شرح تشريح القانون لابن سينا/القسم الأول/الجملة الثانية/الفصل السادس والعشرون

​شرح تشريح القانون لابن سينا​ المؤلف ابن النفيس
القسم الأول
الجملة الثانية - الفصل السادس والعشرون



الفصل السادس والعشرون

تشريح عضل حركة الفخذ


والكلام في هذا الفصل يشتمل على مباحث: البحث الأول كلام كلي في عضل حركة الفخذ قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه أعظم عضل الفخذ... إلى قوله: والعضل الباسطة لمفصل الفخذ منها عضلة.

الشرح لما كانت العضلات الباسطة للفخذ إنما يتم فعلها عند القيام بإشالة جميع الأعضاء إلى فوق الفخذ، وذلك هو حمل البدن ، والقابضة له إنما يتم فعلها بحمل الساق والقدم وجب أن تكون هاتان الحركتان بقوة أقوى من الحركات التي لا يلزمها ذلك كالمبعدة للفخذ والمقربة له.

ولما كان جوهر هذه العضلات متساوياً في اللحمية، فإنما يزيد قوة بعضها على بعض إذا كانت مختلفة المقادير فتكون الكبرى أقوى من الصغرى فلذلك كان عضل الفخذ المحرك له هاتين الحركتين أعظم من العضلات المحركة له باقي الحركات ووجب أن تكون الباسطة أعظم من القابضة لأن تحريك الأعضاء العالية كلها أعسر من تحريك الساق والقدم. ونحن نتكلم في كل واحد من أنواع هذه العضلات في بحث يخصه أن شاء الله عز وجل. والله ولي التوفيق.

البحث الثاني العضلات الباسطة للفخذ قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه والعضل الباسطة لمفصل الفخذ منها عضلة... إلى قوله: وأما العضل القابضة لمفصل الفخذ فمنها عضلة تقبض.

الشرح قوله منها عضلة هي أعظم جميع عضل البدن سبب زيادة عظم هذه أن المتحرك بها أعظم من المتحرك بكل واحدة من عضلات البدن، لأن هذه يلزم تحريكها لعظم الفخذ تحريك جميع الأعضاء التي فوقه وليس كذلك عضلات باقي الأعضاء.

قوله: وتجلل عظم العانة والورك، وتلتف على الفخذ كله من داخل ومن خلف سبب ذلك أمران: أحدها: أنها لقوة فعلها تحتاج أن تكون تشبثها بأجزاء كبيرة جداً.

وثانيهما: أن فعلها متفنن ، فتحتاج إلى تفنن وضع ليفها وجهات مبدئه ومنتهاه، وهذه تجلل جميع عظم العانة، وأما عظم الورك فإنها تحتوي على أسفله وجنبيه على أن يبلغ الموضع المعرى من اللحم.

قوله: فلأن بعض ليفها منشؤه من أسفل عظم العانة فينبسط مائلاً إلى الأنسي.

سبب ذلك أن هذا الليف يمتد في أنسي عظم الفخذ في خلقه فبانجذاب الأجزاء الخلفية ينجذب هذا العظم إلى خلف، ويلزم ذلك أن ينبسط لأن انقباضه يكون بتحركة إلى قدام، وانجذابه، وبانجذاب الأجزاء الأنسية يميل هذا العظم إلى الجانب الأنسي. وأما الليف الذي منشؤه من عظم الورك، فإنه يذهب في خلف هذا العظم فلذلك إذا تشنج جذبه إلى خلف جذباً مستوياً، فيبسطه بسطاً مستوياً.

وأما ما منشؤه المواضع التي هي من هذين الموضعين فما كان منها من المواضع العالية جداً، فإنه إذا تشنج جذب هذا العظم إلى خلف جذباً قوياً رافعاً إياه إلى فوق لأن كثرة ارتفاع مبدئه ويلزم ذلك أيضاً أن تجذبه إلى الجهة الأنسية فيقربه من الفخذ الأخرى، وذلك بسبب ما يتشنج حينئذ من الأجزاء الأنسية من الليف.

وأما ما كان من المواضع العالية علواً يسيراً فالذي نعرفه من كلام فضلاء المشرحين أنه إذا تشنج جذب هذا العظم إلى الجانب الأنسي فقط.

والذي قاله الشيخ أنه حينئذ يشيل الفخذ إلى فوق فقط أي أنه لا يميله مع ذلك إلى الجانب الأنسي وبين الكلامين تناقض. وما قاله الشيخ موافق لكتاب الجوامع.

وطريقة تعرف الحق في هذا أن يوقف على موضع توزع هذا الليف. فإن كان يتوزع في المواضع الأنسية من هذا العظم فلا شك أن تشنجه إنما يحرك الفخذ إلى الجهة الأنسية فقط، فإن كان يتوزع في المواضع التي خلف هذا العظم، فلا شك أن تشنجه يحرك الفخذ إلى فوق، ولا يقتصر على بسطه لأنه يجذبه إلى ما هو أعلى موضعاً من الباسط.

قوله: ومنها عضلة تجلل مفصل الورك كله من خلف هذه العضلة يمكن أن تعد واحدة. ويمكن أن تعد اثنتين: إحداهما: لحمية ذات رأسين.

والأخرى: غشائية الرأس، ويمكن أيضاً أن تعد اثنتين بوجه آخر، وهو بسبب أن لها طرفين فيجعل كل طرف كعضلة. والأول عندي أولى، لأن التكثير بسبب اختلاف الجوهر أولى من التكثير بسبب تكثير الأطراف.

ويمكن أن تعد ثلاث عضلات بعدد الرؤوس إذ لها ثلاثة رؤوس، وهذه العضلة منبسطة مستبطنة للجلد تشاكل العضلة التي تحتوي على معظم لحم الكتف مع أنها تجلل هذا المفصل من خلف فتملأ ما يكون هناك من الحفر لحماً. ويحتبس ويجود سطحه الظاهر وأكبر رأسيها اللحمين ينشأ من ظهر عظم الخاصرة الشاخص. وأصغرهما ينشأ من عظم الورك، وعظم العصعص والرأس العالي ينشأ مما بين هذين الموضعين وأعلى منهما.

وأما ذهاب ليف هذه العضلة فإنه: أو لاً يستدير على رأس الفخذ من خلف فإذا جاوز ذلك قليلاً امتد وانتهى إلى وتر عريض ينزل على الاستقامة وتلتحم بها العضلة التي وترها لحمي، وهي الملتحمة بالأجزاء الوحشية من الساق وسنذكرها في موضعها.

قوله: وأما الطرفان فيتصلان بالجزء المؤخر من رأس الفخذ، فإن جذبت بطرف واحد بسطت مع ميل إليه، وإن جذبت بالطرفين بسطت على الاستقامة.

هكذا قيل في الجوامع، وسبب ذلك أن كل واحد من الطرفين مائل إلى أحد الجانبين، فإذا كان الجذب به وحده، مال المجذوب إلى جهته لا محالة، وإن كان بهما معاً كان كل واحد منهما مبطلاً لميل الآخر، فيكون بسط الفخذ مستوياً.

قوله: ومنها عضلة منشؤها من جميع ظاهر عظم الخاصرة هذه العضلة موضوعة تحت العضلة التي تقدم ذكرها ومنشؤها من أكبر الأجزاء الوحشية من عظم الخاصرة ومن الأجزاء المنخفضة من عظم العجز إلى أن يبلغ العصعص، وتمتد صاعدة ناحية القطن، وتلتحم هناك بالجلد حيث الرأس العالي الذي ذكرناه للعضلة التي فوقها، وتنتهي إلى وتر عريض قوي يلتحم بجميع رأس الزائدة الوحشية من الزائدتين اللتين ذكرناهما في تشريح عظم الفخذ وهما من عند العنق الذي يتصل به الرأس الداخل في حق الورك وفعلها أنها تبسط الفخذ مميلة لرأسه إلى الجانب الوحشي وذلك لأن اتصالها بعظم الفخذ ما بين خلفيه ووحشيه، فإذا تشنجت جذبت ما يتصل به من وراء هذا العظم إلى جهة مبدئها.

وأما قول الشيخ إنها تبسط مع ميل إلى الأنسي فمما لست أفهمه.

قوله: وأخرى مثلها وتتصل أو لاً بأسفل الزائدة الصغرى الذي نعرفه من هذه العضلة أنها تنشأ من الأجزاء الوحشية السفلية من عظم الخاصرة، وأنها تتصل بالجزء الأسفل من الزائدة الوحشية، وهي الزائدة العظمى فإن فعلها بسط الفخذ يسيراً وتمييله إلى الوحشي كثيراً.

قوله: ومنها عضلة تنبت من أسفل عظم الورك. هذه العضلة لها فعلان أحدهما بالذات وهو الفعل الذي ذكره، وهو أنها تبسط وتزيد في بسطه، إلى أن تميله إلى خلف يسيراً، وتميله إلى الأنسي إمالة صالحة، وإنما تفعل ذلك لأن ليفها يذهب إلى خلف الفخذ إلى أنسيه فإذا تشنجت جذبت هذين الجزأين ويلزم ذلك الحركة المذكورة.

وثانيهما: بالعرض، وهو أنها تميل الساق إلى الأنسي، وذلك لأنها تتصل بالعضلة التي تأتي بطن الساق، ولهذا السبب إذا تشنجت انجذبت تلك العضلة بفعل ما يفعله لو تشنجت هي، وقد بقي من العضلة الباسطة للفخذ عضلة أخرى، وهي عضلة تنشأ من عظم العجز، وتتصل بالزائدة الوحشية التي عند عنق عظم الفخذ واتصالها بها من جميع أجزائها التي من خلف، وفعلها بسط الفخذ بسطاً يسيراً وتميله إلى الأنسي ميلاً كثيراً. والله ولي التوفيق.

البحث الثالث العضلات القابضة للفخذ قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما العضل القابضة لمفصل الفخذ... إلى قوله: وأما العضل المميلة إلى داخل فقد ذكر.

الشرح العضل الظاهر القابض للفخذ هو العضلتان الأوليان من هذه الأربع. وأما الأخريان فهما خفيتان ليس توجدان تجدان دائماً، بل قد توجد واحدة منهما متصلة بالعضلة الثانية من الظاهرتين، وقد توجدان معاً، وهما متصلتان بهما؛ وقد تتصل بها ثلاث عضلات فلذلك يختلف عدد العضلات القابضة للفخذ، وكيف كانت فهي أقل من الباسطة وسبب ذلك ما بيناه أو لاً. وهو أن الباسطة تحتاج في فعلها إلى تحريك جملة الأعضاء التي فوق الفخذ فلذلك خلقت عظيمة كبيرة العدد، ولا كذلك القابضة والعضلة الثانية من هاتين الظاهرتين لو نها إلى الخضرة. وأنت قد عرفت من هيئة هذه العضلات فائدة الزوائد التي على عظم الفخذ وهي تعلق هذه العضلات بها. والله ولي التوفيق.

البحث الرابع باقي عضلات الفخذ قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما العضل المميلة إلى داخل فقد ذكر... إلى آخر الفصل.

الشرح العضلات المميلة للفخذ إلى أحد الجانبين أعني الوحشي والأنسي أكثر من المديرة له، وسبب ذلك كثرة حاجة الإنسان إلى تمييل فخذه، وقلة حاجته إلى إدارته، والناشئة من المديرتين من الجانب الوحشي تديره إلى خلف، وإلى الأنسي والناشئة من الجانب الأنسي تديره إلى قدام، وإلى الجانب الوحشي. والله ولي التوفيق.