صبرا على أشياء كلفتها

صبراً على أشياءَ كُلِّفْتُها

​صبراً على أشياءَ كُلِّفْتُها​ المؤلف ابن الرومي


صبراً على أشياءَ كُلِّفْتُها
أُعْقِبْتُها الآنَ وسُلِّفْتُها
ويح القوافي ما لها سَفْسَفتْ
حَظِّي كأَنِّي كنتُ سَفْسَفْتُها
ألمْ تكُن هوجاً فسدَّدْتُها
ألم تكن عوجاً فَثَقَّفْتُهَا
كم كلماتٍ حكْتُ أبْرادَهَا
وَسَّطْتُها الحسْنَ وطَرَّفْتُهَا
ما أحْسَنَتْ إن كنتُ حَسَّنْتُهَا
ما ظَرَّفَتْ إن كنت ظرَّفْتُها
أنْحتْ على حظِّي بمِبْرَاتِهَا
شكراً لأني كنتُ أرهَفْتُهَا
فرقَّقَتْهُ حين رقَّقْتُها
وهفْهَفَتْهُ حين هفهَفْتُهَا
وكثَّفتْ دون الغنى سدَّها
حتّى كأنِّي كنتُ كثَّفْتُها
أحلِفُ باللَّه لقد أصْبَحتْ
في الرزق آفتي وما إفْتُها
لمْ أُشكِهَا قطّ بِتَقْصِيرَةٍ
فيها ولا من حَيْفَةٍ حِفْتُهَا
حُرِمتُ في سنِّي وفي مَيْعَتي
قِرَايَ من دنيا تَضيَّفْتُها
لَهْفي على الدنيا وهل لهفةٌ
تُنْصِفُ منها إن تلهَّفْتُهَا
كم أَهَّةٍ لي قد تأوَّهْتُهَا
فيها ومن أُفٍّ تأففتها
أغدُو ولا حالَ تَسَنَّمْتُها
فيها ولا حال تَرَدَّفْتُهَا
أوسعتُها صبراً على لؤْمِها
إذا تَقَصَّتْهُ تَطرَّفْتُهَا
فَيُعْجِزُ الحيلةَ منْزُورُها
إلا إذا ما أنا لطَّفْتُها
قُبحاً لها قبحاً على أنَّهَا
أقبحُ شيءٍ حين كشَّفْتُها
تَعَسَّفَتْني أنْ رَأتْني امرَأً
لم ترني قَطُّ تَعَسَّفْتُها
تَضَعَّفَتْني ومتَى نالني
عونُ أبي الصَّقْرِ تَضَعَّفْتُهَا
أرجوه عن أشياء جرَّبتُهَا
وليس عن طير تَعَيَّفْتُهَا
مقدارُ ما يُلْبِثُ عنِّي الغِنَى
إشارةُ الإصْبع أوْ لَفتُهَا
سَلَّيْتُ نفسي بأفاعِيله
من بعد ما قد كنت أسَّفْتُهَا
وقد يعزّيني شباباً مضى
ومدَّةً للعيشِ أسلفْتُهَا
فكَّرتُ في خمسين عاماً خَلَتْ
كانتْ أمامي ثم خلَّفْتُهَا
تَبَيَّنَتْ لي إذ تَذَنَّبْتُهَا
ولم تَبيَّنْ إذا تأنَّفْتُهَا
أجهلتها إذ هي موفورةٌ
ثم نَضَتْ عني فعُرِّفْتُها
ففرحَةُ الموهوب أعدِمتُها
وترحةُ المسلوب أردفْتُها
لو أن عمري مائةٌ هَدَّني
تذكُّري أنِّيَ نَصَّفْتُها
فكيف والآثارُ قد أصبحت
تُرجف بالعمر إذا قِفْتُها
كنزُ حياةٍ كانَ أنفقتُهُ
على تصاريفَ تصرَّفْتُها
لا عُذر لي في أسفي بعدها
على العطايا عفتها عفْتُها
إلا بلاغاً إن تأبَّيتَهُ
أشقيت نفسي ثم أتلفْتُها
قوتٌ يُقيم الجسم في عفّةٍ
أشعِرتُها قِدْماً وألحفْتُها
وقد كددتُ النفس من بعدما
رفَّهتها قدماً وعَفَّفْتُها
لا طالباً رزقاً سوى مُسْكةٍ
ولو تعدّت ذاك عنَّفْتُها
طالبتُ ما يمسكها مُجملاً
فطفتُ في الأرض وطوَّفْتُها
وناكدَ الجَدُّ فمنّيتُها
وماطلَ الحظ فسوَّفْتُها
وإن أراد اللَّهُ في ملكهُ
جاوزت خَمْسِيَّ فأضعفْتُها
بقدرة اللَّه ويُمْنِ امرئٍ
نعماه عُمْرٌ إن تَلَحَّفْتُها
فيها مَرادٌ إن تَرعَّيتُها
وأيُّ حِرز إن تكهَّفْتُها
يا واحد الناس الذي لم أجد
شَرواهُ في الأرض التي طُفْتُها
إليك أشكو أنني طالبٌ
خابت رِكابي منذ أَوجفْتُهَا
أصبحتُ أرجوك وأخشى الذي
جَرَّبتُ من حالٍ تسلَّفْتُها
فاطرُدْ ليَ الحرفةَ وادعُ الغِنى
واذكر سُموطاً كنت ألَّفْتُها
مَدائحٌ بالحق نمَّقتُها
وليس بالباطل زخرفْتُها
أعتدُّها شكوى تشكيتها
إليك لا زُلفى تَزلَّفْتُها
وكيف أعتدُّ بها زُلفةً
وإن تعمَّلتُ فأحصفْتُها
ولم أُشرِّفك بها بل أرى
بالحق أني بك شرَّفْتُها
ومن مَساعٍ لك ألَّفتها
لا من مساعي الناس لَفَّفْتُها
تعاوَرَتْها فِكَرٌ جمةٌ
أنضيتُها فيك وأزحفْتُها
وأنت لا تَبْخَسُ ذا كُلفةٍ
لا بَلْ ترى أن الغنى رَفْتُهَا
بحقِّ من أعلاك فوقَ الورى
إحلافةً بالحق أحلفْتُها
لا تُخطئَنّي منك في موقفي
سماءُ معروف توكّفْتُها
أنت المُرجَّى للتي رُمتها
أنت المرجى للتي خِفْتُها
كم بُلغةٍ ما دونها بُلغةٌ
قد نافرَتْني إذ تألَّفْتُها
فرُحتُ لا أرجو ولا أبتغي
وتاقت النفسُ فكَفْكَفْتُها
حُملتُ من أمري على صعبةٍ
خلَّيْتُها إذ عزّني كَفْتُها
بل خِفْتُ من كنتُ له راجياً
ورجَّتِ النفسُ فخوّفْتُها
ولم أخفْ في ذاك أنّي متى
وعدتُها رِفدَك أخلفْتُها
لكنني أفرَقُ من حِرْفةٍ
أنكرتُ نفسي منذ عُرِّفْتُها
أقول إذ عنَّفني ناصحٌ
في رفض أثمادٍ ترشَّفْتُها
إن أبا الصقر على بُعدِه
داني العطايا إن تكفَّفْتُها
ثمارُهُ في شُمِّ أغصانِهِ
لكنني إن شئتُ عَطَّفْتُها
لا كَثمارٍ سُمتُ أغْصانَها
إدْناءها مني فقصَّفْتُها
لِبَابِهِ المعمورِ أُسْكُفَّةٌ
لَتُعْتِبَنِّي إن تسكَّفْتُها
الآنَ أسلمتُ إلى نعمةٍ
غنّاء نفساً كنت أقشَفْتُها
قد وعدتني النفس جدوى له
إن شئت بعد اللَّه وظَّفْتُها
تاللَّه لا يَقْصُرُ دون المنى
قِرَى سجاياه التي ضِفْتُها
نُعمى أبي الصقر التي استبشرتْ
نفسي بريَّاها وقد سُفْتُها
خُذها ولا تَبْرَم بها إنني
قرَّطتُها الحسنَ وشنَّفْتُها
بَيِّنَةً من منطق محكمٍ
فَنَّنْتُهَا فيك وصرَّفْتُها
كم نظرةٍ فيها تَقَصَّيتها
كم وقفةٍ فيها توقَّفْتُها
بمجد آبائك أسَّستُها
ومجدِ آلائك شرَّفْتُها
ضَوَّعتُ فيكم كل مشمولة
لكنني من مسككُمْ دُفْتُها
ولم أدعْ في كلّ ما زانها
فلسفةً إلا تفلسفْتُها
إن كنتُ بالتطويل كمَّيتُها
فليس بالتثبيج كيَّفْتُها
لو أن خدّي كان أهلاً لهُ
واستهدفَتْ لي لتَهدَّفْتُها
يا من إذا صُغتُ أماديحَه
جَوَّدتُها فيه وزيّفْتُها
لو أنها ليلٌ لَنوَّرتُهُ
باسمك أو شمسٌ لأَكْسفْتُهَا