فَقَالَ أنْشدك الله يَا رَجَاء فَقَالَ رَجَاء أناشدك الله أَن يضطرب بِالنَّاسِ حَبل فقد لَقِي سُلَيْمَان ربه وَقضى الله عَلَيْهِ الْمَوْت فَقَامَ عمر حَتَّى جلس على الْمِنْبَر فنعى للنَّاس سُلَيْمَان وَفتح الْكتاب فَإِذا فِيهِ اسْتِخْلَاف عمر وَيزِيد بن عبد الْملك من بعد عمر فَلَمَّا قَرَأَ ذكر عمر جثا هِشَام بن عبد الْملك على رُكْبَتَيْهِ وَقَالَ هاه فسل رجل من أهل الشَّام سَيْفه وَقَالَ تَقول لأمر قد قَضَاهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ هاه فَلَمَّا قَرَأَ ثمَّ يزِيد بن عبد الْملك من بعد عمر قَالَ هِشَام سمعنَا وأطعنا فَسمع النَّاس وأطاعوا وَقَامُوا فَبَايعُوا لعمر

بِشَارَة الرُّؤْيَا بخلافة عمر

وَكَانَ رجل قد رأى فِي مَنَامه كَأَن قَائِلا من السَّمَاء ينظر إِلَيْهِ يَقُول أَتَاكُم الْعدْل واللين وَإِظْهَار الْعَمَل الصَّالح فِي الْمُصَلِّين فَقَالَ لَهُ الرجل من هُوَ يَرْحَمك الله فَنزل إِلَى الأَرْض وَكتب بِيَدِهِ عمر فاستخلف عمر فِي يَوْم تِلْكَ اللَّيْلَة


أول مَا بَدَأَ بِهِ عمر حِين ولي الْخلَافَة

ثمَّ أَخذ فِي جهاز سُلَيْمَان فَخرج بِهِ فحانت الْمغرب قبل أَن يصلى عَلَيْهِ فصلى عمر الْمغرب ثمَّ صلى عَلَيْهِ ثمَّ حمل سُلَيْمَان من قصره إِلَى قَبره فَلَمَّا دفن سُلَيْمَان دَعَا عمر بِدَوَاةٍ وَقِرْطَاس فَكتب ثَلَاثَة كتب لم يَسعهُ فِيمَا بَينه وَبَين الله عز وَجل أَن يؤخرها فأمضاها من فوره فَأخذ النَّاس فِي كِتَابه إِيَّاهَا هُنَالك فِي همزه يَقُولُونَ مَا هَذِه العجلة أما كَانَ يصبر إِلَى أَن يرجع إِلَى منزله هَذَا حب السُّلْطَان هَذَا الَّذِي يكره مَا دخل فِيهِ وَلم يكن بعمر عجلة وَلَا محبَّة لما صَار إِلَيْهِ وَلكنه حاسب نَفسه وَرَأى أَن تَأْخِير ذَلِك لَا يَسعهُ


أمره مسلمة بالقفول من الْقُسْطَنْطِينِيَّة

كتب بقفل مسلمة بن عبد الْملك من الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَقد كَانَ سُلَيْمَان أغزاه إِيَّاهَا برا وبحرا وأشفى على فتحهَا ثمَّ خدع عَنْهَا حَتَّى أحرزوا طعامهم وحوائجهم ثمَّ أغلقوها دونه بعد الإشفاء عَلَيْهَا فَبلغ ذَلِك سُلَيْمَان فَغَضب مِمَّا فعل بِهِ فَحلف أَن لَا يقفله مِنْهَا مَا دَامَ حَيا فَاشْتَدَّ عَلَيْهِم الْمقَام وجاعوا حَتَّى أكلُوا الدَّوَابّ من الْجهد والجوع حَتَّى يتَنَحَّى الرجل عَن دَابَّته فتقطع بِالسُّيُوفِ فَبلغ رَأس الدَّابَّة كَذَا وَكَذَا درهما ولج سُلَيْمَان فِي أَمرهم فَكَانَ ذَلِك يغم عمر فَلَمَّا ولي رأى أَنه لَا يَسعهُ فِيمَا بَينه وَبَين الله عز وَجل أَن يَلِي شَيْئا من أُمُور الْمُسلمين ثمَّ يُؤَخر قفلهم سَاعَة فَذَلِك الَّذِي حمله على تَعْجِيل الْكتاب


عَزله أُسَامَة عَن مصر وحبسه إِيَّاه

وَكتب بعزل أُسَامَة بن زيد التنوخي وَكَانَ على خراج مصر وَأمر بِهِ أَن يحبس فِي كل جند سنة ويقيد وَيحل عَن الْقَيْد عِنْد كل صَلَاة ثمَّ يرد فِي الْقَيْد وَكَانَ غاشما ظلوما معتديا فِي الْعُقُوبَات بِغَيْر مَا أنزل الله عز وَجل يقطع الْأَيْدِي فِي خلاف مَا يُؤمر بِهِ ويشق أَجْوَاف الدَّوَابّ فَيدْخل فِيهَا القطاع ويطرحهم للتماسيح فحبس بِمصْر سنة ثمَّ نقل إِلَى أَرض فلسطين فحبس بهَا سنة ثمَّ مَاتَ عمر رَحمَه الله وَولي يزِيد بن عبد الْملك فَرد أُسَامَة على مصر


عَزله يزِيد بن أبي مُسلم عَن إفريقية

وَكتب بعزل يزِيد بن أبي مُسلم عَن إفريقية وَكَانَ عَامل سوء يظْهر التأله والنفاذ لكل مَا أَمر بِهِ السُّلْطَان مِمَّا جلّ أَو صغر من السِّيرَة بالجور والمخالفة للحق وَكَانَ فِي هَذَا يكثر الذّكر وَالتَّسْبِيح وَيَأْمُر بالقوم فيكونون بَين يَدَيْهِ يُعَذبُونَ وَهُوَ يَقُول سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله شدّ يَا غُلَام مَوضِع كذاوكذا لبَعض مَوَاضِع الْعَذَاب وَهُوَ يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر شدّ يَا غُلَام مَوضِع كذاوكذا فَكَانَت حَالَته تِلْكَ شَرّ الْحَالَات فَكتب بعزله فَهَذَا سَبَب الثَّلَاثَة الَّتِي عجل بهَا


انصراف عمر عَن مظَاهر الْخلَافَة وإقباله على إحْيَاء الْكتاب وَالسّنة

قَالَ وَلما دفن سُلَيْمَان وَقَامَ عمر بن عبد الْعَزِيز فقربت إِلَيْهِ المراكب فَقَالَ مَا هَذِه فَقَالُوا مراكب لم تركب قطّ يركبهَا الْخَلِيفَة أول مَا يَلِي فَتَركهَا وَخرج يلْتَمس بغلته وَقَالَ يَا مُزَاحم ضم هَذَا إِلَى بَيت مَال الْمُسلمين ونصبت لَهُ سرادقات وَحجر لم يجلس فِيهَا أحد قطّ كَانَت تضرب للخلفاء أول مَا يلون فَقَالَ مَا هَذِه فَقَالُوا سرادقات وَحجر لم يجلس فِيهَا أحد قطّ يجلس فِيهَا الْخَلِيفَة أول مَا يَلِي قَالَ يَا مُزَاحم ضم هَذِه إِلَى أَمْوَال الْمُسلمين ثمَّ ركب بغلته وَانْصَرف إِلَى الْفرش والوطاء الَّذِي لم يجلس عَلَيْهِ أحد يفرش للخلفاء أول مَا يلون فَجعل يدْفع ذَلِك بِرجلِهِ حَتَّى يُفْضِي إِلَى الْحَصِير ثمَّ قَالَ يَا مُزَاحم ضم هَذَا لأموال الْمُسلمين

وَبَات عِيَال سُلَيْمَان يفرغون الدهان وَالطّيب من هَذِه القارورة إِلَى هَذِه القارورة وَيلبسُونَ مَا لم يلبس من الثِّيَاب حَتَّى تتكسر وَكَانَ الخليقة إِذا مَاتَ فَمَا لبس من الثِّيَاب أَو مس من الطّيب كَانَ لوَلَده وَمَا لم يلبس من الثِّيَاب وَمَا لم يمس من الطّيب فَهُوَ للخليفة بعده فَلَمَّا أصبح عمر قَالَ لَهُ أهل سُلَيْمَان هَذَا لَك وَهَذَا لنا قَالَ وَمَا هَذَا وَمَا هَذَا قَالُوا هَذَا مِمَّا لبس الْخَلِيفَة من الثِّيَاب وَمَسّ من الطّيب فَهُوَ لوَلَده وَمَا لم يمس وَلم يلبس فَهُوَ للخليفة بعده وَهُوَ لَك قَالَ عمر مَا هَذَا لي وَلَا لِسُلَيْمَان وَلَا لكم وَلَكِن يَا مُزَاحم ضم هَذَا كُله إِلَى بَيت مَال الْمُسلمين فَفعل فتوامر الوزراء فِيمَا بَينهم فَقَالُوا أما المراكب والسرادقات وَالْحجر والشوار والوطاء فَلَيْسَ فِيهِ رَجَاء بعد أَن كَانَ مِنْهُ فِيهِ مَا قد علمْتُم وَبقيت خصْلَة

انصراف عمر عَن مظَاهر الْخلَافَة وإقباله على إحْيَاء الْكتاب وَالسّنة

قَالَ وَلما دفن سُلَيْمَان وَقَامَ عمر بن عبد الْعَزِيز فقربت إِلَيْهِ المراكب فَقَالَ مَا هَذِه فَقَالُوا مراكب لم تركب قطّ يركبهَا الْخَلِيفَة أول مَا يَلِي فَتَركهَا وَخرج يلْتَمس بغلته وَقَالَ يَا مُزَاحم ضم هَذَا إِلَى بَيت مَال الْمُسلمين ونصبت لَهُ سرادقات وَحجر لم يجلس فِيهَا أحد قطّ كَانَت تضرب للخلفاء أول مَا يلون فَقَالَ مَا هَذِه فَقَالُوا سرادقات وَحجر لم يجلس فِيهَا أحد قطّ يجلس فِيهَا الْخَلِيفَة أول مَا يَلِي قَالَ يَا مُزَاحم ضم هَذِه إِلَى أَمْوَال الْمُسلمين ثمَّ ركب بغلته وَانْصَرف إِلَى الْفرش والوطاء الَّذِي لم يجلس عَلَيْهِ أحد قطّ يفرش للخلفاء أول مَا يلون فَجعل يدْفع ذَلِك بِرجلِهِ حَتَّى يُفْضِي إِلَى الْحَصِير ثمَّ قَالَ يَا مُزَاحم ضم هَذَا لأموال الْمُسلمين

وَبَات عِيَال سُلَيْمَان يفرغون الأدهان وَالطّيب من هَذِه القارورة إِلَى هَذِه القارورة وَيلبسُونَ مَا لم يلبس من الثِّيَاب حَتَّى تتكسر وَكَانَ الْخَلِيفَة إِذا مَاتَ فَمَا لبس من الثِّيَاب أَو مس من الطّيب كَانَ لوَلَده وَمَا لم يلبس من الثِّيَاب وَمَا لم يمس من الطّيب فَهُوَ للخليفة بعده فَلَمَّا أصبح عمر قَالَ لَهُ أهل سُلَيْمَان هَذَا لَك وَهَذَا لنا قَالَ وَمَا هَذَا وَمَا هَذَا قَالُوا هَذَا مِمَّا لبس الْخَلِيفَة من الثِّيَاب وَمَسّ من الطّيب فَهُوَ لوَلَده وَمَا لم يمس وَلم يلبس فَهُوَ للخليفة بعده وَهُوَ لَك قَالَ عمر مَا هَذَا لي وَلَا لِسُلَيْمَان وَلَا لكم وَلَكِن يَا مُزَاحم ضم هَذَا كُله إِلَى بَيت مَال الْمُسلمين فَفعل فتوامر الوزراء فِيمَا بَينهم فَقَالُوا أما المراكب والسرادقات وَالْحجر والشوار والوطاء فَلَيْسَ فِيهِ رَجَاء بعد أَن كَانَ مِنْهُ فِيهِ مَا قد علمْتُم وَبقيت خصْلَة هِيَ الْجَوَارِي نعرضهن عَلَيْهِ فَعَسَى أَن يكون مَا تُرِيدُونَ فِيهِنَّ فَإِن كَانَ وَإِلَّا فَلَا طمع لكم عِنْده فَأتي بالجواري فعرضن عَلَيْهِ كأمثال الدمى فَلَمَّا نظر إلَيْهِنَّ جعل يسألهن وَاحِدَة وَاحِدَة من أَنْت وَلمن كنت وَمن بعث بك فتخبره الْجَارِيَة بأصلها وَلمن كَانَت وَكَيف أخذت فيأمر بردهن إِلَى أهليهن ويحملن إِلَى بلادهن حَتَّى فرغ مِنْهُنَّ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك أيسوا مِنْهُ وَعَلمُوا أَنه سيحمل النَّاس على الْحق

واحتجب عَن النَّاس ثَلَاثًا لَا يدْخل عَلَيْهِ أحد ووجوه بني مَرْوَان وَبني أُميَّة وأشراف الْجنُود وَالْعرب والقواد بِبَابِهِ ينظرُونَ مَا يخرج عَلَيْهِم مِنْهُ فَجَلَسَ للنَّاس بعد ثَلَاث وَحَملهمْ على شَرِيعَة من الْحق فعرفوها فَرد الْمَظَالِم وَأَحْيَا الْكتاب وَالسّنة وَسَار بِالْعَدْلِ ورفض الدُّنْيَا وزهد فِيهَا وتجرد لإحياء أَمر الله عزوجل فَلم يزل على ذَلِك حَتَّى قَبضه الله عزوجل فرحمه الله


نَهْيه عَن الْقيام لَهُ وَمَا شَرطه فِي صحبته

قَالَ وَلما ولي عمر بن عبد الْعَزِيز قَامَ النَّاس بَين يَدَيْهِ فَقَالَ يَا معشر النَّاس إِن تقوموا نقم وَإِن تقعدوا نقعد فَإِنَّمَا يقوم النَّاس لرب الْعَالمين إِن الله فرض فَرَائض وَسن سننا من أَخذ بهَا لحق وَمن تَركهَا محق وَمن أَرَادَ أَن يصحبنا فليصحبنا بِخمْس يُوصل إِلَيْنَا حَاجَة من لَا تصل إِلَيْنَا حَاجته ويدلنا من الْعدْل إِلَى مَا لَا نهتدي إِلَيْهِ وَيكون عونا لنا على الْحق وَيُؤَدِّي الْأَمَانَة إِلَيْنَا وَإِلَى النَّاس وَلَا يغتب عندنَا أحدا وَمن لم يفعل فَهُوَ فِي حرج من صحبتنا وَالدُّخُول علينا

ابتداؤه بِالسَّلَامِ

قَالَ وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز يتَقَدَّم إِلَى الحرس إِذا خرج عَلَيْهِم أَن لَا يقومُوا إِلَيْهِ وَيَقُول لَهُم لَا تبتدئوني بِالسَّلَامِ إِنَّمَا السَّلَام علينا وَلكم


عزم عمر فِي الإعتصام بِالْكتاب وَالسّنة

وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز سنّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وولاة الْأَمر من بعده سننا الْأَخْذ بهَا اعتصام بِكِتَاب الله وَقُوَّة على دين الله وَلَيْسَ لأحد تبديلها وَلَا تغييرها وَلَا النّظر فِي أَمر خالفها من اهْتَدَى بهَا فَهُوَ مهتد وَمن استنصر بهَا فَهُوَ مَنْصُور وَمن تَركهَا وَاتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ ولاه الله مَا تولى وأصلاه جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيرا

قَالَ عبد الله بن عبد الحكم فَسمِعت مَالِكًا يَقُول وأعجبني عزم عمر فِي ذَلِك


خطْبَة عمر فِي أَنه منفذ لله

قَالَ وخطب عمر بن عبد الْعَزِيز النَّاس فَقَالَ أَيهَا النَّاس إِنَّه لَيْسَ بعد نَبِيكُم نَبِي وَلَيْسَ بعد الْكتاب الَّذِي أنزل عَلَيْكُم كتاب فَمَا أحل الله على لِسَان نبيه فَهُوَ حَلَال إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَمَا حرم الله على لِسَان نبيه فَهُوَ حرَام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة أَلا إِنِّي لست بقاض وَإِنَّمَا أَنا منفذ لله وَلست بِمُبْتَدعٍ وَلَكِنِّي مُتبع أَلا إِنَّه لَيْسَ لأحد أَن يطاع فِي مَعْصِيّة الله عز وَجل لست بِخَيْرِكُمْ وَإِنَّمَا أَنا رجل مِنْكُم أَلا وَإِنِّي أثقلكم حملا يَا أَيهَا النَّاس إِن أفضل الْعِبَادَة أَدَاء الْفَرَائِض وَاجْتنَاب الْمَحَارِم أَقُول قولي هَذَا وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم لي وَلكم

خطبَته فِي التَّقْوَى

قَالَ وخطب عمر بن عبد الْعَزِيز النَّاس فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس عَلَيْكُم بتقوى الله فَإِن تقوى الله خلف من كل شَيْء وَلَا خلف من التَّقْوَى أَيهَا النَّاس إِنَّه قد كَانَ قبلي وُلَاة تجترون مَوَدَّتهمْ بِأَن تدفعوا بذلك ظلمهم عَنْكُم يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي لست بخازن وَلَكِنِّي إِنَّمَا أَضَع حَيْثُ أمرت أَلا وَلَا طَاعَة لمخلوق فِي مَعْصِيّة الْخَالِق أَقُول قولي هَذَا وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم لي وَلكم


خطبَته فِي الْبَعْث

وَقَالَ وخطب عمر بن عبد الْعَزِيز النَّاس بعد أَن جمعهم فَقَالَ إِنِّي لم أجمعكم لأمر أحدثته وَلَكِنِّي نظرت فِي أَمر معادكم وَمَا أَنْتُم إِلَيْهِ صائرون فَوجدت الْمُصدق بِهِ أَحمَق والمكذب بِهِ هَالكا ثمَّ نزل


خطبَته فِي إِبَاحَة دُخُول المظلومين عَلَيْهِ بِغَيْر إِذن

قَالَ وخطب عمر بن عبد الْعَزِيز الغرباء فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس الحقوا ببلادكم فَإِنِّي أنساكم عِنْدِي وأذكركم ببلادكم أَلا وَإِنِّي قد اسْتعْملت عَلَيْكُم رجَالًا لَا أَقُول هم خياركم وَلَكنهُمْ خير مِمَّن هُوَ شَرّ مِنْهُم أَلا فَمن ظلمه إِمَامه مظْلمَة فَلَا إِذن لَهُ عَليّ وَمن لَا فَلَا أرينه أَلا وَإِنِّي منعت نَفسِي وَأهل بَيْتِي هَذَا المَال فَإِن ضننت بِهِ عَنْكُم إِنِّي إِذن لضنين وَالله لَوْلَا أَن أنعش سنة أَو أَسِير بِحَق مَا أَحْبَبْت أَن أعيش فواقا


خطبَته فِي الْوَعْظ وتسميته الإِمَام الظَّالِم عَاصِيا

قَالَ وخطب عمر بن عبد الْعَزِيز النَّاس فَقَالَ أما بعد أَيهَا النَّاس فَلَا يطولن عَلَيْكُم الأمد وَلَا يبعدن عَلَيْكُم يَوْم الْقِيَامَة فَإِن من زافت بِهِ منيته فقد قَامَت قِيَامَته لَا يستعتب من سيئ وَلَا يزِيد فِي حسن ألالا سَلامَة لامرئ فِي خلاف السّنة ولاطاعة لمخلوق فِي مَعْصِيّة الله أَلا وَإِنَّكُمْ تَعدونَ الهارب من ظلم إِمَامه عَاصِيا أَلا وَإِن أولاهما بالمعصية الإِمَام الظَّالِم أَلا وَإِنِّي أعالج امرا لَا يعين عَلَيْهِ إِلَّا الله قد فني عَلَيْهِ الْكَبِير وَكبر عَلَيْهِ الصَّغِير وفصح عَلَيْهِ الأعجمي وَهَاجَر عَلَيْهِ الْأَعرَابِي حَتَّى حسبوه دينا لَا يرَوْنَ الْحق غَيره ثمَّ قَالَ إِنَّه لحبيب إِلَيّ أَن أوفر أَمْوَالكُم وَأَعْرَاضكُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه


خطبَته فِي التَّذْكِير بِالْمَوْتِ وحرصه على كِفَايَة رَعيته

قَالَ وخطب عمر بن عبد الْعَزِيز النَّاس بخناصرة فَقَالَ أَيهَا النَّاس إِنَّكُم لم تخلقوا عَبَثا وَلم تتركوا سدى وَإِنَّكُمْ لكم معاد ينزل الله تبَارك وَتَعَالَى للْحكم فِيهِ والفصل بَيْنكُم فخاب وخسر من خرج من رَحْمَة الله الَّتِي وسعت كل شَيْء وَحرم الْجنَّة الَّتِي عرضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض أَلا ترَوْنَ أَنكُمْ فِي أسلاب الهالكين وسيخلفها بعدكم الْبَاقُونَ حَتَّى ترد إِلَى خير الْوَارِثين فِي كل يَوْم تشيعون غاديا إِلَى الله ورائحا قد قضى نحبه وانقضى أَجله ثمَّ تغيبونه فِي صدع من الأَرْض غير موسد وَلَا ممهد قد فَارق الأحباب وخلع الأسلاب وواجه الْحساب وَسكن التُّرَاب مرتهنا بِعَمَلِهِ غَنِيا عَمَّا ترك فَقِيرا إِلَى مَا قدم ثمَّ قَالَ وَايْم الله إِنِّي لأقول لكم هَذِه الْمقَالة وَمَا أعلم عِنْد أحد مِنْكُم من الذُّنُوب أَكثر مِمَّا أعلم عِنْدِي فأستغفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ وَمَا أحد مِنْكُم تبلغني حَاجته إِلَّا حرصت أَن أَسد من حَاجته مَا قدرت عَلَيْهِ وَمَا أحد لَا يَسعهُ مَا عِنْدِي إِلَّا وددت أَنه بُدِئَ بِي وبلحمتي الَّذين يلونني حَتَّى يَسْتَوِي عيشنا وعيشكم وَايْم الله لَو أردْت غير هَذَا من رخاء أَو غضارة عَيْش لَكَانَ اللِّسَان بِهِ مني ذلولا وَلكنه مضى من الله كتاب نَاطِق أَمرنِي فِيهِ بِطَاعَتِهِ ونهاني فِيهِ عَن مَعْصِيَته ثمَّ رفع طرف ثَوْبه وَوَضعه على وَجهه فَبكى وَبكى من كَانَ حوله ثمَّ قَالَ نسْأَل الله التَّوْفِيق وَالْهدى وَالْعَمَل بِمَا يحب ويرضى


زهد عمر وَطَعَامه

قَالَ وَلما ولي عمر بن عبد الْعَزِيز زهد فِي الدُّنْيَا ورفض مَا كَانَ فِيهِ وَترك أَن يخْدم وَترك ألوان الطَّعَام فَكَانَ إِذا صنع لَهُ طَعَامه هيئ على شَيْء وغطي حَتَّى إِذا دخل اجتذبه فَأكل


تَعْجِيل عمر فِي قَضَاء الْحُقُوق

قَالَ وَجَاءَت إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز امْرَأَة من أهل الْكُوفَة فَقَالَت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا أصبت أَنا وَلَا بَنَاتِي مِمَّا قسم أَمِير الْمُؤمنِينَ قَلِيلا وَلَا كثيرا قَالَ وَمن بك قَالَت العرفاء والمناكب قَالَ ارجعي إِلَيّ حَتَّى العشية فأكتب لَك ثمَّ قَالَ مَه فلعلي لَا أبلغ العشاءادخلي على فَاطِمَة بنت عبد الْملك يَعْنِي زَوجته فَبينا هِيَ عِنْد فَاطِمَة إِذْ قَامَ عمر فسكب وضُوءًا لنَفسِهِ فَقَالَت الْمَرْأَة لفاطمة بنت عبد الْملك أَلا تأخذين عَلَيْك ثِيَابك من هَذَا الرجل يرى رَأسك مكشوفا قَالَت لَهَا أما تعرفين هَذَا هَذَا أَمِير الْمُؤمنِينَ يسْكب لنَفسِهِ وضُوءًا

قَالَت الْمَرْأَة ثمَّ دَعَاني وَكتب لي كتابا


تواضع عمر وإصلاحه السراج

قَالَ وَكَانَ عِنْده قوم ذَات لَيْلَة فِي بعض مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فَغشيَ سراجه فَقَامَ إِلَيْهِ فأصلحه فَقيل لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَلا نكفيك قَالَ وَمَا ضرني قُمْت وَأَنا عمر بن عبد الْعَزِيز وَرجعت وَأَنا عمر بن عبد الْعَزِيز


تقتير عمر على نَفسه وتوسيعه على الْعمَّال

وَكَانَ عمر قد طلق نَفسه عَن الْفَيْء فَلم يرْزق مِنْهُ شَيْئا إِلَّا عطاءه مَعَ الْمُسلمين فَدخل عَلَيْهِ ابْن أبي زَكَرِيَّا فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنِّي أُرِيد أَن أُكَلِّمك بِشَيْء قَالَ قل قَالَ قد بَلغنِي أَنَّك ترزق الْعَامِل من عمالك ثَلَاث مائَة دِينَار قَالَ نعم قَالَ وَلم ذَلِك قَالَ أردْت أَن أغنيهم عَن الْخِيَانَة قَالَ فَأَنت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أولى بذلك قَالَ فَأخْرج ذراعه وَقَالَ يَا ابْن أبي زَكَرِيَّا إِن هَذَا نبت من الْفَيْء وَلست معيدا إِلَيْهِ مِنْهُ شَيْئا أبدا


ورعه عَن شم مسك الْفَيْء

قَالَ وَأتي عمر بن عبد الْعَزِيز من الْفَيْء ذَات يَوْم بعنبرة وَعِنْده لَيْث بن أبي رقية كَاتبه فَأَخذهَا بِيَدِهِ فمسحها ثمَّ أَمر بهَا فَرفعت حَتَّى تبَاع قَالَ ثمَّ إِنَّه أَمر يَده على أَنفه فَوجدَ رِيحهَا فَدَعَا بِوضُوء فَتَوَضَّأ قَالَ فَقلت لَهُ مَا هَذَا الَّذِي أصبت مِنْهَا حَتَّى تتوضأ قَالَ عجبا لَك يَا لَيْث وَهل ينْتَفع مِنْهَا إِلَّا بِالَّذِي وجدت أتؤكل أَو تشرب قَالَ وَأتي عمر بن عبد الْعَزِيز يَوْمًا بمسك من الْفَيْء فَوضع بَين يَدَيْهِ فَوجدَ رِيحه فَوضع يَده على أَنفه وَقَالَ أخروه حَتَّى لم يجد لَهُ ريحًا


ورعه عَن تسخين المَاء على مطبخ الْعَامَّة وتعويضه مِنْهُ

قَالَ وَكَانَ لَهُ غُلَام يَأْتِيهِ بقمقم من مَاء مسخن يتوضأمنه فَقَالَ للغلام يَوْمًا أتذهب بِهَذَا القمقم إِلَى مطبخ الْمُسلمين فتجعله عِنْده حَتَّى يسخن ثمَّ تَأتي بِهِ قَالَ نعم أصلحك الله قَالَ أفسدته علينا قَالَ فَأمر مزاحما أَن يغلي ذَلِك القمقم ثمَّ ينظر مَا يدْخل فِيهِ من الْحَطب ثمَّ يحْسب تِلْكَ الْأَيَّام الَّتِي كَانَ يغليه فِيهَا فَيَجْعَلهُ حطبا فِي المطبخ قَالَ وأصابته جَنَابَة فِي لَيْلَة بَارِدَة فأسخن لَهُ مَاء فَأتي بِهِ فَقَالَ أَيْن سخنته قَالَ على مطبخ الْعَامَّة قَالَ فنحه قَالَ فناداه رجل وَخَافَ عَلَيْهِ إِن اغْتسل بِالْمَاءِ الْبَارِد فِي تِلْكَ اللَّيْلَة أنْشدك الله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي نَفسك فَإِن كَانَ لَا بُد فَعوضهُ قيمَة ثمَّ أدخلهُ بَيت مَال الْمُسلمين فَفعل ذَلِك عمر رَضِي الله عَنهُ


خُرُوج عمر من مَاله ورده من مَال الْمُسلمين

قَالَ وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز مَا من شَيْء إلاوقد رَددته فِي مَال الْمُسلمين إلاالعين الَّتِي بالسويداء فَإِنِّي عَمَدت إِلَى أَرض براح لَيْسَ فِيهَا لأحد من الْمُسلمين ضَرْبَة سَوط فعملتها من صلب عطائي الَّذِي يجمع لي مَعَ جمَاعَة الْمُسلمين فَجَاءَتْهُ غَلَّتهَا مِائَتَا دِينَار وجراب فِيهِ تمر صيحاني وتمر عَجْوَة فَقَالَ هَات اصبب للْقَوْم من هَذِه الْعَجْوَة فَهِيَ أبرد وَأَصَح قَالَ وَسمع النِّسَاء بِمَال قد قدم عَلَيْهِ فأرسلن إِلَيْهِ بِابْن لَهُ غُلَام ليعطيه من ذَلِك المَال فَلَمَّا جَاءَ الْغُلَام قَالَ احفنوا لَهُ من ذَلِك التَّمْر فحفنوا لَهُ من ذَلِك فَخرج الْغُلَام فَرحا حت لما انْتهى إِلَى النِّسَاء فرأين التَّمْر ضربن الْغُلَام ثمَّ قُلْنَ لَهُ اذْهَبْ فانثره بَين يَدَيْهِ فَأقبل الْغُلَام فنثره بَين يَدَيْهِ وأهوى بيدَيْهِ إِلَى الذَّهَب فَقَالَ عمر للوليد بن هِشَام من آل أبي معيط أمسك يَدَيْهِ يَا وليد فَأمْسك يَدَيْهِ الْوَلِيد ودعا عمر بِدُعَاء لَهُ كثير وَكَانَ من دُعَائِهِ اللَّهُمَّ فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة أَنْت تحكم بَين عِبَادك فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ بغض إِلَى هَذَا الْغُلَام هَذَا الذَّهَب كَمَا حببتها إِلَى فلَان ابْن فلَان أرسل يَدَيْهِ يَا وليد فارتعشت يَدَاهُ فَمَا مس مِنْهَا دِينَارا وَانْصَرف فَقَالَ لَهُ رجل لقد اسْتُجِيبَ لَك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ثمَّ قَالَ عمر أخرجُوا زَكَاة هَذِه المائتي دِينَار فَقَالَ الرَّسُول يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لقد أَخذ خرص هَذَا الْحَائِط قَالَ يَا بني لَيْسَ هَذَا من عَمَلك قَالَ فأخرجوا خَمْسَة دَنَانِير ثمَّ قَالَ دلوني على رجل أعمى لَيْسَ لَهُ قَائِد قَالَ بَيْنَمَا الْقَوْم يتذاكرون إِذْ قَالَ عمر لقد وَقعت عَلَيْهِ وَقد ذكرته وَهُوَ الشَّيْخ الْجَزرِي الْأَعْمَى يَأْتِي فِي اللَّيْلَة الْمظْلمَة الماطرة يتكمه لَيْسَ لَهُ قَائِد أخرجُوا لَهُ ثمن قَائِد لَا كَبِير يَقْهَرهُ وَلَا صَغِير يضعف عَنهُ قَالَ فأخرجوا لَهُ مِنْهَا خَمْسَة وَثَلَاثِينَ دِينَارا قَالَ ثمَّ دَعَا عمر بِالَّذِي يقوم على نَفَقَة أَهله فَقَالَ لَهُ خُذ هَذِه الذَّهَب فأنفقها على عيالنا إِلَى أَن يخرج لي عطائي مَعَ الْمُسلمين أَو يقْضِي الله قبل ذَلِك


عمر وَغُلَامه

قَالَ وَكَانَ لَهُ غُلَام وبرذون يغل عَلَيْهِ فَسَأَلَ الْغُلَام عَن حَاله فَقَالَ النَّاس كلهم بِخَير إِلَّا أَنا وَأَنت وَهَذَا البرذون قَالَ اذْهَبْ فَأَنت حر


خَوفه من الله

وسئلت فَاطِمَة بنت عبد الْملك زَوْجَة عمر بن عبد الْعَزِيز عَن عبَادَة عمر فَقَالَت وَالله مَا كَانَ بِأَكْثَرَ النَّاس صَلَاة وَلَا أَكْثَرهم صياما وَلَكِن وَالله مَا رَأَيْت أحدا أخوف لله من عمر لقد كَانَ يذكر الله فِي فرَاشه فينتفض انتفاض العصفور من شدَّة الْخَوْف حَتَّى نقُول ليصبحن النَّاس وَلَا خَليفَة لَهُم


خَوفه من النَّار

قَالَ وَقَرَأَ عمر بن عبد الْعَزِيز بِالنَّاسِ ذَات لَيْلَة {وَاللَّيْل إِذا يغشى} فَلَمَّا بلغ {فأنذرتكم نَارا تلظى} خنقته الْعبْرَة فَلم يسْتَطع أَن ينفذها فَرجع حَتَّى إِذا بلغَهَا خنقته الْعبْرَة فَلم يسْتَطع أَن ينفذها فَتَركهَا وقرأسورة غَيرهَا


تذكير عمر زَوجته ليَالِي النَّعيم بدابق

قَالَ وَمر عمر بن عبد الْعَزِيز ذَات يَوْم بفاطمة زَوجته فَضرب على كتفها وَقَالَ يَا فَاطِمَة لنَحْنُ ليَالِي دابق أنعم منا الْيَوْم فَقَالَت وَالله مَا كنت على ذَلِك أقدر مِنْك الْيَوْم فَأَدْبَرَ عَنْهَا وَله حنين وَهُوَ يَقُول يَا فَاطِمَة إِنِّي أَخَاف النَّار يَا فَاطِمَة {إِنِّي أَخَاف إِن عصيت رَبِّي عَذَاب يَوْم عَظِيم}


لِبَاس عمر قبل الْخلَافَة وَبعدهَا

قَالَ وَأَتَاهُ رجل فَأمره أَن يَشْتَرِي لَهُ كسَاء بِثمَانِيَة دَرَاهِم فَاشْتَرَاهُ لَهُ فَأَتَاهُ بِهِ فَوضع يَده عَلَيْهِ وَقَالَ ماألينه وَأَعْجَبهُ فَضَحِك الرجل الَّذِي اشْتَرَاهُ فَقَالَ لَهُ عمر إِنِّي لأحسبك أَحمَق أتضحك من غير شَيْء قَالَ مَا ذَاك بِي وَلَكِنَّك أَمرتنِي قبل ولايتك أَن أَشْتَرِي لَك مطرف خَز فاشتريت لَك مطرفا بثمان مائَة دِرْهَم فَوضعت يدك عَلَيْهِ فَقلت مَا أخشنه وَأَنت الْيَوْم تستلين كسَاء بِثمَانِيَة دَرَاهِم فعجبت من ذَلِك وأضحكني فَقَالَ عمر مَا أَحسب رجلا يبْتَاع كسَاء بثمانمائة دِرْهَم يخَاف الله عزوجل


عري عمر إِذا غسل قَمِيصه

قَالَ وَأَبْطَأ عمر يَوْمًا عَن الْجُمُعَة قَلِيلا فعوتب فِي ذَلِك فَقَالَ إِنَّمَا انتظرت قَمِيصِي غسلته أَن يجِف

قَالَ وَدخل مسلمة بن عبد الْملك على عمر بن عبد الْعَزِيز فِي مَرضه وَعَلِيهِ قَمِيص وسخ فَقَالَ لفاطمة زَوْجَة عمر وَهِي أُخْت مسلمة بن عبد الْملك أَلا تغسلون قَمِيصه قَالَت وَالله مَا لَهُ غَيره وَإِن غسلناه بَقِي لَا قَمِيص لَهُ


مَا يَقُوله عمر اذا اراد انْصَرف من بِحَضْرَتِهِ

وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز إِذا أَرَادَ أَن يُقيم النَّاس الَّذين عِنْده فِي الدَّار وبدت لَهُ حَاجَة يَخْلُو بهَا قَالَ نعم إِذا شِئْتُم رحمكم الله وَلَيْسَ يَأْمر أحدا يُقيم النَّاس

دَعوته مسلمة الى الطَّعَام وتلطفه بعظته

وَكَانَ مسلمة بن عبد الْملك من أشرف أموي وأعظمه تملكا وأسرفه فِي الطَّعَام فَبلغ عمر بن عبد الْعَزِيز سرفه فِي طَعَامه فَأمره أَن يبكر عَلَيْهِ وَأمر عمر بن عبد الْعَزِيز بطبيخ ثريد عدس وبألوان من لحم فَلَمَّا غَدا عَلَيْهِ مسلمة أَقَامَ عِنْده حَتَّى تَعَالَى النَّهَار وَوجد الْجُوع فَقَامَ ليذْهب فحسبه عمر وَقَالَ لَهُ اجْلِسْ ثمَّ أَقَامَ حَتَّى انتصف النَّهَار ثمَّ قَامَ فَقَالَ لَهُ عمر اجْلِسْ حَتَّى إِذا بلغ من مسلمة الْجُوع فِيمَا يرى عمر دَعَا بطعامه فقربت ثريدة العدس فَأقبل عَلَيْهَا مسلمة فَأكل أكل مجهود قد بلغ مِنْهُ الْجُوع فَلم يأل حَتَّى تملأ فَأمر عمر أَن يرفع ودعا لَهُ بِطَعَام طيب فَقَالَ كل قَالَ قد شبعت مَا فِي فضل قَالَ لَهُ فَكيف بالسرف فِي الطَّعَام والتقحم فِي النَّار وَهَذَا يَجْزِي عَنهُ وَأَرَادَ عمر رَحمَه الله عظته وتأديبه فقصر بعد ذَلِك مسلمة عَمَّا كَانَ يكون عَلَيْهِ


اكْتِفَاء عمر بِمَا كَانَ عِنْده

قَالَ وَلم يحدث عمر بن عبد الْعَزِيز مُنْذُ ولي دَابَّة وَلَا امْرَأَة وَلَا جَارِيَة حَتَّى لحق بِاللَّه


تَركه الضحك

قَالَ وَلم ير عمر مفترا ضَاحِكا مُنْذُ ولي الْخلَافَة حَتَّى لَقِي الله

اعتزاله النِّسَاء

قَالَ وَقَالَت فَاطِمَة زَوجته مَا اغْتسل من جَنَابَة مُنْذُ ولي حَتَّى لَقِي الله غير ثَلَاث مَرَّات وَيُقَال مَا اغْتسل من جَنَابَة حَتَّى مَاتَ


جَوَاب عمر حِين سُئِلَ عَن حَاله

قَالَ وَقَالَ رجل لعمر بن عبد الْعَزِيز كَيفَ أَصبَحت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ أَصبَحت بطينا بطيئا متلوثا فِي الْخَطَايَا أَتَمَنَّى على الله الاماني


ندمه على إِعْطَاء بني أُميَّة

قَالَ وَاجْتمعت بَنو أُميَّة فَكَلَّمُوا رجلا أَن يكلمهُ فِي صلَة أرحامهم والعطف عَلَيْهِم وَكَانَ قد أَمر لَهُم بِعشْرَة آلَاف دِينَار فَلم تقع مِنْهُم فَدخل عَلَيْهِ الرجل فَكَلمهُ وأعلمه بمقالتهم فَقَالَ أجل وَالله لقد قسمتهَا فيهم وَقد نَدِمت عَلَيْهَا أَن لَا أكون منعتهم إِيَّاهَا وقسمتها فَكَانَت كَافِيَة أَرْبَعَة آلَاف بَيت من الْمُسلمين فَخرج إِلَيْهِم الرجل وأعلمهم بمقالته وَقَالَ لَا تلوموا إِلَّا أَنفسكُم يَا معشر بني أُميَّة عمدتم إِلَى صَاحبكُم فزوجتموه بنت ابْن عمر فجاءتكم بعمر ملفوفا فِي ثِيَابه فَلَا تلوموا إِلَّا أَنفسكُم


أعوان عمر

قَالَ وَكَانَ الله قد أَعَانَهُ من أَهله بسهل أَخِيه وَعبد الْملك ابْنه ومزاحم مَوْلَاهُ فَكَانُوا أعوانا لَهُ على الْحق وَقُوَّة لَهُ على مَا هُوَ فِيهِ فَاجْتمع نفر من بني أُميَّة إِلَى عبد الْملك بن عمر بن عبد الْعَزِيز فَقَالُوا لَهُ إِن أَبَاك قطع أرحامنا وانتزع مَا فِي أَيْدِينَا وَعَابَ على سلفنا وَإِنَّا وَالله لَا نصبر لَهُ على ذَلِك فَقل لَهُ يكف عَمَّا نكره فَفعل ذَلِك عبد الْملك وَدخل عَلَيْهِ فَأخْبرهُ بذلك فَكَأَن عمر وجد فِي نَفسه مِمَّا قَالَ فَقَالَ لَهُ عبد الْملك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ امْضِ لما تُرِيدُ فوَاللَّه لَوَدِدْت أَنه قد غلت بِي وَبِك الْقُدُور فِي الله فَقَالَ لَهُ جَزَاك الله خيرا من ولد ثمَّ قَالَ الْحَمد لله الَّذِي شدّ ظَهْري بسهل أخي وَعبد الْملك ومزاحم


قدوم مولى ابْن عَيَّاش وَأَصْحَابه على عمر واباحته لَهُم بَيت المَال

قَالَ وَقدم عَلَيْهِ زِيَاد مولى ابْن عَيَّاش وَأَصْحَاب لَهُ فَأتى الْبَاب وَبِه جمَاعَة من النَّاس فَأذن لَهُ دونهم فَدخل عَلَيْهِ فنسي أَن يسلم عَلَيْهِ بالخلافة ثمَّ ذكر فَقَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ لَهُ عمر وَالْأولَى لم تضرني ثمَّ نزل عمر عَن مَوضِع كَانَ عَلَيْهِ إِلَى الأَرْض وَقَالَ إِنِّي أعظم أَن أكون فِي مَوضِع أعلو فِيهِ على زِيَاد فَلَمَّا قضى زِيَاد مَا يُرِيد خرج فَأمر عمر خَازِن بَيت المَال أَن يَفْتَحهُ لزياد وَمن مَعَه يَأْخُذُونَ مِنْهُ حَاجتهم فَنظر إِلَيْهِ خَازِن بَيت المَال فاقتحمته عينه عَن أَن يكون يفتح لمثله بَيت المَال ويسلط عَلَيْهِ وَهُوَ بِهِ غير عَارِف فَفعل الخازن مَا أَمر بِهِ فَدخل زِيَاد فَأخذ لنَفسِهِ ولأصحابه بضعا وَثَمَانِينَ درهما أَو بضعا وَتِسْعين درهما فَلَمَّا رأى ذَلِك الخازن قَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ أعلم بِمن يُسَلط على بَيت المَال


جَوَاب عمر من ناداه يَا خَليفَة الله فِي الأَرْض

قَالَ وناداه رجل فَقَالَ يَا خَليفَة الله فِي الأَرْض فَقَالَ لَهُ عمر مَه إِنِّي لما ولدت اخْتَار لي أَهلِي اسْما فسموني عمر فَلَو ناديتني يَا عمر أَجَبْتُك فَلَمَّا كَبرت اخْتَرْت لنَفْسي الكنى فكنيت بِأبي حَفْص فَلَو ناديتني يَا أَبَا حَفْص أَجَبْتُك فَلَمَّا وليتموني أُمُوركُم سميتموني أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلَو ناديتني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَجَبْتُك وَأما خَليفَة الله فِي الأَرْض فلست كَذَلِك وَلَكِن خلفاء الله فِي الأَرْض دَاوُد النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَشبهه قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى {يَا دَاوُد إِنَّا جعلناك خَليفَة فِي الأَرْض}


حِكَايَة الرطب وَحمله على دَوَاب الْبَرِيد

واتت عمر بن عبد الْعَزِيز سلتا رطب من الْأُرْدُن فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا رطب بعث بِهِ أَمِير الْأُرْدُن قَالَ علام جِيءَ بِهِ قَالُوا على دَوَاب الْبَرِيد قَالَ فَمَا جعلني الله أَحَق بدواب الْبَرِيد من الْمُسلمين أخرجوهما فبيعوهما وَاجْعَلُوا ثمنهما فِي علف دَوَاب الْبَرِيد فغمزني ابْن أَخِيه فَقَالَ لي اذْهَبْ فَإِذا قامتا على ثمن فخذهما عَليّ قَالَ فأخرجتا الى السُّوق فبلغتا أَرْبَعَة عشر درهما فأخذتهما فَجئْت بهما الى ابْن أَخِيه فَقَالَ اذْهَبْ بِهَذِهِ الْوَاحِدَة إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ وَحبس لنَفسِهِ وَاحِدَة قَالَ فَأَتَيْته بهَا فَقَالَ مَا هَذَا قلت اشتراهما فلَان ابْن أَخِيك فَبعث إِلَيْك بِهَذِهِ وَحبس لنَفسِهِ الْأُخْرَى قَالَ الْآن طَابَ لي أكله


دُخُول ابْن كَعْب على عمر وسماعه مِنْهُ حَدِيث ابْن عَبَّاس

وَقَالَ مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ دخلت على عمر بن عبد الْعَزِيز لما اسْتخْلف وَقد نحل جِسْمه وَنفى شعره وَتغَير لَونه وَكَانَ عهدنا بِهِ بِالْمَدِينَةِ أَمِيرا علينا حسن الْجِسْم ممتلئ الْبضْعَة فَجعلت أنظر اليه نظرا لَا أكاد أصرف بَصرِي عَنهُ فَقَالَ يَا ابْن كَعْب مَا لَك تنظر إِلَيّ نظرا مَا كنت تنظره إِلَيّ قبل قَالَ فَقلت لعجبي قَالَ ومماذا عجبك فَقلت لما نحل من جسمك وَنفى من شعرك وَتغَير من لونك قَالَ وَكَيف لَو رَأَيْتنِي بعد ثَلَاث فِي قَبْرِي حِين تقع عَيْنَايَ على وجنتي ويسيل منخري وفمي دودا وصديدا لَكُنْت لي أَشد نكرَة مِنْك الْيَوْم أعد عَليّ حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أفضل الْمجَالِس مَا اسْتقْبل بِهِ الْقبْلَة وأنما تتجالسون بالأمانة لَا تصلوا خلف النَّائِم وَلَا الْمُحدث واقتلوا الْحَيَّة وَالْعَقْرَب وَإِن كُنْتُم فِي صَلَاتكُمْ وَلَا تستروا الْجدر بالثياب أَلا وَمن نظر مِنْكُم فِي كتاب أَخِيه بِغَيْر إِذْنه فَإِنَّمَا ينظر فِي النَّار أَلا أنبئكم بشراركم قَالُوا بلَى يَا رَسُول الله قَالَ من نزل وَحده وَمنع رفده وَجلد عَبده أَلا أنبئكم بشر من ذَلِك من لَا يقيل عَثْرَة وَلَا يقبل معذرة وَلَا يغْفر ذَنبا أَلا أنبئكم بشر من ذَلِك من يبغض النَّاس ويبغضونه أَلا أنبئكم بشر من ذَلِك من لَا يُرْجَى خَيره وَلَا يُؤمن شَره إِن عِيسَى بن مَرْيَم قَامَ فِي قومه فَقَالَ يَا بني إِسْرَائِيل لَا تتكلموا بالحكمة عِنْد الْجُهَّال فتظلموها وَلَا تمنعوها أَهلهَا فتظلموهم وَلَا تجاوروا ظَالِما فَيبْطل فَضلكُمْ عِنْد ربكُم إِنَّمَا الْأُمُور ثَلَاثَة فَأمر بَين رشده فَاتَّبعُوهُ وَأمر بَين غيه فَاجْتَنبُوهُ وَأمر اخْتلف فِيهِ فَردُّوهُ إِلَى الله


نَهْيه عَن ركض الْفرس

قَالَ وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز يُنْهِي عَن ركض الْفرس فِي غير حق


معونته ذَوي العاهات

قَالَ وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز إِذا كثر عِنْده أرقاء الْخمس فرقه بَين كل مقعدين وَبَين كل زمنين غُلَاما يَخْدُمهُمَا وَلكُل أعمى غُلَاما يَقُودهُ


رفضه أَن يفضل بِطَعَام

قَالَ وَنزل عمر ديرا فمرت بِهِ أطباق فَقَالَ مَا هَذِه قيل لَهُ صَاحب الدَّيْر يطعم النَّاس فَجَاءَهُ بطبق فِيهِ فستق ولوز فَقَالَ عمر تِلْكَ الأطباق مثل هَذَا قَالَ لَا قَالَ خُذ طَعَامك


طَعَام بَنَات عمر

قَالَ وَكَانَ عمر يُصَلِّي الْعَتَمَة ثمَّ يدْخل على بَنَاته فَيسلم عَلَيْهِنَّ فَدخل عَلَيْهِنَّ ذَات لَيْلَة فَلَمَّا أحسسنه وضعن أَيْدِيهنَّ على أفواههن ثمَّ تبادرن الْبَاب فَقَالَ للحاضنة مَا شأنهن قَالَت إِنَّه لم يكن عِنْدهن شَيْء يتعيشنه إِلَّا عدس وبصل فكرهن أَن تشم ذَلِك من أفواههن فَبكى عمر ثمَّ قَالَ لَهُنَّ يَا بَنَاتِي مَا ينفعكن أَن تعشين الألوان ويمر بأبيكن إِلَى النَّار قَالَ فبكين حَتَّى علت أصواتهن ثمَّ انْصَرف

كَانَ عمر لَا يُؤَخر عمل الْيَوْم للغد

قَالَ وَقَالَ بعض إخْوَة عمر لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو ركبت فتروحت قَالَ فَمن يَجْزِي عني عمل ذَلِك الْيَوْم قَالَ تجزيه من الْغَد قَالَ فدحني عمل يَوْم وَاحِد فَكيف إِذا اجْتمع عَليّ عمل يَوْمَيْنِ قيل فَإِن سُلَيْمَان قد كَانَ يركب وينتعش وَيجْزِي عمله قَالَ عمر وَلَا يَوْم وَاحِد من الدُّنْيَا مَا أجزاه سُلَيْمَان


رد عمر الْمَظَالِم وَمَا كَانَ بَينه وَبَين عَنْبَسَة بن سعيد وَكَانَ سُلَيْمَان أَمر لَهُ بصلَة فَمَاتَ قبل قبضهَا

قَالَ وَلما ولي عمر بن عبد الْعَزِيز رد الْمَظَالِم والقطائع وَكَانَ سُلَيْمَان بن عبد الْملك قد أَمر لعنبسة بن سعيد بن الْعَاصِ بِعشْرين ألف دِينَار فدارت فِي الدَّوَاوِين حَتَّى انْتَهَت إِلَى ديوَان الْخَتْم فَلم يبْق إِلَّا قبضهَا فَتوفي سُلَيْمَان قبل أَن يقبضهَا وَكَانَ عَنْبَسَة صديقا لعمر بن عبد الْعَزِيز فغدا عَنْبَسَة يُرِيد كَلَام عمر فِيمَا أَمر لَهُ بِهِ سُلَيْمَان فَوجدَ بني أُميَّة حضورا بِبَاب عمر يُرِيدُونَ الْإِذْن عَلَيْهِ ليكلموه فِي أُمُورهم فَلَمَّا رَأَوْا عَنْبَسَة قَالُوا نَنْظُر مَا يصنع بِهِ قبل أَن نكلمه فَقَالُوا لَهُ أعلم أَمِير الْمُؤمنِينَ مَكَاننَا وَأَعْلَمنَا مَا يصنع بك فِي أمورك فَدخل عَنْبَسَة على عمر فَقَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ سُلَيْمَان قد كَانَ أَمر لي بِعشْرين ألف دِينَار حَتَّى انْتَهَت إِلَى ديوَان الْخَتْم وَلم يبْق إِلَّا قبضهَا فَتوفي على ذَلِك وأمير الْمُؤمنِينَ أولى باستتمام الصنيعة عِنْدِي وَمَا بيني وَبَينه أعظم مِمَّا كَانَ بيني وَبَين أَمِير الْمُؤمنِينَ سُلَيْمَان قَالَ لَهُ عمر كم ذَلِك قَالَ عشرُون ألف دينارقال عمر عشرُون ألف دينارتغني أَرْبَعَة آلَاف بَيت من الْمُسلمين وأدفعها إِلَى رجل وَاحِد وَالله مَا لي إِلَى ذَلِك من سَبِيل قَالَ فرميت بِالْكتاب الَّذِي فِيهِ الصَّك فَقَالَ لي عمر لَا عَلَيْك أَن يكون مَعَك فَلَعَلَّهُ أَن يَأْتِيك من هُوَ أجرأ على هَذَا المَال مني فيأمر لَك بهَا قَالَ عَنْبَسَة فَأَخَذته تبركا بِرَأْيهِ وَقلت لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَمَا بَال جبل الورس وَكَانَ جبل الورس قطيعة لعمر بن عبد الْعَزِيز فَقَالَ عمر ذَكرتني الطعْن وَكنت نَاسِيا يَا غُلَام هَلُمَّ ذَلِك القفص فَأتي بقفص من جريد فِيهِ قطائع من بني عبد الْعَزِيز فَقَالَ يَا غُلَام اقْرَأ عَليّ فَكلما قَرَأَ قطيعة قَالَ شقها حَتَّى لم يبْق فِي القفص شَيْء إِلَّا شقَّه قَالَ عَنْبَسَة فَخرجت إِلَى بني أُميَّة وهم وقُوف بِالْبَابِ فأعلمتهم مَا كَانَ من ذَلِك فَقَالُوا لَيْسَ بعد هَذَا شَيْء ارْجع إِلَيْهِ فَاسْأَلْهُ أَن يَأْذَن لنا أَن نلحق بالبلدان فَرَجَعت إِلَيْهِ فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن قَوْمك بِالْبَابِ يَسْأَلُونَك أَن تجْرِي عَلَيْهِم مَا كَانَ قبلك يجْرِي عَلَيْهِم فَقَالَ عمر وَالله مَا هَذَا المَال لي وَمَا لي إِلَى ذَلِك من سَبِيل قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فيسألونك أَن تَأذن لَهُم يضْربُونَ فِي الْبلدَانِ قَالَ مَا شَاءُوا ذَلِك لَهُم وَقد أَذِنت لَهُم قَالَ قلت وَأَنا أَيْضا قَالَ وَأَنت أَيْضا قد أَذِنت لَك وَلَكِنِّي أرى لَك أَن تقيم فَإنَّك رجل كثير النَّقْد وَأَنا أبيع تَرِكَة سُلَيْمَان فلعلك أَن تشتري مِنْهَا مَا يكون لَك فِي ربحه عوض مِمَّا فاتك قَالَ فأقمت تبركا بِرَأْيهِ فابتعت من تَرِكَة سُلَيْمَان بِمِائَة ألف فَخرجت بهَا إِلَى الْعرَاق فبعتها بِمِائَتي ألف وحبست الصَّك فَلَمَّا توفّي عمر وَولي يزِيد بن عبد الْملك أَتَيْته بِكِتَاب سُلَيْمَان فأنفذ لي مَا كَانَ فِيهِ


عمر وَجَارِيَة لزوجته

وَنظر عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى جَارِيَة زَوجته فَاطِمَة بنت عبد الْملك فَكَأَنَّهَا أَعْجَبته فَقَالَت لَهُ فَاطِمَة أَرَاهَا قد أعجبتك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ عمر إِنَّهَا لعرضة لذَلِك قَالَ فَأمرت فَاطِمَة بإصلاحها وتهيئتها حَتَّى إِذا رضيت من ذَلِك بعثت بهَا إِلَيْهِ فَقَالَ لَهَا لمن كنت قَالَت وهبني عبد الْملك لفاطمة قَالَ فَلِمَنْ كنت قبل عبد الْملك قَالَت كنت لقوم بِالْبَصْرَةِ فَأخذ عاملها أَمْوَالهم فَكنت فِيمَا أَخذه فَبعث بِي إِلَى عبد الْملك فوهبني لفاطمة فَدَعَا بالبريد فَكتب إِلَى عَامل الْبَصْرَة فَأمره بردهَا إِلَى أَهلهَا


عذر عمر فِي تَأْخِير بعض الْأُمُور

قَالَ لما ولي عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ لَهُ ابْنه عبد الْملك إِنِّي لأرَاك يَا أبتاه قد أخرت أمورا كَثِيرَة كنت أحسبك لَو وليت سَاعَة من النَّهَار عجلتها ولوددت أَنَّك قد فعلت ذَلِك وَلَو فارت بِي وَبِك الْقُدُور قَالَ لَهُ عمر أَي بني إِنَّك على حسن قسم الله لَك وفيك بعض رَأْي أهل الحداثة وَالله مَا أَسْتَطِيع أَن أخرج لَهُم شَيْئا من الدّين إِلَّا وَمَعَهُ طرف من الدُّنْيَا أستلين بِهِ قُلُوبهم خوفًا أَن ينخرق عَليّ مِنْهُم مَا لَا طَاقَة لي بِهِ


استخلاص عمر حوانيت بحمص من ابْن الْوَلِيد وردهَا على أَصْحَابهَا

قَالَ وَكَانَ للوليد بن عبد الْملك ابْن يُقَال لَهُ روح وَكَانَ نَشأ فِي الْبَادِيَة فَكَأَنَّهُ أَعْرَابِي فَأتى نَاس من الْمُسلمين إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز يُخَاصِمُونَ روحا فِي حوانيت حمص وَكَانَت لَهُم أقطعه إِيَّاهَا أَبوهُ الْوَلِيد بن عبد الْملك فَقَالَ لَهُ عمر أردد عَلَيْهِم حوانيتهم قَالَ لَهُ روح هَذَا معي بسجل الْوَلِيد قَالَ وَمَا يُغني عَنْك سجل الْوَلِيد والحوانيت حوانيتهم قد قَامَت لَهُم الْبَيِّنَة عَلَيْهَا خل لَهُم حوانيتهم فَقَامَ روح والحمصي منصرفين فتوعد روح الْحِمصِي فَرجع الْحِمصِي إِلَى عمر فَقَالَ هُوَ وَالله متوعدني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ عمر لكعب بن حَامِد وَهُوَ على حرسه اخْرُج إِلَى روح يَا كَعْب فَإِن سلم إِلَيْهِ حوانيته فَذَلِك وَإِن لم يفعل فائتني بِرَأْسِهِ فَخرج بعض من سمع ذَلِك مِمَّن يعنيه أَمر روح بن الْوَلِيد فَذكر لَهُ الَّذِي أَمر عمر فَخلع فُؤَاده وَخرج إِلَيْهِ كَعْب وَقد سل من السَّيْف شبْرًا فَقَالَ لَهُ قُم فَخَل لَهُ حوانيته قَالَ نعم نعم فخلى لَهُ حوانيته


ارجاع عمر مزرعته فِي خَيْبَر إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ فِي عهد الرَّسُول

قَالَ وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز نظر فِي مزارعه فخرق سجلاتها حَتَّى بقيت مزرعتا خَيْبَر والسويداء فَسَأَلَ عَن خَيْبَر من أَيْن كَانَت لِأَبِيهِ قيل لَهُ كَانَت فِي نحل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَركهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيْئا للْمُسلمين ثمَّ صَارَت إِلَى مَرْوَان فَأَعْطَاهَا مَرْوَان أَبَاك ثمَّ أعطاكها أَبوك فخرق عمر سجلها وَقَالَ أتركها حَيْثُ تَركهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم


وَضعه حلي زَوجته فِي بَيت المَال

قَالَ وَقَالَ عمر لزوجته فَاطِمَة بنت عبد الْملك قد علمت حَال هَذَا الْجَوْهَر لحليها وَمَا صنع فِيهِ أَبوك وَمن أَيْن أَصَابَهُ فَهَل لَك أَن أجعله فِي تَابُوت ثمَّ أطبع عَلَيْهِ وأجعله فِي أقْصَى بَيت مَال الْمُسلمين وَأنْفق مَا دونه فَإِن خلصت إِلَيْهِ أنفقته وَأَن مت قبل ذَلِك فلعمري ليردنه إِلَيْك قَالَت لَهُ افْعَل مَا شِئْت فَفعل ذَلِك فَمَاتَ رَحمَه الله وَلم يصل إِلَيْهِ فَرد ذَلِك عَلَيْهَا أَخُوهَا يزِيد بن عبد الْملك فامتنعت من أَخذه وَقَالَت مَا كنت لأتركه ثمَّ آخذه فَقَسمهُ يزِيد بَين نِسَائِهِ وَنسَاء بنيه

عجز عمر عَن نَفَقَة الْحَج وشوقه إِلَى الْجنَّة

قَالَ وَقَالَ عمر بن عبيد الْعَزِيز لمزاحم مَوْلَاهُ إِنِّي قد اشْتهيت الْحَج فَهَل عنْدك شَيْء قَالَ بضعَة شهر دِينَارا قَالَ وَمَا تقع مني ثمَّ مكث قَلِيلا ثمَّ قَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ تجهز فقد جَاءَنَا مَال سَبْعَة عشر ألف دِينَار من بعض مَال بني مَرْوَان قَالَ اجْعَلْهَا فِي بَيت المَال فَإِن تكن حَلَالا فقد أَخذنَا مِنْهَا مَا يكفينا وَإِن تكن حَرَامًا فكفانا ماأصبنا مِنْهَا فَلَمَّا رأى عمر ثقل ذَلِك عَليّ قَالَ وَيحك يَا مُزَاحم لَا يكثرن عَلَيْك شَيْء صَنعته لله فَإِن لي نفسا تواقة لم تتق إِلَى منزلَة فنالتها إِلَّا تاقت إِلَى مَا هِيَ أرفع مِنْهَا حَتَّى بلغت الْيَوْم الْمنزلَة الَّتِي لَيْسَ بعْدهَا منزلَة وَإِنَّهَا الْيَوْم قد تاقت الى الْجنَّة


جرْأَة النَّاس بالتظلم لَهُ من أهل بَيته وإدالتهم مِنْهُم

قَالَ وَأَتَاهُ رجل فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مظْلمَة دخلت عَليّ قَالَ عمر وَمن بك قَالَ فَلَا وَالله مَا اسْتَطَاعَ أَن يَقُول فلَان لبَعض أَهله مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا فَقَالَ فلَان بن فلَان عمد إِلَى مَال لي بِكَذَا وَكَذَا فَأَخذه فَقَالَ يَا غُلَام ائْتِنِي بِدَوَاةٍ وَقِرْطَاس فَكتب الى عَامله إِن فلَانا ذكر لي كَذَا وَكَذَا فَإِن كَانَ الَّذِي ذكر لي على مَا ذكر فَلَا تراجعني فِيهِ واردده عَلَيْهِ ثمَّ ضرب بِإِحْدَى يَدَيْهِ على الْأُخْرَى وَقَالَ {إِن هَذَا لَهو الْبلَاء الْمُبين}


حَدِيث عمر مَعَ عمته وَعرضه عَلَيْهَا عطاءه

قَالَ وَلما ولي عمر بن عبد الْعَزِيز أَتَت عمَّة لَهُ إِلَى فَاطِمَة امْرَأَته فَقَالَ إِنِّي أُرِيد كَلَام أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَت لَهَا اجلسي حَتَّى يفرغ فَجَلَست فَإِذا بِغُلَام قد أَتَى فَأخذ سِرَاجًا فَقَالَت لَهَا فَاطِمَة إِن كنت تريدينه فَالْآن إِذا كَانَ فِي حوائج الْعَامَّة كتب على الشمع وَإِذا صَار إِلَى حَاجَة نَفسه دَعَا بسراجه فَقَامَتْ فَدخلت عَلَيْهِ فَإِذا بَين يَدَيْهِ اقراص وَشَيْء من ملح وزيت وَهُوَ يتعشى فَقَالَت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أتيت بحاجة لي ثمَّ رَأَيْت أَن أبدأ بك قبل حَاجَتي قَالَ وَمَا ذَاك يَا عمَّة وَقَالَت لَو اتَّخذت لَك طَعَاما أَلين من هَذَا قَالَ لَيْسَ عِنْدِي يَا عمَّة وَلَو كَانَ عِنْدِي لفَعَلت قَالَت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كَانَ عمك عبد الْملك يجْرِي عَليّ كذاوكذا ثمَّ كَانَ أَخُوك الْوَلِيد فزادني ثمَّ وليت أَنْت فقطعته عني قَالَ يَا عمَّة إِن عمي عبد الْملك وَأخي الْوَلِيد وَأخي سُلَيْمَان كَانُوا يعطونك من مَال الْمُسلمين وَلَيْسَ ذَاك المَال لي فأعطيكه وَلَكِنِّي أُعْطِيك مَالِي إِن شِئْت قَالَت وَمَا ذَاك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ عطائي مِائَتَا دِينَار فَهَل لَك قَالَت وَمَا يبلغ مني عطاؤك قَالَ فَلَيْسَ أملك غَيره يَا عمَّة قَالَت فَانْصَرَفت عَنهُ


عزم عمر على تَعْلِيم الرّعية وَحَملهمْ على الشَّرِيعَة

وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز ان لِلْإِسْلَامِ حدودا وَشَرَائِع وسننا فَمن عمل بهَا اسْتكْمل الْإِيمَان وَمن لم يعْمل بهَا لم يستكمل الْإِيمَان فَإِن أعش أعلمكموها وأحملكم عَلَيْهَا وَإِن مت فَمَا أَنا على صحبتكم بحريص


جَوَاب عمر الى وَالِي الْمَدِينَة بشأن الشمع

قَالَ وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم وَكَانَ وَالِي الْمَدِينَة أما بعد فقد قَرَأت كتابك إِلَى سُلَيْمَان تذكر فِيهِ أَنه كَانَ يقطع لمن كَانَ قبلك من أُمَرَاء الْمَدِينَة من الشمع كذاوكذا يستضيئون بِهِ فِي مخرجهم فابتليت بجوابك فِيهِ ولعمري لقد عهدتك يَا ابْن ام حزم وَأَنت تخرج من بَيْتك فِي اللَّيْلَة الشَّاتِيَة الْمظْلمَة بِغَيْر مِصْبَاح ولعمري أَنْت يَوْمئِذٍ خير مِنْك الْيَوْم وَلَقَد كَانَ فِي فتائل أهلك مَا يُغْنِيك وَالسَّلَام


جَوَابه إِلَيْهِ بشأن الْقَرَاطِيس

وَكتب إِلَيْهِ أَيْضا أما بعد فقد قَرَأت كتابك إِلَى سُلَيْمَان تذكر أَنه قد كَانَ يجْرِي على من كَانَ قبلك من أُمَرَاء الْمَدِينَة من الْقَرَاطِيس لحوائج الْمُسلمين كذاوكذا فابتليت بجوابك فِيهِ فَإِذا جَاءَك كتابي هَذَا فأرق الْقَلَم واجمع الْخط واجمع الْحَوَائِج الْكَثِيرَة فِي الصَّحِيفَة الْوَاحِدَة فَإِنَّهُ لَا حَاجَة للْمُسلمين فِي فضل قَول أضرّ بِبَيْت مَا لَهُم وَالسَّلَام عَلَيْك


جَوَابه إِلَى عَامله على الْبَصْرَة وَقد سَأَلَهُ الاذن لَهُ فِي تَعْذِيب الْعمَّال على خياناتهم

وَكتب إِلَى عدي بن أَرْطَأَة وَكَانَ عَاملا على الْبَصْرَة أما بعد فقد جَاءَنِي كتابك تذكر أَن قبلك عمالا قد ظَهرت خيانتهم وتسألني أَن آذن لَك فِي عَذَابهمْ كَأَنَّك ترى أَنِّي لَك جنَّة من دون الله فَإِذا جَاءَك كتابي هَذَا فَإِن قَامَت عَلَيْهِم بَيِّنَة فخذهم بذلك وَإِلَّا فأحلفهم دبر صَلَاة الْعَصْر بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَا اختانوا من مَال الْمُسلمين شَيْئا فَإِن حلفوا فَخَل سبيلهم فَإِنَّمَا هُوَ مَال الْمُسلمين وَلَيْسَ للشحيح مِنْهُم إِلَّا جهد أَيْمَانهم ولعمري لِأَن يلْقوا الله بخياناتهم أحب إِلَيّ من أَن ألْقى الله بدمائهم وَالسَّلَام


جَوَابه عُرْوَة بن مُحَمَّد بشأن الصَّدقَات

وَكتب إِلَى عُرْوَة بن مُحَمَّد أما بعد فقد جَاءَنِي كتابك تذكر أَن من كَانَ قبلك من الْعمَّال قد وضعُوا على أهل الْيمن صَدَقَاتهمْ وظائف إِن افتقروا لم ينقصوا وَإِن استغنوا زيد عَلَيْهِم وتؤامرني فِي ذَلِك ولعمري إِن هَذَا للجور حق الْجور فَإِذا جَاءَك كتابي هَذَا فخذهم بِمَا ترى عَلَيْهِم من الْحق ثمَّ قسم ذَلِك على فقرائهم واقعد على طَرِيق الْحَاج قوما ترضاهم وترضى دينهم وأماناتهم يقوون الضَّعِيف ويغنون الْفَقِير فوَاللَّه لَو لم يأتني من قبلك إِلَّا كف لرأيته من الله قسما عَظِيما وَالسَّلَام


عمر وفرتونة السَّوْدَاء وَمَا كتبه اليها وَإِلَى عَامله على مصر بشأنها

قَالَ وَكَانَ بريد عمر بن عبد الْعَزِيز لَا يُعْطِيهِ أحد من النَّاس إِذا خرج كتابا إِلَّا حمله فَخرج بريد من مصر فَدفعت إِلَيْهِ فرتونة السَّوْدَاء مولاة ذِي أصبح كتابا تذكر فِيهِ أَن لَهَا حَائِطا قَصِيرا وَأَنه يقتحم عَلَيْهَا مِنْهُ فيسرق دجاجها فَكتب

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من عبد الله عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى فرتونة السوداءمولاة ذِي أصبح بَلغنِي كتابك وَمَا ذكرت من قصر حائطك وَأَنه يدْخل عَلَيْك مِنْهُ فيسرق دجاجك فقد كتبت لَك كتابا إِلَى أَيُّوب بن شُرَحْبِيل وَكَانَ أَيُّوب عَامله على صَلَاة مصر وحربها آمره أَن يَبْنِي لَك ذَلِك حَتَّى يحصنه لَك مِمَّا تَخَافِينَ إِن شَاءَ الله وَالسَّلَام

وَكتب إِلَى أَيُّوب بن شُرَحْبِيل من عبد الله عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى ابْن شُرَحْبِيل أما بعد فَإِن فرتونة مولاة ذِي أصبح كتبت إِلَيّ تذكر قصر حائطها وَأَنه يسرق مِنْهُ دجاجها وتسأل تحصينه لَهَا فَإِذا جَاءَك كتابي هَذَا فاركب أَنْت بِنَفْسِك إِلَيْهِ حَتَّى تحصنه لَهَا فَلَمَّا جَاءَ الْكتاب إِلَى أَيُّوب ركب بِبدنِهِ حَتَّى أَتَى الجيزة يسْأَل عَن فرتونة حَتَّى وَقع عَلَيْهَا وَإِذا هِيَ سَوْدَاء مسكينة فأعلمها بِمَا كتب بِهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ فِيهَا وحصنه لَهَا


نعي عمر فِي مَسْجِد الْبَصْرَة

قَالَ وَكَانَ رَسُول عمر يقدم الْبَصْرَة فَإِذا سمع بِهِ تَلقاهُ النَّاس فَلَيْسَ يقدم إِلَّا بِزِيَادَة فِي عَطاء أَو قسم أَو خير يَأْمر بِهِ أَو شَرّ ينْهَى عَنهُ فَلَا يزَال النَّاس يشيعونه حَتَّى يدْخل الْمَسْجِد فَيقْرَأ ذَلِك الْكتاب حَتَّى قدم بريد نعيه فَلَقِيَهُ النَّاس كَمَا يلقونه فَإِذا هُوَ باك يخبر بِمَوْتِهِ فبكا النَّاس لبكائه لعَظيم مَا نزل بهم ولعظيم مصيبتهم حَتَّى دخل الْمَسْجِد يقْرَأ نعيه


نهي عمر عَن غرس الشّجر على شاطئ النّيل

قَالَ وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى عَامله بِمصْر أَن لَا يغْرس على شاطئ النّيل شَجَرَة فَإِن ذَلِك يضر بالنواتي فِي جر اللبان


قَضَاؤُهُ الدّين عَن الغارمين من بَيت الممال

قَالَ وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز على أبي بكر بن حزم إِن كل من هلك وَعَلِيهِ دين لم يكن دينه فِي خرقه فَاقْض عَنهُ دينه من بَيت مَال الْمُسلمين


أمره بتقوية أهل الذِّمَّة

وَكتب إِلَى زيد بن عبد الرَّحْمَن بن عمر بن الْخطاب وَكَانَ على الْكُوفَة كتبت تذكر أَنه قد اجْتمعت عنْدك أَمْوَال بعد أعطية الْجند فأعط مِنْهُم من كَانَ عَلَيْهِ دين فِي غير فَسَاد أَو تزوج فَلم يقدر على نقد وَالسَّلَام ثمَّ كتب إِلَيْهِ زيد إِنَّه قد بَقِي عندنَا بعد ذَلِك فَكتب إِلَيْهِ عمر أَن قو أهل الذِّمَّة فَإنَّا لَا نريدهم لسنة وَلَا لِسنتَيْنِ


رَأْيه فِي الزلزلة وَأمره النَّاس بِالصَّدَقَةِ وَالدُّعَاء

قَالَ وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى أهل الْأَمْصَار إِن هَذِه الرجفة شَيْء يُعَاتب الله بِهِ الْعباد وَقد كنت كتبت إِلَى أهل بلد كذاوكذا أَن يخرجُوا يَوْم كذاو كَذَا فَمن اسْتَطَاعَ أَن يتَصَدَّق فيلفعل فَإِن الله عز وَجل يَقُول {قد أَفْلح من تزكّى} وَقَالَ قُولُوا كَمَا قَالَ أبوكم آدم {رَبنَا ظلمنَا أَنْفُسنَا وَإِن لم تغْفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} وَقُولُوا كَمَا قَالَ نوح {وَإِلَّا تغْفر لي وترحمني أكن من الخاسرين} وَقُولُوا كَمَا قَالَ مُوسَى {رب إِنِّي ظلمت نَفسِي فَاغْفِر لي}


أمره النَّاس بِحَمْد الله

قَالَ وَكتب إِلَيْهِ عدي بن أَرْطَأَة إِنَّه قد أصَاب النَّاس من الْخَيْر خير حَتَّى لقد خشيت أَن يبطروا قَالَ فَكتب إِلَيْهِ عمر إِن الله تبَارك وَتَعَالَى حِين أَدخل أهل الْجنَّة الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار رَضِي من أهل الْجنَّة بِأَن {وَقَالُوا الْحَمد لله الَّذِي صدقنا وعده} فَمر من قبلك أَن يحْمَدُوا الله

كِتَابه الى وهب بن مُنَبّه وَقد فقد دَنَانِير من بَيت المَال

قَالَ وَكتب وهب بن مُنَبّه إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز إِنِّي فقدت من بَيت مَال الْيمن دَنَانِير فَكتب إِلَيْهِ عمر أما بعد فَإِنِّي لست أتهم دينك وَلَا أمانتك وَلَكِنِّي أتهم تضييعك وتفريطك وَإِنَّمَا أَنا حجيج الْمُسلمين فِي مَالهم وَإِنَّمَا لأشحهم فاحلف لَهُم وَالسَّلَام


إغناؤه النَّاس حَتَّى لم يجد عَامله فِي إفريقية من يَأْخُذ مِنْهُ الصَّدَقَة

قَالَ يحيى بن سعيد بَعَثَنِي عمر بن عبد الْعَزِيز على صدقَات إفريقية فاقتضيتها وَطلبت فُقَرَاء نعطيها لَهُم فَلم نجد بهَا فَقِيرا وَلم نجد من يَأْخُذهَا مني قد أغْنى عمر بن عبد الْعَزِيز النَّاس فاشتريت بهَا رقابا فأعتقتهم وولاؤهم للْمُسلمين


كتاب عمر فِي صفة مَا كَانَ الْمُسلمُونَ عَلَيْهِ وَمَا صَارُوا إِلَيْهِ وَبَيَان سياسته لَهُم

وَلما ولي عمر بن عبد الْعَزِيز كتب أما بعد فَإِنِّي أوصيكم بتقوى الله وَلُزُوم كِتَابه والاقتداء بِسنة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهديه فَإِن الله قد بَين لكم مَا تأتون وَمَا تَتَّقُون وأعذر إِلَيْكُم فِي الْوَصِيَّة وَأخذ عَلَيْكُم الْحجَّة حِين أنزل عَلَيْكُم كِتَابه الحفيظ الَّذِي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه تَنْزِيل من حَكِيم حميد} قَالَ {وبالحق أَنزَلْنَاهُ وبالحق نزل وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا مبشرا وَنَذِيرا} وَقَالَ {وَلَقَد جئناهم بِكِتَاب فصلناه على علم هدى وَرَحْمَة لقوم يُؤمنُونَ} فأقيموا فَرَائِضه وَاتبعُوا سنَنه وَاعْمَلُوا بمحكمه واصبروا أَنفسكُم عَلَيْهِ وآمنوا بمتشابهه فَإِن الله علمكُم مِنْهُ مَا علمكُم وأولكم يَوْمئِذٍ أقل النَّاس شَوْكَة وأوهنه قُوَّة وأشده فرقة وأحقره عِنْد من سواهُم من النَّاس محقرة لَيْسَ لَهُم من الله حَظّ فِي الْهدى يرجعُونَ بِهِ إِلَيْهِ مَعَ أَن الدُّنْيَا ومواضع أموالها وعددها وجماعتها ونكايتها فِي غَيرهم حَتَّى أَرَادَ الله إكرامهم بكتابه وَنبيه بعث إِلَيْهِم مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله وَرَسُوله بِالْحَقِّ بشيرا يبشر بالخيرالذي لَا خير مثله وينذر الشَّرّ الَّذِي لَا شَرّ مثله وأخره الله لذَلِك فِي الْقُرُون وَسَماهُ على لِسَان من شَاءَ من أنبيائه الَّذين سبقوا وَأخذ عَلَيْهِم مِيثَاق جَمَاعَتهمْ قَالَ {وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين لما آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة ثمَّ جَاءَكُم رَسُول مُصدق لما مَعكُمْ لتؤمنن بِهِ ولتنصرنه قَالَ أأقررتم وأخذتم على ذَلِكُم إصري قَالُوا أقررنا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنا مَعكُمْ من الشَّاهِدين} فَأخر الله ذَلِك لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين بَعثه رَحْمَة للْعَالمين {وداعيا إِلَى الله بِإِذْنِهِ وسراجا منيرا} وَأحكم الله فِي كِتَابه مَا رَضِي من الْأُمُور فَمَا جعل من ذَلِك حَلَالا فَهُوَ حَلَال إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَمَا جعل من ذَلِك حَرَامًا فَهُوَ حرَام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَعلمه سنته ففهمها وَعمل بهَا بَين ظَهْري أمته فصلى الصَّلَوَات لوَقْتهَا كَمَا أمره الله وَعلم مواقيتها الَّتِي وَقتهَا الله لَهُ فَإِنَّهُ قَالَ {أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس إِلَى غسق اللَّيْل وَقُرْآن الْفجْر إِن قُرْآن الْفجْر كَانَ مشهودا} ودلوك الشَّمْس ميلها بعد نصف النَّهَار فَلَمَّا نعت الله فِي هَذِه الْآيَة وَقت صَلَاة الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب ثمَّ قَالَ فِي آيَة أُخْرَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لِيَسْتَأْذِنكُم الَّذين ملكت أَيْمَانكُم وَالَّذين لم يبلغُوا الْحلم مِنْكُم ثَلَاث مَرَّات من قبل صَلَاة الْفجْر وَحين تضعون ثيابكم من الظهيرة وَمن بعد صَلَاة الْعشَاء} وَصَلَاة الْعشَاء صَلَاة الْعَتَمَة فَهَذِهِ الصَّلَوَات قد جمعهَا الْقُرْآن وَبَينهَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ فرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الزَّكَاة على أَمر الله فِي الْعين والحرث والماشية وَبَين مَوَاضِع ذَلِك فَقَالَ {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين والعاملين عَلَيْهَا والمؤلفة قُلُوبهم وَفِي الرّقاب والغارمين وَفِي سَبِيل الله وَابْن السَّبِيل} حَتَّى استقامت سنتها فِي الْأَخْذ حِين تُؤْخَذ وَفِي الْقِسْمَة حِين تقسم فَعمل بهَا الْمُسلمُونَ فِي جَزِيرَة الْعَرَب حَتَّى علموها أَو كل ذِي عقل مِنْهُم ثمَّ غزا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَفسِهِ غير مرّة وأغزى الجيوش والسرايا يقسم إِذا كَانَ حَاضرا وَيَأْمُر من تولى أَمر جيوشه وسراياه بِالَّذِي أَمر الله بِهِ من قسم مَا أَفَاء الله عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم فَإِن الله تبَارك وَتَعَالَى قَالَ {وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء فَأن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل إِن كُنْتُم آمنتم بِاللَّه وَمَا أنزلنَا على عَبدنَا يَوْم الْفرْقَان يَوْم التقى الْجَمْعَانِ وَالله على كل شَيْء قدير} ثمَّ أمره الله فِي الْحَج بِمَا أمره فَقَالَ {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ يأتوك رجَالًا وعَلى كل ضامر يَأْتِين من كل فج عميق ليشهدوا مَنَافِع لَهُم ويذكروا اسْم الله فِي أَيَّام مَعْلُومَات على مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا البائس الْفَقِير ثمَّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} ثمَّ أَفَاء الله على رَسُوله مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمْوَال قرى لم يوجف عَلَيْهَا خيل وَلَا ركاب فَقَالَ فِيهَا لتَكون سنة فِيمَا يفتح الله من الْقرى بعْدهَا {وَمَا أَفَاء الله على رَسُوله مِنْهُم فَمَا أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ من خيل وَلَا ركاب وَلَكِن الله يُسَلط رسله على من يَشَاء وَالله على كل شَيْء قدير} وَقَالَ {مَا أَفَاء الله على رَسُوله من أهل الْقرى فَللَّه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل كي لَا يكون دولة بَين الْأَغْنِيَاء مِنْكُم وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا وَاتَّقوا الله إِن الله شَدِيد الْعقَاب} ثمَّ سمي فِي هَؤُلَاءِ الْآيَات الَّذِي للْمُسلمين فَلَيْسَ لأحد مِنْهُم قسم إِلَّا وَهُوَ فِي هَذِه الْآيَات فَقَالَ {للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين الَّذين أخرجُوا من دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ يَبْتَغُونَ فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله وَرَسُوله أُولَئِكَ هم الصادقون} وَأهل هَذِه الْآيَة من خرج من بِلَاده مُهَاجرا إِلَى الْمَدِينَة وَلَيْسَ فيهم الْأَنْصَار ثمَّ قَالَ {وَالَّذين تبوؤوا الدَّار وَالْإِيمَان من قبلهم يحبونَ من هَاجر إِلَيْهِم وَلَا يَجدونَ فِي صُدُورهمْ حَاجَة مِمَّا أُوتُوا ويؤثرون على أنفسهم وَلَو كَانَ بهم خصَاصَة وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون} وَأهل هَذِه الْآيَة من كَانَ بِالْمَدِينَةِ من الْأَنْصَار فَإِن هِجْرَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت إِلَيْهِم ثمَّ قَالَ فِي الْآيَة الثَّالِثَة وَهِي الَّتِي جمعت حَظّ من بَقِي من الْمُسلمين بعد هذَيْن الصِّنْفَيْنِ الْأَوَّلين فِي الْإِسْلَام وَقسم المَال {وَالَّذين جاؤوا من بعدهمْ يَقُولُونَ رَبنَا اغْفِر لنا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذين سبقُونَا بِالْإِيمَان وَلَا تجْعَل فِي قُلُوبنَا غلا للَّذين آمنُوا رَبنَا إِنَّك رؤوف رَحِيم} فهم جمَاعَة من بَقِي من أهل الْإِسْلَام وَمن هُوَ دَاخل فِيهِ بعد الْهِجْرَة الأولى حَتَّى تَنْقَضِي الدُّنْيَا فَفِي الَّذِي علمكُم الله من كِتَابه وَالَّذِي سنّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من السّنَن الَّتِي لم تدع شَيْئا من دينكُمْ وَلَا دنياكم نعْمَة عَظِيمَة وَحقّ وَاجِب فِي شكر الله كَمَا هدَاكُمْ وعلمكم مَا لم تَكُونُوا تعلمُونَ فَلَيْسَ لأحد فِي كتاب الله وَلَا فِي سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر وَلَا رَأْي إِلَّا إِنْفَاذه والمجاهدة عَلَيْهِ وَأما مَا حدث من الْأُمُور الَّتِي تبتلى الْأَئِمَّة بهَا مِمَّا لم يحكمه الْقُرْآن وَلَا سنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن وَالِي أَمر الْمُسلمين وَإِمَام عامتهم لَا يقدم فِيهَا بَين يَدَيْهِ وَلَا يقْضى فِيهَا دونه وعَلى من دونه رفع ذَلِك إِلَيْهِ وَالتَّسْلِيم لما قضى

وَقد أَحْبَبْت فِي كتابي هَذَا أَن تعرفوا الْحَال الَّتِي كُنْتُم عَلَيْهَا قبل نزُول كتاب الله وَسنة نبيه من الضَّلَالَة والعمى وضنك الْمَعيشَة وَالَّذِي أبدلكم الله من الْكَرَامَة والنصر والعافية وَالْجَمَاعَة وسلب لكم مِمَّا كَانَ فِي يَد غَيْركُمْ مِمَّا لم تَكُونُوا لتسلبوه بقوتكم لَو وكلكم إِلَى أَنفسكُم كَانَ قد شَرط ذَلِك للْمُؤْمِنين وَأَعْطَاهُمْ إِيَّاه إِذْ شَرط عَلَيْهِم شَرطه فقد وفاكم الله مَا شَرط لكم وَهُوَ آخذكم بِمَا اشْترط عَلَيْكُم قَالَ {وعد الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَعمِلُوا الصَّالِحَات ليَستَخْلِفنهم فِي الأَرْض كَمَا اسْتخْلف الَّذين من قبلهم وليمكنن لَهُم دينهم الَّذِي ارتضى لَهُم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لَا يشركُونَ بِي شَيْئا وَمن كفر بعد ذَلِك فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ} فقد أنْجز الله لكم وعده فأنجزوا دين الله فِي رِقَابكُمْ أَن يكفر كَافِر بِنِعْمَة الله أَو ينسى بلاءه فيجد على الله هينا وَيطول خلوده فِيمَا لَا طَاقَة لَهُ بِهِ ثمَّ إِنِّي أَحْبَبْت أَن يعلم من كَانَ جَاهِلا من أَمْرِي وَالَّذِي انا عَلَيْهِ مِمَّا لم أكن أُرِيد بِهِ الْمنطق فِي يومي هَذَا حَتَّى رَأَيْت أَن الْمنطق بِبَعْضِه هُوَ أقرب إِلَى الصّلاح فِي عَاجل الْأَمر وآجله للَّذي قد أفْضى إِلَيّ من الْأَمر وَأَنا أعلم من كتاب الله وَسنة نبيه عَلَيْهِ السَّلَام وَمَا سلف عَلَيْهِ أَمر الْأَئِمَّة بَين يَدي علما من الله علمنيه من لم يكن لَهُ شغل عَنهُ وَقد كَانَ شغلي وَالَّذِي كتب الله أَن ابتلى بِهِ عَاملا مِنْهُ بِمَا علمت أَو قاصرا مِنْهُ على مَا قصرت فَمَا كَانَ من خير عَلمته فبتعليم الله ودلالته وَإِلَى الله أَرغب فِي بركته وَمَا كَانَ عِنْدِي من غير ذَلِك من دَاء الذُّنُوب فاسأل الله الْعَظِيم تجاوزه عني بمغفرته فلعمري مَا ازددت علما بِالْولَايَةِ إِلَّا ازددت لَهَا مَخَافَة وَمِنْهَا وجلا وَلها إعظاما حَتَّى قدر الله لي مِنْهَا وَقدر عَليّ مَا قدر فَأَنا أَشد مَا كنت لَهَا استثقالا ثمَّ أحسن الله حميد أعواني وعاقبتي وعاقبة من ولاني أمره فَأصْلح أَمرهم وَجمع كلمتهم وَبسط عَليّ من نعمه وَعَلَيْهِم مَا لم يكن دعائي وَلَا دعاؤهم ليبلغه عِنْد الله بِهِ ثوابي وَعِنْده بِهِ جزائي من صَلَاح عامتهم وَأَدَاء حُقُوقهم إِلَيْهِم وَالْعَفو عَن ذِي الذَّنب مِنْهُم

وَقد أَعْطَانِي من ذَلِك وَله الْحَمد فِي عَاجل الدُّنْيَا وَجَمَاعَة من الشمل وَصَلَاح ذَات الْبَين وسعة فِي الرزق وَنصر على الْأَعْدَاء وكفاية حَسَنَة حَتَّى أغْنى لأهل كل ذِي جَانب من الْمُسلمين جانبهم ووسع عَلَيْهِم الرزق وَلَا يرى أهل كل نَاحيَة إِلَّا أَنهم أفضل قسما مِمَّا بسط الله بهم من رزقه ونعمه من أهل النَّاحِيَة الْأُخْرَى فَإِن تعرفوا نعْمَة الله عَلَيْكُم وتشكروا فَضله فأحرص بِي على ذَلِك وأحبب بِهِ إِلَيّ قد يعلم الله كَيفَ دعائي بذلك وَكَيف حرصي عَلَيْهِ عَلَانيَة وَإِن يجهل ذَلِك جَاهِل أَو يقصر عَنهُ رَأْيه فَإِن الَّذِي حرصت عَلَيْهِ أَن أحملكم عَلَيْهِ من كتاب الله وَسنة نبيه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ حجتي فِي الدُّنْيَا وبغيتي فِيمَا بعد الْمَوْت وَلَا تلبسوا ذَلِك بِغَيْرِهِ. . وَإِيَّاكُم أَن يتشبه فِي أَنفسكُم مَا حملتكم عَلَيْهِ من كتاب الله وَسنة نبيه وَأما مَا سوى ذَلِك من الْأُمُور الَّتِي من رَأْي النَّاس فَإِنِّي لعمري لَوْلَا أَن أعمل ذَلِك فِيكُم مَا وليت أَمركُم وَإِن تعملوا بِهِ مَا نفست الَّذِي أَنا فِيهِ من الدُّنْيَا على أبْغض النَّاس رجل وَاحِد إِذا حجزه الله على ديني أَن يفتنني وَلَا كنت ارى الْمنزل الَّذِي أَتَى بِهِ لمن عَسى أَن يعْمل بِغَيْر كتاب الله وَسنة نبيه غِبْطَة وَلَا كَرَامَة وَلَا رفْعَة وَلَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا فَمن كَانَ سَائِلًا عَن الَّذِي فِي نَفسِي وَعَن بغيتي فِي أَمر أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن الَّذِي فِي نَفسِي وبغيتي مِنْهُ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين أَن تتبعوا كتاب الله وَسنة نبيه وَأَن تجتنبوا مَا مَالَتْ إِلَيْهِ الْأَهْوَاء والزيغ الْبعيد وَمن عمل بِغَيْرِهِمَا فَلَا كَرَامَة وَلَا رفْعَة لَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى وليعلم من عَسى أَن يذكر لَهُ ذَلِك أَن لعمري أَن تَمُوت نَفسِي أول نفس أحب إِلَيّ من أَن أحملهم على غير اتِّبَاع كتاب رَبهم وَسنة نَبِيّهم الَّتِي عَاشَ عَلَيْهَا من عَاشَ وتوفاه الله عَلَيْهَا حِين توفاه إِلَّا أَن يَأْتِي عَليّ من ذَلِك أَمر وَأَنا حَرِيص على اتِّبَاعه وَإِن أَهْون النَّاس عَليّ تلفا وحزنا لمن عَسى أَن يُرِيد خلاف شَيْء من تِلْكَ السّنة وَذَلِكَ الْأَمر الَّذِي رفعنَا وَنحن بِمَنْزِلَة الوضيعة وَأَكْرمنَا وَنحن بِمَنْزِلَة الهوان وأعزنا وَنحن بِمَنْزِلَة الذل معَاذ الله من أَن نستبدل بذلك غَيره ومعاذ الله من أَن نتقي أحدا فَإِذا تكلمتم فِي مجالسكم أَو ناجى الرجل أَخَاهُ فليذكر هَذَا الْأَمر الَّذِي حضضتكم عَلَيْهِ من إحْيَاء كتاب الله وَسنة نبيه وَترك مَا خَالف ذَلِك فَإِنَّهُ لَيْسَ بعد الْحق إِلَّا الْبَاطِل وَلَا بعد الْبَصَر إِلَّا الْعَمى وليحذر قوم الضَّلَالَة بعد الْهدى والعمى بعد الْبَصَر فَإِنَّهُ قَالَ لقوم صَالح {وَأما ثَمُود فهديناهم فاستحبوا الْعَمى على الْهدى فَأَخَذتهم صَاعِقَة الْعَذَاب الْهون بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} اتبعُوا مَا تؤمرون بِهِ وَاجْتَنبُوا مَا تنهون عَنهُ وَلَا يعرض أحدكُم بِنَفسِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لي فِي دنياكم وَالْحَمْد لله رَغْبَة لَا فِي مَا فِي يَدي مِنْهَا وَلَا مَا فِي أَيْدِيكُم وَلَيْسَ عِنْدِي مَعَ ذَلِك صَبر على انتقاص شَيْء من كتاب الله وَسنة نبيه عَلَيْهِ السَّلَام وَلَا اسْتِبْقَاء لمن خَالف وَالْحَمْد لله وَلَا نعْمَة عين ولعمري إِن من يعْمل ذَلِك مِنْكُم لحقيق أَن يظنّ بامرئ لَا حَاجَة لَهُ فِي دنياكم وَلَا صَبر لَهُ على زيغكم عَن دينكُمْ ولجاجتكم فِيمَا لَا خير لكم فِيهِ أَنه جرأ على هراقة دم من انْتقصَ كتاب الله أَو زاغ عَن دينه وَسنة نبيه مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

هَذَا نَحْو من الَّذِي قبلي قد بَينته لكم ولعمري لتخلصن جماعتكم أَيهَا الْجند وخياركم مِمَّا يكره من الْأُمُور ولتتبعن أحسن مَا توعظون بِهِ إِن شَاءَ الله أسأَل الله برحمته وسعة فَضله أَن يزِيد الْمُهْتَدي هدى وَأَن يُرَاجع بالمسيء التَّوْبَة فِي عَافِيَة مِنْهُ وَأَن يحكم على من أَرَادَ خلاف كِتَابه وَسنة نبيه عَلَيْهِ السَّلَام بِحكم يغلب بِهِ فِي خاصته ويعجله لَهُ فَإِنَّهُ على ذَلِك قَادر وَأَنا إِلَيْهِ فِيهِ رَاغِب وَيحسن عَاقِبَة الْعَامَّة وَلَا يعذبنا بذنب الْمُسِيء وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله


كِتَابه بالحث على إقَام الصَّلَاة لوَقْتهَا وإيتاء الزَّكَاة وتعاهد شرائع الاسلام نشر الْعلم

قَالَ وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز من عبد الله عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى أُمَرَاء الأجناد أما بعد فَإِن عرى الدّين وقوام الْإِسْلَام الْإِيمَان بِاللَّه وإقام الصَّلَاة لوَقْتهَا وإيتاء الزَّكَاة وحافظ على أَوْقَات الصَّلَوَات فَإِن وَقتهَا الهجيرة بِالظّهْرِ وَصَلَاة الْعَصْر وَالشَّمْس بَيْضَاء نقية لم يدخلهَا صفرَة وَصَلَاة الْمغرب لفطر الصَّائِم وَلَا تصلين الْعشَاء حَتَّى يذهب شفق الْأُفق وَهُوَ الْبيَاض فَإِذا ذهب فصلها فِيمَا بَين ثلث اللَّيْل وَمَا عجلتها بعد ذهَاب بَيَاض الْأُفق فَهُوَ أحسن وأصوب فَإِن من تَمامهَا وإصابة وَقتهَا إنتظار مَا وصفت لَك فِي كتابي هَذَا مِنْهَا ثمَّ صل صَلَاة الْفجْر بِغَلَس وحافظ على ذَلِك فَإِن الْمُحَافظَة عَلَيْهَا حق واصبر نَفسك على ذَلِك واجتنب الأشغال عِنْد حُضُور الصَّلَوَات واكتب بذلك الى عمالك بِالْمَدَائِنِ والقرى حَيْثُ مَا كَانُوا ف {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا} و {إِن الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر وَلذكر الله أكبر} فَإِنَّهُ من يضيع الصَّلَاة فَهُوَ لما سواهَا من شرائع الْإِسْلَام أَشد تضييعا ثمَّ أَكثر تعاهد شرائع الْإِسْلَام وَمر أهل الْعلم وَالْفِقْه من جندك فلينشروا مَا علمهمْ الله من ذَلِك وليتحدثوا بِهِ فِي مجَالِسهمْ وَالسَّلَام عَلَيْكُم


كِتَابه إِلَى أُمَرَاء الأجناد يوصيهم بضروب من الْخَيْر

قَالَ وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز من عبد الله عمر بن عبد الْعَزِيز أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى أَمِير الأجناد أما بعد فَإِنَّهُ من بلي بالسلطان تحضره مكاره كَثِيرَة وبلايا عِظَام إِن أغبته يَوْمًا فَهِيَ حريَّة أَن تحضره فِي الْيَوْم الآخر وَإنَّهُ لَيْسَ أحد بأشغل عَن نَفسه وَلَا أَكثر تعرضا لزيغ من ولي السُّلْطَان إِلَّا مَا عافى الله ورحم فَاتق الله مَا اسْتَطَعْت وَاذْكُر مَنْزِلك الَّذِي أَنْت بِهِ وَالَّذِي حملت فقاتل هَوَاك كَمَا تقَاتل عَدوك واصبر نَفسك عِنْدَمَا كرهت ابْتِغَاء مَا عِنْد الله من حسن ثَوَابه الَّذِي وعد المتقون فِيمَا بعد الْمَوْت وَالَّذِي وَعدكُم على التَّقْوَى وَالصَّبْر من النجَاة فِي عَاجل الْأَمر وآجله فَإِذا حضرك الْخصم الْجَاهِل الْخرق مِمَّن قدر الله أَن يوليك أمره وَأَن تبتلى بِهِ فَرَأَيْت مِنْهُ سوء رعة وَسُوء سيرة فِي الْحق عَلَيْهِ والحظ لَهُ فسدده مَا اسْتَطَعْت وبصره وارفق بِهِ وَعلمه فَإِن اهْتَدَى وَأبْصر وَعلم كَانَت نعْمَة من الله وفضلا وَإِن هُوَ لم يبصر وَلم يعلم كَانَت حجَّة اتَّخذت بهَا عَلَيْهِ فَإِن رَأَيْت أَنه أَتَى ذَنبا اسْتحلَّ فِيهِ عُقُوبَة فَلَا تعاقبه بغضب من نَفسك عَلَيْهِ وَلَكِن عاقبه وَأَنت تتحرى الْحق فِي قدر ذَنبه بَالغا مَا بلغ وَإِن لم يبلغ ذَلِك إِلَّا قدر جلدَة وَاحِدَة تجلده إِيَّاهَا وَإِن كَانَ ذَنبه فَوق ذَلِك وَرَأَيْت عَلَيْهِ من الْعقُوبَة فِي ذَلِك قتلا فَمَا دونه فارجعه إِلَى السجْن وَلَا يسرعن بك إِلَى عُقُوبَته حُضُور من يحضرك فَإِنَّهُ لعمري رُبمَا عاقب الإِمَام لمحضر جُلَسَائِهِ ولتأديب أهل بَلَده ولتغامزهم بِهِ وَمَا من إِمَام لَهُ جلساء إِلَّا سَيكون ذَلِك فيهم وَمَا من قوم يسمعُونَ بِقَضَاء إِمَام إِلَّا سيختلفون فِيهِ على أهوائهم إِلَّا من رحم الله فَإِن من رحم الله لَا يَخْتَلِفُونَ فِي قَضَاء فَإِنَّهُ قَالَ {وَلَا يزالون مُخْتَلفين إِلَّا من رحم رَبك وَلذَلِك خلقهمْ} وَإِن استجهلت فَتثبت وَإِذا نظر إِلَيْك من حولك مَا أَنْت فَاعل بِسَيْفِهِ من رعيتك إِن سفه وَأَخْطَأ حَظه فاعمد فِي ذَلِك للَّذي ترى أَنه أبر وَأتقى وَخير لَك غَدا فِيمَا بعد الْمَوْت وَلَا يطربك نظرهم إِلَيْك وَلَا حَدِيثهمْ عَنْك فَإِنَّهُ لَا يبْقى فِي أنفسهم حَدِيث أحبوه وَلَا كرهوه إِلَّا قَلِيلا إِلَّا أبدوه فاغتنم كل يَوْم أخرجك الله فِيهِ سالما وكل لَيْلَة مَضَت عَلَيْك وَأَنت فِيهَا كَذَلِك وَأكْثر دُعَاء الله بالعافية لنَفسك وَلمن ولاك الله أمره فَإِن لَك فِي صَلَاحهمْ مَا لَيْسَ لأحد مِنْهُم وَإِن عَلَيْك فِي فَسَاد الرجل الْوَاحِد فَمَا فَوق ذَلِك مَا لَيْسَ على أحد مِنْهُم وَلَا تبتغ مِنْهُم جَزَاء خير أحسنته إِلَيْهِم وَلَا تسديد سددتهم وَلَا تطلب بِعَمَل صَالح عملته فيهم جَزَاء وَلَا ثَوابًا وَلَا مِدْحَة وَلَا حظوة وَليكن ذَلِك لمن لَا يُعْطي الْخَيْر وَلَا يصرف السوء غَيره ثمَّ تعاهد صَاحب بابك وَصَاحب حرسك وعاملك الْمُقِيم عنْدك وَالَّذين تبْعَث فَلَا يعْملُونَ فِي شَيْء مِمَّا تَحت يَديك بغشم وَلَا بظُلْم وَأكْثر الْمَسْأَلَة عَنْهُم فَمن كَانَ مِنْهُم محسنا نَفعه ذَلِك وَمن كَانَ مِنْهُم مسيئا استبدلت بِهِ من هُوَ خير مِنْهُ نسْأَل الله رَبنَا برحمته وَقدرته على خلقه أَن يغْفر لنا ذنوبنا وَأَن ييسر لنا أمورنا وَأَن يشْرَح لنا صدورنا بِالْبرِّ وَالتَّقوى وَالْعَمَل فِيمَا يحب ويرضى وَأَن يعصمنا من المكاره كلهَا وَأَن يجعلنا من الَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض وَلَا فَسَاد وَمن الْمُتَّقِينَ الَّذين لَهُم الْعَاقِبَة وَالسَّلَام عَلَيْك وَرَحْمَة الله

كِتَابه إِلَى الْخَوَارِج

قَالَ وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز من عبد الله عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى هَؤُلَاءِ الْعِصَابَة الَّذين خَرجُوا أما بعد فَإِنِّي أدعوكم إِلَى كتاب الله وَسنة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن الله تبَارك وَتَعَالَى يَقُول {وَمن أحسن قولا مِمَّن دَعَا إِلَى الله وَعمل صَالحا وَقَالَ إِنَّنِي من الْمُسلمين} وَقَالَ {ادْع إِلَى سَبِيل رَبك بالحكمة وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة وجادلهم بِالَّتِي هِيَ أحسن إِن رَبك هُوَ أعلم بِمن ضل عَن سَبيله وَهُوَ أعلم بالمهتدين} وَإِنِّي أذكركم الله فِي دمائكم أَن تَفعلُوا فعل كبرائكم {كَالَّذِين خَرجُوا من دِيَارهمْ بطرا ورئاء النَّاس ويصدون عَن سَبِيل الله وَالله بِمَا يعْملُونَ مُحِيط} فَبِأَي ذَنْب تخرجُونَ من دينكُمْ فتستحلون الدَّم الْحَرَام وتصيبون المَال الْحَرَام فَلَو كَانَت ذنُوب أبي بكر وَعمر رضوَان الله عَنْهُمَا مخرجة رعيتهما من دينهم فقد كَانَ لأبي بكر وَعمر ذنُوب قد كَانَت آباؤكم فِي جَمَاعَتهمْ فَلم يخرجُوا فِيهَا بشوكتكم على الْجنُود وَإِنَّمَا عدتكم بضعَة وَأَرْبَعُونَ رجلا أقسم بِاللَّه لَو كُنْتُم أبكاري من أَوْلَادِي ورغبتم عَمَّا فرشنا للعامة فِيمَا ولينا لدفقت دماءكم أَبْتَغِي بذلك وَجه الله وَالدَّار الْآخِرَة فَإِنَّهُ يَقُول {تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة نَجْعَلهَا للَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين} فَهَذَا النصح إِن أَحْبَبْتُم وَإِن تستغشوني فقديما مَا استغش الناصحون وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته

عهد عمر إِلَى مَنْصُور بن غَالب حِين بَعثه على قتال أهل الْحَرْب

وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز هَذَا مَا عهد بِهِ عبد الله عمر أَمِير االمؤمنين إِلَى مَنْصُور بن غَالب حِين بَعثه على قتال أهل الْحَرْب وحربه من استعرض من أهل الصُّلْح أمره فِي ذَلِك بتقوى الله على كل حَال نزل بِهِ من أَمر الله فَإِن تقوى الله أفضل الْعدة وأبلغ المكيدة وَأقوى الْقُوَّة وَأمره أَن لَا يكون من شَيْء من عدوه أَشد احتراسا مِنْهُ لنَفسِهِ وَمن مَعَه من معاصي الله فَإِن الذُّنُوب أخوف عِنْدِي على النَّاس من مكيدة عدوهم وَإِنَّمَا نعادي عدونا وننصر عَلَيْهِم بمعصيتهم وَلَوْلَا ذَلِك لم تكن لنا قُوَّة بهم لِأَن عددنا لَيْسَ كعددهم وَلَا عدتنا كعدتهم فَلَو استوينا نَحن وهم فِي الْمعْصِيَة كَانُوا أفضل منا فِي الْقُوَّة وَالْعدَد فَإِن لَا ننصر عَلَيْهِم بحقنا لَا نغلبهم بقوتنا وَلَا تَكُونُوا لعداوة أحد من النَّاس أحذر مِنْكُم لذنوبكم وَلَا تَكُونُوا بِالْقُدْرَةِ لكم أَشد تعاهدا مِنْكُم لذنوبكم وأعلموا أَن مَعكُمْ من الله حفظَة عَلَيْكُم يعلمُونَ مَا تَفْعَلُونَ فِي مسيركم ومنزلكم فاستحيوا مِنْهُم وأحسنوا صحابتهم وَلَا تؤذوهم بمعاصي الله وَأَنْتُم زعمتم فِي سَبِيل الله وَلَا تَقولُوا إِن عدونا شَرّ منا فَلَنْ يسلطوا علينا وَإِن أَذْنَبْنَا فَرب قوم قد سلط عَلَيْهِم شَرّ مِنْهُم بِذُنُوبِهِمْ فاسألوا الله العون على أَنفسكُم كَمَا تسألونه النَّصْر على عَدوكُمْ أسأَل الله ذَلِك لنا وَلكم

وَأمره أَن يرفق بِمن مَعَه فِي سفرهم وَلَا يجشمهم مسيرًا يتعبهم فِيهِ وَلَا يقصر بهم عَن منزل يرفق بهم حَتَّى يلْقوا عدوهم وَالسّفر لم ينقص قوتهم فَإِنَّمَا يَسِيرُونَ إِلَى عَدو مُقيم جَام الأهبة والكراع فَإِن لَا يرفقوا بِأَنْفسِهِم وكراعهم فِي مَسِيرهمْ يكن لعدوهم فضل فِي الْقُوَّة عَلَيْهِم بإقامتهم فِي جمام الْأَنْفس والكراع وَالله الْمُسْتَعَان

وَأمره أَن يُقيم وَمن مَعَه فِي كل جُمُعَة يَوْمًا وَلَيْلَة يكون لَهُم رَاحَة يجمون فِيهَا أنفسهم وكراعهم ويرمون أسلحتهم وأمتعتهم

وَأمره أَن ينحي منزله عَن قرى الصُّلْح فَلَا يدخلهَا أحد من أَصْحَابه لسوقهم وجماعتهم إِلَّا من يَثِق بِدِينِهِ وأمانته على نَفسه وَلَا يُصِيبُوا مِنْهَا ظلما وَلَا يتزودوا مِنْهَا إِثْمًا وَلَا يؤذوا أحدا من أَهلهَا بِشَيْء إِلَّا بِحَق فَإِن لَهُم حُرْمَة وَذمَّة ابتليتم بِالْوَفَاءِ بهَا كَمَا ابتلوا بِالصبرِ عَلَيْهَا فَمَا صَبَرُوا لكم ففوا لَهُم وَلَا تستنصروا على أهل أَرض الْحَرْب بظُلْم أهل أَرض الصُّلْح فلعمري لقد أعطيتم مِمَّا يحل مِنْهُم مَا يغنيكم عَنْهُم فَلم أترك لكم خللا فِي الْعدة وَلَا رقة فِي الْقُوَّة فتظاهرت واكتفت لكم الْعدَد وانتخبت لكم الْجند وأغنيتكم بِأَرْض الشّرك عَن أَرض الصُّلْح وَبسطت لَك أفضل مَا بسطت لغاز فَلم أجعَل لَك عِلّة فِي التقوية وَبِاللَّهِ الثِّقَة وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

وَأمره أَن تكون عيونه من الْعَرَب وَمِمَّنْ يطمئن إِلَى نصيحته وَصدقه من أهل الأَرْض فَإِن الكذوب لَا ينفع خَبره وَإِن صدق فِي بعضه وَإِن الغاش عين عَلَيْك وَلَيْسَ بِعَين لَك وَالسَّلَام عَلَيْك


كِتَابه إِلَى الْعمَّال وعده الْولَايَة بلَاء

قَالَ وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز من عبد الله عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى الْعمَّال أما بعد فَإِن من بلي من أَمر السُّلْطَان بِشَيْء فقد ابْتُلِيَ فِي الدُّنْيَا بلية عَظِيمَة مَعَ مَا ابْتُلِيَ بِهِ فِي خَاصَّة نَفسه فنسأل الله عافيته وَحسن معونته وَأي بلَاء أَشد من بلَاء يبسط للمرء فِيهِ لِسَانه وَفعله فَإِن مَال فِيهِ إِلَى كل هوى أَو سخطَة كَانَ فِيهِ وكف إِلَّا أَن يعْفُو الله وَيغْفر فَإِنَّمَا وجدت وَالِي السُّلْطَان عبدا مَمْلُوكا ولي ضَيْعَة عَلَيْهِ الإجتهاد فِي إصلاحها أجره إِحْسَان إِن أحْسنه وإحسان عمل بِهِ فيهم على ملكه الَّذِي خلقه لما شَاءَ أَن يخلقه لَهُ فَأنْزل بِتِلْكَ الْمنزلَة فِي أَمرك واصبر على مَا كرهت واصبر على مَا أَحْبَبْت وقف نَفسك فِي كل سر وَعَلَانِيَة عِنْد الَّذِي ترجو بِهِ النجَاة عِنْد ذَلِك حَتَّى تفارق الَّذِي أَنْت فِيهِ فَإِن ذَلِك لَعَلَّه أَن يكون إِلَى قريب وَأَنت محسن ومأجور وتذكر مَا سلف مِنْك من عَمَلك فِيمَا سلف مِمَّا لَا تحب فأصلحه قبل أَن يتَوَلَّى صَلَاحه غَيْرك وَلَا يكبر عَلَيْك فِي ذَلِك قَول النَّاس إِذا علم الله أَنَّك تجْعَل ذَلِك لَهُ فَإِنَّهُ سيكفيك المؤونة فِي عَاجل الْأَمر مَعَ مَا يدّخر لَك من الْخَيْر فِيمَا عِنْده وَكن لمن ولاك الله أمره ناصحا فِيمَا بَعثك إِلَيْهِ من أُمُورهم فِي دينهم وأعراضهم واستركل مَا اسْتَطَعْت من عَوْرَاتهمْ إِلَّا شَيْئا أبداه الله لَا يصلح لَك ستره واملك نَفسك عَنْهُم إِذا هويت وَإِذا غضِبت حَتَّى يكون ذَلِك فِيمَا اسْتَطَعْت مستويا حسنا وَإِذا سَبَقَك أَمر أَو سلف مِنْك هوى أَو غضب فراجع أَمرك فقد رَأَيْت حَقًا أَن أكتب إِلَيْك بِالَّذِي كتبت بِهِ مِمَّا اسْتَطَعْت ونستعين بِاللَّه ونسأله أَن يصلح لنا عَملنَا وَيَكْفِينَا مؤونة مَا نَحن فِيهِ ومؤونة مَا نرْجِع إِلَيْهِ فِيمَا بعد الْمَوْت بِأَحْسَن كِفَايَة وَالسَّلَام


كِتَابه إِلَى الْخَوَارِج أَيْضا

قَالَ وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز من عبد الله عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى هَذِه الْعِصَابَة أما بعد أوصيكم بتقوى الله فَإِنَّهُ {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب وَمن يتوكل على الله فَهُوَ حَسبه إِن الله بَالغ أمره قد جعل الله لكل شَيْء قدرا} أما بعد فقد بَلغنِي كتابكُمْ وَالَّذِي كتبتم فِيهِ إِلَى يحيى بن يحيى وَسليمَان بن دَاوُد وقدوم صاحبيكم وَالَّذِي أَتَى إِلَيْهِمَا وَإِن الله تبَارك وَتَعَالَى يَقُول {وَمن أظلم مِمَّن افترى على الله الْكَذِب وَهُوَ يدعى إِلَى الْإِسْلَام وَالله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين} وَقَالَ {ادْع إِلَى سَبِيل رَبك بالحكمة وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة وجادلهم بِالَّتِي هِيَ أحسن إِن رَبك هُوَ أعلم بِمن ضل عَن سَبيله وَهُوَ أعلم بالمهتدين} وَقَالَ {فَلَا تهنوا وَتَدعُوا إِلَى السّلم وَأَنْتُم الأعلون وَالله مَعكُمْ وَلنْ يتركم أَعمالكُم} وَإِنِّي أدعوكم إِلَى الله وَإِلَى الْإِسْلَام وَإِقَامَة الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر إِن شَاءَ الله وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وأدعوكم أَن تدعوا مَا كَانَت تهراق عَلَيْهِ الدِّمَاء قبل يومكم هَذَا فِي غير قُوَّة وَلَا تشنيع وأذكركم بِاللَّه أَن تشبهوا علينا كتاب الله وَسنة نبيه وَنحن ندعوكم إِلَيْهِمَا هَذِه نصيحة منا نصحنا لكم فِيهَا فَإِن تقبلوها فَذَلِك بغيتنا وَإِن تردوها على من جَاءَ بهَا فقديما مَا استغش الناصحون ثمَّ لم نر ذَلِك وضع شَيْئا من حق الله وَقد قَالَ العَبْد الصَّالح لِقَوْمِهِ {وَإِن توَلّوا فَإِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم كَبِير} وَقَالَ الله عز وَجل {قل هَذِه سبيلي أَدْعُو إِلَى الله على بَصِيرَة أَنا وَمن اتبعني وَسُبْحَان الله وَمَا أَنا من الْمُشْركين}


كِتَابه إِلَى أمراه الأجناد فِي النَّهْي عَن الصَّلَاة على الْخُلَفَاء والأمراء وَالْأَمر بِالدُّعَاءِ للْمُسلمين عَامَّة

وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز من عبد الله عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى أُمَرَاء الأجناد أما بعد فَإِن النَّاس مَا اتبعُوا كتاب الله نفعهم فِي دينهم ومعايشهم فِي الدُّنْيَا ومرجعهم إِلَى الله فِيمَا بعد الْمَوْت وَإِن الله أَمر فِي كِتَابه بِالصَّلَاةِ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ {أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا} ) صلوَات الله على مُحَمَّد رَسُول الله وَالسَّلَام عَلَيْهِ وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته ثمَّ قَالَ لنَبيه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {واستغفر لذنبك وَلِلْمُؤْمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وَالله يعلم متقلبكم ومثواكم} فقد جمع الله تبَارك وَتَعَالَى فِي كِتَابه أَن أَمر بِالصَّلَاةِ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وَإِن رجَالًا من الْقصاص قد أَحْدَثُوا صَلَاة على خلفائهم وامرائهم عدل مَا يصلونَ على النَّبِي وعَلى الْمُؤْمِنَات فَإِذا أَتَاك كتابي هَذَا فَمر قصاصكم فليصلوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَليكن فِيهِ إطناب دُعَائِهِمْ وصلاتهم ثمَّ ليصلوا على الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وليستنصروا الله ولتكن مسألتهم عَامَّة للْمُسلمين وليدعوا مَا سوى ذَلِك فنسأل الله التَّوْفِيق فِي الْأُمُور كلهَا والرشاد وَالصَّوَاب وَالْهدى فِيمَا يحب ويرضى وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم وَالسَّلَام عَلَيْك


كِتَابه إِلَى الْعمَّال فِي رد الْمَظَالِم

قَالَ وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز من عبد الله عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى الْعمَّال أما بعد فَإِنِّي كنت كتبت إِلَيْكُم برد الْمَظَالِم ثمَّ كتبت إِلَيْكُم أَن تحبسوها ثمَّ كتبت إِلَيْكُم بردهَا فاطلعت من بعض أَهلهَا على خيانات وشهود زور حَتَّى قبضت أَمْوَالًا قد كنت رَددتهَا ثمَّ رَأَيْت أَن أردهَا على سوء ظن بِأَهْلِهَا أحب إِلَيّ من أَن أحبسها حَتَّى ينجلي الْأَمر من غَد على مَا ينجلي عَنهُ فَإِذا جَاءَك كتابي هَذَا فارددها على أَهلهَا وَالسَّلَام عَلَيْك


كِتَابه إِلَى الْعمَّال أَيْضا بالحث على اتِّبَاع مَا أَمر الله بِهِ وَاجْتنَاب مَا نهى عَنهُ

قَالَ وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز من عبد الله عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى الْعمَّال أما بعد فَإِن هَذَا الْأَمر الَّذِي ولاني الله لَو كنت إِنَّمَا أَصبَحت ورغبتي فِيهِ مطعم أَو ملبس أَو مركب أَو اتِّخَاذ أَزوَاج أَو اعْتِقَاد أَمْوَال لَكُنْت قد بلغ الله بِي من ذَلِك قبل مَا ولاني من أفضل مَا بلغ بعباده وَلَكِن أَصبَحت لَهُ خَائفًا أعلم أَن فِيهِ أمرا عَظِيما وحسابا شَدِيدا وَمَسْأَلَة لَطِيفَة عِنْد مجاهدة الْخُصُوم بَين يَدي الله إِلَّا مَا عافى الله ورحم وَدفع وَإِنِّي آمُرك فِيمَا وليتك من عَمَلي وأفضيت إِلَيْك من أَمْرِي بتقوى الله وَأَدَاء الْأَمَانَة وَاتِّبَاع مَا أَمر الله بِهِ وَاجْتنَاب مَا نهى الله عَنهُ وَقلة الإلتفاف إِلَى شَيْء خَالف ذَلِك ليَكُون الَّذِي آمُرك بِهِ فِي سيرتك وَالنَّظَر فِي نَفسك وَفِي عَمَلك وَمَا تُفْضِي بِهِ إِلَى رَبك وَمَا تعْمل بِهِ فِيمَا بَيْنك وَبَين الرّعية قبلك وَأَنت تعلم علما يَقِينا أَنه لَيست نجاة وَلَا حرز إِلَّا أَن تنزل بذلك الْمنزل من طَاعَة الله ودع أَن ترصد شَيْئا ليَوْم ترجوه أَو تخافه سوى مَا ترجوه غَدا من الله وَتخَاف مِنْهُ فَإنَّك قد رَأَيْت عبرا فِي نَفسك وعبرا مَا مثلهَا وعظ مثلنَا وَكفى وَمثلهَا أَصَابَك إِلَى حظك من الله وَالسَّلَام


شَيْء من موَالِي القانون الأساسية فِي عهد عمر بن عبد الْعَزِيز

قَالَ وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز من عبد الله عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى الْعمَّال أما بعد فَإِن الله بعث مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {بِالْهدى وَدين الْحق لِيظْهرهُ على الدّين كُله وَلَو كره الْمُشْركُونَ} ) وَإِن دين الله الَّذِي بعث بِهِ مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كِتَابه الَّذِي أنزل عَلَيْهِ أَن يطاع الله فِيهِ وَيتبع أمره ويجتنب مَا نهى عَنهُ وتقام حُدُوده وَيعْمل بِفَرَائِضِهِ وَيحل حَلَاله وَيحرم حرَامه ويعترف بِحقِّهِ وَيحكم مَا أنزل فِيهِ فَمن اتبع هدى الله اهْتَدَى وَمن صد عَنهُ {فقد ضل سَوَاء السَّبِيل} وَإِن من طَاعَة الله الَّتِي أنزل فِي كِتَابه أَن يَدْعُو النَّاس إِلَى الْإِسْلَام كَافَّة وَأَن يفتح لأهل الْإِسْلَام بَاب الْهِجْرَة وَأَن تُوضَع الصَّدقَات والأخماس على قَضَاء الله وفرائضه وَأَن يَبْتَغِي النَّاس بِأَمْوَالِهِمْ فِي الْبر وَالْبَحْر لَا يمْنَعُونَ وَلَا يحبسون.


الدعْوَة إِلَى الْإِسْلَام وَحكم الذميين وَالَّذين أَسْلمُوا مِنْهُم

وَأما الْإِسْلَام فَإِن الله بعث مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى النَّاس كَافَّة فَقَالَ {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا كَافَّة للنَّاس بشيرا وَنَذِيرا} وَقَالَ {يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي رَسُول الله إِلَيْكُم جَمِيعًا} وَقَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى فِيمَا يامر بِهِ الْمُؤمنِينَ من شَأْن الْمُشْركين {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة فإخوانكم فِي الدّين} فَهَذَا قَضَاؤُهُ وَحكمه فاتباعه لله طَاعَة وَتَركه مَعْصِيّة لله فَادع إِلَى الْإِسْلَام وَأمر بِهِ فَإِن الله تَعَالَى قَالَ {وَمن أحسن قولا مِمَّن دَعَا إِلَى الله وَعمل صَالحا وَقَالَ إِنَّنِي من الْمُسلمين} فَمن أسلم من نَصْرَانِيّ أَو يَهُودِيّ أَو مَجُوسِيّ من أهل الْجِزْيَة الْيَوْم فخالط عَم الْمُسلمين فِي دَارهم وَفَارق دَاره الَّتِي كَانَ بهَا فَإِن لَهُ مَا للْمُسلمين وَعَلِيهِ مَا عَلَيْهِم وَعَلَيْهِم أَن يخالطوه وَأَن يواسوه غير أَن أرضه وداره إِنَّمَا هِيَ من فَيْء الله على الْمُسلمين عَامَّة وَلَو كَانُوا أَسْلمُوا عَلَيْهَا قبل أَن يفتح الله للْمُسلمين كَانَت لَهُم وَلكنهَا فَيْء الله على الْمُسلمين عَامَّة وَأما من كَانَ الْيَوْم مُحَاربًا فَليدع إِلَى الْإِسْلَام قبل أَن يُقَاتل فَإِن اسْلَمْ فَلهُ مَا للْمُسلمين وَعَلِيهِ مَا عَلَيْهِم وَله مَا أسلم عَلَيْهِ من أهل وَمَال وَإِن كَانَ من أهل الْكتاب فَأعْطى الْجِزْيَة وَأمْسك بيدَيْهِ فَإنَّا نقبل ذَلِك مِنْهُ

الْهِجْرَة

وأما الهجرة فَإنَّا نفتحها لمن هَاجر من أَعْرَابِي فَبَاعَ مَاشِيَته وانتقل من دَار أعرابيته إِلَى دَار الْهِجْرَة وَإِلَى قتال عدونا فَمن فعل ذَلِك فَلهُ أُسْوَة الْمُهَاجِرين فِيمَا أَفَاء الله عَلَيْهِم وَإِن الله نعت الْمُؤمنِينَ عِنْد ذكره الْفَيْء فَجعله للْفُقَرَاء والمهاجرين {وَالَّذين تبوؤوا الدَّار وَالْإِيمَان من قبلهم} وَالَّذين جَاءُوا من بعدهمْ ثمَّ قَالَ {وَآخَرين مِنْهُم لما يلْحقُوا بهم} وَقد كَانَ الْمُهَاجِرُونَ يجاهدون على غير عَطاء وَلَا رزق يجْرِي عَلَيْهِم فيوسع الله عَلَيْهِم ويعظم الْفَتْح لَهُم وَلمن تأسى بهم وَعمل بِصَالح سنتهمْ مِمَّن يحبونَ من إخْوَانهمْ ليوجبن الله لَهُ الْأجر فِي الاخرة وليعظمن لَهُ الْفَتْح فِي الدُّنْيَا


الصَّدقَات

وَأما الصَّدقَات فَإِن الله تبَارك وَتَعَالَى فَرضهَا وسمى أَهلهَا حِين طعن فِيهَا أنَاس وبلغوا فِيهَا تُهْمَة نَبِيّهم فَقَالَ {وَمِنْهُم من يَلْمِزك فِي الصَّدقَات فَإِن أعْطوا مِنْهَا رَضوا وَإِن لم يُعْطوا مِنْهَا إِذا هم يسخطون} فَقَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى عِنْد ذَلِك {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين والعاملين عَلَيْهَا والمؤلفة قُلُوبهم وَفِي الرّقاب والغارمين وَفِي سَبِيل الله وَابْن السَّبِيل فَرِيضَة من الله وَالله عليم حَكِيم} ) فَبين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدَقَة الْأَمْوَال الْحَرْث والمواشي وَالذَّهَب وَالْوَرق فتؤخذ الصَّدقَات كَمَا بَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفرض لَا يظْلمُونَ وَلَا يتَعَدَّى عَلَيْهِم وَلَا يحابى بهَا قريب وَلَا يمْنَعهَا أَهلهَا ثمَّ تجْعَل إِلَى مرضيين من أهل الْإِسْلَام فيجعلونها حَيْثُ أَمرهم الله يحملهم الإِمَام من ذَلِك على مَا حمل وينزه نَفسه من ذَلِك من أَمر قدأكثر فِيهَا على الْأَئِمَّة


الْأَخْمَاس

وَأما الْخمس فَإِن من مضى من الْأَئِمَّة اخْتلفُوا فِي مَوْضِعه فطعن فِي ذَلِك طَاعن من النَّاس وَأكْثر فِيهِ وَوضع مَوَاضِع شَتَّى فَنَظَرْنَا فَإِذا هُوَ على سِهَام الْفَيْء فِي كتاب الله لم يُخَالف وَاحِدَة من الْآيَتَيْنِ الْأُخْرَى فَإِذا عمر بن الْخطاب رَحمَه الله قد قضى فِي الْفَيْء قَضَاء قد رَضِي بِهِ الْمُسلمُونَ فرض للنَّاس أعطية وأرزاقا جَارِيَة لَهُم وَرَأى أَن لن يبلغ بِتِلْكَ الْأَبْوَاب مَا جمع من ذَلِك وَرَأى أَن فِيهِ للْيَتِيم والمسكين وَابْن السَّبِيل فَرَأى أَن يلْحق الْخمس بالفيء وَأَن يوضع موَاضعه الَّتِي سمى الله وَفرض وَلم يفعل ذَلِك إِلَّا ليتنزه مِنْهُ وخيفة التَّوَهُّم فِيهِ فاقتدوا بِإِمَام عَادل فَإِن الْآيَتَيْنِ متفقتان آيَة الْفَيْء وَآيَة الْخمس فَإِن الله قَالَ {مَا أَفَاء الله على رَسُوله من أهل الْقرى فَللَّه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل} وَكَذَلِكَ فرض الله الْخمس فنرى أَن يجمعا جَمِيعًا فيجعلا فَيْئا للْمُسلمين وَلَا يستأثر عَلَيْهِم وَلَا يكون {دولة بَين الْأَغْنِيَاء مِنْكُم}

الْحمى

ونرى أَن الْحمى يُبَاح للْمُسلمين عَامَّة وَقد كَانَت تحمى فتجعل فِيهَا نعم الصَّدقَات فَيكون فِي ذَلِك قُوَّة ونفع لأهل فَرَائض الصَّدقَات وَأدْخل فِيهَا وَطعن فِيهَا طَاعن من النَّاس فنرى فِي ترك حماها والتنزه عَنْهَا خيرا إِذا كَانَ ذَلِك من أمرهَا وَإِنَّمَا الإِمَام فِيهَا كَرجل من الْمُسلمين إِنَّمَا هُوَ الْغَيْث ينزله الله لِعِبَادِهِ فهم فِيهِ سَوَاء


الْخمر والنبيذ

ثمَّ إِن الطلاء لَا خير فِيهِ للْمُسلمين إِنَّمَا هُوَ الْخمر يكنى باسم الطلاء قد جعل الله عَنهُ مندوحة وأشربة كَثِيرَة طيبَة وَقد علمت أَن نَاسا يَقُولُونَ قد أحله عمر رَضِي الله عَنهُ وشربه نَاس مِمَّن مضى من خيارنا وَإِن عمر إِنَّمَا أُتِي مِنْهُ بشراب طبخ حَتَّى خثر فَقَالَ حِين أُتِي بِهِ أطلاء هَذَا يَعْنِي بِهِ طلاء الْإِبِل فَلَمَّا ذاقه قَالَ لَا بَأْس بِهَذَا فَأدْخل النَّاس فِيهِ بعد عمر أما من شَرّ بِهِ من صالحيكم فَإِنَّهُم شربوه قبل أَن يتَّخذ مُسكرا وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرَام كل مُسكر على كل مُؤمن فَلَا أرى أَن يتَّخذ الْفَاجِر الباردلسه ونرى أَن يتنزه الْمُسلمُونَ عَنهُ عَامَّة وَأَن يحرموه فَإِنَّهُ من أجمع الْأَبْوَاب للخطايا وأخوفها عِنْدِي أَن تصيب الْمُسلمين مِنْهُ جَائِحَة تعمهم


طَرِيق الْبر وَالْبَحْر

وَأما الْبَحْر فَإنَّا نرى سَبيله سَبِيل الْبر قَالَ {الله الَّذِي سخر لكم الْبَحْر لتجري الْفلك فِيهِ بأَمْره ولتبتغوا من فَضله} ) فَأذن فِيهِ أَن يتجر فِيهِ من شَاءَ وَأرى أَن لَا نحول بَين أحد من النَّاس وَبَينه فَإِن الْبر وَالْبَحْر لله جَمِيعًا سخرهما لِعِبَادِهِ يَبْتَغُونَ فيهمَا من فَضله فَكيف نحول بَين عباد الله وَبَين مَعَايشهمْ


تَوْحِيد الْمِكْيَال وَالْمِيزَان

ثمَّ إِن الْمِكْيَال وَالْمِيزَان نرى فيهمَا أمورا علم من يَأْتِيهَا أَنَّهَا ظلم إِنَّه لَيْسَ فِي الْمِكْيَال زيغ إِلَّا من تطفيف وَلَا فِي الْمِيزَان فضل إِلَّا من بخس فنرى أَن تَمام مكيال الأَرْض وميزانها أَن يكون وَاحِدًا فِي جَمِيع الأَرْض كلهَا


العشور

وَأما العشور فنرى أَن تُوضَع إِلَّا عَن أهل الْحَرْث فَإِن أهل الْحَرْث يؤخذون بذلك وَإِنَّمَا أهل الْجِزْيَة ثَلَاثَة نفر صَاحب أَرض يُعْطي جزيته مِنْهَا وصانع يخرج جزيته من كَسبه وتاجر يتَصَرَّف بِمَالِه يُعْطي جزيته من ذَلِك وَإِنَّمَا سنتهمْ وَاحِدَة فَأَما الْمُسلمُونَ فَإِنَّمَا عَلَيْهِم صدقَات أَمْوَالهم إِذا أدوها فِي بَيت المَال كتبت لَهُم بهَا الْبَرَاءَة فَلَيْسَ عَلَيْهِم فِي عَامهمْ ذَلِك فِي أَمْوَالهم تباعة


المكس

وَأما المكس فَإِنَّهُ البخس الَّذِي نهى الله عَنهُ فَقَالَ {وَلَا تبخسوا النَّاس أشياءهم وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين} غير أَنهم كنوه باسم آخر


تِجَارَة الإِمَام والعمال

ونرى أَن لَا يتجر إِمَام وَلَا يحل لعامل تِجَارَة فِي سُلْطَانه الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ فَإِن الْأَمِير مَتى يتجر يستأثر وَيصب أمورا فِيهَا عنت وَإِن حرص على أَن لَا يفعل

بيع عمَارَة الأَرْض

ونرى أَن لَا يُبَاع عمَارَة الأَرْض فَإِنَّمَا يَشْتَرِي المُشْتَرِي لنَفسِهِ وَيقطع لنَفسِهِ فَإِنَّمَا يُصِيب من ذَلِك خراب الأَرْض وظلم أَهلهَا وَأما من كَانَ من عرب أهل الأَرْض فِي غير أرضه وجزيته جَارِيَة عَلَيْهِ فِي أرضه فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا ذَلِك وعامل أرضه أولى بتبعته


ترك السخرة

ونرى أَن تُوضَع السخر عَن أهل الأَرْض فَإِن غايتها أُمُور يدْخل فِيهَا الظُّلم


أرزاق الْعَامَّة

ونرى أَن ترد الْمزَارِع لما جعلت لَهُ فَإِنَّمَا جعلت لأرزاق الْمُسلمين عَامَّة فَإِن أَمر الْعَامَّة هُوَ أفضل للنفع وَأعظم للبركة


الْمَوَارِيث

ثمَّ إِن مَوَارِيث أهل الأَرْض إِنَّمَا هِيَ لأوليائهم أَو لأهل أَرضهم الَّذين يخرجُون الْخراج فنرى أَن لَا يُؤْخَذ مِنْهُم شَيْء إِلَّا أَن يكون عَاملا فيبعثه الإِمَام فِي عمله بِالَّذِي يرى عَلَيْهِ من الْحق وَالسَّلَام عَلَيْك


كِتَابه إِلَى أَيُّوب ابْن شرحيبل وَأهل مصر فِي النَّهْي عَن الْخمر والنبيذ

قَالَ وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز من عبد الله عمر بن عبد الْعَزِيز أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى أَيُّوب بن شُرَحْبِيل وَأهل مصر من الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وَالْمُسْلِمين وَالْمُسلمَات سَلام عَلَيْكُم أما بعد فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْكُم الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أما بعد فَإِن الله أنزل فِي الْخمر ثَلَاث آيَات فِي ثَلَاث سور من الْقُرْآن فشربه النَّاس فِي الْأَوليين وَحرمت عَلَيْهِم فِي الثَّالِثَة وَأحكم تَحْرِيمهَا فَقَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى فِي الأولى وَقَوله الْحق {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر قل فيهمَا إِثْم كَبِير وَمَنَافع للنَّاس وإثمهما أكبر من نفعهما} فَشربهَا النَّاس على ذَلِك لما ذكر من مَنْفَعَتهَا ثمَّ أنزل الله فِي الثَّانِيَة فَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى حَتَّى تعلمُوا مَا تَقولُونَ وَلَا جنبا إِلَّا عابري سَبِيل حَتَّى تغتسلوا} فَشربهَا النَّاس عِنْد غير الصَّلَاة وتجنبوا السكر عِنْد حُضُور الصَّلَاة ثمَّ أنزل الله فِي الْآيَة الثَّالِثَة فَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر والأنصاب والأزلام رِجْس من عمل الشَّيْطَان فَاجْتَنبُوهُ لَعَلَّكُمْ تفلحون إِنَّمَا يُرِيد الشَّيْطَان أَن يُوقع بَيْنكُم الْعَدَاوَة والبغضاء فِي الْخمر وَالْميسر ويصدكم عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ وَأَطيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول واحذروا فَإِن توليتم فاعلموا أَنما على رَسُولنَا الْبَلَاغ الْمُبين} ثمَّ إِنَّه قد كَانَ من أَمر هَذَا الشَّرَاب أَمر ساءت فِيهِ رعة كثير من النَّاس وجمعوا مِمَّا يغشون بِهِ مِمَّا حرم الله فِيهِ حَرَامًا كثيرا نهوا عَنهُ عِنْد سفه أحلامهم وَذَهَاب عُقُولهمْ حَتَّى اسْتحلَّ فِي ذَلِك الدَّم الْحَرَام وَأكل المَال الْحَرَام والفرج الْحَرَام وَقد أصبح كل من يُصِيب من ذَلِك الشَّرَاب إِنَّمَا علتهم فِيهِ يَقُولَن الطلاء لَا بَأْس علينا فِي شربه ولعمري إِن مَا قرب إِلَى الْخمر فِي مطعم أَو مشرب أَو غير ذَلِك ليتقى وَمَا يشرب اولئك شرابهم الَّذِي يسْتَحلُّونَ إِلَّا من تَحت أَيدي النَّصَارَى الَّذين يهون عَلَيْهِم زيغ الْمُسلمين فِي دينهم ودخولهم فِيمَا لَا يحل لَهُم مَعَ الَّذِي يجمع نفاق سلعهم ويسارة المؤونة عَلَيْهِم وَمَا لأحد من الْمُسلمين عذر أَن يشرب مَا أشبه مَا لَا خير فِيهِ من الشَّرَاب فَإِن الله جعل عَنهُ غنى وسعة من المَاء الْفُرَات وَمن الْأَشْرِبَة الَّتِي لَيْسَ فِي الْأَنْفس مِنْهَا حَاجَة من الْعَسَل وَاللَّبن والسويق والنبيذ من الزَّبِيب وَالتَّمْر غير أَن من نبذ نبيذا من عسل أَو زبيب أَو تمر فَلَا ينبذه إِلَّا فِي الأسقية الَّتِي لَا زفت فِيهَا فَإِنَّهُ فد بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى عَن شرب مَا جعل فِي الجرار والدباء والظروف المقيرة وَقد علم من شرب الطلاء أَنه يعْمل فِي الظروف المزفتة من القلال والزقاق لِأَنَّهُ لَا يصلح إِلَّا ذَلِك أَنه يسكره وَقد ذكر لنا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كل مُسكر حرَام فاستغنوا بِمَا أحل الله لكم عَمَّا حرم عَلَيْكُم وَشبه بالحرام فَإِنَّهُ لَيْسَ من الْأَشْرِبَة شَيْء يُشبههُ غير هَذَا الشَّرَاب الْوَاحِد فَإنَّا من نجده يشرب مِنْهُ شَيْئا بعد تقدمنا إِلَيْهِ فِيهِ نوجعه عُقُوبَة فِي مَاله وَنَفسه ونجعله نكالا لغيره وَمن يستخف بذلك منا فَإِن الله أَشد عُقُوبَة وَأَشد بَأْسا وَأَشد وتنكيلا وَقد أردْت بِالَّذِي نهيت عَنهُ من شرب الْخمر وَمَا ضارع إِلَيْهِ من الطلاء وَمَا جعل فِي الدُّبَّاء والجرار والظروف المزفتة اتِّخَاذ الْحجَّة عَلَيْكُم الْيَوْم وَفِيمَا بعد الْيَوْم فَإِنَّهُ من يطع يكن خيرا لَهُ وَمن يُخَالف مَا نهي عَنهُ نعاقبه فِي الْعَلَانِيَة وَيَكْفِينَا الله مَا أسر إِنَّه على كل شَيْء رَقِيب وَالله على كل شَيْء شَهِيد أسأَل الله أَن يغنينا وَإِيَّاكُم بِمَا أحل عَمَّا حرم وَأَن يزِيد من كَانَ فِينَا مهتديا هدى ورشدا وَأَن يُرَاجع بالمسيء التَّوْبَة فِي عَافِيَة وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته


كتاب عمر إِلَى الضَّحَّاك فِي أخوة الْإِسْلَام وَنَهْيه عَن الْحلف

قَالَ وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى الضَّحَّاك بن عبد الرَّحْمَن أما بعد فَإِن الله جعل الْإِسْلَام الَّذِي رَضِي بِهِ لنَفسِهِ وَمن كرم عَلَيْهِ من خلقه لَا يقبل الله دينا غَيره كرمه بِمَا أنزل من كِتَابه الَّذِي فرق بِهِ بَين الْإِسْلَام وَبَين سواهُ فَقَالَ {قد جَاءَكُم من الله نور وَكتاب مُبين يهدي بِهِ الله من اتبع رضوانه سبل السَّلَام ويخرجهم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور بِإِذْنِهِ ويهديهم إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم} وَقَالَ {وبالحق أَنزَلْنَاهُ وبالحق نزل وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا مبشرا وَنَذِيرا} فَبعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين بَعثه وَأنزل عَلَيْهِ الْكتاب حِين أنزلهُ وَأَنْتُم معشر الْعَرَب فِيمَا قد علمْتُم من الضَّلَالَة والجهالة والجهد وضنك الْعَيْش وتفرق الدَّار والفتن بَيْنكُم عَامَّة وَالنَّاس لكم حاقرون مستأثرون عَلَيْكُم بِالدّينِ وَلَيْسَ من ضلالتهم من شَيْء إِلَّا وَأَنْتُم على مثله من عَاشَ مِنْكُم عَاشَ فِيمَا ذكرت من الْجَهْل والضلالة وَمن مَاتَ مِنْكُم مَاتَ إِلَى النَّار حَتَّى أَخذ الله بنواصيكم عَمَّا كُنْتُم فِيهِ من عبَادَة الْأَوْثَان والتقاطع والتدابر وَسُوء ذَات الْبَين فَأنْكر منكركم وَكذب مكذبكم وَنَبِي الله عَلَيْهِ السَّلَام يَدْعُو إِلَى كتاب الله والى الْإِسْلَام ثمَّ أسلم مَعَه قَلِيل مستضعفون فِي الأَرْض يخَافُونَ أَن يتخطفهم النَّاس فآواهم وأيدهم بنصره ورزقهم الله من أذن لَهُ بِالْإِسْلَامِ وَالدُّنْيَا مَقْبُوضَة عَنهُ وَالله منجز لرَسُوله موعوده الَّذِي لَيْسَ لَهُ خلف فيراه من يرَاهُ بَعيدا إِلَّا قَلِيلا من الْمُؤمنِينَ فَقَالَ {هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله بِالْهدى وَدين الْحق لِيظْهرهُ على الدّين كُله وَلَو كره الْمُشْركُونَ} ) وَقَالَ فِي بعض مَا يعده وَالْمُسْلِمين أَن قَالَ {وعد الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَعمِلُوا الصَّالِحَات ليَستَخْلِفنهم فِي الأَرْض كَمَا اسْتخْلف الَّذين من قبلهم وليمكنن لَهُم دينهم الَّذِي ارتضى لَهُم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لَا يشركُونَ بِي شَيْئا} فأنجز الله لنَبيه عَلَيْهِ السَّلَام وَأهل الْإِسْلَام موعودهم الَّذِي وعدهم فَلم يعطكم الله يَا أهل الْإِسْلَام مَا أَعْطَاكُم من ذَلِك إِلَّا بِهَذَا الَّذِي تفلجون بِهِ على خصمكم وَبِه تقومون شُهَدَاء يَوْم الْقِيَامَة لَيْسَ لكم نجاة غَيره وَلَا حجَّة وَلَا حرز وَلَا مَنْعَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَإِذا أَعْطَاكُم الله مِنْهُ أحسن يَوْم وعدتموه فارجوا ثَوَاب الله فِيمَا بعد الْمَوْت فَإِن الله قَالَ {تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة نَجْعَلهَا للَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين} وَإِنِّي أحذركم هَذَا الْقُرْآن وتباعته فَإِن تباعته وشروطه قد أَصَابَكُم مِنْهَا أيتها الْأمة وقائع من هراقة دِمَاء وخراب ديار وتفرق جماعات فانظروا مَا زجركم الله عَنهُ فِي كِتَابه فازدجروا عَنهُ فَإِن أَحَق مَا خيف وَعِيد الله بقول أَو بِعَمَل أَو غير ذَلِك فَإِن كَانَ بقول فِي أَمر الله فَنعما لَهُ وَإِن كَانَ بقول فِي غير ذَلِك فَإِنَّمَا يُفْضِي إِلَى سَبِيل هلكه ثمَّ إِن مَا هاجني على كتابي هَذَا أَمر ذكر لي عَن رجال من أهل الْبَادِيَة وَرِجَال أمروا حَدِيثا ظَاهر جفاؤهم قَلِيل علمهمْ بِأَمْر الله اغتروا فِيهِ بِاللَّه غرَّة عَظِيمَة ونسوا فِيهِ بلاءه نِسْيَانا عَظِيما وغيروا فِيهِ نعمه تغييرا لم يكن يصلح لَهُم أَن يبلغوه وَذكر لي أَن رجَالًا من أُولَئِكَ يتحاربون إِلَى مُضر وَإِلَى الْيمن يَزْعمُونَ أَنهم ولَايَة على من سواهُم وَسُبْحَان الله وَبِحَمْدِهِ مَا أبعدهم من شكر نعْمَة الله وأقربهم من كل مهلكة ومذلة وَصغر قَاتلهم الله أَيَّة منزلَة نزلُوا وَمن أَي أَمَان خَرجُوا أَو بِأَيّ أَمر لصقوا وَلَكِن قد عرفت أَن الشقي بنيته يشقى وَأَن النَّار لم تخلق بَاطِلا أولم يسمعوا إِلَى قَول الله فِي كِتَابه {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَة فأصلحوا بَين أخويكم وَاتَّقوا الله لَعَلَّكُمْ ترحمون} وَقَوله {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي ورضيت لكم الْإِسْلَام دينا} وَقد ذكر لي مَعَ ذَلِك أَن رجَالًا يتداعون إِلَى الْحلف وَقد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْحلف وَقَالَ لَا حلف فِي الْإِسْلَام قَالَ وَمَا كَانَ من حلف فِي الْجَاهِلِيَّة فَلم يزده الْإِسْلَام إِلَّا شدَّة فَكَانَ يَرْجُو أحد من الْفَرِيقَيْنِ حفظ حلفه الْفَاجِر الآثم الَّذِي فِيهِ مَعْصِيّة الله ومعصية رَسُوله وَقد ترك الْإِسْلَام حِين انخلع مِنْهُ وَأَنا أحذر كل من سمع كتابي هَذَا وَمن بلغه أَن يتَّخذ غير الْإِسْلَام حصنا أَو دون الله وَدون رَسُوله وَدون الْمُؤمنِينَ وليجة تحذيرا بعد تحذير وأذكرهم تذكير بعد تذكير وَأشْهد عَلَيْهِم الَّذِي هُوَ آخذ بناصية كل دَابَّة وَالَّذِي هُوَ أقرب إِلَى ان أحدا من النَّاس يُحَرك شَيْئا ليؤخذ لَهُ بِهِ أَو ليدفع عَنهُ أحرص وَالله الْمُسْتَعَان على مذلته من كَانَ رجلا أَو عشيرة أَو قَبيلَة أَو أَكثر من ذَلِك فَادع إِلَى نصيحتي وَمَا تقدّمت إِلَيْكُم بِهِ فَإِنَّهُ هُوَ الرشد لَيْسَ لَهُ خَفَاء ثمَّ ليَكُون أهل الْبر وَأهل الْإِيمَان عونا بألسنتهم وَإِن كثيرا من النَّاس لَا يعلمُونَ نسْأَل الله أَن يخلف فِيمَا بَيْننَا بِخَير خلَافَة فِي ديننَا وألفتنا وَذَات بَيْننَا وَالسَّلَام


كِتَابه فِي النَّهْي عَن النِّيَاحَة وَالْأَمر بِالصبرِ

قَالَ وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز أما بعد فَإِنَّهُ ذكر لي أَن نسَاء من أهل السَّفه والجفاء يخْرجن إِلَى الْأَسْوَاق عِنْد موت الْمَيِّت ناشرات رؤوسهن يَنحن نياحة أهل الْجَاهِلِيَّة ولعمري مَا رخص للنِّسَاء فِي وضع خمرهن مذ أمرن أَن يضربن بِهن على جُيُوبهنَّ فانه عَن هَذِه النِّيَاحَة نهيا شَدِيدا وَتقدم إِلَى صَاحب شرطكم فَلَا يقرن نوحًا فِي دَار وَلَا طَرِيق فَإِن الله قد أَمر الْمُؤمنِينَ عِنْد مصائبهم بِخَير الْأَمريْنِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَقَالَ {الَّذين إِذا أَصَابَتْهُم مُصِيبَة قَالُوا إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون أُولَئِكَ عَلَيْهِم صلوَات من رَبهم وَرَحْمَة وَأُولَئِكَ هم المهتدون}


موعظة يزِيد الرقاشِي عمر بن عبد الْعَزِيز

قَالَ وَدخل يزِيد الرقاشِي على عمر بن عبد الْعَزِيز فَقَالَ عظني يَا يزِيد فَقَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَيْسَ بَين آدم وَبَيْنك مِمَّن ولدك أَب حَيّ قَالَ زِدْنِي قَالَ يَا أَمِير الؤمنين أَنْت أول خَليفَة يَمُوت قَالَ زِدْنِي قَالَ لَيْسَ بَين الْجنَّة وَالنَّار منزلَة


بكاء عمر من الموعظة حَتَّى طفئ الكانون من دُمُوعه

قَالَ وَدخل عَلَيْهِ رجل وَبَين يَدَيْهِ كانون فِيهِ نَار فَقَالَ عظني قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا ينفعك من دخل الْجنَّة إِذا دخلت أَنْت النَّار وَمَا يَضرك من دخل النَّار إِذا دخلت انت الْجنَّة قَالَ فَبكى عمر حَتَّى طفئ الكانون الَّذِي كَانَ بَين يَدَيْهِ من دُمُوعه


موعظة الْحسن الْبَصْرِيّ لعمر

وَكتب الْحسن بن أبي الْحسن الْبَصْرِيّ إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز أما بعد فَكَأَن الدُّنْيَا لم تكن وَكَأن الْآخِرَة لم تزل وَكَأن مَا هُوَ كَائِن قد كَانَ وَالسَّلَام عَلَيْك وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته

موعظة أُخْرَى لَهُ

وَكتب الْحسن أَيْضا إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز أما بعد فَإِن الْأَهْوَال العظائم والمفظعات من الأموركلها أمامك لم تقطع مِنْهَا شَيْئا بعد وَلَا بُد وَالله من مُعَاينَة ذَلِك ومشاهدته فإمَّا بالسلامة وَإِمَّا بالعطب وَالسَّلَام


خطْبَة ابْن الاهتم فِي عمر بن عبد الْعَزِيز

وَدخل خَالِد بن صَفْوَان بن الْأَهْتَم على عمر بن عبد الْعَزِيز فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَتُحِبُّ أَن تطرأ قَالَ لَا قَالَ أفتحب أَن توعظ قَالَ نعم قَالَ فَقَامَ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أما بعد فَإِن الله بجلاله خلق الْخلق غَنِيا عَن طاعتهم آمنا لمعصيتهم وَالنَّاس فِي الْمنَازل والرأي مُخْتَلفُونَ وَالْعرب بشر تِلْكَ الْمنَازل أهل دبر وَأهل وثن وَأهل حجر فَلَمَّا أَرَادَ الله أَن يبْعَث فيهم رَسُوله وَأَرَادَ أَن ينشر فيهم رَحمته بعث فيهم رَسُولا من أنفسهم {عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم حَرِيص عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوف رَحِيم} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يمنعهُم ذَلِك من أَن جرحوه فِي جِسْمه ولقبوه فِي اسْمه وأخرجوه من دَاره مَعَه من الله بَيِّنَة لَا يتَقَدَّم إِلَّا بأَمْره وَلَا يخرج إِلَّا بِإِذْنِهِ ويمده بملائكته ويخبره بِالْغَيْبِ المكتوم من أمره وَضمن لَهُ ظفر عَاقِبَة الْأُمُور وَقد اضطروه إِلَى بطن غَار اخْتَبَأَ فِيهِ وَأخذ حَبل الذِّمَّة من الأملاء فَلَمَّا أَمر بالعزم وَحمل على الْجِهَاد انبسط لأمر الله وَمضى على الَّذِي أَمر بِهِ من تَبْلِيغ الرسَالَة وَإِظْهَار الْحق ومجاهدة الْعَدو فَقَبضهُ الله على سنته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ثمَّ قَامَ من بعده أَبُو بكر فارتدت عَلَيْهِ الْعَرَب أَو من ارْتَدَّ مِنْهُم وعرضوا على أَن يقيموا الصَّلَاة وَلَا يؤتوا الزَّكَاة فَأبى أَن يقبل مِنْهُم إِلَّا مَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقبل مِنْهُم فِي حَيَاته فَانْتزع السيوف من أغمادها وأوقد النيرَان فِي شعلها وَركب بِحَق الله أكتاف أهل الْبَاطِل فَمَا برح يخرق أعراضهم ويسقي الأَرْض من دِمَائِهِمْ حَتَّى أدخلهم فِي الْبَاب الَّذِي خَرجُوا مِنْهُ فَلَمَّا أَبْطَأَ الْأَمر على أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وَقد كَانَ نَالَ من فيئهم شَيْئا وَهِي لقوح يرتضح من لَبنهَا وَبكر يرتوي عَلَيْهِ وحبشية أرضعت ابْنه فَلَمَّا حضرت وَفَاته رأى أَن الَّذِي نَالَ من ذَلِك فِي حَيَاته غُصَّة فِي حلقه وَثقل على كَاهِله فأداه إِلَى ابْن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَبضهُ الله على سنة صَاحبه

ثمَّ قَامَ من بعده عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فمصر الْأَمْصَار وخلط الشدَّة باللين وحسر عَن ذِرَاعَيْهِ وشمر عَن سَاقيه وَأعد للأمور أقرنها فَأَصَابَهُ قين للْمُغِيرَة بن شُعْبَة يُقَال لَهُ فَيْرُوز يكنى بِأبي لؤلؤة فَأمر ابْن عَبَّاس يُنَادي فِي النَّاس فَقَالَ هَل تعلمُونَ قاتلي فَقَالُوا قَتلك أَبُو لؤلؤة غُلَام الْمُغيرَة بن شُعْبَة فَاسْتهلَّ عمر بِحَمْد الله أَن لَا يكون أَصَابَهُ ذُو حق فِي الْفَيْء إِنَّمَا اسْتحلَّ ذَلِك مِنْهُ لما أَخذ من حَقه من غير مؤامرته ثمَّ نظر فِي دينه فَلم يرض فِي ذَلِك بكفالة وَلَده حَتَّى كسر فِي ذَلِك رباعه وَأدّى ذَلِك إِلَى بَيت مَال الْمُسلمين

ثمَّ أَنْت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بَين يَدي الدُّنْيَا وَلدتك مُلُوكهَا وغدتك كلأها وألقمتك ثديها وَأَنت بت فِيهَا تلتمسها من مظانها حَتَّى إِذا أفضت إِلَيْك أخطارك مِنْهَا قذرتها وحقرتها وألقيتها حَيْثُ أَلْقَاهَا الله إِلَّا مَا تزودت مِنْهَا فَالْحَمْد لله الَّذِي جلا بك حوبتنا وكشف بك كربتنا وَصدق بك قَوْلنَا عَلَيْك فَامْضِ وَلَا تلْتَفت فَإِنَّهُ لَا يذل على الْحق شَيْء وَلَا يعز على الْبَاطِل شَيْء أَقُول قولي هَذَا وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم لي وَلكم


نبذة من أدعية عمر

وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاء اللَّهُمَّ رضني بِقَضَائِك وَبَارك لي فِي قدرتك حَتَّى لَا أحب تَعْجِيل مَا أخرت وَلَا تَأْخِير مَا عجلت وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز يَقُول مَا برح بِي هَذَا الدُّعَاء حَتَّى لقد أَصبَحت وَمَالِي فِي شَيْء من الْأُمُور هوى إِلَّا فِي مَوَاضِع الْقَضَاء

وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز إِذا دخل الْكَعْبَة قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّك وعدت الْأمان دخال بَيْتك وَأَنت خير منزول بِهِ فِي بَيته اللَّهُمَّ اجْعَل أَمَان مَا تؤمنني بِهِ أَن تكفيني مؤونة الدُّنْيَا وكل هول دون الْجنَّة حَتَّى تبلغنيها بِرَحْمَتك يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ

وَكَانَ أَيْضا يَدْعُو فَيَقُول اللَّهُمَّ ألبسني الْعَافِيَة حَتَّى تهنيني الْمَعيشَة وأختم لي بالمغفرة حَتَّى لَا تضرني الذُّنُوب واكفني كل هول دون الْجنَّة حَتَّى تبلغنيها بِرَحْمَتك يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ

وَكَانَ إِذا وقف بِعَرَفَات قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّك دَعَوْت إِلَى حج بَيْتك ووعدت بِهِ مَنْفَعَة على شُهُود مناسكك وَقد جئْتُك اللَّهُمَّ اجْعَل مَنْفَعَة مَا تنفعني بِهِ أَن تؤتيني فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وَأَن تقيني عَذَاب النَّار

وَكَانَ يَقُول اللَّهُمَّ لَا تعطني فِي الدُّنْيَا عَطاء يبعدني من رحمتك فِي الاخرة

وَكَانَ يَقُول يَا رب خلقتني وأمرتني ونهيتني ورغبتني فِي ثَوَاب مَا أَمرتنِي بِهِ ورهبتني عِقَاب مَا نهيتني عَنهُ وسلطت عَليّ عدوا فأسكنته صَدْرِي وأسكنته مجْرى دمي إِن أهم بِفَاحِشَة شجعني وَإِن أهم بِطَاعَة ثبطني لَا يغْفل إِن غفلت وَلَا ينسى إِن نسيت ينصب لي فِي الشَّهَوَات ويتعرض لي فِي الشُّبُهَات وَإِلَّا تصرف عني كَيده يستزلني اللَّهُمَّ فاقهر سُلْطَانه عَليّ بسلطانك عَلَيْهِ حَتَّى تخسئه بِكَثْرَة ذكري لَك فأفوز مَعَ المعصومين بك وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بك

وَكَانَ يَقُول يَا رب انفعني بعقلي وَاجعَل مَا أصير إِلَيْهِ أهم إِلَيّ مِمَّا يَنْقَطِع عني اللَّهُمَّ إِنِّي أَحْسَنت بك الظَّن فَأحْسن لي الثَّوَاب اللَّهُمَّ أَعْطِنِي من الدُّنْيَا مَا تقيني بِهِ فتنتها وتغنيني بِهِ عَن أَهلهَا وتجعله لي بلاغا إِلَى مَا هُوَ خير لي مِنْهَا فَإِنَّهُ لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بك

شِرَاء عمر مَوضِع قَبره

وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز قد اشْترى مَوضِع قَبره بِعشْرين دِينَارا وَقيل بِعشْرَة دَنَانِير


تمني عمر الرحيل عَن هَذِه الدُّنْيَا ودعاؤه فِي ذَلِك

وَلما كَانَ قبل وَفَاة عمر بن عبد الْعَزِيز توفّي أَخُوهُ سهل وَولده عبد الْملك ومولاه مُزَاحم وَكَانُوا أعوانه على هَذَا الْأَمر فَخرج فَخَطب النَّاس فَأَمرهمْ بِشَيْء مِمَّا يصلحهم فكأنهم تثاقلوا عَنهُ واغتم لذَلِك ثمَّ انْصَرف وَدخل وَذَلِكَ يَوْم الْجُمُعَة وَكَانَ يدْخل عَلَيْهِ بنوه فيستقرئهم الْقُرْآن بعد الْجُمُعَة فَدَخَلُوا عَلَيْهِ كَمَا كَانُوا يدْخلُونَ فاستقرأهم فقرأأ وَلَهُم {طسم تِلْكَ آيَات الْكتاب الْمُبين لَعَلَّك باخع نَفسك أَلا يَكُونُوا مُؤمنين إِن نَشأ ننزل عَلَيْهِم من السَّمَاء آيَة فظلت أَعْنَاقهم لَهَا خاضعين} فَقَالَ لقد عزاني الله على لِسَان ابْني هَذَا وتجلى عَنهُ بعض غمه وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي قد مللتهم وملوني فأرحني مِنْهُم وأرحهم مني فَمَا عَاد إِلَى الْمِنْبَر ثَانِيَة حَتَّى قَبضه الله عزوجل


استدعاؤه ابْن أبي زَكَرِيَّا ليدعو لَهُ بِالْمَوْتِ

وَبعث عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى عبد الله بن أبي زَكَرِيَّا وَكَانَ من صلحاء أهل الشَّام فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ عمر يَا ابْن أبي زَكَرِيَّا هَل تَدْرِي لم بعثت إِلَيْك قَالَ لَا قَالَ لأمر لست ذاكره لَك حَتَّى تحلف لي قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا تَسْأَلنِي شَيْئا إِلَّا فعلته قَالَ لَهُ فاحلف لي فَلَمَّا حلف لَهُ قَالَ ادْع الله أَن يميتني قَالَ بئس الْوَافِد أَنا للْمُسلمين وَأَنا إِذا عَدو لأمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هاه قد حَلَفت لي فَقَالَ الْحَمد لله ودعا لَهُ ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ لَا تبقني بعده وَأَقْبل صبي صَغِير لعمر فَقَالَ وَهَذَا فَإِنِّي أحبه فَدَعَا لَهُ قَالَ فَمَاتَ عمر وَمَات ابْن أبي زَكَرِيَّا وَمَات الصَّبِي

حَدِيثه مَعَ ابْنه عبد الْملك وَهُوَ يحتضر وَقَول مُزَاحم لعمر فِي ذَلِك

وَكَانَ ابْنه عبد الْملك من أحب النَّاس إِلَيْهِ فَمَرض فَاشْتَدَّ مَرضه فَأخْبر بذلك فَأَتَاهُ فَوقف عَلَيْهِ وَقَالَ يَا بني كَيفَ تجدك قَالَ أجدني صَالحا وكتمه مَا بِهِ كَرَاهَة أَن يغمه قَالَ يَا بني أصدقني عَن نَفسك فَإِن أحب الْأُمُور إِلَيّ فِيك لموْضِع الْقَضَاء قَالَ أجدني يَا أَبَت أَمُوت قَالَ فولى عمر إِلَى قبلته فَبَيْنَمَا هُوَ فِي صلَاته إِذْ مَاتَ عبد الْملك فَأَتَاهُ مُزَاحم فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ توفّي عبد الْملك فَخر مغشيا عَلَيْهِ فَلَمَّا دفن عبد الْملك قَالَ لَهُ مُزَاحم وَقد كَانَ قد عهد إِلَيْهِ إِذا رأى مِنْهُ أَمريْن مُخْتَلفين أَن يُخبرهُ بذلك فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ رَأَيْت مِنْك عجبا أتيت عبد الْملك فَسَأَلته عَن حَاله فكتمك عَن نَفسه فَقلت لَهُ يَا بني اصدقني عَن نَفسك فَإِن أحب الْأُمُور إِلَيّ فِيك لموْضِع الْقَضَاء فأخبرك أَنه يَمُوت فَلَمَّا مَاتَ وأخبرتك بِمَوْتِهِ خَرَرْت مغشيا عَلَيْك قَالَ قد كَانَ ذَاك يَا مُزَاحم وَمَا ذَاك أَن لَا يكون الْأَمر كَمَا قلت لَك وَلَكِنِّي علمت أَن ملك الْمَوْت قد دخل منزلي فَأخذ بضعَة مني فراعني ذَلِك فَأَصَابَنِي مَا قد رَأَيْت


دُعَاء عمر على نَفسه بِالْمَوْتِ بعد أَن مَاتَ أعوانه

وَلما مرض عمر بن عبد الْعَزِيز مَرضه الَّذِي مَاتَ مِنْهُ وَقد مَاتَ أعوانه سهل أَخُوهُ وَعبد الْملك ابْنه ومزاحم مَوْلَاهُ قَامَ حبوا إِلَى شن مُعَلّق فَتَوَضَّأ مِنْهُ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ أَتَى مَسْجده فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّك قد قبضت سهلا وَعبد الْملك ومزاحما وَكَانُوا أعواني على مَا قد علمت فَلم أزدد لَك إِلَّا حبا وَلَا فِيمَا عنْدك إِلَّا رَغْبَة فاقبضني إِلَيْك غير مضيع وَلَا مفرط فَمَا قَامَ من مَرضه ذَلِك حَتَّى قَبضه الله تَعَالَى فرحمه الله


محاورته حِين احْتضرَ مَعَ مسلمة ابْن عبد الْملك بشأن أَوْلَاده ودعاؤه لَهُم بالمعصية

وَلما حضرت عمر بن عبد الْعَزِيز الْوَفَاة دخل عَلَيْهِ مسلمة بن عبد الْملك فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّك قد فغرت أَفْوَاه ولدك من هَذَا المَال فَلَو أوصيت بهم إِلَيّ وَإِلَى نظرائي من قَوْمك فكفوك مؤونتهم فَلَمَّا سمع مقَالَته أجلسوني فَأَجْلَسُوهُ فَقَالَ قد سَمِعت مَقَالَتك يَا مسلمة أما قَوْلك إِنِّي قد أفرغت أَفْوَاه وَلَدي من هَذَا المَال فوَاللَّه مَا ظلمتهم حَقًا هُوَ لَهُم وَلم أكن لأعطيهم شَيْئا لغَيرهم وَأما مَا قلت فِي الْوَصِيَّة فَإِن وصيي فيهم {الله الَّذِي نزل الْكتاب وَهُوَ يتَوَلَّى الصَّالِحين} وَإِنَّمَا ولد عمر بَين أحد رجلَيْنِ إِمَّا رجل صَالح فسيغنيه الله وَإِمَّا غير ذَلِك فَلَنْ أكون أول من أَعَانَهُ بِالْمَالِ على مَعْصِيّة الله ادْع لي بني فَأتوهُ فَلَمَّا رَآهُمْ ترقرقت عَيناهُ وَقَالَ بنفسي فتية تَركتهم عَالَة لَا شَيْء لَهُم وَبكى يَا بني إِنِّي قد تركت لكم خيرا كثيرا لَا تمرون بِأحد من الْمُسلمين وَأهل ذمتهم إِلَّا رَأَوْا لكم حَقًا يَا بني إِنِّي قد مثلت بَين الْأَمريْنِ إِمَّا أَن تستغنوا وَأدْخل النَّار أَو تفتقروا إِلَى آخر يَوْم الْأَبَد وَأدْخل الْجنَّة فَأرى أَن تفتقروا إِلَى ذَلِك أحب إِلَيّ قومُوا عصمكم الله قومُوا رزقكم الله

قدوم رَأس أساقفة الرّوم لمعالجة عمر حِين سقِِي السم ورفضه الدَّوَاء وعفوه عَمَّن سقَاهُ

وَكَانَ ملك الرّوم بلغه أَن عمر بن عبد الْعَزِيز سقِِي فَأرْسل إِلَيْهِ رَأس الأساقفة وَكتب إِلَيْهِ يُعلمهُ حَاله عِنْده وَمَا يُوجِبهُ من الْحق لمثله من أهل الْخَيْر وَطَاعَة الله وَيَقُول لَهُ إِنَّه قد بَلغنِي أَنَّك سقيت وَقد بعثت إِلَيْك رَأس الأساقفة وأطبهم ليعالجك مِمَّا بك فَقدم عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ عمر أنظر إِلَيّ فجسه فَقَالَ سقيت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ فَمَاذَا عنْدك قَالَ أسقيك حَتَّى أستخرج ذَلِك من عروقك فَقَالَ لَهُ عمر لَو كَانَ روح الْحَيَاة بِيَدِك مَا مكنتك من ذَلِك ارْجع إِلَى صَاحبك لَا حَاجَة لي فِي علاجك ودعا بِالَّذِي اتهمه فَأقر لَهُ أَنه قد سقَاهُ فَقَالَ مَا حملك على مَا صنعت قَالَ خدعت وغررت فَقَالَ عمر نحه خدع وغر خلوه وَلم يعرض لَهُ بشييء


آخر مَا تكلم بِهِ عمر قبل وَفَاته

وَلما حضرت عمر بن عبد الْعَزِيز الْوَفَاة كَانَ عِنْده مسلمة بن عبد الْملك وَزَوجته فَاطِمَة والخصي فَقَالَ قومُوا عني فَإِنِّي أرى خلقا مَا يزدادون إلآ كَثْرَة مَا هم بجن وَلَا إنس قَالَ مسلمة فقمنا وَتَرَكْنَاهُ وتنحينا عَنهُ وَسَمعنَا قَائِلا يَقُول {تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة نَجْعَلهَا للَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين} ثمَّ خفت الصَّوْت فقمنا فَدَخَلْنَا فَإِذا هُوَ ميت مغمض مسجى


نعي عمر فِي الْمَنَام وتشييع الشُّهَدَاء لَهُ

وَكَانَ رجل من الشَّام قد اسْتشْهد وَكَانَ يَأْتِي جَاره فِي الْمَنَام فِي كل لَيْلَة جُمُعَة فيحدثه ويأنس بِهِ فافتقده لَيْلَة فَأصْبح حَزينًا فَلَمَّا رأه سَأَلَهُ مَا أَخّرهُ عَنهُ فِي إبانه الَّذِي كَانَ يَأْتِي فِيهِ فَقَالَ إِنَّا معشر الشُّهَدَاء أمرنَا أَن نشْهد جَنَازَة عمر بن عبد الْعَزِيز فورخ ذَلِك الْيَوْم فَجَاءَهُمْ الْخَبَر أَنه مَاتَ فِي ذَلِك الْيَوْم رَحْمَة الله عَلَيْهِ ورضوانه


نعيه على لِسَان نسَاء الْجِنّ وَمَا قيل فِي ذَلِك من الشّعْر

قَالَ وبينما امْرَأَة بِالْكُوفَةِ ذَات لَيْلَة تغزل فِي كوَّة إِلَى سفل وَمَعَهَا ابْنة لَهَا إِذْ وَقع مغزل ابْنَتهَا فاطلعت من الكوة لتنظر مَكَانَهُ فَإِذا هِيَ بِحَلقَة نسَاء فِي السّفل كحلقة المأتم وَفِي وسطهن امْرَأَة وَهِي تَقول

(أَلا قل لِنسَاء الْجِنّ يبْكين شجيات ... ويخمشن وُجُوهًا بَعْدَمَا كن نقيات)

(ويلبسن عباء بعد جر الفر قبيات ... ويردفن علوجا بَعْدَمَا كن حظيات)

ثمَّ يَقُول من كَانَ حولهَا وأمير المؤمنياه وأمير المؤمنياه فَقَالَت الْجَارِيَة لأمها أما تَرين مَا أرى قَالَت وَمَا تَرين فاطلعت الْأُم فَإِذا هِيَ ترى ذَلِك فَلَمَّا أَصبَحت نظرت اللَّيْلَة فَإِذا هِيَ اللَّيْلَة الَّتِي مَاتَ فِيهَا عمر بن عبد الْعَزِيز رَحمَه الله


مُدَّة خلَافَة عمر بن عبد الْعَزِيز وَمَوْت آخر رجل من الصَّحَابَة

قَالَ أَبُو الطَّاهِر ولي عمر بن عبد الْعَزِيز سنة تسع وَتِسْعين وَسنة مائَة وَسنة إِحْدَى لم يستكملها فَكل مَا ولي الْخلَافَة سنتَيْن وَأَرْبَعَة أشهر وَبَعض شهر وَلم يستكمل قَالَ أَبُو الطَّاهِر وَلم يل الْخلَافَة وَاحِد من أَصْحَاب النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بَاقٍ وَلم تأت سنة مائَة وَأحد من اصحاب النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام حَيّ إِلَّا أَن عمر بن عبد الْعَزِيز قد ولي على الْمَدِينَة وَبَعض الصَّحَابَة بهَا


عقد عمر النِّيَّة على الْخَيْر من قبل خِلَافَته وَمَا كَانَ بَينه وَبَين سلفه سُلَيْمَان فِي الْهَدَايَا

قَالَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم أَخْبرنِي أبي عبد الله بن عبد الحكم قَالَ لم يزل سُلَيْمَان بن عبد الْملك يدبر ولَايَة عمر بن عبد الْعَزِيز فَأَخْبرنِي بعض أَصْحَاب ابْن وهب عَن عبد الله بن وهب عَن يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن الزُّهْرِيّ قَالَ لما قدم بالنيروز والمهرجان على سُلَيْمَان بن عبد الْملك وَهُوَ خَليفَة فصبت لَهُ تِلْكَ الْهَدَايَا فِي آنِية الذَّهَب وصنوف الْهَدَايَا قَالَ فَكلما مر بعمر صنف مِنْهَا قَالَ لَهُ سُلَيْمَان كَيفَ ترى هَذَا يَا ابْن عبد العزيزقال يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّمَا هُوَ مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا قَالَ لَهُ سُلَيْمَان فآلله لَو وليته مَا أَنْت صانع فِيهِ قَالَ اللَّهُمَّ أقسمه حَتَّى لَا يبْقى مِنْهُ شَيْء قَالَ اللَّهُمَّ أشهد قَالَ فَجعل يمر بِهِ على شَيْء شَيْء وَيَقُول لَهُ هَذِه الْمقَالة وَيَقُول لَهُ عمر اللَّهُمَّ أقسمه حَتَّى لَا يبْقى مِنْهُ شَيْء قَالَ سُلَيْمَان اللَّهُمَّ أشهد حَتَّى فرغ


تَرِكَة قَارون مولى عمر

قَالَ وَهلك مولى لعمر بن عبد الْعَزِيز يُقَال لَهُ قَارون وَترك ألف دِينَار فَقيل لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هلك قَارون وَترك ألف دِينَار فَقَالَ عمر ألف دِينَار من كسب طيب


أَمر سُلَيْمَان بن عبد الْملك بِضَرْب زيد بن حسن وَمَا كَانَ من عمر فِي ذَلِك

قَالَ وَكتب الْوَلِيد بن عبد الْملك إِلَى زيد بن حسن بن عَليّ بن أبي طَالب يسْأَله أَن يُبَايع لعبد الْعَزِيز بن الْوَلِيد ويخلع سُلَيْمَان بن عبد الْملك فَفرق زيد من الْوَلِيد فَأَجَابَهُ فَلَمَّا اسْتخْلف سُلَيْمَان وجد كتاب زيد إِلَى الْوَلِيد بذلك فَكتب إِلَى أبي بكر بن حزم وَهُوَ أَمِير الْمَدِينَة ادْع زيد بن حسن فأقرئه هَذَا الْكتاب فَإِن عرفه فَاكْتُبْ إِلَيّ بذلك وَإِن نكل فقدمه فأظهر يَمِينه على مِنْبَر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كتب هَذَا الْكتاب وَلَا أَمر فَأرْسل إِلَيْهِ أَبُو بكر بن حزم فَأَقْرَأهُ الْكتاب فَقَالَ أَنْظرنِي مَا بيني وَبَين الْعشَاء أستخير الله قَالَ فَأرْسل زيد بن حسن إِلَى الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَسَالم بن عبد الله يستشيرهما قَالَ فأقاما مَعَهُمَا ربيعَة فَذكر لَهما ذَلِك وَقَالَ إِنِّي لم أكن آمن الْوَلِيد على دمي لولم أجبه فقد كتبت هَذَا الْكتاب أفترون أَن أَحْلف فَقَالُوا لَا تحلف وَلَا تبارز الله عزوجل عِنْد مِنْبَر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإنَّا نرجو أَن ينجيك الله بِالصّدقِ فَأقر بِالْكتاب وَلم يحلف فَكتب بذلك أَبُو بكر بن حزم إِلَى سُلَيْمَان فَكتب سُلَيْمَان إِلَى أبي بكر أَن يضْربهُ مائَة سَوط ويدرعه عباءة ويمشيه حافيا فتشكى سُلَيْمَان فَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز للرسول لَا تخرج حَتَّى نُكَلِّم أَمِير الْمُؤمنِينَ فِيمَا كتب إِلَى زيد بن حسن لعَلي أستطيب نَفسه فَيتْرك هَذَا الْكتاب قَالَ فحبس الرَّسُول وَالْكتاب وَمرض سُلَيْمَان فَقَالَ عمر لَا تخرج فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ مَرِيض إِلَى أَن رمي فِي جَنَازَة سُلَيْمَان وأفضى الْأَمر إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز فَدَعَا بِالْكتاب فخرقه


أَقْوَال فِي ابْن عمر بن عبد الْعَزِيز وأخيه ومولاه

قَالَ وَلما دفن عمر عبد الْملك وَلَده وَسَهل بن عبد الْعَزِيز أَخَاهُ ثمَّ هلك مُزَاحم مَوْلَاهُ فَقَالَ رجل من الشَّام وَالله لقد أُصِيب أَمِير الْمُؤمنِينَ بِابْن لَا وَالله إِن رَأَيْت ولدا كَانَ أَنْفَع لوالده مِنْهُ ثمَّ أُصِيب أَمِير الْمُؤمنِينَ بِأَخ مَا كَانَ أَخ أَنْفَع لأخ مِنْهُ قَالَ وَسكت عَن مُزَاحم فَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز مَالك سكت عَن مُزَاحم فوَاللَّه مَا كَانَ بِأَدْنَى الثَّلَاثَة عِنْدِي يَرْحَمك الله يَا مُزَاحم مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا وَالله لقد كنت كفيت كثيرا من هم الدُّنْيَا وَنعم الْوَزير كنت فِي أَمر الْآخِرَة

قَول سُلَيْمَان فِي عمر

وَقَالَ سُلَيْمَان بن عبد الْملك وَالله مَا كَاد يغيب عَن ابْن عبد الْعَزِيز فَمَا أجد أحدا ينقه عني شَيْئا وَلَا أفقهه مِنْهُ


تجنب عمرالإصلاح بالظلم

وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز من لم يصلحه إِلَّا الغشم فَلَا يصلح وَالله لَا أصلح النَّاس بِهَلَاك ديني


كِتَابه فِي إِقَامَة الْعدْل

وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز إِن اسْتَطَعْت أَن تكون فِي الْعدْل والإصلاح وَالْإِحْسَان بِمَنْزِلَة من كَانَ قبلك فِي الظُّلم والفجور والعدوان فافعل وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه


إصْلَاح عمر بن عبد الْعَزِيز بَين رجل وَعَمه

قَالَ وَجَاء رجل من أهل الْمشرق هُوَ وَابْن أَخ لَهُ فاختصما عِنْد عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ بَيْنَمَا الشَّيْخ يُرِيد الصِّلَة وَالصُّلْح إِذْ غضب فدعته نَفسه إِلَى القطيعة فَنظر إِلَيْهِ عمر فَقَالَ مَا رَأَيْت أحلى مِنْك وَلَا أَمر وَلَا أبعد وَلَا أقرب بَيْنَمَا أَنْت تُرِيدُ الصِّلَة وَالصُّلْح دعتك نَفسك إِلَى القطيعة وَالظُّلم وَله شاربان قد غطيا فَاه فَقَالَ يَا مينا لحجام لَهُ أخرج هَذَا الشَّيْخ من الصَّفّ ثمَّ خُذ لي من شَاربه ثمَّ ائْتِنِي بِهِ فَفعل فَقَالَ عمر هَذَا أطيب وأنظف مَعَ الْفطْرَة هَلُمَّ إِلَى الصُّلْح أَيهَا الشَّيْخ أَنْت وَابْن أَخِيك قَالَا نعم فَأصْلح ذَات بَينهمَا فَرفع عمر يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء وَقَالَ الْحَمد لله


كِتَابه إِلَى ولي عَهده يوصيه ويحذره

وَلما حضرت عمر بن عبد الْعَزِيز الْوَفَاة قيل لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اكْتُبْ إِلَى يزِيد بن عبد الْملك توصيه وتخوفه فَقَالَ وَالله إِنِّي لأعْلم أَنه من ولد مَرْوَان فَقَالَ لَهُ رَجَاء بن حَيْوَة يكون حجَّة عَلَيْهِ وعذرا لَك عِنْد الله ثمَّ أَمر كَاتبه أَن يكْتب إِلَيْهِ أما بعد مَا يزِيد فَاتق الصرعة عِنْد الْغَفْلَة فَلَا تقال العثرة وَلَا تقدر على الرّجْعَة وتترك مَا تتْرك لمن لَا يحمدك وتنقلب إِلَى من لَا يعذرك وَالسَّلَام


كِتَابه إِلَى سَالم بن عبد الله يسْأَله فِيهِ أَن يكْتب إِلَيْهِ سيرة عمر بن الْخطاب ليسير بهَا

وَذكر أَن عمر بن عبد الْعَزِيز كتب إِلَى سَالم بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب من عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى سَالم بن عبد الله أما بعد فقد ابْتليت بِمَا ابْتليت بِهِ من أَمر هَذِه الأمه من غير مُشَاورَة مني وَلَا إِرَادَة يعلم الله ذَلِك فَإِذا أَتَاك كتابي فَاكْتُبْ إِلَيّ بسيرة عمر بن الْخطاب فِي أهل الْقبْلَة وَأهل الْعَهْد فَإِنِّي سَائِر بسيرته إِن الله أعانني على ذَلِك وَالسَّلَام


جَوَاب سَالم لَهُ

فَكتب إِلَيْهِ سَالم من سَالم بن عبد الله إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز أَمِير الْمُؤمنِينَ أما بعد فَإنَّك كتبت إِلَيّ تَسْأَلنِي تذكر أَنَّك ابْتليت بِمَا ابْتليت بِهِ من أَمر هَذِه الأمه من غير مُشَاورَة وَلَا إِرَادَة يعلم الله ذَلِك تَسْأَلنِي أَن أكتب لَك بسيرة عمر وقضائه فِي أهل الْقبْلَة وَأهل العهود وتزعم أَنَّك سَائِر بسيرته إِن الله أعانك على ذَلِك وَإنَّك لست فِي زماني عمر وَلَا فِي مثل رجال عمر فَأَما أهل الْعرَاق فليكونوا مِنْك بمَكَان من لَا غنى بك عَنْهُم وَلَا مفقرة إِلَيْهِم وَلَا يمنعك من نزع عَامل أَن تنزعه أَن تَقول لَا أجد من يَكْفِينِي مثل عمله فَإنَّك إِذا كنت تنْزع لله وتستعمل لله أتاح الله لَك أعوانا وأتاك بهم فَإِنَّمَا قدر عون الله للعباد على قدر النيات فَمن تمت نِيَّته تمّ عون الله لَهُ وَمن قصرت نِيَّته قصر عون الله لَهُ وَالله الْمُسْتَعَان وَالسَّلَام


كتاب عمر إِلَى عَامله على الْيمن بشأن جباية الْخراج

وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى عُرْوَة بن مُحَمَّد أما بعد فَإنَّك كتبت إِلَيّ تذكر أَنَّك قدمت الْيمن فَوجدت على أَهلهَا ضريبة من الْخراج مَضْرُوبَة ثابته فِي أَعْنَاقهم كالجزية يؤدونها على كل حَال إِن أخصبوا أَو أجدبوا أَو حيوا أَو مَاتُوا فسبحان الله رب الْعَالمين ثمَّ سُبْحَانَ الله رب الْعَالمين ثمَّ سُبْحَانَ الله رب الْعَالمين إِذا أَتَاك كتابي هَذَا فدع مَا تنكره من الْبَاطِل إِلَى مَا تعرفه من الْحق ثمَّ ائتنف الْحق فاعمل بِهِ بَالغا بِي وَبِك مَا بلغ وَإِن أحَاط بمهج أَنْفُسنَا وَإِن لم ترفع إِلَيّ من جَمِيع الْيمن إِلَّا حفْنَة من كتم فقد علم الله أَنِّي بهَا مسرور إِذا كَانَت مُوَافقَة للحق وَالسَّلَام


قطيعة عمر فِي الله وصلته فِي الله

قَالَ وَدخلت أم عمر بنت مَرْوَان وَهِي عمَّة عمر بن عبد الْعَزِيز على عمر بن عبد الْعَزِيز فَقَالَت حكم الله بَيْننَا وَبَيْنك قطعت أَنْت عَنَّا أَشْيَاء كَانَ يجريها غَيْرك علينا قَالَ يَا عمَّة لَوْلَا ذَلِك الحكم لَكُنْت أوصلهم لَك

عرض مسلمة بن عبد الْملك المَال على عمر ليوصي فِيهِ وَجَوَاب عمر لَهُ

وَدخل مسلمة بن عبد الْملك على عمر بن عبد الْعَزِيز فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَأَوْصَاهُ عمر أَن يحضر مَوته وَأَن يَلِي غسله وتكفينه وَأَن يمشي مَعَه إِلَى قَبره وَأَن يكون مِمَّن يَلِي إِدْخَاله فِي لحده ثمَّ نظر إِلَيْهِ وَقَالَ انْظُر يَا مسلمة بِأَيّ منزل تتركني وعَلى أَي حَال أسلمتني إِلَيْهِ الدُّنْيَا فَقَالَ لَهُ مسلمة فأوص يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ مَالِي من مَال فأوصي فِيهِ قَالَ مسلمة هَذِه مائَة ألف دِينَار فأوص فِيهَا بِمَا أَحْبَبْت قَالَ أَو خير من ذَلِك يَا مسلمة أَن تردها من حَيْثُ أَخَذتهَا قَالَ مسلمة جَزَاك الله عَنَّا خيرا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَالله لقد ألنت لنا قلوبا قاسية وَجعلت لنا ذكرا فِي الصَّالِحين


نفي عمر نَفرا من بني عقيل إِلَى الْيمن وَكتابه إِلَى عَامله بشأنهم

قَالَ وَكتب عمربن عبد الْعَزِيز إِلَى عُرْوَة بن مُحَمَّد أما بعد فَإِنِّي بعثت إِلَيْك بِنَفر من بني عقيل وَبئسَ الْقَوْم كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام وَكَانَ أفضلهم فِي أنفسهم شَرّ خلق الله دينا ونفسا وَأَنا أَرْجُو أَن يَجْعَل الله فيهم خلافًا لَا يزْدَاد مَا كَرهُوا من ذَلِك إِلَّا لُزُوما وَأَن يظعنوا إِلَى شَرّ مَا ظعن إِلَيْهِ أهل موت فَإِذا أَتَاك كتابي هَذَا فأنزلهم من نواحي أَرْضك بشرها بِقدر هوانهم على الله عزوجل وَالسَّلَام


رَأْيه فِي مذاكرة الْعلمَاء

وَقَالَ مَيْمُون بن مهْرَان سَأَلَني عمر بن عبد الْعَزِيز على فَرِيضَة فأجبته فِيهَا فَضرب على فَخذي ثمَّ قَالَ وَيحك يَا مَيْمُون بن مهْرَان إِنِّي وجدت لقيا الرِّجَال تلقيحا لألبابهم


غنى النَّاس فِي خلَافَة عمر

وَقَالَ رجل من ولد زيد بن الْخطاب إِنَّمَا ولي عمر بن عبد الْعَزِيز سنتَيْن وَنصفا فَذَلِك ثَلَاثُونَ شهرا فَمَا مَاتَ حَتَّى جعل الرجل يأتينا بِالْمَالِ الْعَظِيم فَيَقُول اجعلوا هَذَا حَيْثُ ترَوْنَ فِي الْفُقَرَاء فَمَا يبرح حَتَّى يرجع بِمَالِه يتَذَكَّر من يَضَعهُ فيهم فَمَا يجده فَيرجع بِمَالِه قد أغْنى الله على يَد عمر بن عبد الْعَزِيز النَّاس


جَوَاب عمر لِابْنِهِ وَقد سَأَلَهُ أَن يُزَوجهُ ثَانِيَة من بَيت المَال

قَالَ وَطلب ابْن لعمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى أَبِيه أَن يُزَوجهُ وَأَن يصدق عَنهُ من بَيت المَال وَكَانَ لِابْنِهِ ذَلِك امْرَأَة فَغَضب لذَلِك عمر بن عبد الْعَزِيز وَكتب إِلَيْهِ لعمر الله لقد أَتَانِي كتابك تَسْأَلنِي أَن أجمع لَك بَين الضرائر من بَيت مَال الْمُسلمين وَأَبْنَاء الْمُهَاجِرين لَا يجد أحدهم امْرَأَة يستعف بهَا فَلَا أَعرفن مَا كتبت بِمثل هَذَا ثمَّ كتب إِلَيْهِ أَن انْظُر إِلَى مَا قبلك من نحاسنا ومتاعنا فبعه واستعن بِثمنِهِ على مَا بدا لَك

نَهْيه عَن الضَّرْب بالبرابط وإذنه بالدفاف فِي الْعرس

وَقَالَ يزِيد بن أبي حبيب كتبت إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز فِي اللّعب بالدفاف والبرابط فِي الْعرس فَكتب إِلَيّ عمر بن عبد الْعَزِيز امْنَعْ الَّذين يضْربُونَ البرابط ودع الَّذين يضْربُونَ بالدفاف فَإِن ذَلِك يفرق بَين النِّكَاح والسفاح


إكتفاؤه فِي رد الْمَظَالِم باليسيرمن الْبَينَات وإنفاد بَيت مَال الْعرَاق فِي ذَلِك

وَقَالَ أَبُو الزِّنَاد كَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز يرد الْمَظَالِم إِلَى أَهلهَا بِغَيْر الْبَيِّنَة القاطعة وَكَانَ يَكْتَفِي باليسير إِذا عرف وَجه مظْلمَة الرجل ردهَا عَلَيْهِ وَلم يكلفه تَحْقِيق الْبَيِّنَة لما يعرف من غشم الْوُلَاة قبله على النَّاس وَلَقَد أنفد بَيت مَال الْعرَاق فِي رد الْمَظَالِم حَتَّى حمل إِلَيْهَا من الشَّام


كتاب عمر إِلَى بعض إخوانه وَكَانَ قد بلغه مَوته وَهُوَ حَيّ

وَبلغ عمر بن عبد الْعَزِيز أَن أَخا من إخوانه مَاتَ ثمَّ بلغه خلاف ذَلِك فَكتب إِلَيْهِ عمر أما بعد فقد بلغنَا خبر ريع لَهُ إخوانك ثمَّ أَتَانَا تَكْذِيب مَا بلغنَا من الرضح الأول فأنعم بذلك أَن يسرنَا وَإِن كَانَ السرُور بذلك وشيك الإنقطاع يتبعهُ عَن قَلِيل تَصْدِيق الْخَبَر الأول فَهَل أَنْت يَا عبد الله إِلَّا كَرجل ذاق الْمَوْت ثمَّ سَأَلَ الرّجْعَة فأسعف بطلبته فَهُوَ متأهب مبادر مصر فِي جهازه بِأَقَلّ مَا يسره من مَاله إِلَى دَار قراره لَا يرى أَن لَهُ من مَاله شَيْئا إِلَّا مَا قدم أَمَامه فَإِن المغبون فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة من اجْتمع لَهُ مَال قَلِيل أَو كثير ثمَّ لم يكن لَهُ مِنْهُ شَيْء وَلم يزل اللَّيْل وَالنَّهَار سريعين فِي نَفاذ الْأَيَّام وطي الْآجَال وَنقض الْعُمر وَلَا يزَالَانِ على ذَلِك يفنيان ويبليان مَا مرا بِهِ هَيْهَات قد صحبا نوحًا وهودا وقرونا بَين ذَلِك كثيرا فأضحوا قد لَحِقُوا برَبهمْ ووردوا على أَعْمَالهم فَأصْبح اللَّيْل وَالنَّهَار غضين جديدين وَلم يبلهما أحد أفنياه وَلم يفنهما من مرا بِهِ ومستعدين لمن بَقِي بِمثل مَا أصابا بِهِ من مضى وَإنَّك الْيَوْم شرِيف نَاس كثير من ضربائك وقرنائك فَهَل أَنْت إِلَّا كَرجل قطعت أعضاؤه عضوا عضوا فَلم يبْق إلآ حشاشة نَفسه فَهُوَ ينْتَظر الدَّاعِي لَهَا صباحا وَمَسَاء فنستغفر الله لسيىء أَعمالنَا ونعوذ بِهِ من مقته إيانا على مَا نعظ بِهِ أَنْفُسنَا وَالسَّلَام


مناظرة عمر بن عبد الْعَزِيز أَصْحَاب شَوْذَب الحروري

وَبعث عمر بن عبد الْعَزِيز مُحَمَّد بن الزبير الْحَنْظَلِي إِلَى شَوْذَب الحروري وَأَصْحَابه حِين خَرجُوا بالجزيرة قَالَ فَكتب مَعنا إِلَيْهِم كتابا فأتيناهم فأبلغناهم رسَالَته وَكتابه فبعثوا مَعنا رجلَيْنِ مِنْهُم أَحدهمَا من بني شَيبَان وَالْآخر فِي حبشية وَهُوَ أَسد الرجلَيْن حجَّة وَلِسَانًا فقدمنا بهما إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز وَهُوَ بخناصرة فصعدنا إِلَيْهِ فِي غرفَة مَعَه فِيهَا ابْنه عبد الْملك وكاتبه مُزَاحم فأعلمناه مكانهما فَقَالَ ابحثوهما أَن لَا يكون مَعَهُمَا حَدِيدَة ثمَّ أدخلوهما فَفَعَلْنَا فَلَمَّا دخلا قَالَا السَّلَام عَلَيْكُم ثمَّ جلسا فَقَالَ لَهما عمر أخبراني مَا أخرجكما مخرجكما هَذَا وَأي شَيْء نقمتم علينا فَقَالَ الَّذِي فِي حبشية وَالله مَا نقمنا عَلَيْك فِي سيرتك فَإنَّك لتجري الْعدْل وَالْإِحْسَان وَلَكِن بَيْننَا وَبَيْنك أَمر إِن أعطيتناه فَأَنت منا وَنحن مِنْك وَإِن منعتنا فلست منا ولسنا مِنْك قَالَ عمر وَمَا هُوَ قَالَ رَأَيْتُك خَالَفت أَعمال أهل بَيْتك وسلكت غير طريقهم وسميتها مظالم فَإِن زعمت أَنَّك على هدى وهم على ضلال فابرأ مِنْهُم والعنهم فَهُوَ الَّذِي يجمع بَيْننَا وَبَيْنك أَو يفرق قَالَ فَتكلم عمر عِنْد ذَلِك فَقَالَ إِنِّي قد عرفت أَو ظَنَنْت أَنكُمْ لم تخْرجُوا لطلب الدُّنْيَا وَلَكِنَّكُمْ أردتم الْآخِرَة فأخطأتم سَبِيلهَا وَأَنا سَائِلكُمْ عَن أَمر فبالله لتصدقاني عَنهُ فِيمَا بلغه علمكما قَالَا نَفْعل قَالَ أَرَأَيْتُم أَبَا بكر وَعمر أليسا من أسلافكم وَمِمَّنْ تتولون وتشهدون لَهما بالنجاة قَالَا بلَى فَقَالَ هَل تعلمُونَ أَن الْعَرَب ارْتَدَّت بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَاتلهُمْ أَبُو بكر فسفك الدِّمَاء وسبى الذَّرَارِي وَأخذ الْأَمْوَال قَالَا قد كَانَ ذَلِك قَالَ فَهَل تعلمان أَن عمر لما قَامَ بعده رد تِلْكَ السبايا إِلَى عَشَائِرهمْ قَالَ قد كَانَ ذَلِك قَالَ فَهَل برِئ أَبُو بكر من عمر أَو عمر من أبي بكر قَالَا لَا قَالَ فَهَل تبرأون من وَاحِد مِنْهُمَا قَالَا لَا قَالَ أخبراني عَن أهل النهروان أَلَيْسُوا من أسلافكم وَمِمَّنْ تتولون وتشهدون لَهُم بالنجاة قَالَا بلَى قَالَ فَهَل تعلمُونَ أَن أهل الْكُوفَة حِين خَرجُوا إِلَيْهِم كفوا أَيْديهم فَلم يخيفوا آمنا وَلم يسفكوا دَمًا وَلم يَأْخُذُوا مَالا قَالَا قد كَانَ ذَلِك قَالَ فَهَل تعلمُونَ أَن أهل الْبَصْرَة حِين خَرجُوا إِلَيْهِم مَعَ عبد الله بن وهب الرَّاسِبِي استعرضوا النَّاس فَقَتَلُوهُمْ وعرضوا لعبد الله بن خباب صَاحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَتَلُوهُ وَقتلُوا جَارِيَته ثمَّ صبحوا حَيا من الْعَرَب يُقَال لَهُم بَنو قطيعة فاستعرضوهم فَقتلُوا الرِّجَال وَالنِّسَاء والولدان حَتَّى جعلُوا يلقون الْأَطْفَال قي قدور الأقط وَهِي تَفُور بهم قَالَا قد كَانَ ذَلِك قَالَ فَهَل برِئ أهل الْكُوفَة من أهل الْبَصْرَة أَو أهل الْبَصْرَة من أهل الْكُوفَة قَالَا لَا قَالَ فَهَل تبرأون من طَائِفَة مِنْهُمَا قَالَا لَا قَالَ عمر أخبراني أَرَأَيْتُم الدّين وَاحِدًا أم اثْنَيْنِ قَالَا بل وَاحِد قَالَ فَهَل يَسَعكُمْ فِيهِ شَيْء يعجز عني قَالَا لَا قَالَ فَكيف وسعكم أَن توليتم أَبَا بكر وَعمر وَتَوَلَّى كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه وَقد اخْتلفت سيرتهما أم كَيفَ وسع أهل الْكُوفَة أَن توَلّوا أهل الْبَصْرَة وَأهل الْبَصْرَة أهل الْكُوفَة وَقد اخْتلفُوا وَكَيف وسعكم أَن توليتموهم جَمِيعًا وَقد اخْتلفُوا فِي أعظم الْأَشْيَاء فِي الدِّمَاء والفروج وَالْأَمْوَال وَلَا يسعني بزعمكما إِلَّا لعن أهل بَيْتِي والبراءة مِنْهُم فَإِن كَانَ لعن أهل الذُّنُوب فَرِيضَة مَفْرُوضَة لَا بُد مِنْهَا فَأَخْبرنِي عَنْك أَيهَا الْمُتَكَلّم مَتى عَهْدك بلعن أهل فوعون وَيُقَال بلعن هامان قَالَ مَا أذكر مَتى لعنته قَالَ وَيحك فيسعك ترك لعن فوعون وَلَا يسعني بزعمك إِلَّا لعن أهل بَيْتِي والبراءة مِنْهُم وَيحكم إِنَّكُم قوم جهال أردتم أمرا فأخطأتموه فَأنْتم تقبلون من النَّاس مَا رد عَلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتردون عَلَيْهِم مَا قبل مِنْهُم ويأمن عنْدكُمْ من خَافَ عِنْده وَيخَاف عنْدكُمْ من أَمن عِنْده قَالَا مَا نَحن كَذَلِك قَالَ بلَى تقرون بذلك الْآن هَل علمْتُم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث إِلَى النَّاس وهم عَبدة أوثان فَدَعَاهُمْ إِلَى أَن يخلعوا الْأَوْثَان وَأَن يشْهدُوا أَن لَا إِلَه إلاالله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَمن فعل ذَلِك حقن دَمه وَأمن عِنْده وَكَانَ أُسْوَة الْمُسلمين وَمن أَبى ذَلِك جاهده قَالَا بلَى قَالَ أفلستم أَنْتُم الْيَوْم تبرأون مِمَّن يخلع الْأَوْثَان وَمِمَّنْ يشْهد أَن لَا إِلَه إلاالله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وتلعنونه وتقتلونه وتستحلون دَمه وتلقون من يَأْبَى ذَلِك من سَائِر الْأُمَم من الْيَهُود وَالنَّصَارَى فتحرمون دَمه ويأمن عنْدكُمْ فَقَالَ الَّذِي فِي حبشية مَا رَأَيْت حجَّة أبين وَلَا أقرب مأخذا من حجتك أما أَنا فَأشْهد أَنَّك على الْحق وأنني بَرِيء مِمَّن خالفك وَقَالَ للشيباني فَأَنت مَا تَقول قَالَ مَا أحسن مَا قلت وَأحسن مَا وصفت وَلَكِن أكره أَن افتات على الْمُسلمين بِأَمْر لَا أَدْرِي مَا حجتهم فِيهِ حَتَّى أرجع إِلَيْهِم فَلَعَلَّ عِنْدهم حجَّة لَا أعرفهَا قَالَ فَأَنت أعلم قَالَ فَأمر للحبشي بعطائه وَأقَام عِنْده خمس عشرَة لَيْلَة ثمَّ مَاتَ وَلحق الشَّيْبَانِيّ بقَوْمه فَقتل مَعَهم


حِكْمَة من كَلَام عمر

وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز الرِّضَا قَلِيل وَالصَّبْر معقل الْمُؤمن


إيثاره رَاحَة الرّعية على كل شَيْء

وَخرج عمر بن عبد الْعَزِيز يَوْمًا فِي ولَايَته الْخلَافَة بِالشَّام فَركب هُوَ ومزاحم وَكَانَ كثيرا مَا يركب فَيلقى الركْبَان يتجسس الْأَخْبَار عَن الْقرى فلقيهما رَاكب من أهل الْمَدِينَة وسألاه عَن النَّاس وَمَا وَرَاءه وَهُوَ الْأَمر الَّذِي خرجا من أَجله فَقَالَ لَهما إِن شئتما جمعت لَكمَا خبري وَإِن شئتما بعضته تبعيضا فَقَالَا بل أجمعه فَقَالَ إِنِّي تركت الْمَدِينَة والظالم بهَا مقهور والمظلوم بهَا مَنْصُور والغني موفور والعائل مجبور فسر بذلك عمر وَقَالَ وَالله لِأَن تكون الْبلدَانِ كلهَا على هَذِه الصّفة أحب إِلَيّ مِمَّا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس


رَأْي عمر فِي المَال الَّذِي أنفقهُ سُلَيْمَان فِي الْمَدِينَة

وَقدم سُلَيْمَان بن عبد الْملك الْمَدِينَة فَأعْطى بهَا مَالا عَظِيما فَقَالَ لعمر بن عبد الْعَزِيز كَيفَ رَأَيْت مَا فعلنَا يَا أَبَا حَفْص قَالَ رَأَيْتُك زِدْت أهل الْغنى غنى وَتركت أهل الْفقر بفقرهم


رَأْيه فِيمَن سبّ الْخَلِيفَة

وشاور سُلَيْمَان بن عبد الْملك عمر بن عبد الْعَزِيز فِي رجل سبّ سُلَيْمَان فَقَالَ مَا ترى فِيهِ فَقَالَ من حوله اكْتُبْ بِضَرْب عُنُقه وَعمر بن عبد الْعَزِيز سَاكِت فَقَالَ مَا لَك لَا تَتَكَلَّم يَا عمر فَقَالَ أما إِذا سَأَلتنِي فَلَا أعلم سبة أحلّت دم مُسلم إلاسبة نَبِي قَالَ فَقَامُوا وَقَامَ فَقَالَ سُلَيْمَان لله بلادك يَا عمر لَو قرشي طبخت فِي مرقته لأنضجتها


خطْبَة عمر فِي فِي التَّذْكِير بِالْمَوْتِ وحبه الْمُسَاوَاة بالرعية

وخطب النَّاس عمر بن عبد الْعَزِيز فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس ثمَّ خنقته الْعبْرَة ثمَّ سكت فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس ثمَّ خنقته الْعبْرَة فَسكت ثمَّ قَالَ يَا أَيهَا النَّاس إِن امْرَءًا أصبح لَيْسَ بَينه وَبَين آدم أَب حَيّ لمعرق لَهُ فِي الْمَوْت أَيهَا النَّاس أَلا ترَوْنَ أَنكُمْ فِي أسلاب الهالكين وَفِي بيُوت الميتين وَفِي دور الظاعنين جيرانا كَانُوا مَعكُمْ بالْأَمْس أَصْبحُوا فِي دور خامدين بَين آمن روحه إِلَى يَوْم القياممة وَبَين معذب روحه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ تحملونه على أَعْنَاقكُم ثمَّ تضعونه فِي بطن من الأَرْض بعد غضارة من الْعَيْش وتلذذ فِي الدُّنْيَا فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون ثمَّ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون أم وَالله لَوَدِدْت أَنه بديء بِي وبلحمتي الَّتِي أَنا مِنْهَا حَتَّى يَسْتَوِي عيشنا وعيشكم أم وَالله لَو أردْت غير هَذَا من الْكَلَام لَكَانَ اللِّسَان بِهِ مني منبسطا ولكنت بأسبابه عَارِفًا ثمَّ وضع طرف رِدَائه على وَجهه فَبكى وَبكى النَّاس مَعَه


جَوَابه إِلَى الْقرظِيّ فِي الموزنة بَين الموعظة وَالصَّدَََقَة

وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى الْقرظِيّ أما بعد فقد بَلغنِي كتابك تعظني وتذكر مَا هُوَ لي حَظّ وَعَلَيْك حق وَقد أصبت بذلك أفضل الْأجر إِن الموعظة كالصدقة بل هِيَ أعظم أجرا وَأبقى نفعا وَأحسن ذخْرا وَأوجب على المرءالمؤمن حَقًا لكلمة يعظ بهَا الرجل الْمُؤمن أَخَاهُ لِيَزْدَادَ بهَا فِي هدى رَغْبَة خير من مَال يتَصَدَّق بِهِ عَلَيْهِ وَإِن كَانَ بِهِ إِلَيْهِ حَاجَة وَلما يدْرك أَخُوك بموعظتك من الْهدى خير مِمَّا ينَال بصدقتك من الدُّنْيَا وَلِأَن ينجو رجل بموعظتك من هلكة خير من أَن ينجو بصدقتك من فقر فعظ من تعظه لقَضَاء حق عَلَيْك وَاسْتعْمل كَذَلِك نَفسك حِين تعظ وَكن كالطيب المجرب الْعَالم الَّذِي قد علم أَنه إِذا وضع الدَّوَاء حَيْثُ لَا يَنْبَغِي أعنته وأعنت نَفسه وَإِذا أمْسكهُ من حَيْثُ يَنْبَغِي جهل وأثم وَإِذا أَرَادَ أَن يداوي مَجْنُونا لم يداوه وَهُوَ مُرْسل حَتَّى يستوثق مِنْهُ ويوثق لَهُ خشيَة أَن لَا يبلغ مِنْهُ من الْخَيْر مَا يَتَّقِي مِنْهُ من الشَّرّ وَكَانَ طبه وتجربته مفتاج عمله وَاعْلَم أَنه لم يَجْعَل الْمِفْتَاح على الْبَاب لكيما يغلق فَلَا يفتح اَوْ ليفتح فَلَا يغلق وَلَكِن ليغلق فِي حِينه وَيفتح فِي حِينه وَالسَّلَام


حثه على الْعلم وَحب الْعلمَاء

وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز إِن اسْتَطَعْت فَكُن عَالما فَإِن لم تستطع فَكُن متعلما فَإِن لم تستطع فأحبهم فَإِن لم تستطع فَلَا تبغضهم وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز لقد جعل الله لَهُ مخرجا إِن قبل


نهي عمر عَن المزاح

وَجمع عمر بن عبد الْعَزِيز أَصْحَابه بالسويداء فَخرج عَلَيْهِم وأوصاهم فَقَالَ إيَّايَ والمزاح فَإِنَّهُ يبْعَث الضغن وَيثبت الغل تحدثُوا بِكِتَاب الله وتجالسوا بِهِ وتسايروا عَلَيْهِ فَإِذا مللتم فَحَدِيث من حَدِيث الرِّجَال حسن جميل


مَا قَالَه عمر لعامله على مَكَّة حينما شكاه اليه رجل فأشكاه

وَاسْتعْمل عمر بن عبد الْعَزِيز عُرْوَة بن عِيَاض بن عدي على مَكَّة فَخرج عمر من مَكَّة وَخرج مَعَه من خرج يشيعه حَتَّى نزل بمر وَمَعَهُ عُرْوَة فجَاء رجل فَقَالَ أصلح الله أَمِير الْمُؤمنِينَ ظلمت وَلَا أَسْتَطِيع أَن أَتكَلّم فَقَالَ عمر ويحه أخذت عَلَيْهِ يَمِين ثمَّ قَالَ إِن كنت صَادِقا فَتكلم فَقَالَ أصلحك الله هَذَا وَأَشَارَ إِلَى عُرْوَة سامني بِمَا ل لي وَأَعْطَانِي بِهِ سِتَّة آلَاف دِرْهَم فأبيت أَن أبيعه فاستعداه عَليّ غَرِيم لي فحبسني فَلم يخرجني حَتَّى بِعته مَالِي بِثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم واستحلفني بِالطَّلَاق إِن خاصمته أبدا فَنظر عمر إِلَى عُرْوَة ثمَّ نكت بالخيزران بَين عَيْنَيْهِ فِي سجدته وَقَالَ هَذِه غرتني مِنْك ثمَّ قَالَ للرجل اذْهَبْ فقد رددت عَلَيْك مَالك وَلَا حنث عَلَيْك


نصيحة عمر بن عبد الْعَزِيز للوليد بن عبد الْملك وحرج الْحجَّاج مِنْهَا ورأي عمر فِي سياسة الْخَوَارِج

وَدخل عمر بن عبد الْعَزِيز على الْوَلِيد بن عبد الْملك فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن عِنْدِي نصيحة فَإِذا خلا لَك عقلك وَاجْتمعَ فهمك فسلني عَنْهَا قَالَ مَا يمنعك مِنْهَا الْآن قَالَ أَنْت أعلم إِذا اجْتمع لَك مَا أَقُول فَإنَّك أَحَق أَن تفهم فَمَكثَ أَيَّامًا ثمَّ قَالَ يَا غُلَام من بِالْبَابِ فَقيل لَهُ نَاس وَفِيهِمْ عمر بن عبد الْعَزِيز فَقَالَ أدخلهُ فَدخل عَلَيْهِ فَقَالَ نصيحتك يَا أَبَا حَفْص فَقَالَ عمر إِنَّه لَيْسَ بعد الشّرك إِثْم أعظم عِنْد الله من الدَّم وَإِن عمالك يقتلُون ويكتبون إِن ذَنْب فلَان والمقتول كذاوكذا وَأَنت المسؤول عَنهُ والمأخوذ بِهِ فَاكْتُبْ إِلَيْهِم أَن لَا يقتل أحد مِنْهُم أحدا حَتَّى يكْتب إِلَيْك بِذَنبِهِ ثمَّ يشْهد عَلَيْهِ ثمَّ تَأمر بِأَمْرك على أَمر قد وضح لَك قَالَ بَارك الله فِيك يَا أَبَا حَفْص وَمنع فقدك عَليّ بِكِتَاب فَكتب إِلَى أُمَرَاء الْأَمْصَار كلهم فَلم يحرج من ذَلِك إلاالحجاج فَإِنَّهُ أمضه وشق عَلَيْهِ وأقلقه وَظن أَنه لم يكْتب إِلَى أحد غَيره فبحث عَن ذَلِك فَقَالَ من أَيْن دهينا اَوْ من أَشَارَ على أَمِير الْمُؤمنِينَ بِهَذَا فَأخْبر أَن عمر بن عبد الْعَزِيز هُوَ الَّذِي فعل ذَلِك فَقَالَ هَيْهَات إِن كَانَ عمر فَلَا نقض لأَمره ثمَّ إِن الْحجَّاج أرسل إِلَى أَعْرَابِي حروري جَاف من بكر بن وَائِل ثمَّ قَالَ لَهُ الْحجَّاج مَا تَقول فِي مُعَاوِيَة فنال مِنْهُ قَالَ لَهُ مَا تَقول فِي يزِيد فَسَبهُ قَالَ فَمَا تَقول فِي عبد الْملك فظلمه قَالَ فَمَا تَقول فِي الْوَلِيد فَقَالَ أُجُورهم حِين ولاك وَهُوَ يعلم عداءك وظلمك قَالَ فَسكت عَنهُ الْحجَّاج وافترضها مِنْهُ ثمَّ بعث بِهِ إِلَى الْوَلِيد وَكتب إِلَيْهِ أَنا أحوط لديني وأرعى لما استرعيتني وأحفظ لَهُ من أَن أقتل أحدا لم يسْتَوْجب ذَلِك وَقد بعثت إِلَيْك بِبَعْض من كنت أقتل على هَذَا الرَّأْي فشأنك وإياه فَدخل الحروري على الْوَلِيد وَعِنْده أَشْرَاف اهل الشَّام وَعمر فيهم فَقَالَ لَهُ الْوَلِيد مَا تَقول فِي قَالَ ظَالِم جَائِر جَبَّار قَالَ مَا تَقول فِي عبد الْملك قَالَ جَبَّار عَاتٍ قَالَ فَمَا تَقول فِي مُعَاوِيَة قَالَ ظَالِم قَالَ الْوَلِيد لِابْنِ الريان اضْرِب عُنُقه فَضرب عُنُقه ثمَّ قَالَ فَدخل منزله وَخرج النَّاس من عِنْده فَقَالَ يَا غُلَام ارْدُدْ عَليّ عمر فَرده عَلَيْهِ فَقَالَ يَا أَبَا حَفْص مَا تَقول بِهَذَا أصبْنَا فِيهِ أم أَخْطَأنَا فَقَالَ عمر مَا أصبت بقتْله ولغير ذَلِك كَانَ ارشد وأصوب كنت تسجنه حَتَّى يُرَاجع الله عزوجل أَو تُدْرِكهُ منيته فَقَالَ الْوَلِيد شَتَمَنِي وَشتم عبد الْملك وَهُوَ حروري أفتستحل ذَلِك قَالَ لعمري مَا استحله لَو كنت سجنته إِن بدا لَك أَو تَعْفُو عَنهُ فَقَامَ الْوَلِيد مغضبا فَقَالَ ابْن الريان لعمر يغْفر الله لَك يَا أَبَا حَفْص لقد راددت أَمِير الْمُؤمنِينَ حَتَّى ظَنَنْت أَنه سيأمرني بِضَرْب عُنُقك فَقَالَ عمر وَلَو أَمرك كنت تفعل وَقَالَ إِي لعمري قَالَ عمر إذهب إِلَيْك

وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز لرجل يَا فلَان قَرَأت البارحة سُورَة فِيهَا زِيَادَة {أَلْهَاكُم التكاثر حَتَّى زرتم الْمَقَابِر} فكم عَسى الزائر يلبث عِنْد المزور حَتَّى ينكفئ إماإلى جنَّة وَإِمَّا إِلَى نَار


أرق عمر من الطَّعَام

قَالَ وَدخل زيان بن عبد الْعَزِيز على عمر بن عبد الْعَزِيز فَتحدث مَعَه سَاعَة فَقَالَ لقد طَالَتْ اللَّيْلَة عَليّ وَقل نومي فِيهَا فاتهمت عشَاء تعشيت بِهِ فَقَالَ وَمَا هُوَ قَالَ عدس وبصل فَقَالَ لَهُ زيان لقد وسع الله عَلَيْك وَلَكِن تضيق على نَفسك وَأكْثر زيان لائمته فَقَالَ يَا زيان أَخْبَرتك خبري وأطلعتك على سري فوجدتك غاشا غير نَاصح أم وَالله لَا أَعُود لمثلهَا أبدا مَا بقيت


اعلانه الجوائز لمن يدله على الْخَيْر

وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى أهل المواسم أما بعد فأيما رجل قدم علينا فِي رد مظْلمَة أوأمر يصلح الله بِهِ خَاصّا أَو عَاما من أمرالدين فَلهُ مَا بَين مائَة دِينَار الى ثَلَاثمِائَة دِينَار بِقدر مَا يرى من الْحِسْبَة وَبعد الشقة رحم الله امْرَءًا لم يتكاءده بعد سفر لَعَلَّ الله يحيي بِهِ حَقًا أَو يُمِيت بِهِ بَاطِلا أَو يفتح بِهِ من وَرَائه خيرا وَلَوْلَا أَنِّي أطيل عَلَيْكُم وَأَطْنَبَ فيشغلكم ذَلِك عَن مَنَاسِككُم لسمت أمورا من الْحق أظهرها الله وامورا من الْبَاطِل أماتها الله وَكَانَ الله هُوَ المتوحد لكم فِي ذَلِك لَا تَجِدُونَ غَيره فَإِنَّهُ لَو وكلني إِلَى نَفسِي لَكُنْت كغيري وَالسَّلَام


عمر بن عبد الْعَزِيز والأنصاري

وأتى عمر بن عبد الْعَزِيز رجل من الْأَنْصَار فَقَالَ يَا امير الْمُؤمنِينَ احفظ فِي بلَاء أبي قَالَ وَمَا كَانَ بلاؤه قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن ابي كَانَ أعمى من الْأَنْصَار وان امْرَأَة من الْمُشْركين كَانَت تؤذي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أبي أما لهَذِهِ الْمَرْأَة أحد يكفيها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقعدوني على طريقها فَإِذا مرت فآذنوني فأقعدوه على طريقها فَلَمَّا مرت آذنوه بهَا فَوَثَبَ عَلَيْهَا فضربها حَتَّى قَتلهَا

فَقَالَ عمر

(تِلْكَ المثالب لَا قعبان من لبن ... شيبا بِمَاء فعادا بعد أبوالا) هَكَذَا أنشدنا أَيُّوب بن سُوَيْد فِيمَا حفظت عَنهُ عَن عبد الله بن شَوْذَب قَالَ مُحَمَّد وأنشدني أبي عبد الله بن عبد الحكم هَذَا الْبَيْت تِلْكَ المكارم


بِشَارَة الْحجَّاج بخلافة عمر

قَالَ أَبُو عبد الله وَبَلغنِي عَن مَالك بن أنس أَنه قَالَ نعس الْحجَّاج وَعِنْده عَنْبَسَة بن سعيد بن الْعَاصِ قَالَ وَقد ذكر الْحجَّاج عمر بن عبد الْعَزِيز فنلت مِنْهُ لأرضيه فَقَالَ لي مَه إِنَّا نقُول إِنَّه سيلي هَذَا الْأَمر ويعدل فِيهِ ونعس فَخرجت وَخرج من عِنْده فانتبه الْحجَّاج فَلم ير أحدا فَقَالَ عجلوا عَليّ بِعَنْبَسَةَ فَقَالَ أَي شَيْء قلت لَك قَالَ لَا شَيْء أصلحك الله فَقَالَ بلَى وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَئِن سمعته من أحد لَأَضرِبَن عُنُقك

كلمة عَن رَجَاء بن حَيْوَة وبشارته عمر بن عبد الْعَزِيز بالخلافة حِين بَعثه سُلَيْمَان بن عبد الْملك إِلَيْهِ ليعلمه بِحَالهِ

وَقَالَ سعيد بن صَفْوَان كَانَ بَين عبد الْملك بن أَرْطَأَة ورجآء ين حَيْوَة الْكِنْدِيّ وَبَين عمر بن عبد الْعَزِيز صداقة وصحبة فِي نسكهم وعبادتهم وَكَانَ رَجَاء بن حَيْوَة من أهل الْأُرْدُن وَكَانَ من أعبد أهل زَمَانه وَكَانَ مرضيا حكيما ذَا أَنَاة ووقار وَكَانَت الْخُلَفَاء تعرفه بفضله فيتخذونه وزيرا ومستشارا وقيما على عمالهم وَأَوْلَادهمْ وَكَانَت لَهُ من الْخَاصَّة والمنزلة عِنْد سُلَيْمَان بن عبد الْملك مَا لَيْسَ لأحد يَثِق بِهِ ويستريح إِلَيْهِ قَالَ وَولى سُلَيْمَان عمر على الْمَدِينَة وَكَانَت لعمر بن عبد الْعَزِيز عِنْد سُلَيْمَان منزلَة وناحية وخاصة دون بني مَرْوَان فَأَرَادَ سُلَيْمَان أَن يعلم علم عمر وحاله الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا فَبعث إِلَيْهِ رَجَاء بن حَيْوَة ليَأْتِي بِخَبَرِهِ وطريقته وحاله فِي سيرته وطعمته للَّذي كَانَ يحدث بِهِ بِنَفسِهِ فَقدم رَجَاء بن حَيْوَة على عمر بن عبد الْعَزِيز فَلم يأل عَن إلطافه وإكرامه وتقريبه وَأقَام عِنْده أَيَّامًا فَكَانَ كلما أصبح دخل على عمر بعد صَلَاة الصُّبْح فيتحدثان لَا يدْخل عَلَيْهِمَا أحد حَتَّى يخرج رَجَاء من عِنْده قَالَ فَبَيْنَمَا رَجَاء ذَات يَوْم عِنْده وَقد رَأْي رُؤْيا فَأصْبح وَقد حفظهَا قَالَ فَجعل يحدث نَفسه وَعمر يحدثه فَأنكرهُ عمر فَقَالَ يَا ابا الْمِقْدَام إِنِّي لأنكر بعض حالك الْيَوْم فَمَا شَأْنك قَالَ إِن الَّذِي ترى وإنكارك إيَّايَ لرؤيا رَأَيْتهَا اللَّيْلَة فَأَنا أعجب وأحدث بهَا نَفسِي فَقَالَ عمر اقصصها رَحِمك الله فَقَالَ نعم وَإِن لَك فِيهَا نَصِيبا رَأَيْت اللَّيْلَة كَأَن أَبْوَاب السَّمَاء فتحت فَبينا أَنا أرمقها إِذْ أقبل ملكان يهويان مَعَهُمَا سَرِير لم أر مثله حسنا حَتَّى وضعاه بِالْمَدِينَةِ ثمَّ صعدا وَأَنا أنظر إِلَيْهِمَا حَتَّى دخلا أَبْوَاب السَّمَاء فلبثا مَلِيًّا ثمَّ أَقبلَا ومعهما ثِيَاب بيض لم أر مثلهَا وشممت عبق مسك لم أَشمّ مثله قطّ فمهداها على ذَلِك السرير فدنوت مِنْهُمَا فَقلت مَا هَذِه الثِّيَاب قَالَا هَذَا السندس والإستبرق الَّذِي ذكر فِي الْقُرْآن ثمَّ صعدا فلبثا مَلِيًّا ثمَّ أَقبلَا مَعَهُمَا بِرَجُل أدعج الْعَينَيْنِ ذِي وفرة شَدِيد سَواد الشّعْر بعيد مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ مَرْبُوع الْجِسْم عَلَيْهِ هَيْبَة ووقار حَتَّى أقعداه على ذَلِك السرير من فَوق تِلْكَ الْفرش فدنوت مِنْهَا فَقلت من هَذَا الرجل فَقَالَا هَذَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فهبته هَيْبَة شَدِيدَة وتأخرت ناكصا على عَقبي حَتَّى كنت مِنْهُ بمَكَان منظر ومسمع فَبينا أَنا كَذَلِك إِذْ أُتِي بِرَجُل قد نهزه القتير ضرب الْجِسْم حسن اللَّحْم مشدودة يَدَاهُ على عُنُقه حَتَّى وقف بَين يَدَيْهِ فَأقبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يثني عَلَيْهِ فِيمَا كَانَ من فعاله فِي الْإِسْلَام وَيَقُول أَنْت صَاحِبي فِي الْغَار وَأَنت أَبُو بكر الصّديق وَالْأَمر هَهُنَا إِلَى غَيْرِي وَلست أملك لَك من الله شَيْئا فَلم يزل قَائِما بَين يَدَيْهِ ثمَّ أَمر بِهِ فَأطلق عَنهُ وأجلس عِنْد رَأس السرير على الأَرْض ثمَّ أُتِي بِرَجُل حسن اللَّحْم نهزه القتير مَجْمُوعَة يَدَاهُ إِلَى عُنُقه حَتَّى وقف بَين يَدَيْهِ فَأقبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يثني عَلَيْهِ بفعاله فِي الْإِسْلَام وَيَقُول أما إِنَّك الْفَارُوق الَّذِي أعز الله عزوجل بِهِ الدّين وَأَنت صَاحب الْيَهُودِيّ وَالْأَمر هَهُنَا الى غَيْرِي وَلست أملك لَك من الله شَيْئا فَلم يزل قَائِما بَين يَدَيْهِ مَلِيًّا ثمَّ أطلق عَنهُ وأجلس مَعَ أبي بكر فَمَا زَالَ كَذَلِك يُؤْتى بخليفة خَليفَة حَتَّى أفْضى الْأَمر إِلَيْك فَلَمَّا سمع عمر ذَلِك مِنْهُ ارتاع فَاسْتَوَى جَالِسا ثمَّ قَالَ يَا أَبَا الْمِقْدَام فَمَاذَا صنع بِي قَالَ أُتِي بك مَجْمُوعَة يداك الى عُنُقك ثمَّ وقفت بَين يَدَيْهِ طَويلا ثمَّ أَمر بك فَأطلق الغل ثمَّ أجلست مَعَ أبي بكر وَعمر بن الْخطاب فَاشْتَدَّ عجب عمر بن عبد الْعَزِيز لرؤيا رَجَاء بن حَيْوَة ثمَّ قَالَ يَا أَبَا الْمِقْدَام وَالله لَوْلَا مَا أَثِق بِهِ من صحبتك وورعك وَجدك واجتهادك ووفائك وصدقك لأنبأتك أَنِّي لَا أَلِي شَيْئا من أَمر الْخلَافَة أبدا وَلَكِنِّي قد سَمِعت كلامك ورؤياك وَمَا أخلق بِي سَوف أبتلى بِأَمْر هَذِه الْأمة فوَاللَّه لَئِن ابْتليت بذلك وَإِنَّهَا شرف الدُّنْيَا لأطلبن بهَا شرف الْآخِرَة

موعظة الْقرظِيّ لعمر وَهُوَ وَال على الْمَدِينَة ورد عمر عَلَيْهِ وندمه على ذَلِك حِين اسْتخْلف واعتذاره اليه

وَمر عمر بن عبد الْعَزِيز ذَات يَوْم بِالْمَدِينَةِ فِي ولَايَته وَهُوَ يسحب ثَوْبه فناداه مُحَمَّد بن كَعْب يَا عمر إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا جَاوز الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ فِي النَّار فَالْتَفت إِلَيْهِ مغضبا فَقَالَ اتَّقِ الله يَا ابْن كَعْب لَا تكن ذبالة تضيء للنَّاس وَتحرق نَفسهَا فَلَمَّا ولي عمر الْخلَافَة سَأَلَ عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فَأخْبر أَنه غاز فَكتب الى عَامله على الدروب يَأْمُرهُ أَن يجهزه ويسرحه إِن خرج إِلَيْهِ من غَزوه إِلَّا أَن يكره ذَلِك فيعفيه فَلَمَّا خرج مُحَمَّد إِلَى الْعَامِل سَأَلَهُ أَن يسير إِلَى عمر أقرأه الْكتاب قَالَ أما الجهاز فَلَا حَاجَة لي بِهِ أَنا أقوى وَقد كنت أردْت الْمسير إِلَيْهِ لولم يَأْتِ كِتَابه فِي أَمْرِي فَتوجه إِلَى عمر فَلَمَّا دخل رَآهُ على هَيْئَة غير الْهَيْئَة الَّتِي كَانَ عَهده عَلَيْهَا فَقَالَ يَا مُحَمَّد اسْتغْفر لي من سوء مردودي عَلَيْك حِين وعظتني بِالْمَدِينَةِ وَبكى حَتَّى اخضلت لحيته فَقَالَ مُحَمَّد غفر الله لَك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وأقالك عثرتك وَجعل يكثر اللحظ إِلَى عمر يقلب فِيهِ بَصَره فَقَالَ عمر يَا مُحَمَّد فيمَ تنظر إِلَيّ فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أنظر وأتعجب فَأَقُول أَيْن ذَاك اللَّوْن النَّضِير والشعرة الْحَسَنَة وَالْبدن الريان فَقَالَ عمر فَكيف لَو رَأَيْتنِي بعد ثَلَاث من دفني وَقد سَقَطت حدقتاي على خدي وسال منخراي وفمي صديدا ودودا كنت أَشد نكرَة لي مِنْك الْيَوْم


تخييره جواريه حِين اسْتخْلف بَين الْعتْق والامساك على غير شَيْء

وَقَالَ سهل بن صَدَقَة مولى عمر بن عبد الْعَزِيز إِنَّه لما أفضت الْخلَافَة الى عمر سمعُوا فِي منزله بكاء عَالِيا فَسئلَ عَن ذَلِك الْبكاء فَقيل إِن عمر خير جواريه فَقَالَ إِنَّه قد نزل بِي أَمر شغلني عنكن فَمن اخْتَارَتْ مِنْكُن الْعتْق اعتقتها وَمن أَمْسَكتهَا لم يكن لَهَا مني شَيْء فبكين بكاء شَدِيدا يأسا مِنْهُ

سُلَيْمَان بن عبد الْملك وَالرجل الَّذِي بشره

وَقَالَ وَدخل رجل على سُلَيْمَان بن عبد الْملك وَكَانَ قد خَبره بِأَن الْخلَافَة تَأتيه إِلَى أَيَّام فَجَاءَت على نَحْو مِمَّا ذكره لَهُ فَقَالَ سُلَيْمَان من الْخَلِيفَة بعدِي فَقَالَ مَا أَدْرِي فَقَالَ وَيحك أَيُّوب ابْني قَالَ مَا أجد أَيُّوب فِي شَيْء من الْخُلَفَاء وَلَكِن أجدك تسْتَخْلف من بعْدك رجلا يكفر عَنْك كثيرا من ذنوبك


عناية عمر بِأَهْل قسطنطينية وفداؤه إيَّاهُم

وَقَالَ مَالك بن أنس قدم ابْن زُرَارَة على عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ جئْتُك من قوم أحْوج النَّاس إِلَى مَعْرُوفك وصلتك قَالَ كلا يَا ابْن زُرَارَة إِلَّا مَا كَانَ من أهل قسطنطينية

وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن نشيط لقد جَاءَنِي الْعقل حِين جَاءَنَا من عِنْد عمر بن عبد الْعَزِيز حِين مَاتَ سُلَيْمَان بن عبد الْملك وَإِنِّي لأطلب الْمَدّ الْوَاحِد من الطَّعَام بسبعين دِينَارا


شعر عبد الرَّحْمَن بن الحكم وَهِشَام بن عبد الْملك

قَالَ وَلما بَايع النَّاس عمر بن عبد الْعَزِيز بعد مهلك سُلَيْمَان بلغ ذَلِك عبد الرَّحْمَن بن الحكم بن أبي الْعَاصِ فَكتب إِلَى هِشَام بن عبد الْملك يوبخه فَقَالَ

(أبلغ هِشَام وَالَّذين تجمعُوا ... بدابق عني لَا وقيتم ردى الدَّهْر)

(وَأَنْتُم أَخَذْتُم حتفكم بأكفكم ... كباحثة عَن مدية وَهِي لَا تَدْرِي)

(عَشِيَّة بايعتم إِمَامًا مُخَالفا ... لَهُ شجن بَين الْمَدِينَة وَالْحجر)

فَأَجَابَهُ بعض ولد مَرْوَان عَن هِشَام ابْن عبد الْملك

فَقَالَ

(أبلغ أَبَا مَرْوَان عني رِسَالَة ... فَمَاذَا ذممت من وفائي وَمن صبري)

(وَلَو كَانَ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ هُوَ الْهدى ... لما كنت فِيهِ ذَا عناء وَلَا ذكر)

(وَكنت من الريش الذنابي وَلم تكن ... من الزمرة الأولى وَلَا منبت الصَّبْر)

(وَنحن كَفَيْنَاك الْأُمُور كَمَا كفى ... أَبونَا أَبَاك الْأَمر فِي سالف الدَّهْر)


حَال عمر قبل الْخلَافَة وحاله حِين اسْتخْلف وَكتابه الى الْحسن الْبَصْرِيّ ومطرف

وَقَالَ سَالم الْأَفْطَس كَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز من ألبس النَّاس وأعطر النَّاس فَلَمَّا سلم عَلَيْهِ بإمارة الْمُؤمنِينَ وَعلم اسْتِقْرَار أمره أَدخل رَأسه (وَأَنْتُم أَخَذْتُم حتفكم بأكفكم ... كباحثة عَن مدية وَهِي لَا تَدْرِي)

(عَشِيَّة بايعتم إِمَامًا مُخَالفا ... لَهُ شجن بَين الْمَدِينَة وَالْحجر)

فَأَجَابَهُ بعض ولد مَرْوَان عَن هِشَام ابْن عبد الْملك فَقَالَ

(أبلغ أَبَا مَرْوَان عني رِسَالَة ... فَمَاذَا ذممت من وفائي وَمن صبري)

(وَلَو كَانَ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ هُوَ الْهدى ... لما كنت فِيهِ ذَا عناء وَلَا ذكر)

(وَكنت من الريش الذنابي وَلم تكن ... من الزمرة الأولى وَلَا منبت الصَّبْر)

(وَنحن كَفَيْنَاك الْأُمُور كَمَا كفى ... أَبونَا أَبَاك الْأَمر فِي سالف الدَّهْر)


حَال عمر قبل الْخلَافَة وحاله حِين اسْتخْلف وَكتابه الى الْحسن الْبَصْرِيّ ومطرف

وَقَالَ سَالم الْأَفْطَس كَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز من ألبس النَّاس وأعطر النَّاس فَلَمَّا سلم عَلَيْهِ بإمارة الْمُؤمنِينَ وَعلم اسْتِقْرَار أمره أَدخل رَأسه بَين رُكْبَتَيْهِ وَبكى بكاء شَدِيدا فَقَالَ النَّاس يبكي فَرحا بالخلافة ثمَّ رفع رَأسه وَمسح عَيْنَيْهِ ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ ارزقني عقلا يَنْفَعنِي وَاجعَل مَا أصير إِلَيْهِ أهم مِمَّا يَزُول عني ثمَّ دخل منزله فَألْقى تِلْكَ الثِّيَاب عَنهُ وَغسل ذَلِك الطّيب ودعا الْحجام فَأخذ من شعره ثمَّ دَعَا بِدَوَاةٍ وَقِرْطَاس وَكتب بِيَدِهِ

من عبد الله عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى الْحسن بن أبي الْحسن الْبَصْرِيّ ومطرف بن عبد الله بن الشخير سَلام عَلَيْكُمَا فَإِنِّي أَحْمد اليكما الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وأسأله أَن يُصَلِّي على مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله أما بعد فَإِنِّي أوصيكما بتقوى الله فَإِن من يَقُولهَا كثير وَمن يعْمل بهَا قَلِيل فَإِذا أتاكما كتابي فعظاني وَلَا تزكياني وَالسَّلَام


جَوَاب الْحسن الْبَصْرِيّ

فَكتب إِلَيْهِ الْحسن بن أبي الْحسن الْبَصْرِيّ إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز سَلام عَلَيْك فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْك الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أما بعد فَإِن الدُّنْيَا دَار مخوفة هَبَط إِلَيْهَا آدم عَلَيْهِ السَّلَام عُقُوبَة تهين من أكرمها وتكرم من أهانها وتفقر من جمع لَهَا لَهَا فِي كل يَوْم قَتِيل فَكُن يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كالمداوي لجرحه واصبر على شدَّة الدَّوَاء لما تخَاف من طول الْبلَاء


جَوَاب مطرف

وَكتب إِلَيْهِ مطرف بن عبد الله بن الشخير لعبد الله عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ من مطرف بن عبد الله سَلام عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْك الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أما بعد فَلْيَكُن استئناسك بِاللَّه وانقطاعك إِلَيْهِ فَإِن قوما أنسوا بِاللَّه وانقطعوا إِلَيْهِ فَكَانُوا بِاللَّه فِي وحدتهم أَشد استئناسا مِنْهُم بِالنَّاسِ فِي كَثْرَة عَددهمْ أماتوا من الدُّنْيَا مَا خَافُوا أَن يُمِيت قُلُوبهم وَتركُوا مِنْهَا مَا علمُوا أَن سيتركهم فَأَصْبحُوا لما سَالم النَّاس مِنْهَا أَعدَاء جعلنَا الله وَإِيَّاك مِنْهُم فَإِنَّهُم قد أَصْبحُوا بهَا قَلِيلا وَالسَّلَام

تَقْدِير نَفَقَة عمر فِي خِلَافَته وَوَضعه أَمْوَاله فِي سَبِيل الله

وَقَالَ الحكم بن عمر الْحِمصِي أول شَيْء بَدَأَ بِهِ عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه لم يتْرك ظلامة مزرعة وَلَا طلبة لأحد قبله إلآ ردهَا إِلَيْهِ وَبَاعَ مَا كَانَ لَهُ من الْمزَارِع من عبد أَو أمة أَو بَهِيمَة أَو آلَة وَبَاعَ مَا لَهُ من مَتَاع أَو مركب أَو لِبَاس أَو عطر وَأَشْيَاء سَمَّاهَا الحكم هِيَ فِي حَدِيثه فَبلغ ثَلَاثَة وَعشْرين ألف دِينَار ثمَّ جعلهَا فِي سَبِيل الله وَقَالَ غير الحكم بلغ ثَلَاثَة وَأَرْبَعين ألف دِينَار فَجَعلهَا فِي سَبِيل الله وابتاع جَارِيَة تخبز لَهُ وتطحن وتغسل ثِيَابه بِمِائَة ووصيفا فِي حَاجته ورسالته وَكَانَ يزن لَهُ فِي كل يَوْم دِرْهَمَيْنِ لَحْمه وخبزه وبقله إِن غلا السّعر اَوْ رخص


أمره أحد بنيه بإصلاح قَمِيصه

وَقَالَ عبد الله بن عمر الْجَزرِي ازْدحم النَّاس على عمر بن عبد الْعَزِيز يبايعونه حِين دفن سُلَيْمَان فتخرق جيب قَمِيص ابْنه فَقَالَ يَا بني أصلح جيب قَمِيصك فَإنَّك لم تكن قطّ أحْوج إِلَى ذَلِك مِنْك الْيَوْم


اعطاؤه نَفَقَة السّفر وَثمن الْأكل للرجل الَّذِي تظلم إِلَيْهِ بعد أَن رد عَلَيْهِ أرضه

وَقَالَ ابْن عَيَّاش خرج عمر ذَات يَوْم من منزله على بغلة لَهُ شهباء وَعَلِيهِ قَمِيص لَهُ وملاءة ممشقة إِذْ جَاءَ رجل على رَاحِلَة لَهُ فأناخها فَسَأَلَ عَن عمر فَقيل لَهُ قد خرج علينا وَهُوَ رَاجع الْآن قَالَ فَأقبل عمر وَمَعَهُ رجل يسايره فَقيل للرجل هَذَا عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَامَ إِلَيْهِ فَشكى إِلَيْهِ عدي بن أَرْطَأَة فِي أَرض لَهُ فَقَالَ عمر أما وَالله مَا غرنا مِنْهُ إِلَّا بعمامته السَّوْدَاء أما إِنِّي قد كتبت إِلَيْهِ فضل عَن وصيتي إِنَّه من أَتَاك بِبَيِّنَة على حق هُوَ لَهُ فسلمه إِلَيْهِ ثمَّ قد عناك إِلَيّ فَأمر عمر برد أرضه إِلَيْهِ ثمَّ قَالَ لَهُ كم أنفقت فِي مجيئك إِلَيّ فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ تَسْأَلنِي عَن نفقتي وَأَنت قد رددت عَليّ أرضي وَهِي خير من مائَة ألف فَقَالَ عمر إِنَّمَا رددت عَلَيْك حَقك فَأَخْبرنِي كم أنفقت قَالَ مَا أَدْرِي قَالَ احزره قَالَ سِتِّينَ درهما فَأمر لَهُ بهَا من بَيت المَال فَلَمَّا ولي صَاح بِهِ عمر فَرجع فَقَالَ لَهُ خُذ هَذِه خَمْسَة دَرَاهِم من مَالِي فَكل بهَا لَحْمًا حَتَّى ترجع إِلَى أهلك إِن شَاءَ الله


حرصه على الْعَمَل بِالْكِتَابَةِ وَالسّنة وَلَو أضرّ بِهِ

وَقَالَ سُلَيْمَان بن دَاوُد الْخَولَانِيّ إِن عمر بن عبد الْعَزِيز كَانَ يَقُول يَا لَيْتَني قد عملت فِيكُم بِكِتَاب الله وعملتم بِهِ فَكلما عملت فِيكُم بِسنة وَقع مني عُضْو حَتَّى يكون أخر شَيْء مِنْهَا خُرُوج نَفسِي


نفور بني أُميَّة من عدل عمر واجتماعهم إِلَيْهِ

وَلما أقبل عمر على رد الْمَظَالِم وَقطع عَن بني أُميَّة جوائزهم وأرزاق أحراسهم ورد ضياعهم إِلَى الْخراج وأبطل قطائعهم فأفقرهم ضجوا من ذَلِك فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا إِنَّك قد أجلبت بَيت مَال الْمُسلمين وأفقرت بلَى أَبِيك فِيمَا ترد من هَذِه الْمَظَالِم وَهَذَا أَمر قد وليه غَيْرك قبلك فَدَعْهُمْ وَمَا كَانَ مِنْهُم واشتغل أَنْت وشأنك واعمل بِمَا رَأَيْت قَالَ لَهُم هَذَا رَأْيكُمْ قَالُوا نعم قَالَ وَلَكِنِّي لَا أرى ذَلِك وَالله لَوَدِدْت أَن لَا تبقى فِي الأَرْض مظْلمَة إِلَّا رَددتهَا على شَرط أَن لَا أرد مظْلمَة إِلَّا سقط لَهَا عُضْو من أعضائي أجد ألمه ثمَّ يعود كَمَا كَانَ حَيا فَإِذا لم يبْق مظْلمَة إِلَّا رَددتهَا سَالَتْ نَفسِي عِنْدهَا قَالَ فَخَرجُوا من عِنْده فَدَخَلُوا على بعض ولد الْوَلِيد وَكَانَ كَبِيرهمْ وشيخهم فَسَأَلُوهُ أَن يكْتب إِلَى عمر يوبخه لَعَلَّه أَن يردهُ عَن مساءتهم فَكتب إِلَيْهِ


كتاب عمر بن الْوَلِيد إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز

أما بعد فَإنَّك أزريت بِمن كَانَ قبلك من الْخُلَفَاء وسرت بِغَيْر سيرتهم وسميتها الْمَظَالِم نقصا لَهُم وعيبا لأعمالهم وشاتما لمن كَانَ بعدهمْ من أَوْلَادهم وَلم يكن ذَلِك لَك فَقطعت مَا أَمر الله بِهِ أَن يُوصل وعملت بِغَيْر الْحق فِي قرابتك وعمدت إِلَى أَمْوَال قُرَيْش ومواريثهم وحقوقهم فأدخلتها بَيت مَالك ظلما وجورا وعدوانا فَاتق الله يَا ابْن عبد الْعَزِيز وراقبه فَإنَّك قد أوشكت لم تطمئِن على منبرك أَن خصصت ذَوي قرابتك بالقطيعة وَالظُّلم فوَاللَّه الَّذِي خص مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا خصّه بِهِ من الكرامه لقد ازددت من الله بعدا فِي ولايتك هَذِه الَّتِي تزْعم أَنَّهَا بلَاء عَلَيْك وَهِي كَذَلِك فاقتصد فِي بعض ميلك وتحاملك اللَّهُمَّ فاسأل سُلَيْمَان بن عبد الْملك عَمَّا صنع بِأمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين استخلفك عَلَيْهِم جَوَاب عمر بن عبد الْعَزِيز لعمر بن الْوَلِيد


قَالَ فَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَيْهِ من عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى فلَان ابْن الْوَلِيد سَلام على من اتبع الْهدى أما بعد فَإِنِّي أَحْمد اليك الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أما بعد فَإِن أول أَمرك يَا فلَان أَن أمك بنانة أمه السكونِي كَانَت تدخل دور حمص وَتَطوف حوانيتها وَالله أعلم بهَا فاشتراها دِينَار بن دِينَار من فَيْء الْمُسلمين فأهداها الى أَبِيك فَحملت بك فبئس الْمَحْمُول وَبئسَ الْجَنِين ثمَّ نشأت فَكنت جبارا شقيا كتبت إِلَيّ تظلمني وَزَعَمت أَن حرمتك وَأهل بَيْتك فِي مَال الْمُسلمين الَّذِي فِيهِ حق الْقَرَابَة والضعيف والمسكين وَابْن السَّبِيل وَإِنَّمَا أَنْت كَأحد مِنْهُم لَك مَا لَهُم وَعَلَيْك مَا عَلَيْهِم وَإِن أظلم مني وأترك لعهد الله الَّذِي استعملك صَبيا سَفِيها تحكم فِي دِمَاء الْمُسلمين وَأَمْوَالهمْ بِرَأْيِك لم يحضرهُ نِيَّة وَلم يكن يحملهُ عَلَيْهِ إِلَّا حب الْوَلَد وَلم يكن ذَلِك لَهُ وَلَا حق لَهُ فِيهِ فويلك وويل أَبِيك مَا أَكثر طلابكما وخصماءكما كَمَا يَوْم الْقِيَامَة وَكَيف النجَاة لمن كثر خصماؤه وَإِن أظلم مني وأترك لعهد الله من جعل لفلانة البربرية سَهْما فِي فَيْء الْمُسلمين وصدقاتهم أهاجرت ثكلتك أمك أم بَايَعت بيعَة الرضْوَان فتستوجب سِهَام المقاتلين وَإِن أظلم مني وأترك لعهد الله من اسْتعْمل قُرَّة بن شريك أَعْرَابِيًا جلفا جَافيا على مصر وَأذن لَهُ فِي المعازف والبرابط وَالْخمر وَإِن أظلم مني وأترك لعهد الله من ولى يزِيد بن ابي مُسلم على جَمِيع الْمغرب يجبي المَال الْحَرَام ويسفك الدَّم الْحَرَام رويدك فَإِنَّهُ لَو قد الْتَقت علينا حلقنا البطان وطالت بِي حَيَاة ورد الله الْحق إِلَى أَهله تفرغت لَك وَلأَهل بَيْتك فأقمتكم على المحجة الْبَيْضَاء فطال مَا أَخَذْتُم بنيات الطَّرِيق وتركتم الْحق وراءكم وَمِمَّا وَرَاء هَذَا مَا أَرْجُو أَن يكون خير رَأْي أبته بيع رقبتك فَإِن لكل مُسلم فِيك سَهْما فِي كتاب الله وَالسَّلَام على من ابتع الْهدى وَلَا ينَال سَلام الله الظَّالِمين

وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا عَن عبد الله بن يُوسُف عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر قَالَ سَمِعت عِيسَى بن الْمثنى الْكَلْبِيّ وَمُحَمّد بن حجاج الْخَولَانِيّ يذكر أَن عمر بن عبد الْعَزِيز كتب إِلَى بعض بني الْوَلِيد كتابا لم يذكر فِيهِ الله أعلم وَفِيه بلَى إِن شِئْت نبأتك بِمن هُوَ أظلم مني وأترك لعهد الله أَبوك إِذْ ولى يزِيد بن أبي مُسلم عبد بني أبي عقيل على ثَلَاثَة أَخْمَاس الْمغرب يقتل ويصلب وَيقطع وَفِيه أَكثر من هَذَا وأكره وَلَوْلَا مَا يَمْنعنِي مِنْك لبعثت إِلَيْك من يحلق لمتك لمة السوء هوانا بك عَليّ وقمأة وَلما يبلغ الحزام الطبيين وَالسَّلَام


عَظمَة عمر بن عبد الْعَزِيز لِسُلَيْمَان بن عبد الْملك

قَالَ وَأَخْبرنِي بعض أهل الْعلم أَن سُلَيْمَان بن عبد الْملك قَالَ لعمر بن عبد الْعَزِيز أما ترى كَثْرَة النَّاس بِالْمَوْسِمِ قَالَ خصماؤك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ


بغي الْوَلِيد بن هِشَام على الْفُرَات بن مُسلم واصلاح عمر بَينهمَا وعقابه شُهَدَاء الزُّور

وَولى عمر بن عبد الْعَزِيز الْوَلِيد بن هِشَام المعيطي على جند قنسرين والفرات بن مُسلم على خراجها فتباغيا حَتَّى بلغ الْأَمر بالوليد أَن هيأ أَرْبَعَة نفر من كهول قنسرين يشْهدُونَ على فرات أَنه يدع الصَّلَاة وَيفْطر شهر رَمَضَان مُقيما صَحِيحا وَلَا يغْتَسل من الْجَنَابَة وَيَأْتِي أَهله وَهِي طامث فقدموا على عمر بن عبد الْعَزِيز فَشَهِدُوا بِهَذِهِ الشَّهَادَة وهم مختضبون بِالْحِنَّاءِ فَقَالَ عمر هَذَا رمقتموه فِي صلَاته فَلم يصلها إِمَّا تَركهَا مُتَعَمدا وَإِمَّا سَاهِيا ورأيتموه يفْطر فِي شهر رَمَضَان وَلَا ترَوْنَ بِهِ سقما مَا علمكُم أَنه لَا يغْتَسل من الْجَنَابَة وغشيانه أَهله وَالله مَا هَذَا مِمَّا يشْتم بِهِ وَلَا سِيمَا فرات فِي مثل عفافه وأمانته يَا غُلَام انْطلق بهؤلاء المشيخة السوء إِلَى صَاحب الشَّرْط فمره فليضرب كل وَاحِد مِنْهُم عشْرين سَوْطًا على مفرق رَأسه وليرفق فِي ضربه لمَكَان أسنانهم وبحبسهم من الفضيحة مَا هم صائرون إِلَيْهِ إِن لم يتغمد الله مَا كَانَ مِنْهُم بعفوه ثمَّ استوثق مِنْهُم بالكفلاء حَتَّى يكون فرات هُوَ الْآخِذ بِحقِّهِ مِنْهُم أَو الْعَافِي عَنْهُم وَالْعَفو أقرب للتقوي وَأقرب إِلَى الله عزوجل ثمَّ أصلح بَين الْوَلِيد وفرات

قَالَ وَلما قدم قَابل وَقدم الْوَلِيد رُؤُوس أَنْبَاط قنسرين كتب عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى الْفُرَات أَن اقدم فَقدم وَإنَّهُ لقاعد خلف سَرِير عمر إِذْ دخل الأنباط فَقَالَ لَهُم عمر مَاذَا أعددتم لأميركم فِي نزله لمسيره إِلَيّ قَالُوا وَهل قدم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ مَا علمْتُم بِهِ قَالُوا لَا وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَأقبل عمر بِوَجْهِهِ على الْوَلِيد فَقَالَ يَا وليد إِن رجلا ملك قنسرين وأرضها خرج يسير فِي سُلْطَانه وأرضه حَتَّى انْتهى إِلَيّ لَا يعلم بِهِ أحد وَلَا ينفر أحدا وَلَا يروعه لخليق أَن يكون متواضعا عفيفا قَالَ الْوَلِيد أجل وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّه لعفيف وَأَنِّي لَهُ لظَالِم وَأَسْتَغْفِر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ فَقَالَ عمر مَا أحسن الإعتراف وَأبين فَضله على الْإِصْرَار وردهما عمر على عملهما فَكتب إِلَيْهِ الْوَلِيد وَكَانَ مرائيا خديعة مِنْهُ لعمر وتزينا بِمَا هُوَ لَيْسَ عَلَيْهِ إِنِّي قدرت نفقتي لشهر فَوَجَدتهَا كذاوكذا درهما ورزقي يزِيد على مَا أحتاج إِلَيْهِ فَإِن رأى أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يحط فضل ذَلِك فَقَالَ عمر أَرَادَ الْوَلِيد أَن يتزين عندنَا بِمَا لَا أَظُنهُ عَلَيْهِ وَلَو كنت عازلا أحدا على ظن لعزلته ثمَّ أَمر بحط رزقه الى الَّذِي سَأَلَهُ ثمَّ أَمر بِالْكتاب إِلَى يزِيد بن عبد الْملك وَهُوَ ولي عَهده إِن الْوَلِيد بن هِشَام كتب إِلَيّ كتابا أَكثر ظَنِّي أَنه تزين بِمَا لَيْسَ هُوَ عَلَيْهِ وَلَو أمضيت شَيْئا على ظَنِّي مَا عمل لي أبدا وَلَكِنِّي آخذ بِالظَّاهِرِ وَعند الله علم الغيوب فَأَنا أقسم عَلَيْك إِن حدث بِي حَادث وأفضى هَذَا الْأَمر إِلَيْك فسألك أَن ترد إِلَيْهِ رزقه وَذكر أَنِّي نقصته فَلَا يظفر مِنْك بِهَذَا أبدا فَإِنَّمَا خَادع بِهِ الله وَالله خادعه فَلَمَّا مَاتَ عمر واستخلف يزِيد كتب إِلَيْهِ الْوَلِيد إِن عمر نقصني وظلمني فَغَضب يزِيد وَبعث إِلَيْهِ فَعَزله وأغرمه كل رزق جرى عَلَيْهِ فِي ولَايَة عمر وَيزِيد كلهَا فَلم يل لَهُ عملا حَتَّى هلك


أَقْوَال عمر فِي الْخُلَفَاء الثَّلَاثَة قبله

وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان بن عبد الْملك دخلت على عمر بن عبد الْعَزِيز وَعِنْده مولى لَهُ يُقَال لَهُ مُزَاحم وَهُوَ جَالس على حشيه وسَادَة خشنة فَلَمَّا رَآنِي قَالَ ادن يَا عبد الرَّحْمَن فَأخذ بيَدي وأقعدني مَعَه على حشيته ثمَّ قَالَ يَا عبد الرَّحْمَن مَا فعل الثَّلَاثَة فَقلت من الثَّلَاثَة قَالَ جدك أَبوك وعمك قَالَ قلت ولوا هَذَا الْأَمر مثل مَا وليت ثمَّ دعوا فَأَجَابُوا قَالَ أَفلا أنبئك بخبرهم قلت بلَى قَالَ أما جدك فَإِنِّي صحبته فِيمَن صَحبه ومرضته فِيمَن مَرضه ودفنته فِيمَن دَفنه فَلم أر أحدا أعلم بالدنيا مِنْهُ ثمَّ صَارَت الْأَشْيَاء الى عمك فصحبته فِيمَن صَحبه ومرضته فِيمَن مَرضه ودفنته فِيمَن دَفنه فَلم أر أحدا كَانَ أغلب للدنيا مِنْهُ ثمَّ صَارَت الْأَشْيَاء إِلَى أَبِيك فصحبته فِيمَن صَحبه ومرضته فِيمَن مَرضه ودفنته فِيمَن دَفنه فَلم أرأحدا كَانَ آكل للدنيا مِنْهُ ثمَّ أَقبلت إِلَيّ الدُّنْيَا تريدني على ديني قَالَ ثمَّ خنقته الْعبْرَة فَبكى فَلَمَّا رأى مَوْلَاهُ مُزَاحم ذَلِك مِنْهُ قَالَ قُم يَا عبد الرَّحْمَن قَالَ فَقُمْت فَمَا بلغت بَاب الْبَيْت حَتَّى سمعته يخور خوار الثور بكاء وانتحابا


كَرَاهِيَة عمر الْبناء فِي دَاره

وَقَالَ ابْن عَيَّاش كَانَت لعمر مرقاتان يرقى من صحن دَاره إِلَى قَعْر بَيته عَلَيْهِمَا فانقلعت إِحْدَى المرقاتين فَأَتَاهَا رجل من أهل بَيته فأصلحها كَرَاهِيَة أَن يشق على عمر فَلَمَّا جَاءَ عمر وَنظر إِلَيْهَا قَالَ من صنع هَذَا قَالُوا فلَان قَالَ عَليّ بِهِ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ وَيحك يَا فلَان أنفست على عمر أَن يخرج من الدُّنْيَا وَلم يضع لبنة على لبنة وَالله لَوْلَا أَن يكون فَسَاد بعد إصْلَاح لغيرتها إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ


ضن عمر بِالْمَالِ إِلَّا على الْفُقَرَاء والمحتاجين

وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز لعنبسة بن سعيد وَسَأَلَهُ حَاجَة يَا عَنْبَسَة إِن كَانَ مَالك الَّذِي أصبح عنْدك حَلَالا فَهُوَ كافيك وَإِن كَانَ حَرَامًا فَلَا تزيدن إِلَيْهِ حَرَامًا أَلا تُخبرنِي أمحتاج أَنْت قَالَ لَا قَالَ أفعليك دين قَالَ لَا قَالَ أفتأمرني أَن أعمد الى مَال الله فأعطيكه من غير حَاجَة بك إِلَيْهِ وأدع فُقَرَاء الْمُسلمين لَو كنت غارما أدّيت غرمك أَو مُحْتَاجا أمرت لَك بِمَا يصلحك فَعَلَيْك بِمَالك الَّذِي عنْدك فكله وَاتَّقِ الله وَانْظُر أَولا من أَيْن جمعته وَانْظُر لنَفسك قبل أَن ينظر إِلَيْك من لَيْسَ لَك عِنْده هوادة وَلَا مُرَاجعَة


دُخُول الْبَرِيد على عمر وحكاية الشمعة والسراج

قَالَ ووفد على عمر بن عبد الْعَزِيز بريد من بعض الْآفَاق فَانْتهى إِلَى بَاب عمر لَيْلًا فقرع الْبَاب فَخرج إِلَيْهِ البواب فَقَالَ أعلم أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن بِالْبَابِ رَسُولا من فلَان عَامله فَدخل فَأعْلم عمر وَقد كَانَ أَرَادَ ينَام فَقعدَ وَقَالَ ائْذَنْ لَهُ فَدخل الرَّسُول فَدَعَا عمر بشمعة غَلِيظَة فأججت نَارا وأجلس الرَّسُول وَجلسَ عمر فَسَأَلَهُ عَن حَال أهل الْبَلَد وَمن بهَا من الْمُسلمين وَأهل الْعَهْد وَكَيف سيرة الْعَامِل وَكَيف الأسعار وَكَيف أَبنَاء الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَأَبْنَاء السَّبِيل والفقراء وَهل أعْطى كل ذِي حق حَقه وَهل لَهُ شَاك وَهل ظلم أحدا فَأَنْبَأَهُ بِجَمِيعِ مَا علم الرَّسُول من أَمر تِلْكَ المملكة فَلم يدع شَيْئا إِلَّا أنبأه بِهِ كل ذَلِك يسْأَله فيحفي السُّؤَال حَتَّى إِذا فرغ عمر من مَسْأَلته قَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كَيفَ حالك فِي نَفسك وبدنك وَكَيف عِيَالك وَجَمِيع أهل خزانتك وَمن تعنى بِشَأْنِهِ قَالَ فَنفخ عمر الشمعة فأطفأها بنفخة وَقَالَ يَا غُلَام عَليّ بسراج فَدَعَا بفتيلة لَا تكَاد تضيء فَقَالَ سل عَمَّا أَحْبَبْت فَسَأَلَهُ عَن حَاله فَأخْبرهُ عَن حَاله وَحَال وَلَده وَعِيَاله وَأهل بَيته فَعجب الْبَرِيد للشمعة وإطفائه إِيَّاهَا وَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ رَأَيْتُك فعلت أمرا مَا رَأَيْتُك فعلت مثله قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ إطفاؤك الشمعة عِنْد مَسْأَلَتي إياك عَن حالك وشأنك فَقَالَ يَا عبد الله إِن الشمعة الَّتِي رَأَيْتنِي أطفأتها من مَال الله وَمَال الْمُسلمين وَكنت أَسأَلك عَن حوائجهم وَأمرهمْ فَكَانَت تِلْكَ الشمعة تقد بَين يَدي فِيمَا يصلحهم وَهِي لَهُم فَلَمَّا صرت لشأني وَأمر عيالي وَنَفْسِي أطفأت نَار الْمُسلمين


رَأْي عمر فِي الْهَدِيَّة الى الْعمَّال

وَقَالَ عَمْرو بن المُهَاجر إِن رجلا أَتَى عمر بن عبد الْعَزِيز بتفاحات فَأبى أَن يقبل فَقيل لَهُ قد كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقبل الْهَدِيَّة فَقَالَ عمر هُوَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَدِيَّة وَهُوَ لنا رشوة وَلَا حَاجَة لي بِهِ


جَوَاب عمر لابنته وَقد سَأَلته قرطا

وَقَالَ وَبعثت إِلَيْهِ ابْنَته بلؤلؤة وَقَالَت لَهُ إِن رَأَيْت أَن تبْعَث إِلَيّ بأخت لَهَا حَتَّى أجعلها فِي أُذُنِي فَأرْسل إِلَيْهَا بجَمْرَتَيْن ثمَّ قَالَ لَهَا إِن اسْتَطَعْت أَن تجعلي هَاتين الْجَمْرَتَيْن فِي أذنيك إِلَيْك بأخت لَهَا


نَفَقَة عمر اليومية

وَقَالَ مُسلم بن زِيَاد كَانَ عمر ينْفق على أَهله وَعِيَاله فِي غدائه وعشائه كل يَوْم دِرْهَمَيْنِ


تخوله مسلمة بِالْمَوْعِظَةِ

وَقَالَ مسلمة دخلت على عمر بن عبد الْعَزِيز بعد الْفجْر فِي بَيت كَانَ يَخْلُو فِيهِ فَلَا يدْخل عَلَيْهِ أحد فَجَاءَت جَارِيَة بطبق تمر صيحاني وَكَانَ يُعجبهُ التَّمْر فَرفع بكفيه فَقَالَ يَا مسلمة أَتَرَى رجلا لَو أكل هَذَا ثمَّ شرب عَلَيْهِ من المَاء فَإِن المَاء على التَّمْر يطيب أَكَانَ يجْزِيه إِلَى اللَّيْل فَقلت لَا أَدْرِي فَرفع أَكثر مِنْهُ فَقَالَ فَهَذَا فَقلت نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كَانَ كَافِيَة دون هَذَا حَتَّى مَا يُبَالِي أَن لَا يَذُوق طَعَاما غَيره قَالَ فعلام تدخل النَّار قَالَ مسلمة فَمَا وَقعت مني موعظة مَا وَقعت مني هَذِه

حَدِيث أبي أسلم فِي لِبَاس عمر وَطَعَامه

قَالَ أَبُو أسلم حَدثنِي خصي أسود كَانَ لعمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ دخلت على عمر بن عبد الْعَزِيز فِي يَوْم شات فِي دَاره بدير سمْعَان قَالَ فَأَلْفَيْته قَاعِدا فِي زَاوِيَة الدَّار فِي الشَّمْس وَقد التفع بِإِزَارِهِ وَوضع أَبُو أسلم ثَوْبه على رَأسه وَجمعه بكفيه من نَاحيَة خديه وَوضع مرفقيه على رُكْبَتَيْهِ وَقَالَ هَكَذَا أرانيه الْخصي حِين وصف فعل عمر فَلَمَّا دَنَوْت سلمت فَرد عَليّ السَّلَام ثمَّ قَالَ لي انْزِلْ فَقَعَدت ثمَّ قَالَ لي انْزِلْ فألهمت أَنما يُرِيد النَّعْلَيْنِ فخلعتهما فَأقبل عَليّ بالْكلَام فَلَمَّا أنست كرهت أَن أَقُول لَهُ يَا سَيِّدي لِئَلَّا يجد عَليّ قَالَ فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا الَّذِي يقعدك هَكَذَا قَالَ غسلت ثِيَابِي قَالَ فَقلت وَمَا ثِيَابك ياأمير الْمُؤمنِينَ قَالَ قَمِيص ورداء وَإِزَار قَالَ فَمَا كَانَ بأوشك أَن جَاءَ عَمْرو بن مهَاجر فَقَالَ لَهُ أَيْن كنت قَالَ كنت خَارِجا أدفَع مظْلمَة عَن رجل من أهل الْكتاب وَكَانَ عَمْرو بن مهَاجر صَاحب حرس عمر بن عبد الْعَزِيز فَقَالَ عَليّ بفلان فَمَا كَانَ بأوشك أَن جَاءَ غُلَام حدث فَقَالَ يَا فلَان ائته بغدائه السَّاعَة فَمَا كَانَ بأوشك أَن أَتَاهُ الْغُلَام بصحفة غَلِيظَة عميقة فِيهَا خبز قد كسر وصب عَلَيْهِ مَاء وملح وزيت فَقَالَ تغده قَالَ فَلَمَّا أخذت بالبطش بالغداء نَهَضَ فَنَظَرت بريق سَاقيه من تَحت الْإِزَار وَهُوَ مُدبر فَكَانَ أَرْبَعَة رَهْط أَنا وَعَمْرو بن مهَاجر ورجلان من الْأَنْصَار من أهل الْمَدِينَة فَلَمَّا صلى وَانْصَرف صعدت أَنا والأنصاريان حَتَّى كُنَّا فِي غرفَة فَمَا كَانَ بأوشك أَن عَادَتْ علينا تِلْكَ الْقَصعَة الَّتِي تغدى فِيهَا فَإِذا فِيهَا ثريد عدس وبصل عَلَيْهَا مشقق أخرجت لمن يَخْدمه أَو إِلَى من بِبَابِهِ فَقَالَ الْخَادِم لَو كَانَ لعمر عشَاء غَيره لعشاكم مِنْهُ وَمَا فطره إِلَّا على مثل هَذَا

كتاب عمر إِلَى عماله فِي عزل الْمُشْركين

وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى عماله أما بعد فَإِن الْمُشْركين نجس حِين جعلهم الله جند الشَّيْطَان وجعلهم {بالأخسرين أعمالا الَّذين ضل سَعْيهمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وهم يحسبون أَنهم يحسنون صنعا} فَأُولَئِك لعمري مِمَّن تجب عَلَيْهِم باجتهادهم لعنة الله ولعنة اللاعنين إِن الْمُسلمين كَانُوا فِيمَا مضى إِذا قدمُوا بَلْدَة فِيهَا أهل الشّرك يستعينون بهم لَعَلَّهُم بالجباية وَالْكِتَابَة وَالتَّدْبِير فَكَانَت لَهُم فِي ذَلِك مُدَّة فقد قَضَاهَا الله بأمير الْمُؤمنِينَ فَلَا أعلم كَاتبا وَلَا عَاملا فِي شَيْء من عَمَلك على غير دين الْإِسْلَام إِلَّا عزلته واستبدلت مَكَانَهُ رجلا مُسلما فَإِن محق أَعْمَالهم محق أديانهم فَإِن أولى بهم إنزالهم مَنْزِلَتهمْ الَّتِي أنزلهم الله بهَا من الذل وَالصغَار فافعل ذَلِك واكتب إليم كَيفَ فعلت وَانْظُر فَلَا يركبن نَصْرَانِيّ على سرج وليركبوا بالأكف وَلَا تركبن امْرَأَة من نِسَائِهِم رَاحِلَة وَليكن مركبها على إكاف وَلَا يفحجوا على الدَّوَابّ وليدخلوا أَرجُلهم من جَانب وَاحِد وَتقدم فِي ذَلِك إِلَى عمالك حَيْثُ كَانُوا واكتب إِلَيْهِم كتابا فِي ذَلِك بِالتَّشْدِيدِ واكفنيه وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه


كِتَابه فِي أَن يكون لِلنَّصَارَى هَيْئَة تميزهم وَأَن يجمع السِّلَاح مِنْهُم

وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز الى الْآفَاق أَن لَا يَمْشين نَصْرَانِيّ إِلَّا مفروق الناصية وَلَا يلبس قبَاء وَلَا يمشي إِلَّا بزنار من جُلُود وَلَا يلبس طيلسانا وَلَا سَرَاوِيل ذَات خدمَة وَلَا نعلا لَهَا عذبة وَلَا يوجدن فِي بَيته سلَاح إِلَّا انتهب

رفق عمر بِالْحَيَوَانِ

وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى صَاحب السكَك أَن لَا يحملوا أحدا بلجام ثقيل من هَذِه الرستنية وَلَا ينخس بمقرعة فِي أَسْفَلهَا حَدِيدَة

وَكتب عمر إِلَى حَيَّان بِمصْر إِنَّه بَلغنِي أَن بِمصْر إبِلا نقالات يحمل على الْبَعِير مِنْهَا ألف رَطْل فَإِذا أَتَاك كتابي هَذَا فَلَا أَعرفن أَنه يحمل على الْبَعِير أَكثر من سِتّمائَة رَطْل


رَفعه الضرائب عَن الرّعية

وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى عماله كتابا يقْرَأ على النَّاس أما بعد فاقرأ كتابي هَذَا على أهل الأَرْض بِمَا وضع الله عَنْهُم على لِسَان أَمِير الْمُؤمنِينَ من الْمَظَالِم والتوابع الَّتِي كَانَت تُؤْخَذ مِنْهُم فِي النيروز والمهرجان وَثمن الصُّحُف وَأجر الفيوج وجوائز الرُّسُل وأجور الجهابذه وهم القساطرة وأرزاق الْعمَّال وأنزالهم وَصرف الدَّنَانِير الَّتِي كَانَت تُؤْخَذ مِنْهُم من فضل مَا بَين السعرين فِي الطَّعَام الَّذِي كَانَ يُؤْخَذ مِنْهُم فضل مَا بَين الكيلين وليحمدوا الله عزوجل


إجراؤه الرزق على الْعلمَاء لينشروا الْعلم

وَبعث عمر بن عبد الْعَزِيز بن أبي مَالك والْحَارث بن مُحَمَّد إِلَى الْبَادِيَة أَن يعلمَا النَّاس السّنة وأجرى عَلَيْهِمَا الرزق فَقبل يزِيد وَلم يقبل الْحَارِث وَقَالَ مَا كنت لآخذ على علم علمنيه الله أجرا فَذكر ذَلِك لعمر ابْن عبد الْعَزِيز فَقَالَ مَا نعلم بِمَا صنع يزِيد بَأْسا وَأكْثر الله فِينَا مثل الْحَارِث

كتاب عمر إِلَى الْعمَّال فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر

وَقَالَ عُثْمَان بن كثير بن دِينَار إِن عمر بن عبد العزيزكتب إِلَى بعض عماله أما بعد فَإِنَّهُ لم يظْهر الْمُنكر فِي قوم قطّ ثمَّ لم ينههم أهل الصّلاح مِنْهُم إِلَّا أَصَابَهُم الله بِعَذَاب من عِنْده أَو بأيدي من يَشَاء من عباده وَلَا يزَال النَّاس معصومين من الْعُقُوبَات والنقمات مَا قمع فيهم أهل الْبَاطِل واستخفي فيهم بالمحارم فَلَا يظْهر من أحد محرم إِلَّا انتقموا مِمَّن فعله فَإِذا ظَهرت فيهم الْمَحَارِم فَلم ينههم أهل الصّلاح نزلت الْعُقُوبَات من السَّمَاء إِلَى الأَرْض على أهل الْمعاصِي وعَلى المداهنين لَهُم وَلَعَلَّ أهل الإدهان أَن يهْلكُوا مَعَهم وَإِن كَانُوا مخالفين لَهُم فَإِنِّي لم أسمع الله تبَارك وَتَعَالَى فِيمَا نزل من كِتَابه عِنْد مثله أهلك بهَا أحدا نجى أحدا من أُولَئِكَ إِلَّا أَن يَكُونُوا الناهين عَن الْمُنكر ويسلط الله على أهل تِلْكَ الْمَحَارِم إِن هُوَ لم يصبهم بِعَذَاب من عِنْده أَو بأيدي من يَشَاء من عباده من الْخَوْف والذل والنقم فَإِنَّهُ رُبمَا انتقم بالفاجر من الْفَاجِر وبالظالم من الظَّالِم ثمَّ صَار كلا الْفَرِيقَيْنِ بأعمالهما إِلَى النَّار فنعوذ بِاللَّه أَن يجعلنا ظالمين أَو يجعلنا مداهنين للظالمين وَإنَّهُ قد بَلغنِي أَنه قد كثر الْفُجُور فِيكُم وَأمن الْفُسَّاق فِي مدائنكم وجاهروا من الْمَحَارِم بِأَمْر لَا يحب الله من فعله وَلَا يرضى المداهنة عَلَيْهِ كَانَ لَا يظْهر مثله فِي عَلَانيَة قوم يرجون لله وقارا وَيَخَافُونَ مِنْهُ غيرا وهم الأعزون الْأَكْثَرُونَ من أهل الْفُجُور وَلَيْسَ بذلك مضى أَمر سلفكم وَلَا بذلك تمت نعْمَة الله عَلَيْهِم بل كَانُوا {أشداء على الْكفَّار رحماء بَينهم} {أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ أعزة على الْكَافرين يجاهدون فِي سَبِيل الله وَلَا يخَافُونَ لومة لائم} ولعمري إِن من الْجِهَاد فِي سَبِيل الله الغلظة على أهل محارم الله بِالْأَيْدِي والألسن والمجاهدة لَهُم فِيهِ وَإِن كَانُوا الْآبَاء وَالْأَبْنَاء والعشائر وَإِنَّمَا سَبِيل الله طَاعَته

وَقد بَلغنِي أَنه بطأ بكثيرمن النَّاس عَن الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن المنكراتقاء التلاوم أَن يُقَال فلَان حسن الْخلق قَلِيل التَّكَلُّف مقبل على نَفسه وَمَا يَجْعَل الله أُولَئِكَ أحاسنكم أَخْلَاقًا بل أُولَئِكَ أسوأكم أَخْلَاقًا وَمَا أقبل على نَفسه من كَانَ كَذَلِك بل أدبر عَنْهَا وَلَا سلم من الكلفة لَهَا بل وَقع فِيهَا إِذْ رَضِي لنَفسِهِ من الْحَال غير مَا أمره الله أَن يكون عَلَيْهِ من الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَقد ذلت أَلْسِنَة كثير من النَّاس بِآيَة وضعوها غير موضعهَا وتأولوا فِيهَا قَول الله عزوجل {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ} وَصدق الله تبَارك وَتَعَالَى وَلَا يضرنا ضَلَالَة من ضل إِذا اهتدينا وَلَا ينفعنا هدى من اهْتَدَى إِذا ضللنا {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} وَإِن مِمَّا على أَنْفُسنَا وأنفس أُولَئِكَ مِمَّا أَمر الله بِهِ من الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر فَلَا يظهروا محرما إِلَّا انتقموا مِمَّن فعله مِنْهُم من كُنْتُم وَمن كَانُوا وَقَول من قَالَ إِن لنا فِي أَنْفُسنَا شغلا ولسنا من النَّاس فِي شَيْء وَلَو أَن أهل طَاعَة الله رَجَعَ رَأْيهمْ إِلَى ذَلِك مَا عمل لله بِطَاعَة وَلَا تناهوا لَهُ عَن مَعْصِيّة ولقهر المبطلون المحقين فَصَارَ النَّاس كالأنعام أَو أضلّ سَبِيلا فتسلطوا على الْفُسَّاق من كُنْتُم وَمن كَانُوا فادفعوا بحقكم باطلهم وببصركم عماهم فَإِن الله جعل للأبرار على الْفجار سُلْطَانا مُبينًا وَإِن لم يَكُونُوا وَلَا أَئِمَّة من ضعف عَن ذَلِك بِالْيَدِ أَو اللِّسَان فليرفعه إِلَى أَمَامه فَإِن ذَلِك من التعاون على الْبر وَالتَّقوى قَالَ الله لأهل الْمعاصِي {أفأمن الَّذين مكروا السَّيِّئَات أَن يخسف الله بهم الأَرْض أَو يَأْتِيهم الْعَذَاب من حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ أَو يَأْخُذهُمْ فِي تقلبهم فَمَا هم بمعجزين} ولينتهين الْفجار أَو ليهيننهم الله بِمَا قَالَ {لنغرينك بهم ثمَّ لَا يجاورونك فِيهَا إِلَّا قَلِيلا}


كتاب عمر إِلَى أُسَارَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة

وَقَالَ بكر بن خُنَيْس كتب عمر إِلَى الْأُسَارَى بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ أما بعد فَإِنَّكُم تَعدونَ أَنفسكُم أُسَارَى معَاذ الله بل أَنْتُم الحبساء فِي سَبِيل الله وَاعْلَمُوا أَنِّي لست أقسم شَيْئا بَين رعيتي إِلَّا خصصت أهليكم بأوفر نصيب وأطيبه وَإِنِّي قد بعثت إِلَيْكُم بِخَمْسَة دَنَانِير خَمْسَة دَنَانِير وَلَوْلَا أَنِّي خشيت إِن زدتكم أَن يحْبسهُ طاغية الرّوم عَنْكُم لزدتكم وَقد بعثت إِلَيْكُم فلَان بن فلَان يفادي صغيركم وكبيركم وذكركم وأنثاكم وحركم ومملوككم بِمَا سُئِلَ بِهِ فأبشروا ثمَّ أَبْشِرُوا وَالسَّلَام عَلَيْكُم

كِتَابه فِي قَضَاء الدّين عَن الغارمين

وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى عماله أَن اقضوا عَن الغارمين فَكتب إِلَيْهِ إِنَّا نجد الرجل لَهُ الْمسكن وَالْخَادِم وَله الْفرس وَله الأثاث فِي بَيته فَكتب عمر لَا بُد للرجل من الْمُسلمين من مسكن يأوي إِلَيْهِ رَأسه وخادم يَكْفِيهِ مهنته وَفرس يُجَاهد عَلَيْهِ عدوه وأثاث فِي بَيته وَمَعَ ذَلِك فَهُوَ غَارِم فاقضوا عَنهُ مَا عَلَيْهِ من الدّين


سخط بني أُميَّة على عَمْرو سفارة عَنْبَسَة بن سعيد بَينه وَبَين ولي عَهده

وَخرج عَنْبَسَة بن سعيد من عِنْد عمر وَبَنُو امية جُلُوس بِالْبَابِ وَفِيهِمْ يزِيد بن عبد الْملك ولي الْعَهْد من بعد عمر بن عبد الْعَزِيز فَقَامُوا إِلَى عَنْبَسَة فشكوا إِلَيْهِ عمر فَقَالُوا بعث إِلَيْنَا بِعشْرَة دنانيرعشرة دَنَانِير وَلم يمنعنا من ردهَا إِلَيْهِ إِلَّا خوف من غَضَبه قَالَ يزِيد أعلمهُ أَنِّي قد سخطتها وَكَأَنَّهُ يظنّ أَنِّي لَا أكون من بعده فَأعلمهُ ذَلِك فَدخل عَنْبَسَة على عمر فَكَلمهُ فَقَالَ إِن بني أَبِيك بِالْبَابِ يعتبون عَلَيْك فِي عشرَة دَنَانِير الَّتِي بعثتها إِلَى كل وَاحِد مِنْهُم وكلموني فِي كلامك أَن أخْبرك أَنهم سخطوها وَقَالَ يزِيد كَأَنَّهُ يظنّ أَنِّي لَا أكون من بعده فَقَالَ عمر فأقرئهم مني السَّلَام وَقل لَهُم إِن عمر يقْرَأ عَلَيْكُم السَّلَام وَيَقُول لكم أقسم بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَا زلت هَذِه اللَّيْلَة الْمَاضِيَة ساهرا أُنَاجِي الله وأستغفره مِنْهَا حيق أعطيتكموها دون الْمُسلمين فَلَا وَالله الْعَظِيم لَا أُعْطِيكُم درهما إِلَّا أَن يَأْخُذ جَمِيع الْمُسلمين وَأما أَنْت يَا يزِيد فأناشدك الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَو خلعت نَفسِي وخلعني الْمُسلمُونَ وَوليت هَل كنت فَاعِلا بِي إِلَّا دون مَا فعلت بنفسي إِذا وليت الْأُمُور فشأنك بهَا فَخرج عَنْبَسَة فَقَالَ أَنْتُم فَعلْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ تزوجتم إِلَى عمر بن الْخطاب بنت عَاصِم فجئتم بِمثل عمر فَأخْبرهُم الْخَبَر وَقَالَ من كَانَ لَهُ مِنْكُم يَا بني عمي ضَيْعَة فَليقمْ فِيهَا يصلحها

موعظة رجل لعمر بن عبد الْعَزِيز

وأتى عمر رجل فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أذكر بمقامي هَذَا مقامك يَوْم لَا يشغلك عَن الله كَثْرَة من يتخاصم من الْخَلَائق يَوْم تَلقاهُ بِلَا ثِقَة من الْعَمَل وَلَا نجاة من الذَّنب فَقَالَ عمر وَيحك ارْدُدْ عَليّ كلامك فَرد عَلَيْهِ فَجعل عمر يبكي وَيَقُول وَيحك رد عَليّ كلامك


قَول عمر فِي الْعمَّال قبله

وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز الْوَلِيد بِالشَّام وَالْحجاج بالعراق وَمُحَمّد بن يُوسُف بِالْيمن وَعُثْمَان بن حَيَّان بالحجاز وقرة بن شريك بِمصْر وَيزِيد بن أبي مُسلم بالمغرب امْتَلَأت الأَرْض وَالله جورا


كِتَابه إِلَى عدي بن أَرْطَأَة

وَقَالَ حجاج كتب عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى عدي بن أَرْطَأَة ليكن أمناؤك اوساط النَّاس فهم خِيَار النَّاس لَا يدعونَ حَقًا وَلَا يكتسبون بَاطِلا لَا أَنْت قَارِئ مُسَدّد وَلَا فَاسق مبرز


حِكْمَة فِي عُقُوبَة من شَتمه

وَحكم رجل فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر بن مُحَمَّد فِي صلَاته فَقطع عَلَيْهِم الصَّلَاة وَشهر السَّيْف فَكتب أَبُو بكر إِلَى عمر فَأتي بِكِتَاب عمر فقرئ عَلَيْهِ فشتم عمر وَالْكتاب وَمن جَاءَ بِهِ فهم أَبُو بكر بِضَرْب عُنُقه ثمَّ رَاجع عمر وَأخْبرهُ أَنه شَتمه وَأَنه هم بقتْله فَكتب إِلَيْهِ عمر لَو قتلته لقتلتك بِهِ فَإِنَّهُ لَا يقتل أحد إِلَّا أَن يشْتم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا أَتَاك كتابي هَذَا فاحبس عَن الْمُسلمين شَره وادعه إِلَى التَّوْبَة فِي كل هِلَال فَإِذا تَابَ فَخَل سَبيله فَلم يزل فِي الْحَبْس حَتَّى هلك عمر فَضرب يزِيد بن عبد الْملك عُنُقه


محاورة عمر رجلَيْنِ من الْخَوَارِج

وَدخل رجلَانِ من الْخَوَارِج على عمر بن عبد الْعَزِيز فَقَالَا السَّلَام عَلَيْك يَا إِنْسَان فَقَالَ وعليكما السَّلَام يَا إنسانان قَالَا طَاعَة الله أَحَق مَا اتبعت قَالَ من جهل ذَلِك ضل قَالَا الْأَمْوَال لَا تكون دولة بَين الْأَغْنِيَاء قَالَ قد حرموها قَالَا مَال الله يقسم على أَهله قَالَ الله بَين فِي كِتَابه تَفْصِيل ذَلِك قَالَا تُقَام الصَّلَاة لوَقْتهَا قَالَ هُوَ من حَقّهَا قَالَا إِقَامَة الصُّفُوف فِي الصَّلَوَات قَالَ هُوَ من تَمام السّنة قَالَا إِنَّا بعثنَا إِلَيْك قَالَ بلغا وَلَا تهابا قَالَا ضع الْحق بَين النَّاس قَالَ الله أَمر بِهِ قبلكما قَالَا لَا حكم إِلَّا لله قَالَ كلمة حق إِن لم تَبْتَغُوا بهَا بَاطِلا قَالَا ائْتمن الْأُمَنَاء قَالَ هم أعواني قَالَا احذر الْخِيَانَة قَالَ السَّارِق مَحْذُور قَالَا فالخمر وَلحم الْخِنْزِير قَالَ أهل الشّرك أَحَق بِهِ قَالَا فَمن دخل فِي الْإِسْلَام فقد أَمن قَالَ لَوْلَا الْإِسْلَام مَا أمنا قَالَا أهل عهود رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُم عهودهم قَالَا لَا تكلفهم فَوق طاقتهم قَالَ {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا} قَالَا خرب الْكَنَائِس قَالَ هِيَ من صَلَاح رعيتي قَالَا ذكرنَا بِالْقُرْآنِ قَالَ {وَاتَّقوا يَوْمًا ترجعون فِيهِ إِلَى الله} قَالَا تردنَا إِلَى من أرسلنَا قَالَ مَا أحبسكما قَالَا فَمَا نقُول لإِخْوَانِنَا قَالَ مَا رَأَيْتُمَا وسمعتما قَالَا تردنَا على دَوَاب الْبَرِيد قَالَ لَا هُوَ من مَال الله لَا نطيبه لَكمَا قَالَا فَلَيْسَ مَعنا نَفَقَة قَالَ أَنْتُمَا إِذن ابْنا سَبِيل عَليّ نفقتكما


موعظة عمر لأبي خَالِد

قَالَ وَكَانَ رجل من قُرَيْش وَكَانَت الْخُلَفَاء لَا ترده عَن حَاجَة فَأتي إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز فَسَأَلَهُ حَاجته فَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز لَا يجوز هَذَا ورده عَنْهَا فَخرج مغضبا فناداه عمر فَظن أَنه قد بدا لَهُ فِي قَضَاء حَاجته فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا خَالِد فَرجع إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ إِذا رَأَيْت شَيْئا من الدُّنْيَا فأعجبك فاذكر الْمَوْت فَإِنَّهُ يقلله فِي نَفسك وَإِذا كنت فِي شَيْء من أَمر الدُّنْيَا قد غمك وَنزل بك فاذكر الْمَوْت فَإِنَّهُ يسهله عَلَيْك وَهَذَا أفضل من الَّذِي طلبت


إنذار عمر ملك الرّوم ليرسل إِلَيْهِ رجلا من الْمُسلمين وَمَا فعله ملك الرّوم حِين بلغه نعي عمر

قَالَ وَأرْسل عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى صَاحب الرّوم رَسُولا فَأَتَاهُ وَخرج من عِنْده يَدُور فَمر بِموضع فَسمع فِيهِ رجلا يقْرَأ الْقُرْآن ويطحن فَأَتَاهُ فَسلم عَلَيْهِ فَلم يرد عَلَيْهِ السَّلَام مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا ثمَّ سلم عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ وأنى بِالسَّلَامِ فِي هَذَا الْبَلَد فَأعلمهُ أَنه رَسُول عمر إِلَى صَاحب الرّوم فَقَالَ لَهُ مَا شَأْنك فَقَالَ إِنِّي أسرت من مَوضِع كذاوكذا فَأتي بِي إِلَى صَاحب الرّوم فَعرض عَليّ النَّصْرَانِيَّة فأبيت فَقَالَ لي إِن لم تفعل سملت عَيْنَيْك فاخترت ديني على بَصرِي فسمل عَيْني وصيرني إِلَى هَذَا الْموضع يُرْسل إِلَيّ كل يَوْم بحنطة فأطحنها وبخبزه فآكلها فَلَمَّا سَار الرَّسُول إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز فَأخْبرهُ خبر الرجل قَالَ فَمَا فرغت من الْخَبَر حَتَّى رَأَيْت دموع عمر قد بلت مَا بَين يَدَيْهِ ثمَّ أَمر فَكتب إِلَى صَاحب الرّوم أما بعد فقد بَلغنِي خبر فلَان بن فلَان فوصف لَهُ صفته وَأَنا أقسم بِاللَّه لَئِن لم ترسله إِلَيّ لَأَبْعَثَن إِلَيْك من الْجنُود جُنُودا يكون أَولهَا عنْدك وَآخرهمْ عِنْدِي فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْهِ الرَّسُول قَالَ مَا أسْرع مَا رجعت فَدفع إِلَيْهِ كتاب عمر بن عبد الْعَزِيز فَلَمَّا قَرَأَهُ قَالَ مَا كُنَّا لنحمل الرجل الصَّالح على هَذَا بل نبعث إِلَيْهِ بِهِ فأقمت أنْتَظر مَتى يخرج بِهِ فَأَتَيْته ذَات يَوْم فَإِذا هُوَ قَاعد قد نزل عَن سَرِيره أعرف فِيهِ الكآبة فَقَالَ تَدْرِي لما فعلت هَذَا فَقلت لَا وَقد أنْكرت مَا رَأَيْت فَقَالَ إِنَّه قد أَتَانِي من بعض أطرافي أَن الرجل الصَّالح قد مَاتَ فَلذَلِك فعلت مَا رَأَيْت ثمَّ قَالَ إِن الرجل الصَّالح إِذا كَانَ بَين الْقَوْم السوء لم يتْرك بَينهم إِلَّا قَلِيلا حَتَّى يخرج من بَين أظهرهم فَقلت لَهُ أتأذن لي أَن أنصرف وأيست من بَعثه الرجل معي فَقَالَ مَا كُنَّا لنجيته إِلَى مَا أَمر فِي حَيَاته ثمَّ نرْجِع فِيهِ بعد مماته فَأرْسل مَعَه بِالرجلِ


قدوم امْرَأَة من الْعرَاق على عمر وتخيره لَهَا الْعِنَب وفرضه الرزق لبناتها

قَالَ وقدمت امْرَأَة من الْعرَاق على عمر بن عبد الْعَزِيز فَلَمَّا صَارَت إِلَى بَابه قَالَت هَل على أَمِير الْمُؤمنِينَ حَاجِب فَقَالُوا لَا فلجي إِن أَحْبَبْت فَدخلت الْمَرْأَة على فَاطِمَة وَهِي جالسة فِي بَيتهَا وَفِي يَدهَا قطن تعالجه فَسلمت فَردَّتْ عَلَيْهَا السَّلَام وَقَالَت لَهَا ادخلي فَلَمَّا جَلَست الْمَرْأَة رفعت بصرها فَلم تَرَ فِي الْبَيْت شَيْئا لَهُ بَال


خراب بَيت عمر بعمارة بيُوت الْمُسلمين

فَقَالَت إِنَّمَا جِئْت لأعمر بَيْتِي من هَذَا الْبَيْت الخرب فَقَالَت لَهَا فَاطِمَة إِنَّمَا خرب هَذَا الْبَيْت عمَارَة بيُوت أمثالك فَأقبل عمر حَتَّى دخل الدَّار فَمَال إِلَى بِئْر فِي نَاحيَة الدَّار فَانْتزع مِنْهَا دلاء صبها على طين كَانَ بِحَضْرَة الْبَيْت وَهُوَ يكثر النّظر إِلَى فَاطِمَة فَقَالَت لَهَا الْمَرْأَة استتري من هَذَا الطيان فَإِنِّي أرَاهُ يديم النّظر إِلَيْك فَقَالَت لَيْسَ هُوَ بطيان هُوَ أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ ثمَّ أقبل عمر فَسلم وَدخل بَيته فَمَال إِلَى مصلى كَانَ لَهُ فِي الْبَيْت يُصَلِّي فِيهِ فَسَأَلَ فَاطِمَة عَن الْمَرْأَة فَقَالَت هِيَ هَذِه فَأخذ مكتلا لَهُ فِيهِ شَيْء من عِنَب فَجعل يتَخَيَّر لَهَا خَيره يناولها إِيَّاه ثمَّ أقبل عَلَيْهَا فَقَالَ مَا حَاجَتك فَقَالَت امْرَأَة من أهل الْعرَاق لي خمس بَنَات كسل كسد فجئتك أَبْتَغِي حسن نظرك لَهُنَّ فَجعل يَقُول كسل كسد ويبكي فَأخذ الدواة والقرطاس وَكتب إِلَى وَالِي الْعرَاق فَقَالَ سمي كبراهن فسمتها فَفرض لَهَا فَقَالَت الْمَرْأَة الْحَمد لله ثمَّ سَأَلَ عَن الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة وَالرَّابِعَة وَالْمَرْأَة تحمد الله فَفرض لَهَا فَلَمَّا فرض للأربع استفزها الْفَرح فدعَتْ لَهُ فجزته خيرا فَرفع يَده وَقَالَ قد كُنَّا نفرض لَهُنَّ حِين كنت تولين الْحَمد أَهله فمري هَؤُلَاءِ الْأَرْبَع يفضن على هَذِه الْخَامِسَة فَخرجت بِالْكتاب حَتَّى أَتَت بِهِ الْعرَاق فَدَفَعته إِلَى وَالِي الْعرَاق فَلَمَّا ذهبت إِلَيْهِ بِالْكتاب بَكَى وَاشْتَدَّ بكاؤه وَقَالَ رحم الله صَاحب هَذَا الْكتاب فَقَالَت أمات قَالَ نعم فصاحت وولولت فَقَالَ لَا بَأْس عَلَيْك مَا كنت لأرد كِتَابه فِي شَيْء فَقضى حَاجَتهَا وَفرض لبناتها


حَدِيث فَاطِمَة بنت عبد الْملك عَن عمر بعد وَفَاته

وَقَالَ أرسل عَطاء إِلَى فَاطِمَة بنت عبد الْملك أَخْبِرِينِي عَن أَحْوَال عمر قَالَت أفعل إِن عمر رَحْمَة الله عَلَيْهِ كَانَ قد فرغ للْمُسلمين نَفسه ولأمورهم ذهنه فَكَانَ إِذا أَمْسَى مسَاء لم يفرغ فِيهِ من حوائج يَوْمه وصل يَوْمه بليلته إِلَى أَن أَمْسَى مسَاء وَقد فرغ من حوائج يَوْمه فَدَعَا بسراجه الَّذِي كَانَ من مَاله فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ أقعى وَاضِعا رَأسه على يَدَيْهِ تسيل دُمُوعه على خديه يشهق الشهقة يكَاد ينصدع قلبه لَهَا وَتخرج لَهَا نَفسه حَتَّى برق الصُّبْح فَأصْبح صَائِما فدنوت مِنْهُ فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَلَيْسَ كَانَ مِنْك مَا كَانَ قَالَ أجل فَعَلَيْك بشأنك وخليني وشأني قَالَت فَقلت إِنِّي أَرْجُو أَن أتعظ قَالَ إِذن أخْبرك إِنِّي نظرت فوجدتني قد وليت أَمر هَذِه الْأمة أسودها وأحمرها ثمَّ ذكرت الْفَقِير الجائع والغريب الضائع والأسير المقهور وَذَا المَال الْقَلِيل والعيال الْكثير وَأَشْبَاه ذَلِك فِي أقاصي الْبِلَاد وأطراف الأَرْض فَعلمت أَن الله سائلي عَنْهُم وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجيجي فيهم فَخفت أَن لَا يقبل الله مني معذرة فيهم وَلَا تقوم لي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة فرحمت وَالله يَا فَاطِمَة نَفسِي رَحْمَة دَمَعَتْ لَهَا عَيْني ووجع لَهَا قلبِي فَأَنا كلما ازددت لَهَا ذكرا ازددت مِنْهَا خوفًا فاتعظي إِن شِئْت أَو ذري


حث عمر على الْعلم

وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز تعلمُوا الْعلم فَإِنَّهُ زين للغني وَعون للْفَقِير لَا أَقُول إِنَّه يطْلب بِهِ وَلكنه يَدْعُو إِلَى القناعة

تمت سيرة عمر بن عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان بن الحكم بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف على مَا رَوَاهُ مَالك بن أنس وَأَصْحَابه رَحْمَة الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ بعون الله وتأييده فرغ من نسخه فِي صفر سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا


هَذَا مَا جَاءَ فِي آخر نُسْخَة دمشق

وَجَاء فِي آخر نُسْخَة باريس مَا نَصه

تمت أَحَادِيث عمر بن عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان بن الحكم بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف على مَا رَوَاهُ مَالك بن أنس وَأَصْحَابه رَحْمَة الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَصلى الله على مُحَمَّد وَآله كتبه لنَفسِهِ مُسلم بن أَحْمد بن الشَّيْخ أَحْمد الصطيحة بن عَليّ بن أَحْمد أَبُو مُسلم بتاريخ ثامن عشر من رَمَضَان من شهور سنة سبع عشرَة وَألف أحسن الله ختامها آمين

نقل وقوبل على نُسْخَة صَحِيحَة مضبوطة تاريخها الثَّالِث من جُمَادَى الاخر سنة ثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة