شباب المرء ثوب مستعار

شَبابُ المَرءِ ثَوبٌ مُستعارٌ

​شَبابُ المَرءِ ثَوبٌ مُستعارٌ​ المؤلف السري الرفاء


شَبابُ المَرءِ ثَوبٌ مُستعارٌ
و أيامُ الصِّبا أبداً قِصارُ
طوَى الدَّهْرُ الجديدَ من التَّصابي
و ليسَلِمَا طوى الدَّهرُانتشارُ
و لم نُعْطَ المُنى في القُرْبِ منه
فكَيفَ بهاو قد شَطَّ المَزارُ
صدودٌ في التَّقارُبِ واجتنابٌ
و شوقٌ في التَّباعُدِ وادِّكارُ
يَطولُإذا تَقاصَرَتِ اللَّيالي
و يقرُبُإنْ تباعَدَتِ الدِّيارُ
لَحى اللَّهُ العِراقَ وساكِنيهِ
فما للحُرِّ بينَهُمُ قَرارُ
و جادَ المَوصِلَ الغَرَّاءَ غَيْثٌ
يَجودُو للبروقِ به انسفارُ
كما انهلَّتْ مَدامِعُ مُستَهامٍ
تلهَّبُ منه في الأحشاءِ نارُ
ففي أيامِها حَسُنَ التَّصابي؛
و في أفيائِها خُلِعَ العِذارُ
لياليَ كان لي في كلِّ يومٍ
إلى الحاناتِ حَجٌّ واعتمارُ
فعَنْ ذِكرِ القيامَةِ بي صُدودٌ؛
و عن ساحِ المساجدِ بي نِفارُ
و لي خِدْنانِ همُّهما المعالي
و شأنُهما السَّكينةُ والوَقارُ
و ساقٍ تَضحَكُ الدُّنيا إليه
إذا ضَحِكَتْ بِكَفَّيْهِ العُقارُ
يَطوفُ بهاو قد حَمَلَتْ حَباباً
كما حملَ السَّقيطَ الجُلَّنارُ
كأنَّ الشَّرْبَ ينتهبونَ ناراً
لها لَهَبٌو ليس لها شَرارُ
رأى الدهرُ اجتماعَ الشَّمْلِ مِنّا
فشتَّتَهو للدَّهرِ الخِيارُ
و بَدَّلَني بأخدانِ المعالي
أُناساً فِعلُهُم شَيْنٌ وعَارُ
مَسَاجِبُ لستُ أغشاهُمو لا لي
من الأيامِ بينَهُمُ انتصارُ
هم شجرٌ من التمويهِ أكدَى
فلا ظِلٌّ لدَيْهِو لا ثِمارُ
فمغبوطٌو ليسَ له عَشاءٌ؛
و مَحسودٌو ليس له دِثارُ
و مقصورُ النَّدى قَصُرَتْ يَداه
فلا نَفعٌ لَدَيْهِو لا ضِرارُ
و معتصِبٌ بتاجِ المُلكِ فيهِ
إلى مَنْ رامَ نائلَهُ افتقارُ
أسيرٌ في يدِ الأيامِ راضٍ
بما يجري به الفلَكُ المُدارُ
إذا حكَمَ العبيدُ عليه فاضَتْ
لفَرْطِ الذُّلِّأدمُعُه الغِزارُ
فما يَخْشى سَطاهالدهرَ جانٍ؛
و لا يَرجو نَداهالدهرَجارُ
أَأَقعُدُ بالعراقِ أسيرَ دَهْرٍ
غريباً لا أزورُ ولا أُزارُ
و في غَربيِّ دِجلةَ لي محلٌّ
جِوارُ المَكرُماتِ له جِوارُ
و سيِّدُ مَعشَرٍ كَرُموا وسادوا
يُجيرُ على الخُطوبِ ويُستَجارُ
يَهُزُّ على النوائبِ منه عَضباً
حُساماًلا يُفَلُّ له غِرارُ
له من جَوهَرِ الآدابِ حَلْيٌ
و للأسيافِ حَلْيٌ مُستَعارُ
تَشبَّهَ في الفِعالِ به أُناسٌ
و أنَّى يُشبِهُ الشَّبهَ النُّضَارُ
جلَتْ عَزَماتُه نُوَبَ اللَّيالي
كما يجلو دُجى اللَّيلِ النَّهارُ
و شادَ المجدَ بالأفضالِ حتَّى
تناهَى في العُلوِّ به الفَخارُ
فما فيه عن المعروفِ مَنعٌ؛
و لا فيه عن الحَمْدِ ازوِرارُ