شرح تشريح القانون لابن سينا/القسم الثاني/الفصل الثاني/البحث الثالث

​شرح تشريح القانون لابن سينا​ المؤلف ابن النفيس
القسم الثاني
تشريح العين - البحث الثالث



البحث الثالث

تشريح طبقات العين


قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه

من قوله: ثم إن طرف العصبة يحتوي على الزجاجية... إلى قوله: وأما الهدب فقد خلقت لدفع ما يطير إلى العين.

الشرح قد بينا أن العصب النوري يحيط به غشاءان أصلهما من الغشاءين المحيطين بالدماغ فلذلك الخارج منهما صلب غليظ قليل العروق والداخل رقيق لين كثير العروق كما هما الغشاءان المحيطان بالدماغ. وهذه الأجسام الثلاثة إذا انبسطت في عظم النقرة وملأت تلك النقرة ثم اجتمعت إلى قدام الرطوبات كان منها ثلاث طبقات، وهذه هي طبقات العين مع الطبقة الملتحمة التي نذكرها بعد والمشهور أن يعد ما هو ملتصق بعظم النقرة على حدة وبعد ما هو متصل بذلك من قدام الرطوبات على حدة. فلذلك تجعل تلك الطبقات الثلاث ستاً، ولذلك تكون طبقات العين إذا عدت مع الطبقة الملتحمة سبعاً.

فالطبقة الأولى: هي الحادثة وراء الرطوبات من العصب النوري، وتسمى الطبقة الشبكية، وقد أشار الشيخ إلى علة هذه التسمية وهي أنها تحتوي على الرطوبة الجليدية. أي على منتصف الرطوبة الجليدية، احتواء الشبكة على الصيد وبعضهم علل ذلك بأن هذه الطبقة تنفذ إليها من الغشاء الرقيق عروق كثيرة متنسج فيها انتساج الشبكة وسبب ذلك أن هذه الطبقة أقرب لا محالة إلى الرطوبة الزجاجية يأخذ إليها من هذه الطبقة، وإنما يمكن ذلك إذا كانت مشتملة على عروق كثيرة ليكون فيها دم كثير يكفي لغذائها ولغذاء الرطوبة الجليدية يتوسط إحالة الزجاجية إلى قرب مشابهة الجليدية وجوهر العصب يخلو عن العروق البتة فلا بد من أن تكون العروق التي في هذه الطبقة آتية إليها من غيرها والغشاء الرقيق مع كثرة عروقه وهو شديد القرب من هذه الطبقة، فلذلك وجب أن تكون العروق الآتية إلى هذه الطبقة آتية إليها من الغشاء المشيمي. وهذه العروق لا بد من أن تكون في هذه الطبقة منبثة معوجة ليكون كما في الشبكة من الخيوط، وذلك ليطول تردد الدم في هذه الطبقة فتحيله إلى طبيعتها فتقرب بذلك من البياض ليصير مشابهاً بوجه ما للرطوبة الزجاجية.

والطبقة الثانية تبتدئ من طرف هذه الطبقة وتغشي ظاهر الجليدية وذلك لأن الرطوبة البيضية قد بينا أنها فضلة غذاء الجليدية وملاقاة الفضول دائماً. ولا شك أنه مضر وذلك احتيج أن يكون بين الرطوبة الجليدية والرطوبة البيضية حاجز وذلك هو هذه الطبقة ولذلك جعلت هذه الطبقة مفرطة في الرقة عنكبوتية أي شبيهة بنسيج العنكبوت. ولذلك تسمى طبقة عنكبوتية وإنما احتيج أن تكون كذلك مع أنها لو كانت غليظة لكانت أكثر حجباً للرطوبة الجليدية عن ملاقاة البيضية، والسبب في ذلك أما عندهم فلتكون هذه الطبقة كثيرة التخلخل فلا يمنع نفوذ الضوء الحامل للشبح إلى الرطوبة الجليدية وأما عندنا فلتكون عندنا غير مانعة من نفوذ نور الرطوبة الجليدية إلى ما أمامها فتبطل فائدة الجليدية ولو كانت هذه الطبقة غليظة كثيفة الجرم ولهذه الطبقة فائدة أخرى، وهي أنها لا تخلو من عروق دقاق، وتلك العروق يكون ما فيها من الدم قد استحال إلى مشابهة الجليدية في الطبقة الشبكية وفي هذه الطبقة أيضاً، فلذلك يكون ذلك الدم غير بعيد جداً عن جوهر الجليدية فلذلك ما يرشح من العروق التي في هذه الطبقة من الدم يصلح لغذاء الجليدية من قدامها فإن الرطوبة الزجاجية إنما تلاقيها من ورائها فيقل أيضاً ما يصل إليها من الغذاء إلى مقدم الجليدية فلذلك احتاج مقدم الجليدية إلى أن يأتيه الغذاء من هذه الطبقة العنكبوتية، وإنما جعل بين الرطوبة الجليدية والبيضية هذه الطبقة ولم يحتج إلى طبقة أخرى بين الجليدية والزجاجية وذلك لأن الزجاجية لأجل غذاء الجليدية والأجاود أن يكون الغذاء ملاقياً للمغتذي ليسهل انفعاله منه فتستحيل إلى مشابهته بسهولة ولا كذلك البيضة فإنها فضل تتضرر بدوام ملاقاتها للجليدية.

والطبقة الثالثة: هي الطبقة المشيمية ويحدث من الغذاء المشيمي وهو الغشاء الرقيق الكثير العروق وذلك من وراء الرطوبات وهذه الطبقة هي بالحقيقة الممددة للعين ولجميع أجزائها بالغذاء من قدام هذه الطبقة.

الطبقة العنبية: وهي الطبقة الرابعة وهذه الطبقة ثخينة الجرم ظاهرها صلب لأنها تلاقي الطبقة القرنية وباطنها ألين وكأنه لحم إسفنجي لأنه ذو خمل وخشونة والمشهور أن فائدة ذلك أن يجد الماء المقدوح خشونة يتعلق بها ولا يعود إلى الحدقة.

وأما الحق: فإن فائدة هذا الخمل أن يكون ما ينفذ إلى العين من الفضول يمنعه ذلك الخمل من الوصول إلى الحدقة وهذه الطبقة ذات لو ن إلى السواد ليكون بذلك جمع البصر وقوته. فلذلك لا بد من أن تكون مثقوبة في وسطها وذلك هو موضع الحدقة. إذ لو لا هذا الثقب لم ينفذ الشبح إلى موضعه وقد زيد في صلابة ما يحيط بهذا الثقب لئلا ينخرق هذه الطبقة هناك بسبب تمديد الأبخرة ونحوها مما نفذ إلى داخل تجويف العين.

والطبقة الخامسة: تحدث من وراء الرطوبات من الغشاء الصلب، فلذلك هذه الطبقة أصلب الطبقات الباطنة وفائدة ذلك أن تقوي العين على ملاقاة العظم ولا تضرر بصلابته وتسمى هذه الطبقة: الطبقة الصلبة لأجل صلابتها ومن قدام هذه الطبقة الطبقة القرنية: وهي: الطبقة السادسة: وسميت هذه قرنية لأنها تشبه القرن المرفق بالنحت وهي شديدة الإشفاف فلذلك ينفذ فيها الشعاع، وهي أيضاً صلبة لأنها في ظاهر المقلة، وأصلب أجزائها ما يحاذي منها الحدقة لأن هذا الموضع ليس وراءه ما يعتمد عليه عندما تصيب العين ضربة ونحوها.

وأما الطبقة الملتحمة: فإنها تحدث من أجزاء الغشاء الظاهر وهو المغشي لظاهر الرأس وغيره ويسمى السمحاق فيحدث من تلك الأجزاء ومن لحم أبيض صلب غضروفي جرم هذه الطبقة وسميت ملتحمة لأنها كالملتحمة بالمقلة من خارجها وفائدة هذه الطبقة إفادة المقلة من خارجها رطوبة بما فيها من دسومة.

قوله: وهي بالحقيقة كالمؤلفة من طبقات رقاق أربع أي: الطبقة القرنية ذات طبقات أربع هي لها كالقشور المتراكبة بعضها فوق بعض من غير خلل بينها وفائدة ذلك أن تكون بعض هذه الطبقات قائماً مقام البعض إذا حدثت لذلك البعض آفة من حرق ونحوها.

واحتيج أن تكون أربعاً لأن ظاهر المقلة يحتاج أن يكون شديد الصلابة ليقوى على مقاومة المصادمات ونحوها كما قلنا، وباطن هذه الطبقة يحتاج أن يكون إلى لين ليكون شيهاً لقوام ظاهر العنبية فإن ذلك الظاهر، وإن كان صلباً فهو بالنسبة إلى ظاهر المقلة شديد اللين، وإذا كان كذلك وجب أن يكون بين الطبقة الخارجة من هذه الغريبة، والطبقة الداخلة منها متوسط بينهما في الصلابة واللين لئلا يتضرر الطبقة الداخلة بصلابة الطبقة الخارجة ويجب أن يكون هذا المتوسط طبقتين فإن الذي يجود ملاقاته للطبقة الداخلة لا يجود ملاقاته للطبقة الخارجة لأن التفاوت بينهما في الصلابة واللين كثير جداً. فلذلك وجب أن يكون لهذه الطبقة أربعة قشور. والله ولي التوفيق.