صبابة نفس ليس يشفى غليلها

صَبابَة ُ نَفْسٍ ليسَ يُشْفَى غَليلُها

​صَبابَة ُ نَفْسٍ ليسَ يُشْفَى غَليلُها​ المؤلف الأبيوردي


صَبابَةُ نَفْسٍ ليسَ يُشْفَى غَليلُها
وَلَوْعَةُ أَشْواقٍ كَثيرٍ قَليلُها
وَظَمياءُ لم تَحْفِلُ بِسِرٍّ أَصُونُهُ
وَلا بِدُموعٍ في هَواهَا أُذِيلُها
وَيَنْزِفُهَا رَبْعٌ تُرَوِّي طُلولَهُ
بِوَجْرَةَ عَيْنٌ في الدِّيارِ أُجيلُها
ولولا جَوىً أَطْوي عَلَيْهِ جَوانِحِي
لَما هاجَ عَيني لِلبُكاءِ مُحِيلُها
إذا صافَحَتْها الرِّيحُ طابَتْ لأَنَّها
بِمَنْزِلَةٍ ناجَتْ ثَراها ذُيولُها
مَريضَةُ أَرْجاءِ الجُفونِ، وَإنَّما
أَصَحُّ عُيونِ الغانياتِ عَليلُها
رَمَتْني بِسَهْمٍ راشَهُ الكُحْلُ بِالرَّدى
وَأَقْتَلُ أَلْحاظِ المِلاحِ كَحيلُها
وسَالِفَتي أَدماءَ تحتَ أَراكَةٍ
تَمُدُّ إليها الجيدَ وَهيَ تَطولُها
فَوَلَّتْ وقد أَبْقَتْ بِقَلْبِي عَلاقةً
تَمُرُّ بِها الأيَّامُ وَهْوَ مَقيلُها
وَقُلْتُ لأَدنَى صاحِبَيَّ، وقدْ وَشى
بِسَرِّيَ دَمْعٌ إذا تَراءَتُْحمولُها
ذَرِ اللَّوْمَ إنّي لَسْتُ أُرْعيكَ مَسِمَعي
فَتلكَ هَوى نَفْسي وَأَنْتَ خَليلُها
وَلَيْتَ لِساناً أَرْهَفَ العَذْلُ غَرْبَهُ
على الصَّبِّ مَفْلولُ الشَباةِ كَليلُها
أَرُدُّ عَذولي وَهْوَ يَمْحْضُني الهَوى
بِغَيْظٍ، وَيَحْظَى بِالقُبولِ عَذولُها
وَيَعْتادُني ذِكْرى العَقيقِ وَأَهْلِهِ
بِحيثُ الحَمامُ الوُرْقُ شاجٍ هَديلُها
تَنُوحُ وَتَبْكي فَوقَ أَفْنانِ أَيكَةٍ
فِداهُنَّ مِنْ أَرْضِ العِراقِ نَخيلُها
وَلَولا تَبارِيحُ الصَّبابَةِ لَمْ أُبَلْ
بُكاها وَلا أَذْرَى دُموعي عَويلُها
بِوادٍ حَمَتْهُ عُصْبَةٌ عَبْشَمِيَّةٌ
عِظامُ مَقارِيها، كِرامٌ أُصُولُها
أَزِينُ بِها شِعْري كَما زِنتُها بِهِ
ولله دَريِّ في قَوافٍ أقُولُها
يَنُّمِ بِمَجْدي حينَ أَفْخَرُ مَنْطِقي
وَيُعْرِبُ عنِ عِتْقِ المَذاكِي صَهيلُها
فَلَمْ أَرَ قَوْماً مِثْلَ قَومي لِبائِسٍ
بِبًيْداءَ يَسْتافُ التُّرابَ دَليلُها
يَبُلُّ دَرِيسيهِ النَّدى، وَتَلُفُّهُ
على الكُورِ مِنْ هَوجِ الرِّياحِ بَليلُها
مَطاعِينُ وَالهَيْجاءُ تُغْشى غِمارُها
مَطاعِيمُ وَالغَبْراءُ تُخْشَى مُحولُها
وَكَمْ ماجِدٍ فيهِمْ يَحُلُّ جَبينُهُ
حُبا اللَّيلِ وَالظَّلماءُ مُرْخىً سُدولُها
وَأَخْمصُهُ مِنْ تَحتِهِ هَامَةٌ السُّها
وَهِمَّتُهُ في المَجْدِ عالٍ تَليلُها
فهل تبلغنِّي دارهم أرحبيَّةٌ
على الأينِ يمري بالحداءِ ذميلها
حَباني بِها بَدرٌ فَكَمْ جُبْتُ مَهمهَاً
حَليماً بِهِ سَوطي، سَفيهاً جَديلُها
فَتىً تُورِقُ السُّمْرُ اللدانُ بِكَفِّهِ
وَإنْ دَبَّ في أَطْرافِهِنَّ ذُبولُها
وَتَغْشَى الوغَى بِيضاً حِداداً سُيوفُهُ
فَتَرْجِعَ حُمْراً بادِياتٍ فُلولُها
وَيُوقِظُ وَسْنانَ التُّرابِ بِضُمَّرٍ
تُوارَى بِشُؤْبوبِ النَّجيعِ حُجُولُها
عَلَيها كُماةُ التُّركِ مِنْ فَرْعِ يافِثٍ
كَثَيِرٌ بِمُسْتَنِّ المَنايا نُزولُها
هُمُ الأُسْدُ بأساً في اللِّقاءِ وَأَوْجُهاً
إذا غَضِبُوا، وَالسَّمْهَرِيَّةُ غِيلُها
وَإنْ نَطَقُوا قُلْتَ القَطا مِنْ قَبيلِهِمْ
وَهُمْ غِلْمَةٌ مِنْ وُلْدٍ نُوحٍ قَبيلُها
وقد أَشْبَهوها أَعيُناً إذْ تَلاحَظوا
على شَوَسٍ، وَالْبِيضُ تَدْمَى نُصُولُها
صَفَتْ بِكَ دُنيا كَدَّرَتْها عِصابَةٌ
تَمَرَّدَ غاوِيها وَعَزَّ ذَلِيلُها
وَلَوْلاكَ لَمْ تُقْلَمْ أَظافِيرُ فِتْنَةٍ
تَعاوَرَها شُبّانُهَا وَكُهولُها
فَماتَتْ بِجُمْعٍ إذ أَظَلَّتْ رِقَابِهُمْ
سُيوفٌ يُصِمُّ المارِقينَ صَليلُها
وَلَوْ نُتِجَتْ أَضْحَتْ قَوابِلَها القَنا
وَلَمْ يُغْذَ إلاّ بِالدِّماءِ سَليلُها
ومَنْ يَتَغَبَّرْ مِنْ أَفاويقِ فِتْنِةٍ
يَذُقْ طَعَناتٍ لَيْسَ يُودَى قَتيلُها
فَعِشْ لِيدٍ تُولي، وَمُلكٍ تَحوطُهُ
وَنائِبةٍ تَكفي، وُنُعْمى تُنيلُها
وَدُمْ لِلْمَعالي فَهيَ عِنْدَكَ تُبْتَغى
وَمُشْتَبِهٌ، إلاّ عَلَيكَ سَبيلُها